لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

المهاجرون في البحرين: ملاحظات حول موقعهم النقابي والسياسي

في 6 يونيو 2014

يعقوب سند

في هذا المقال، يقدم صحافي ونقابي بحريني ملاحظات رئيسية من تجربته عن وضع العمالة المهاجرة في البحرين. سبق وأن أعلنت السلطات البحرينية إنهاء نظام الكفالة إلا أن القانون في الواقع لم يتجاوز كونه إعادة تسمية لنظام الكفالة مع الإبقاء على أساسياته. الكفالة ليست المشكلة الوحيدة التي يعاني منها المهاجرون في البحرين، فالسلطات تستمر بتوظيفهم في رواياتها الرسمية باعتبارهم ضحايا للحراك السياسي الشعبي منذ ٢٠١١، مع تجاهل سوء أوضاعهم العمالية والإنسانية. رغم حوادث الوفاة والانتحار والإضرابات القليلة التي نظمها عمال مصانع وشركات احتجاجاً على أوضاعهم أو وفاة زملائهم، إلا أن هذه الصورة من واقع العمالة المهاجرة تقع ضحية لتهميش إعلامي وسياسي. الملاحظات التالية ترسم الملامح الرئيسية لوضع العمالة المهاجرة في البحرين.

تمثيلات إعلامية

تناول موضوعات العمالة المهاجرة يتم وفق نهجين رئيسيين، الأول نهج الصحافة العربية والثاني الصحافة الأجنبية، وكلاهما له تقسيماته المؤسسة على توجهات بعضها سياسية وبعضها الآخر ذات طابع أثني إن صح التعبير.

فالغالب على الصحافة العربية تناول قضايا العمالة المهاجرة تبعاً للحالة السياسية في المجتمع، فحين تكون الأوضاع مستقرة، كما كانت قبل فبراير 2011، كانت جميعها تتناول القضايا كونها خبراً عادياً، نادراً ما يتم الغوص في خلفياتها وأسبابها، وتكون عدائية تجاه المهاجرين، إذا ما ارتكبت الأخيرة فعلاً إجرامياً في مفهومه الجنائي.

ولكون الصحافة في البحرين في مجملها غير مستقلة بالمعنى المهني الصحيح، نجد أن الصحف المحسوبة على الحكومة تحاول التخفيف من مسؤولية الحكومة عما يتعرض له المهاجرون من انتهاكات، فيما تمارس الاقلام "المعارضة" دور الناقد لسياسات الدولة في التعاطي مع قضية المهاجرين "حقوقياً"، إلا انه في تقديري، كلاهما لا يعيران هذه الفئة أهمية، بل نادراً أو أجزم القول بأنه لم تقوم أياً من هذه الأطراف بالدعوة صراحة لمراجعة أو إلغاء نظام الكفالة المطبق في دول الخليج ومن ضمنها البحرين.

وبعد أحداث فبراير 2014، انقلبت المعادلة قليلاً، حيث تصوّر الصحف المحسوبة على الحكومة والقريبة منها أن المتظاهرين يضطهدون العمال المهاجرين، ويعتدون عليهم، وكأن الحكومة مراعيةً لحقوقهم، فيما يقوم الطرف الآخر، إما بتبرير سلوكياته تجاه المهاجرين، بأنهم "مرتزقة" عاملين في الجهاز الأمني الذي يتصدى للمتظاهرين، أو إظهار بعض الممارسات التي تأتي في سياق التبرؤ مما يتعرض له المهاجرون.

ولعل المفارقة في هذا الجانب، بأن أغلب من تتعرض حقوقهم إلى الانتهاك هم المهاجرون من الدول الآسيوية، فلم نسمع يوماً عن عامل أو موظف أوروبي أو أمريكي تعرضت حقوقه للانتهاك من قبل أي طرف.

أما الصحافة الاجنبية، ولكون أغلب العاملين فيها من المهاجرين الاسيويين، فالمتابعات تتم لقضايا العمال المهاجرين بنوع أكثر مهنية ومتابعة لخلفيات كل قضية، حتى حينما تزايدت نسب حالات الانتحار في وسط بعض الجنسيات من الاسيويين، قامت تلك الصحف بالغوص في الاسباب الاجتماعية والاقتصادية وظروف العمل التي يعمل فيها المهاجرون، علماً بأنه وفي خلال العام الجاري، لم أسمع عن أي قضية انتحار، وقد يكون ذلك إما بسبب توقفها حقيقةً أو إنها مازالت مستمرة ولكن تمارس الحكومة نوع من التستر عليها.

أما بعد أحداث 2011، فأصبحت الصحف الاجنبية تأخذ نفس نهج الصحف العربية الحكومية، من تضخيم الحالات التي يتعرض فيها المهاجرون لاعتداءات من قبل بعض من تصفهم بالمتظاهرين.

الترحيل vs العمل النقابي

سبق وأن سعى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ومنذ تأسيسه إلى استقطاب العمال المهاجرين في النقابات، وحاول في بعض الحالات "اختراق" التجمعات العمالية لهم، إلا إنه من الصعوبة بمكان استقطاب هذه العمالة في العمل النقابي لأسباب كثيرة، أولها خوف العمال من ترحيلهم، وثانياً لوجود بعض الضعف في آليات الاتحاد ذاته.

وقد أبرم الاتحاد عدد من مذكرات التفاهم مع اتحادات عمالية في نيبال والهند بهدف التنسيق بينهم، وفتح الباب للمهاجرين من اللجوء للاتحاد في حال لديهم مطالب أو تعرضهم لانتهاكات، لكن كما ذكرت، الاسباب أعلاه تجعل من قابلية اللجوء للاتحاد العام ضعيفة.

وتجدر الاشارة هنا إلى تجربة نقابة عمال شركة الحاج حسن العالي، والتي استطاعت، بعد إضراب نفذته النقابة لتحسين ظروف العمل، إلى استقطاب ما نسبته 70%من إجمالي القوى العاملة المهاجرة في الشركة، حيث رفعت النقابة، حينما قررت الاضراب، مطالب تحسين ظروف العمل، بما فيها تحسين ظروف السكن ومرافقه من دورات مياه ومطابخ وأماكن العبادة للعمال المهاجرين، وبعد انهاء الاضراب وتحقيق المطالب، حفّز ذلك المهاجرين للانضمام للنقابات، إلا أنها تظل تجربة رائدة وحيدة في البحرين.

التوثيق الحقوقي

توجد جمعية تُسمى بـ "جمعية حماية حقوق العمالة المهاجرة"، إلا أن نشاطها محدود، وأغلب الناشطين فيها من الاجانب الاسيويين مع بعض البحرينيين، وهي شبه منغلقة ولا تقبل التعاون مع بقية المؤسسات، فحسب علمي طلب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أكثر من مرة التعاون معهم في نشاطات مشتركة إلا أنهم رفضوا، ولكن الغريب هو انفتاح الجمعية مؤخراً على الاتحاد الحر لعمال البحرين، الذي تأسس مؤخراً برعاية رسمية بعد الاحداث التي شهدتها البحرين.

من جانب آخر، أصدر مركز البحرين لحقوق الانسان في العام 2003 على ما اعتقد تقريراً مفصلاً عن أوضاع العمال المهاجرين في البحرين وبالتحديد العمالة المنزلية، وقد يكون هذا التقرير الوحيد الذي صدر عن منظمة حقوقية في هذا الجانب.

المهاجرون كأداة للسلطة

لطالما كان المهاجرون عنصراً أساسياً في الصراع السياسي في البحرين، حيث تسعى الحكومة في الغالب إلى استخدامهم كي يكونوا أحد حوائط الصد لها أمام الرأي العام الدولي، كما أن المهاجرين، الآسيويين من باكستان، الهند، بلوش ستان، وبعض العرب من الاردن، سوريا واليمن، يعملون في قوات مكافحة الشغب التي غالباً تكون المتصدي الأول للمظاهرات التي تحدث هنا أو هناك. والفت النظر إلى أن جزء كبير من أولئك غير مقيمين في البحرين من حيث الأصل، بل يتم جلبهم وفقاً لتفاهمات ثنائية مع دولهم، كما أن سياسة الحكومة، حسب تصريح وزارة الداخلية، تجعل من يتصدون للمظاهرات هم الاجانب في الغالب، وهو ما يفسر أن أغلب من سقطوا قتلى خلال المواجهات خلال السنوات الثلاث الماضية من جانب قوات الداخلية، هم أجانب أو مكتسبي الجنسية مؤخراً.

من جهة أخرى، يتم استخدام المهاجرون من الغربيين في الواجهة الإعلامية وتبيان حجم "الحريات الدينية" التي يتمتع بها غير المسلمين في البحرين، وكيف إنهم يعيشوا في البحرين في أمان ورفاة، كما يقوموا أولئك بدور "الناطقين الرسميين" في القنوات والاذاعات الناطقة باللغة الانجليزية. مؤخراً تشكل اتحاد للجاليات الاجنبية، ترأسه بريطانية، ومارست هذه المرأة من خلف الاتحاد دوراً معادياً للحراك السياسي في البحرين، بل إنها طلبت بأن يُمثل المهاجرون في الحوارات السياسية التي تتم لحلحة الاشكال السياسي في البحرين وأن يكونوا ممثلين في مجلس الشورى.

في النهاية، البحرين حالها كحال باقي دول الخليج، يتحكم نظام الكفالة والحس الامني بالجاليات الاجنبية، سواء أكانوا عمالاً مؤقتين أم مهاجرين، أضف إلى ذلك بأن الجنسية، لا تُعد من قبل الحق الأصيل لمكتسبها، بل هي منّة وعطية من الحاكم، وبالتالي له الحق في سحبها متى يشاء.

جميع تلك الأسباب تجعل من المهاجرين إما صامتين، أو عاملاً مسانداً للحكم في سياساته، وبالتالي فأي تشكيل سياسي لهم لا يخرج عن هذه المعادلة.