لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

قطر: تمويه "الكفالة" لا يلغيها

في 14 يناير 2016

 

أعلن المسؤولون في قطر قبل فترة قصيرة عن "إنهاء" العمل بنظام الكفالة وفقاً لقانون أصدره الأمير. وقد زعم علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن القانون الجديد "يستبدل الكفالة بعقد عمل". ونسبت جريدة الشرق اليومية إلى محامين لم تسمّهم القول بأن: "استبدال علاقة كفيل/مكفول بعلاقة مستقدِم/وافد يعني إلغاء العمل بنظام الكفالة". وذكرت الجريدة ذاتها أن القانون الجديد سيدخل حيز التنفيذ بعد عام من تاريخ نشره رسمياً.

 

وإذ يحل القانون رقم 21 لسنة 2015 محل القانون رقم 4 لسنة 2009، لكنه يبقى محتفظاً بعنوانه الأساسي "تنظيم دخول وخروج الوافدين"، المعبِّر عن مضمون القانون الجديد أكثر من جميع التصريحات الرسمية التي تدعي أنه ينهي نظام الكفالة. فإذا كانت مفردتا "الكفالة" أو "الكفيل" لا تردان في نص القانون الجديد، فمرد ذلك يعود إلى أن القانون الجديد اكتفى بالاستعاضة عن كلمة "الكفيل" أو رب العمل بـ "المستقدِم"! لكن تغييراً طفيفاً بالمصطلحات لا يمكنه إنهاء نظام شديد الرسوخ.

وبتشويش واضح، يستخدم القانون الجديد مصطلح "المستقدِم" بدلاً من "رب العمل" دون أدنى تمييز بين صاحب العمل الفعلي والوسيط الموكّل باستقدام العمال الذي ينشط بين البلدان المصدرة والبلدان المستوردة للعمالة.

من ناحية أخرى، تشكل الإصلاحات إضافة هامة فيما يتعلق بقابلية الانتقال من العمل وتصاريح الخروج وصيغة عقود العمل. فالمادة 21 تسمح للعامل المهاجر تغيير رب العمل بعد انتهاء عقد عمله أو مضي خمس سنوات من العمل لدى رب عمل واحد. كما يمنح القانون وزير الداخلية صلاحية نقل العامل، بعد موافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إلى عمل آخر لفترة مؤقتة في حال وجود دعاوى قضائية معلّقة وفي حال وجود "تعسف" أو لـ "الصالح العام"، إضافة إلى صلاحياته بـ "ترحيل أي وافد".

أما بالنسبة لتصاريح مغادرة البلد، فيفرض القانون الجديد على العامل إبلاغ رب عمله مسبقاً، وبدوره يتعين على رب العمل إبلاغ "لجنة تظلمات خروج الوافدين" قبل ثلاثة أيام على الأقل من موعد سفر العامل. وفي حال تأخر رب العمل بإبلاغ اللجنة يحق للعامل تقديم شكوى للجنة التي يلزمها القانون في حال "حدوث ظرف طارئ" فقط بالبتّ بموضوع الشكوى خلال ثلاثة أيام من تلقيها.

وبالنسبة لسمات دخول العمال الوافدين إلى البلد فلن تُمنَح إلا بموجب عقد عمل مبرم وموقَّع من قبل كافة الأطراف. ولا يجوز نقل سمات العمل من رب عمل لآخر. ولا يشترط القانون على "المستقدِم" أن يتمتع بأية مؤهلات سامحاً لأي مواطن أو أي مقيم قانونياً باستقدام العمال. فالمادة رقم 18 من القانون تنص على أن يكون المستقدِم "مؤهلاً لتحمل المسؤولية التي يفرضها عليه هذا القانون تجاه الوافد". هذه الصيغة الملتبسة وغير الملزمة لـ "الأهلية" هي التي تشكل استمرارية العمل بجوهر نظام الكفالة الذي يسلِّم المسؤولية القانونية عن ضبط وتنظيم شؤون المهاجرين ليضعها بين يدي المواطنين بدل أن تكون مسؤولية الدولة. وبالنتيجة لا يمكن للعامل المهاجر استصدار أو تجديد أية وثائق قانونية دون رضا رب العمل. مما يبقي المهاجرين خاضعين لرب العمل، ضعفاء أمام السلطة التي منحتها الدولة لأرباب العمل. وبالتالي، فإن سمة النظام الأساسية التي وفرت البيئة المناسبة للاضطهاد والاستغلال في دول الخليج ما تزال قائمة ولم تطلها الإصلاحات.

وبخصوص مصادرة جوازات السفر، تُجيز المادة رقم 8 احتفاظ رب العمل بوثائق العامل القانونية "إذا طلب العامل" ذلك، على أن يعيدها له أيضاً إذا "طلبها". لكن بالنسبة لغالبية العمال يعتبر هذا الخيار مزيفاً حيث يتجنبون إثارة الشك بجدية التزامهم بالعمل من خلال الاعتراض على حجز جوازات سفرهم.

المادة رقم 19 تلزم رب العمل بالإبلاغ عن العمال المفقودين خلال أربعة عشر يوماً من تركهم العمل لديه، ويحمّله نفقات ترحيلهم. وإذا ثبت أن العامل كان يعمل لدى رب عمل آخر غير الكفيل، يتحمل رب العمل غير القانوني نفقات الترحيل. وفي حال كان رب العمل موظفاً حكومياً، تنسق الوزارة مع الجهات الحكومية المختصة لتغطية تلك النفقات ليصار إلى اقتطاعها من رواتب الموظف.

ولا يتطرق القانون الجديد لحالة العمال المهاجرين الذين يُدفعون للمخالفة أو التحول إلى "غير شرعيين" بسبب إخفاق رب العمل في تجديد أو استصدار تصاريح وأذون عملهم. ويتجلى هذا التجاهل بأسطع حالاته في الواقع العملي كما شهدنا مؤخراً بقضية المائة عامل الذين ألقي القبض عليهم وتم تحويلهم إلى مركز الترحيل بسبب دخولهم في نزاع قضائي مطالبين بأجورهم المستحقة التي لم يدفعها لهم أرباب العمل.

أخيراً، لابد لأي نقاش حول الإصلاح أن ينطلق من الاعتراف بأن نظام الكفالة مغروس ضمنياً في المواقف المتخذة من العمال المهاجرين والممارسات الاستغلالية التي يحافظ القانون الجديد على استمرارها أو رعايتها.