لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

منظمة حقوقية بدعم إماراتي تزيف واقع المهاجرين

في 12 أغسطس 2014

خلال العام الماضي، تداولت وسائل الاعلام أخبار الترحيلات الجماعية لأكثر من مليون مهاجر عن السعودية، وانتهاكات حقوق المهاجرين العاملين في جزيرة السعديات الإماراتية، واستغلال المهاجرين العاملين في بناء منشآت كأس العالم في قطر. تعاملت السلطات الخليجية مع هذه الانتقادات بعدائية متزايدة باستخدام الإعلام والعلاقات العامة لتزييف واقع المهاجرين في المنطقة. وادعت هذه الدول أن الإصلاحات قادمة، مع إقرار بعض التغييرات الهامشية دون تطبيقها، وإنكار مسؤولية الدولة فيما يحصل للمهاجرين بإلقاء اللوم كاملاً على الدول الأم ومكاتب الاستقدام. ورغم اعتراف هذه الدول بالحاجة إلى اصلاحات، إلا أن أياً منها لا تعترف بدور قوانين وأنظمة الهجرة المحلية في الاتجار بالبشر والعمل القسري وغيرها من الانتهاكات المترتبة على إشكاليات نظامية.

تسليط الضوء على هذه الانتهاكات والاستغلال المنظم يربك الأنظمة الخليجية، كما نلحظ من وعودهم المكررة والتي تقتصر على أمور شكلية من خلال مؤتمرات صحفية تعلن عن قرارات مثل تلك التي أعلنت عنها قطر لإنهاء نظام الكفالة في مايو الماضي. وفي حالات أخرى، تكون محاولات لتحويل الاهتمام الدولي في اتجاه آخر، مثلما تفعل الإمارات العربية المتحدة مؤخراً.

منظمة الخليج الدولية هي منظمة حقوقية مركزها جنيف ولها "فرع في دبي"! رئيس المنظمة منصور عيسى لوتاه مواطن امارتي وعضو في نادي "أهلي دبي" لكرة القدم. آخرون في المنظمة لديهم علاقات مقربة من السلطة الإماراتية. تأسست المنظمة في ٢٠١٢ لافتة الانتباه بعد انتاجها لـ "فيلم وثائقي" يزعم تفنيد انتقادات دولية ضد المحاكمات السياسية لإسلاميين حكم على البعض منهم بـ ١٥ عام في السجن لانتقادهم النظام الحاكم (التهم الموجهة لهم تدعي تآمرهم مع نظام الإخوان المسلمين السابق في مصر). ويتناقض الفيلم الوثائقي (الذي أخرجه موظف في تلفزيون أبو ظبي الحكومي) مع تقارير موثقة عن حالات التعذيب والإهانة والحرمان من النوم وأوقات الزيارة ولقاء المحامين خلال محاكمة الإسلاميين. وكان "المجلس الوطني للإعلام" المسؤول عن توجيه دعوات لوسائل الإعلام لحضور عرض الفيلم الوثائقي الذي أقيم في دبي، على الرغم من نفي المنظمة تلقي دعماً من السلطات الاماراتية. وفي تصريح لرئيس المنظمة، قال لوتاه: “قمنا فقط بعرض الحقيقة لأن الحقيقة وحدها بإمكانها تفنيد الاتهامات المزيفة" مكرراً خطاب السلطة الاماراتية ضد الانتقادات الدولية (هنا فيديو للمؤتمر الصحفي، ورابط للفيلم الوثائقي المذكور).

مؤخراً، قامت منظمة الخليج الدولية بإصدار تقرير بعنوان "قوانين العمالة المنزلية في دول مجلس التعاون الخليجي" يلخص أوضاع العمالة المهاجرة في ١٣ صفحة تحتوي على مغالطات كبيرة تخلق صورة مختلفة عن الواقع. أولاً، يدعي التقرير أن زيادة الطلب على العمالة المنزلية مترتب على ارتفاع نسب توظيف النساء الخليجيات. مثل هذه التحليلات قد تكون صحيحة عن العمالة المنزلية بشكل عام ولكن في دول أخرى غير الخليج، خاصة أن معدلات توظيف النساء الخليجيات لا تدعم هذا الادعاء. بل أن أسلوب الحياة في الخليج بعد النفط له الدور الرئيسي في زيادة الطلب على العمالة المنزلية التي تتواجد بنسبة ٩٠٪ في بيوت الكويتيين والإماراتيين (٤٢٪ منهم من الاناث في الامارات و٤٧٪ في الكويت). من أسباب مقاومة دول الخليج لتغييرات وإصلاحات في نظام الهجرة تأتي من رفضهم قصر العمالة المنزلية على عائلات بدخل سنوي محدد حيث ترى هذه الحكومات أن ثقلها يعتمد على تقديم حياة مريحة للمواطنين مقابل تابعيتهم السياسية. قطاع العمالة المنزلية تنقصه قوانين مهمة، إلا أن هذه العلاقة السلطوية مهمة لفهم واقع المهاجرين في المنطقة.

ثانياً، يقوم التقرير بتصنيف دول الخليج الست بطريقة اشكالية حسب "تفاعلهم" مع قضايا العمالة المنزلية: “الأكثر تفاعلاً" (الكويت، السعودية، البحرين) ثم (تفاعل نسبي) للإمارات وقطر، و"الأقل تفاعلاً" (سلطنة عمان). يقوم التقرير بقياس فاعلية كل من الدول بشكل غير نقدي عبر الإشارة لقوانين مقترحة أو أخرى تحت الانشاء، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية. هذه القوانين والاتفاقيات لم يتم اقرارها بعد أو لا تلتزم دول الخليج بتطبيقها. وعلى الرغم من الاشارة لمحدودية هذه الاتفاقيات، إلا أن التقرير يعتبرها مفيدة. قد تكون محاولة مقارنة الأطر القانونية جيدة، إلا أن غياب أي نقد للقوانين وتطبيقاتها يأتي كتبرير لا يليق بأي تقرير حقوقي.

على سبيل المثال، يذكر التقرير أن قانون مقترح سيؤدي إلى إلغاء نظام الكفالة في الكويت على الرغم من أن وعود الكويت لإلغاء الكفالة مستمرة منذ سنوات دون أي تحركات تذكر. كما يشير التقرير إلى قانون في الإمارات باعتباره خطوة إيجابية على الرغم من أن القانون لم يتم اقراره بعد بانتظار موافقة الرئاسة منذ عام ٢٠١٢. وكان من المفترض أن يقوم هذا القانون بتنظيم ساعات العمل للعمالة المنزلية، لكن السلطات لم تقم حتى بنشر مسودة منه.

في جزء آخر من التقرير، تقوم منظمة الخليج الدولية بمناقشة القوانين الدولية كطريقة لتطوير أوضاع العمل للمهاجرين في الخليج. يدعي التقرير بأن دول الخليج تدعم قانون منظمة العمل الدولية ١٨٩ للعمالة المنزلية على الرغم "من عدم توقيعهم له بعد، ليكونوا من بين دول عدة لم توقعه مثل الولايات المتحدة ودول آسيوية وأوروبية أخرى.” هذا الدعم المزعوم قد يكون اشارة لموافقة دول الخليج على C189 في ٢٠١٢. إلا أن هذه الموافقة تبخرت بالرفض المستمر للمسؤولين الخليجيين لأمور أساسية في C189 متعلقة بالقوانين والاتفاقيات، بالإضافة إلى مشروع عقد العمالة المنزلية الموحد. غياب دعم حقيقي لـ C189 كان ظاهراً في سنة اقراره حينما قام الدكتور منذر الخور (أول رئيس لسوق العمل، غرفة الصناعة والتجارة – البحرين) في اجتماع اقليمي (طلبت تنظيمه الامارات) بالاعتراف بأهمية الاتفاقية لكن مع التشديد على "الاشكاليات الثقافية" في أجزاء منه:

عبر الدكتور الخور عن تحفظه على بعض المواد لأنها ستكون صعبة التطبيق في سياق المنطقة العربية بسبب خصوصيات ثقافية واجتماعية. مثال على ذلك اعطاء العمالة المنزلية حق الخروج من البيت خلال يوم الراحة الأسبوعي وامكانية اجراء زيارات للبيوت. وقال الخور بأن اتفاقية ١٨٩ نتجت عن عملية سياسية طويلة تطلبت مجموعة من التضحيات من جانب الدول التي تهاجر منها وإليها العمالة. الاتفاقية تحتوي على مجموعة من المتطلبات ممكن تطبيقها في بعض الدول، ذلك لأن القوانين والتحديات التي تواجه العمالة المنزلية تختلف بين الدول الأعضاء لمنظمة العمل الدولية. بالتالي، مجموعة من الدول العربية قد تجد أن الاقرار على الاتفاقية غير ممكن.

على الرغم من أن البحرين قامت ببعض التغييرات الجيدة من أجل العمالة المنزلية منذ ذلك الاجتماع بالمقارنة مع بقية دول مجلس التعاون، إلا أن التصريحات الرسمية المتناقضة مع جزئيات الاتفاقيات الدولية كثيرة في المنطقة ولا يمكن أن يتم فهمها باعتبارها نوع من "الدعم" كما يشير تقرير منظمة الخليج الدولية. أي تغييرات اقليمية في مجال العمالة المنزلية لا يمكن ترجمتها باعتبارها دعم للاتفاقية، كما لا يجب التعذر بمواقف دول أخرى لتبرئة دول الخليج من عدم اقرار الاتفاقية ومخالفاتهم لمتطلباتها.

ويشرح التقرير اتباع دول الخليج لاتفاقيات دولية ما مع تجاهل أهم اتفاقيات متعلقة بالعمالة المنزلية المهاجرة وهي الاتفاقية الدولية لحماية حقوق كل المهاجرين وعائلاتهم والتي لم تقم دول الخليج باقرار أي من موادها. كما يتجاهل التقرير اتفاقية مكاتب الاستقدام الخاصة لمنظمة العمل الدولية والتي أيضاً لم تقم دول الخليج باقرار أي من جزئياتها رغم أهميتها البالغة في تنظيم آليات التوظيف وانعكاس ذلك ايجابياً على تجربة العمالة المهاجرة. كما يركز التقرير بشكل خاص على قطر بالإشارة إلى مخالفات مثل "رواتب غير مدفوعة أو متأخرة، عدم السماح بيوم للراحة، مصادرة الوثائق والهواتف النقالة، والاساءة الجنسية والجسدية" وهي انتهاكات شائعة في كل الدول الخليج، لا في قطر وحدها. تجاهل ذكر بقية دول الخليج في هذه النقطة أمر غريب كونه تقرير قائم على المقارنة (أو لربما قد يكون لصراع الامارات مع قطر دوراً وراء هذا التوجه).

ويردد التقرير خطاب دول الخليج في جزء "شرح مقاومة حكومات الخليج في تشريع القوانين"حيث يذكر أن الممارسات الثقافية سبب تخلف اصلاح قوانين الهجرة لأن "المواطنون يشعرون بالخوف على معلوماتهم العائلية" مما يخلق "مقاومة ثقافية ضد تطوير القوانين المتعلقة بالعمالة المنزلية.” ولا يذكر التقرير أن هذه "الصعوبات الثقافية" مبالغة ومختلقة من السلطات الخليجية من أجل منع أي اصلاحات لصالح العمالة المنزلية بحجة حماية خصوصية المواطن. كما لا يقدم التقرير حلول لهذه المقاومة الاجتماعية المزعومة، مثل حث السلطات على اقرار عمالة منزلية تعمل بنصف دوام دون العيش في بيوت أصحاب العمل، مما ينهي الصدامات بين العمل والسكن (كما سيوفر ذلك عمالة منزلية للكثير من البيوت التي تبحث عن عمالة بنصف دوام في السوق السوداء). إن كانت هنالك مقاومة من المجتمع ضد الاصلاح، فهي مقاومة ناتجة عن التكلفة المتزايدة لاستقدام العمالة المنزلية والتي يتم تصويرها في الخطاب الرسمي باعتبارها ناتجة عن تحسن حقوق العمالة المنزلية في الأجور وأوضاع العمل، بل حتى في رسوم الاستقدام والبيروقراطية وترجمة العقود وبرامج التدريب. التكاليف المتزايدة للعمل المنزلي شكوى شائعة بين مواطني/ات الخليج وسوء ادارة هذا المجال تؤدي إلى نقد السلطة. قد تكون هنالك مقاومة لاعطاء العمالة حقوقها بسبب ايمان رب العمل بملكيته للعمالة، لكن هذه الملكية ممكن انهائها من خلال تنظيم علاقة العمل بعقد رسمي.

شعور الملكية هذا الذي يجعل من العامل خادماً تحت رحمة صاحب العمل هو شعور قائم على سياسات تلزم العمالة المنزلية بالبقاء في بيت الكفيل والعمل لكفيل واحد يسيطر على اقامة العامل/ة. باستمرار، يتم استخدام المجتمع كعذر ضد تغيير نظم الهجرة في الخليج. نقرأ من التقرير: “بعض الدول ترى العمالة المنزلية جزءً من العائلة وبالتالي يجب تركهم خارج الأطر القانونية" وهو تبرير السلطات في المنطقة لغياب تنظيم العمالة المنزلية. كان من الواجب على التقرير تحديد المشاكل الرئيسية التي يجب على السلطات حلها. بشكل مشابه، يتم استخدام عذر أن العمالة المهاجرة "ضيفة" للتهرب من وضع القوانين اللازمة لحماية حقوقهم.

ويدعي التقرير أن بعض المشاركين يرون بأن هنالك قضايا أمنية واقتصادية أكثر أهمية من تنظيم العمالة المنزلية (مثل زيادة نسبة البطالة وضعف المؤسسات الرسمية والموارد). هذه الرؤية تأتي من خطاب أكبر يحاول وضع حقوق العمالة المنزلية ضد مصلحة الدولة والمواطنين. مرة أخرى، يعيد التقرير انتاج هذه الخرافة دون محاولة تفنيدها أو التعليق عليها.

في جزء آخر من التقرير، نقرأ تكرار آخر لتبريرات المسؤول:

ثالثاً، بعض المشاركين قالوا أن تنظيم العمالة المنزلية يتطلب جهداً كبيراً من المؤسسات، وبالتالي يحتاجون لوقت أطول لتطوير آليات هذه المؤسسات وسياساتها قبل تنظيم قطاع العمالة المنزلية.

حجج "قدرة المؤسسات" و"المزيد من الوقت" و"المزيد من الدراسة" استخدمت لتعطيل إنهاء نظام الكفالة وغيرها من الاصلاحات الضرورية. الاصلاح القيم نادراً لا يحصل في ليلة، إلا أن ذلك لا يعني بأن دول الخليج ليست لديها الوقت الكافي للعمل على حفظ حقوق العمالة المنزلية المهاجرة. يربط التقرير بين قدرة المؤسسات ووضع العمالة المنزلية، بينما في الحقيقة هنالك دول استطاعت تطوير وضع العمالة المنزلية بعد اقرار قانون C189.

ويبدو أن التقرير يخلط بين غياب التطبيق وغياب النية، فرغبة الحكومات في الابقاء على قطاع العمالة المنزلية من دون تنظيم هو السبب الرئيسي في منع تطورها! يذكر التقرير أن "تشريعات محلية ودولية للعمالة المنزلية غير واضحة قللت من فعالية المؤسسات وزادت من انعدام توازن سوق العمل" وكأن قيام السلطات الخليجية بالتقليل من رواتب العمالة المنزلية واقصائهم من قوانين العمل المحلية قرارات غير واضحة من السلطات!

الالتزام الضعيف للامارات العربية المتحدة من أجل الاصلاح بات جلياً من خلال محاولاتها المستمرة للتأثير على ما يتم تناوله عن قضايا حقوق الانسان. سارة ليه وتسن، مسؤولة قضايا الشرق الأوسط في هيومن رايتس واتش، كتبت عبر تويتر العام الماضي:

صحيح أن التقارير لها لغة دبلوماسية أحياناً، حيث يبدو هذا التقرير كذلك من النظرة الأولى في تصويره لقضايا العمالة المنزلية المهاجرة في الخليج. إلا أن نظرة فاحصة لهذا التقرير تكشف عن تلاعب بالحقائق لتنعيم الموقف الخليجي المضاد لاصلاح نظم الهجرة. انتقادات التقرير البسيطة ونظرته القاصرة وغياب التحقيق تبدو مريبة أكثر حينما نضع في الاعتبار تاريخ المنظمة.

في موقعها الرسمي، تقول المنظمة أنها تهدف لـ "استكشاف قضايا العمالة المهاجرة بشكل نقدي في منطقة الخليج" إلا أن هذا التقرير يفشل في تمييز موقف الدولة الشكلي وعملها في الواقع، مكرراً الخطاب الرسمي دون أي تحليل مقنع.

"سوق العمل الخليجية والهجرة" تقدم تقريراً أكثر تفصيلاً ونقداً عن العمالة المنزلية في الخليج يمكن تحميله من هنا.