لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

العمالة المهاجرة والحركات السياسية في الخليج – حوار مع عبدالهادي خلف

في 22 مارس 2014

عبدالهادي خلف سياسي وأستاذ بحريني في قضايا الحركات العمالية وصناعة الدولة والمشاركة السياسية في الخليج. يعمل خلف في جامعة لند السويدية أستاذاً في علم الاجتماع، كما يكتب مقالات لمطبوعات عدة من بينها جريدة السفير اللبنانية.

أين تضع العمالة المهاجرة في خريطة الصراعات السياسية في الخليج؟

في دول مجلس التعاون الخليجي، بإمكاننا ملاحظة وجود عواقب سياسية ناتجة عن الهجرة مشابهة لما وجد في أماكن أخرى، مثل تأثير الهجرة على الخطابات السياسية المتداولة بالإضافة إلى تأثيرها في توازن بين القوى المحلية. هنالك أيضاً نتائج معينة مرتبطة بقدرات  الدولة الريعية في الخليج. التوسع الضخم الذي تعرضت له أسواق العمل في الخليج خلال منتصف السبعينات لم يكن ممكناً من غير وفرة القوى العاملة في الدول الأم. دول عربية وغير عربية زودت الخليج بالعمالة المتعلمة والغير متعلمة. في فترة قصيرة، أعتقد في ١٩٧٦، وصلت قوات الدولة الريعية إلى أقصاها بوجود هذه العمالة. حدوث هذا التحول المستمر والتدريجي أدى إلى زيادة كبيرة في الهجرة من دول جنوب آسيا.

قُصر نظر الأسر الحاكمة في الخليج منذ منتصف السبعينات كان واضحاً في محاولاتهم المستمرة لاستخدام الهجرة العمالية كأداة مؤثرة سياسياً واجتماعياً. رغم التكاليف الكبيرة لتجاربهم، إلا أنهم نجحوا في تحقيق أهدافهم. ظاهرة استبدال العمالة العربية بغيرها وظاهرة التقسيم الواضح في المجتمع بين المواطن والوافد تدلل على نجاح الأسر الحاكمة في هذا الاتجاه. مع تقسيمة الوافد والمواطن، يصبح المحلي (غني أو فقير، سني أو شيعي، رجل او امرأة، قبلي أو خضيري، إلخ) في جبهة واحدة مع الأسرة الحاكمة في البلاد. خلال هذه العملية، تم توظيف الخطاب السياسي بالإضافة إلى ممارسات معينة لتكبيل الحقوق وربط الجنسية بالمزايا باعتبارها "مكرمة" مقدمة من حاكم طيب لشعبه.

مع تقسيمة الوافد والمواطن، يصبح المحلي (غني أو فقير، سني أو شيعي، رجل او امرأة، قبلي أو خضيري، إلخ) في جبهة واحدة مع الأسرة الحاكمة في البلاد

 كيف تنظر للحركات السياسية الوطنية في الخليج التي تستمر في إقصاء المهاجرين وقضاياهم من أجندتهم؟

هنالك الكثير من المعوقات أمام المشاركة السياسية للمهاجرين، بينها اللغة والثقافة السياسية المرتبطتان بالعملية الناجحة التي قامت بها الأنظمة لاستبدال العمالة العربية بجنوب-آسيوية لإعاقة أي فرص أمام المهاجرين في العملية السياسية. من بين المعوقات الأخرى نجد انقسام سوق العمل بين العام والخاص حيث يتركز المحليون في القطاع الحكومي والمهاجرون في الخاص. كما نجد أن تشظي أماكن العمل التي يتواجد فيها المهاجرون يأتي كعائق آخر أمامهم، فالكثير يعملون في أماكن عمل صغيرة في مواقع مختلفة.

بالطبع هنالك معوقات قانونية وقضايا أمنية تجعل من تواجد المهاجرين في العملية السياسية المحلية خطر عليهم وعلى عائلاتهم. أعتقد أن على النشطاء المحليين الانخراط في أي فعاليات بإمكانها أن تحسن من ظروف وحياة المهاجرين، بعيداً عن الأمور الشكلية. من المحزن أن المنطقة لا يتواجد فيها إلا عدد قليل جداً من الجمعيات الغير نفعية التي تعمل على توثيق انتهاكات حقوق العمالة المهاجرة، كما أن هنالك عدد قليل من المحامين والنشطاء ممن يعملون في هذا المجال من خلال العمل على نشاطات غير محدودة بتقديم المساعدة القانونية للمهاجرين.

 كيف ترى محاولات النظام البحريني لاستخدام المهاجرين في بروباغندا ضد المعارضة؟

أعرف عن محاولتين، أولها محاولة النظام توظيف المهاجرين كأداة لتشويه المعارضة والنشطاء. كانت هنالك صور ومقاطع فيديو في الإعلام المحلي وشبكات التواصل الاجتماعي تظهر مهاجرين مصابين في هجمات لـ "مجموعات إرهابية". لم أر صوراً ومقاطع مشابهة في الفترة الأخيرة لربما لأن نتائجها جاءت بشكل عكسي على النظام. أغلب المظاهرات تحدث في المناطق الفقيرة في البحرين حيث يعيش المهاجرون ولا توجد تقارير عن ترك المهاجرين لهذه المناطق. كنت قد رأيت تعليقاً على تويتر أن المهاجرين الفقراء يعانون من ممارسات النظام مثل غلق الطرق واستخدام الغاز المسيل للدموع في هجمات عشوائية على المناطق الفقيرة.

 الجنسية كطبقة اجتماعية واقتصادية هي انعكاس واضح لنجاح سياسات الأسر الحاكمة في الخليج في تقسيم المجتمع. هي مثال آخر على الوعي الزائف الذي خلقته الأنظمة كدليل على تناغم مختلق بين الأنظمة والشعوب

حتى في الدراسات الأكاديمية يتم فصل المهاجرين عن الحركات العمالية المحلية. كيف بإمكاننا تجاوز هذا الفصل؟

أعتقد أن الوضع تحسن قليلاً في الفترة الأخيرة، إلا أنكِ محقة. هنالك حاجة لفعل المزيد للإجابة على الأسئلة القديمة: كيف يمكن للفقراء أن يتحدثوا بأنفسهم؟

يجد الكثير من الباحثين أن الجنسية تحدد النظام الطبقي في الخليج، كيف بإمكاننا تفكيك هذه الهرمية؟

الجنسية كطبقة اجتماعية واقتصادية هي انعكاس واضح لنجاح سياسات الأسر الحاكمة في الخليج في تقسيم المجتمع. هي مثال آخر على الوعي الزائف الذي خلقته الأنظمة كدليل على تناغم مختلق بين الأنظمة والشعوب. في مجتمعات أخرى، تجد أن الحروب مع عدو خارجي استخدمت لخلق هذا النوع من الوعي الزائف. أما في الخليج، نجد ربة البيت ضد الخادمة، والكفيل ضد العامل. كل من ربة المنزل والكفيل يعلمون بأنهم شركاء مع الدولة، مع الأسرة الحاكمة.. خليجنا واحد!

شهد عام ٢٠١٣ حملة عنيفة ضد المهاجرين في الخليج بينما تحاول الأنظمة لوم البطالة على العمالة المهاجرة. كيف ترى نتائج هذا الخطاب؟

البطالة في الخليج ثقب أسود. إنها نتيجة لفشل الأنظمة التعليمية مع عواقب ٤ عقود من الحكم الأتقراطي والإدارة السيئة للموارد الاقتصادية. السياسات القسرية المزاجية مثل عمليات الترحيل الجماعية لـ "المهاجرين الغير شرعيين" التي شهدناها مؤخراً في السعودية، لن تحل المشكلة. هذه السياسات في الحقيقة ستخلق مشاكل جديدة وتمط من أثر المشاكل القديمة. الشباب السعودي العاطل عن العمل على سبيل المثال يمتلك قدرات متطلبة في السوق السعودي. حتى أصحاب العمل في السعودية والخليج أصبحت لديهم الخبرة الكافية للتعامل مع هذه الإجراءات القسرية لحكوماتهم.