لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

العقد الموحد للعمالة المنزلية في الخليج "لأهداف إرشادية"!

في 31 مايو 2014

 في هذا الحوار، يرد عقيل أحمد الجاسم (مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية) على انتقادات وجهت لمسودة العقد التي نُشرت في العام الماضي موضحاً نقاط رئيسية يرتكز عليها العقد الذي سيناقش في نوفمبر القادم.

العام الماضي، قدمنا مراجعة لمسودة العقد الموحد لنوضح إشكالياته المتعددة وغياب نقاط أساسية منه تحرم العمالة المنزلية من أدنى الحقوق الإنسانية والعمالية. منذ مارس ٢٠١٣، استمرت دول مجلس التعاون في تأخير إنهاء هذا العقد بحجة إصلاح قوانينهم المحلية. كما ذكر الجاسم في حوارنا معه أن قرار قطر الأخير لإنهاء نظام الكفالة تسبب في تأخير مناقشة العقد حيث يعتمد العقد على تعريف العمالة المنزلية وحقوقها ضمن إطار نظام الكفالة.

لم يفصح الجاسم بتفاصيل المسودة الجديدة لعقد العمالة إلا أن ما وضحه كفيل بحد توقعاتنا للنسخة الأخيرة من هذا العقد لأنه يتعلق بـ "أهداف إرشادية" وليس بقانون سيتم فرضه وتطبيقه في دول مجلس التعاون، مثل النماذج الدولية التي يتم اقتراحها في مواضيع العمل والهجرة. من المفترض أن يقوم هذا العقد النموذج بضمان أعلى حد من حقوق العمالة المنزلية إلا أنه لا يضمن حتى أدنى حد من هذه الحقوق أو ظروف العمل والاستقدام.

"حقوق المهاجرين" قامت بتوجيه عدة أسئلة للجاسم فيما يخص نقاط ضعف في المسودة السابقة: 

ساعات العمل والراحة

فيما يخص تجاهل العقد الموحد لتحديد ساعات العمل، قال الجاسم "هذا قرار يعود للكفيل نفسه" وأضاف:

الخدم أفراد من العائلة يعيشون في بيوتنا فلن يكون مناسباً تحديد ساعات لعملهم.

أما عن حالات الضرر التي تتعرض لها العمالة بالعمل لـ ١٦ ساعة في اليوم دون يوم إجازة، قال الجاسم بأن "الخادمات مثل أمهاتنا، يعتنين بالعائلة."

هذا القول بأن العمالة المنزلية جزء من العائلة سبق وان استخدم مراراً لتبرير إقصاء العمالة المنزلية من قوانين العمل وغياب قوانين تنظم عملهم وحقوقهم. لكن الحقيقة أن العاملات والعاملين ليسوا يأمهات لمن يعملون لهم. العمالة المنزلية ليست جزءاً من العائلة ولا يتم معاملتهم مثل أفراد الأسرة، لا يأكلون مع العائلة، لا يستيقظون مع العائلة، لا يستمتعون بالعطلات مع العائلة، ولا يسمح لهم بذات الحريات التي يتمتع بها أفراد العائلة.

الإدعاء بأن العمالة المنزلية جزء من الأسرة يؤكد على أن أوضاعهم تعتمد على قرارات أرباب العمل بدلاً من القوانين مع إخلاء الدولة من مسؤولية ضمان سلامة العمالة. أرباب العمل بإمكانهم إجبار العمالة على العمل لمدة ١٠٠ ساعة أسبوعياً بلا وقت مستقطع للراحة بالإضافة إلى القيام بوظائف التربية والطبخ والتنظيف معاً دون أن يكون ذلك مخالفاً لأي قانون في دول مجلس التعاون (مع استثناء السعودية بعد تعديل قانوني جديد، إلا أنه مازال من الممكن اجبار العمالة في السعودية على العمل لـ ٩٠ ساعة في الأسبوع. ومن المتوقع أن تقوم الكويت والإمارات بإصدار قرار مشابه إلا أن الدولتان لم تحددا ساعات العمل بعد).

هذا المنطق يغذي خرافة خطيرة عن أن العمل المنزلي ليس بعمل، بأنه عمل غير منتج وليس بجزء أساسي من الاقتصاد وبأنه ليس بحاجة إلى قوانين منظمة مثل "الشغل الحقيقي" وأنه لا يستحق التعويض مثل الشغل الحقيقي.

هذا المعتقد الأبوي يساهم في تبرير التقييد المستمر لحقوق العمالة المنزلية مثل مصادرة جوازات السفر ومنع الهواتف الجوالة الكمبيوتر عنهم، بالإضافة إلى التقييد الجسدي لحركتهم وحرياتهم. في هذا الاتجاه، صرح الجاسم بأن حق العمالة المنزلية في يوم إجازة لن يكون مضموناً في العقد النموذج لأنه ليس من الممكن السماح للعمالة بالخروج من البيت دون رقابة.

هذه القيود ليست ناتجة عن شعور أسري تجاه العمالة بل من رغبتهم في حماية استثماراتهم المتمثلة في هذه العمالة.

حقوق الخصوصية

تنص مسودة العقد على وجوب توفير غرفة خاصة للعامل/ة إلا أن بقية حقوق الخصوصية غير مضمونة مثل حق امتلاك هاتف. تعليقاً على هذه النقطة، كرر الجاسم أن هذا القرار يعود للكفيل، مضيفاً "هذه الأيام، ليس من الصعب على الخادمات الحصول على هاتف، كما بإمكانهم استخدام هاتف المنزل.”

وقال الجاسم أن دول مجلس التعاون توفر خطوط اتصال لتلقي شكاوى العمالة المنزلية. وعلى الرغم من صحة ما قاله إلا أن هذه الآلية تهدف للتعامل مع ضحايا سوء المعاملة والعنف لا لحمايتهم بشكل مسبق من الوقوع في هكذا مواقف. كما أن تقديم الشكاوى عبر الهاتف يتطلب معرفة العمالة بوجود هذه الخطوط وطريقة الوصول إلى الهاتف لوقت منفرد وتوفر الفرصة للقيام بالمكالمة. هذا وتتجاهل الدول أهمية توعية العمالة بوجود هذه القنوات قبل وصولهم إلى البيوت التي يعملون فيها. كما أنها لم تقدم أي نماذج وإحصائيات تثبت نجاح هذه الخطوط في حل نزاعات وإنقاذ أي من المتضررين.

آليات لحماية العمالة

بأما النسبة لضوابط حماية العمالة المنزلية، لم يشر الجاسم إلى أي خطوات عمل سيتم تضمينها في العقد الموحد. وفيما يخص تعيين مراقبين للقيام بزيارات دورية للمنازل لضمان سلامة العمالة المنزلية، قال الجاسم أنه "من المستحيل تطبيق مثل هذه الزيارات" لعدم توفر ميزانيات وموظفين لهذه الآلية. دولة مثل الأورغواي بعدد ضخم من العمالة المنزلية تضمن زيارات دورية من هذا النوع. إن تعاجزت دول مجلس التعاون عن ضمان هذا النوع من الزيارات، فمن الواجب ضمان حق العمالة في الالتقاء بشكل دوري مع شخص من سفارة أو قنصلية بلادهم وهو ما يعتمد على ضمان حق العمالة في التنقل والخروج من المنزل دون رقابة.

وطالب الجاسم أن تقوم الدول الأصل بدورها في تنظيم الاستقدام والعمل، وذلك رداً على سؤالنا عن أهمية توفير عقود العمل باللغة الأصلية للعامل فمن حق العمالة المنزلية أن تتوفر نسخ أصلية من عقود العمل بلغتهم الأصلية قبل توظيفهم وحتى عودتهم. على دول الخليج "أن تقوم بدورها" في تطوير آليات الاستقدام لضمان، على سبيل المثال، عدم استبدال العقود الأصلية بأخرى معدلة بعد وصولهم للعمل.

ولضمان التزام مكاتب الاستقدام بقوانين الدول الأصل التي تتطلب نسخاً بالعربية من عقود العمل، يجب أن تشترك دول الخليج على هذه المكاتب توفير العقود باللغة الأصلية للعمالة.

حق تغيير الكفيل

مازال قرار تغيير الوظيفة والإقامة في يد الكفيل، فالكفلاء يقومون بإنهاء عقد العمل دون الحاجة لتقديم أية أسباب، بينما تعاني العمالة المنزلية من أجل إثبات حقهم في تغيير الكفيل. يعلق الجاسم على هذه الجزئية بالرجوع إلى الرواية الرسمية التي تكررها دول مجلس التعاون في المؤتمرات الدولية:

مجتمعاتنا المحافظة لا تسمح بقوانين جديدة تغير من آليات العمل الموجودة مسبقاً.

في الحقيقة، تعتبر العمالة المنزلية (التي تقوم بـ ٩٩٪ من المهام العائلية من بينها المنزلية) ظاهرة جديدة نسبياً في الخليج. كما ليس من المنطقي الإدعاء بأن العمل المنزلي مرتبط بآليات عمل لا يمكن تغييرها وفي نفس الوقت عدم الاعتراف بالعمل المنزلي باعتباره شغل منظم وليس عائلي.

وقال الجاسم بأن الانتقادات الموجهة لمسودة العقد في ٢٠١٣ تأتي من "استمرار الغرب في تهويل وتشويه نظام العمالة دون سبب" لأن الكفالة نظام ضروري لأنه "من غير المعقول أن نجلب الوافدين ونتركهم يتجولون دون رقابة" على حد قوله. 

الكفالة ليس بالنظام الأنسب لتنظيم الهجرة. حتى إن كانت أنظمة الهجرة في دول أخرى غير قابلة للتطبيق في الخليج، على أي نظام للهجرة أن يكون ذي وجهة حقوقية في تنظيم العمل والاستقدام. نظام الكفالة يتعرض للنقد لأنه يعتمد على مكاتب الاستقدام في التنظيم ويربط الوضع القانوني للمهاجر بالكفيل مما يجعل المهاجر معتمد كلياً على المكاتب والكفلاء. هذا وتستمر دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار الحالات المتضررة من نظام الكفالة باعتبارها حالات فردية لا أكثر على الرغم من أن تركيبة نظام الكفالة تتسبب بشكل مباشر في استغلال العمالة أو تسهيل أشكال استغلالهم، بل أن تقرير منظمة العمل الدولية في ٢٠١٣ عن المنطقة العربية يشير لنظام الكفالة باعتباره جزءاً من المتاجرة بالبشر والعمل القسري:

عدم القدرة على ترك جهة العمل (بسبب تهديد أو عقاب) يأتي كنتيجة مترتبة على نظام الكفالة فمن الممكن أن يرفض الكفيل طلب العامل/ة في ترك أو تغيير جهة العمل أو أن يقوم الكفيل بطلب مبلغ كبير مقابل السماح بذلك. كما قد يقوم الكفيل بالامتناع عن دفع أجور العامل/ة وتكاليف السفر لمنعه من السفر أو الهرب. أحياناً يضطر العامل/ة إلى تحمل ظروف عمل سيئة بسبب اقتراضهم مبالغ من أجل تكاليف الاستقدام التي من المفترض أن لا يتحمل العامل/ة أياً منها.

ومازالت مصادرة جوازات السفر ممارسة مستمرة من قبل المؤسسات والأشخاص بحجة "حماية استثماراتهم" من الهرب أو ترك البلاد. في إحدى الحالات، طالب كفيل بـ ٦٠٠ درهم من عاملة ليسمح بتحويل كفالتها إلى شخص آخر مانعاً بذلك فرصتها في العمل في مكان آخر. هربت العاملة إلى مكتب الاستقدام إلا أنهم نصحوا بالعودة لأنه شخص غني ولأن سفارتها لن تتدخل بالنيابة عنها. وقتها علقت الخادمة في مكتب الاستقدام دون أي ضمان لحقها أو فرصة عمل في مكان آخر.

بإمكانكم التعرف عن آثار أخرى مترتبة على الكفالة في صفحة حملتنا ضد هذا النظام.

التخلص من نظام الكفالة ليس بأمر سهل في ضوء الوعود الخالية من دول مجلس التعاون وقرارات خادعة مثل قيام البحرين بتغيير تسمية نظام الكفالة كمحاولة للالتفاف على الواقع. إلا أن الإصلاحات التدريجية القائمة على ضمان حقوق العمالة ستتكفل بهدم نظام الكفالة.

العقد الموحد للعمالة المنزلية يأتي بتغييرات واعدة إلا أن هنالك نقاط مهمة لا يمكن تجاهلها في أي عقد لحفظ حقوق العمالة. تصريحات الجاسم تدل على أن العقد لا يهدف لتغييرات جذرية في علاقة العمالة المنزلية بالكفلاء بل أن الكفيل سيبقى متحكماً بأبسط حقوق العمالة مع غياب وجود آليات تحمي العمالة من أشكال سوء المعاملة والعنف.