لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

النقابي البحريني كريم رضي: نحتاج لإعادة صياغة ثقافتنا الخليجية لتغيير واقع العمالة المهاجرة

في 15 يونيو 2014

في هذا الحوار، يتحدث النقابي والشاعر كريم رضي من الأمانة العامة لاتحاد نقابات العمال في البحرين عن وضع العمالة المهاجرة في البحرين وجهود وإشكاليات ضمهم في الحراك العمالي. يدعو رضي إلى مراجعة ثقافية لتجاوز الإقصاء القانوني والاجتماعي ضد المهاجرين. كما يجد رضي أن العمالة المهاجرة يجب أن تكون في مركز العمل السياسي والحقوقي في الخليج كونهم يمثلون غالبية السكان في دول الخليج.

 يجد البعض أن إقصاء العمالة الأجنبية سياسياً وترهيبهم بالترحيل يمنع انخراطهم في العمل النقابي، كيف يمكنكم التعامل مع هذا الواقع؟

للأسف الأمر أخطر منه سياسيا ونقابيا. الأمر ثقافي وتغيير الثقافة من أصعب الأمور فالمواطن الخليجي للأسف يعتقد أنه من الطبيعي أن يعاني العمال المهاجرون وأنه يمن عليهم أصلا بتشغيلهم في بلده وحتى حين يتعاطف معهم فهو تعاطف من باب الشفقة والعطف لا من باب أنهم يجب أن يتمتعوا مثله تماما بحقوق الأجر العادل والسكن اللائق واللقمة الكريمة والعمل الجيد وهو يتهمهم بمزاحمته في رزقه وخدماته لكنه لا يستغني عنهم وأبسط مواطن خليجي اليوم لا يستغني عن تشغيل عامل أو عاملة مهاجرة. وإذا أردت أن تعرفي هذه الثقافة الإستعلائية، عليك التركيز على نسبة المقالات والبحوث والدراسات التي اهتمت علميا وحقوقيا بالعمالة المهاجرة بإزاء تلك التي اهتمت فقط بحجم العائدات التي يقال أنهم يحولونها إلى بلدانهم أو بثقل ضغطهم على جودة الخدمات، ستجدين الكفة الراجحة هي للأمر الثاني وأجزم أن عائدات العمالة المهاجرة إلى بلدانها قد لا توازي حجم استثمارات الخليجيين خارج بلدانهم فانظري كيف نحاسب عامل على تحويل قوت أسرته التي جاء أصلا إلى العمل من أجلها ولا نحاسب مستثمرا يفضل العمل بأمواله خارج وطنه.

وما لم تتغير هذه الثقافة وما لم تختفي كلمة "الأجنبي" من قاموس التعامل مع العمالة وما لم تلغى كلمة الخدم وتستبدل بالعمالة المنزلية وما لم يتحرر النقابيون والنشطاء أنفسهم من لوثة المجتمع الخليجي الاستعلائي وما لم نعتبر أن حق انتقال العمل هو تماماً مثل حق انتقال الرأسمال وهو ليس عيباً وليس غزواً وليس احتلالًا بل هو بحث طبيعي لكل إنسان عن رزقه بل إن الخليجيين أنفسهم كانوا مهاجرين يوماً ما فقد هاجروا بين دولهم من الكويت للبحرين ومن البحرين للكويت ومن عمان للبحرين ومن البحرين لعمان ومن البحرين للإمارات والسعودية وقطر والعكس فالهجرة للعمل من صميم تاريخنا.

ما لم إذن نعيد صياغة ثقافتنا أولًا فلا يمكن إطلاقا التعامل مع هذا الواقع. وهذا مطلوب أولًا وقبل كل شيء منا قبل غيرنا كنشطاء نقابيين أو مدنيين إذ كيف يقوم نقابي في ندوة عن العمالة المنزلية أو المهاجرة بشكل عام ويقول هؤلاء الأجانب كذا وكذا وكذا وكأنه رب عمل أو كأنه مواطن عادي غير مثقف ثقافة نقابية وأن الخدم يهربون ووالخ!

 لاحظنا اهتمام مجموعات أهلية في الكويت والبحرين مثل اتحادكم بقوانين العمالة المهاجرة، باعتقادك ما الذي يمنع اتحادات ونقابات العمل في بقية دول الخليج من ضم المهاجرين في عملهم؟

كما ذكرت أعلاه هناك قوانين مقيدة في بعض الدول الخليجية لانتساب العمال المهاجرين إلى النقابات وهناك قوانين مقيدة أصلا لإنشاء نقابات من حيث المبدأ حتى للمواطنين لكن السؤال هل لدينا إرادة في البحرين والكويت وعمان لتنسيب العمال المهاجرين نقابياً ودعنا من القوانين، ففي النهاية نحن من يصنع القوانين. حين أرادت الحركة النقابية في الكويت التعامل جزئيا مع وضع العمالة المهاجرة، قامت بإنشاء مكتباً لحماية حقوقها يتبع الاتحاد العام، ولكن هل هي على استعداد للمضي إلى درجة أبعد. في البحرين، القانون النقابي الصادر من جلالة الملك بمرسوم 33 لسنة 2002 والذي هو من ثمرات مشروع الإصلاح التشريعي والسياسي يعتبر متقدماً فهو لم يتحدث أصلًا عن جنسية المنتسب لكن عملنا على الأرض كنقابيين ليس فيه من الحماس والقوة بل ومن الرغبة في تنسيب العمالة المهاجرة نقابياً. بل للأسف أقولها إنه حتى الدول العربية التي ذاقت ويلات الهجرة للعمل وجربت معاناة المهاجرين من دول المشرق العربي هي اليوم تستورد العمالة المهاجرة من آسيا ولا تعطيها حق التنظيم النقابي.

هل تحاولون العمل من أجل العمالة المنزلية؟

نعم نحن نعمل ولكن يجب أن نعرف أن مقياس العمل في أي اتحاد نقابي خليجي اليوم وإثبات ما إذا كان هذا الاتحاد فعلاً جاداً ومؤمناً بهذا العمل ولا يعتبره مجرد تكميلي لعمله الأساسي بل من صلب مشاغله هو تشكيل وحدة مستقلة أو أمانة أو مكتب مختص لتنظيم العمالة المهاجرة نقابياً والضغط من أجل تعديل التشريعات المحلية لتغطي العمالة المهاجرة والعمالة المنزلية خاصة والتشبيك مع منظمات العمال في دول الأصل من أجل هذا التنظيم والنزول عن عقلية الترفع الوطني عن المهاجرين. العمل ضخم جدا والحقيقية التي نفر منها كخليجيين هو أن هذه العمالة المهاجرة شئنا أم أبينا تمثل أكثر من 75% في البحرين من مجموع العمالة وبالتالي يجب أن تكون في بؤرة اهتمامنا وأن العمالة المنزلية تمثل 15% من مجموع العمالة وأن بيوتنا كنقابيين تكتظ بالعاملات المنزليات اللاتي لهن حقوق منسية. وأن العمل وحدنا كاتحادات نقابية سيظل قليلا ما لم نشكل نحن مع الاتحادات والجمعيات النسائية خصوصا والمدنية عموما حركة ضغط مجتمعي من أجل حماية حقوق العمالة المنزلية وتعديل تشريعاتنا المحلية من أجل ذلك.

العمالة المهاجرة يجب أن تكون في بؤرة اهتمامنا، ونحتاج لتشكيل حركة نسوية ومدنية من أجل العمالة المنزلية

 هل تعتقد أن قوانين العمل البحرينية قد تشمل العمالة المنزلية قريباً عوضاً عن الإقصاء الموجود.

لقد تم تعديل قانون العمل السابق بقانون عمل جديد هو رقم 36 لسنة 2012 وهذا القاون الجديد بالفعل ضم العمالة المنزلية تحت جزء أكثر من المواد بعد أن كان يستثني العمالة المنزلية بشكل شبه كلي سابقا من القانون وهو تقدم يجب أن نعترف به لكنه يظل قاصرا عن التغطية القانونية الكاملة لحقوقهم، ثم إن من لا تنظيم له لا صوت له، ومن لا صوت له لا حقوق له، فأفضل قوانين العمل لن تجدي نفعاً ما لم يكن وراء تطبيقها تنظيم عمالي نقابي قوي يداقع عن هؤلاء. وأنت تعلمين طبعا بحجم المآسي التي تحدث للعمالة المنزلية ولو إن إعلامنا يركز فقط على أخطاء أو جرائم هذه العمالة ضد الأسر وأطفالها وهي طبعاً جرائم ممقوتة ومرفوضة لكن إعلامنا قلما يبرز جرائمنا وأخطائنا تجاه العمالة المنزلية.

أفضل قوانين العمل لن تجدي نفعاً ما لم يكن وراء تطبيقها تنظيم عمالي نقابي قوي يداقع عن هؤلاء

 ما هي آخر المشاكل التي تواجهها العمالة الأجنبية وهل هنالك أي خطوات وقوانين مقترحة لمواجهتها.

أهم المشكلات التي تواجه العمالة الأجنبية هو كما ذكرت لك مشكلة ثقافتنا والتي تنظر بدونية أو استعلاء لهذه العمالة وعمليا هناك مشكلة المساكن العشوائية التي تحترق عندنا في البحرين في الشتاء بسبب التدفئة غير الآمنة أو تسقط أحيانا على المقيمين فيها ومشكلة حرمان العمال من الأجور بسبب تأخر الجهة الممولة للمشروع خاصة الحكومية عن دفع ديونها للمقاول فيقوم هو بدوره في تأخير أجور العمال وهناك قانون يفرض غرامة على صاحب العمل إذا أخر الأجر لكنه لا يطبق بشكل رادع وغالباً ما يرحل العمال الأجانب دون الحصول على حقوقهم. ولدينا حركة تنسيب نقابي في أوساط العمالة المهاجرة لكنها ليست بالشكل ولا بالحجم الذي يستوعبها سريعاً وبشمولية تحت مظلة التنظيم النقابي الوطني العام. كما أن الأحداث السياسية ألقت للأسف بظلالها على العمالة المهاجرة في الوقت الذي يجب حكومة ومعارضة أن نبقي هذه العمالة بعيدة عن تأثيرات الأحداث فهي جاءت لتكسب قوتها. كما أن من أسوأ الأمور تشريعياً هو وجود برلمان مسيطر عليه وموجه من أصحب الأعمال وممن يستغلون أصلا هذه العمالة المهاجرة سواء في غرفة النواب المنتخبة أو في غرفة الشورى المعينة فالمجلسين في عام 2011 أسقطا مادة قانونية كانت تسمح للعامل المهاجر بحرية الانتقال من صاحب عمل لآخر دون إذن صاحب العمل الأصلي، ومؤخراً المجلسان شرعا منع قيادة السيارة على الأجانب وهو قانون مضحك في بلد هو الأسوأ في شبكة خدمات النقل الجماعي الداخلي وحيث يضطر بعض العمال المهاجرين لاستخدام سيارات خاصة تنقلهم في جماعات صغيرة من وإلى مواقع عملهم. وهو على أي حال من القوانين التي يمكن أن يقال عنها أنها تنتمي إلى ما قبل التاريخ تماماً مثل البرلمان الذي أصدرها!