لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مشردون في قطر

في 19 نوفمبر 2014

ارتفاع الإيجارات وتدفق العمال المهاجرين لبناء مشاريع جديدة والتهميش المستمر لقيمة المهاجرين في القوى العاملة، كلها أسباب تركت الكثير منهم مشردين بلا مأوى في قطر.

في أواخر ظلام الليل بمدينة الدوحة، وفي موقع بناء هادئ لا حراك فيه، تسمع صوت سعال عامل نيبالي دون انقطاع.

أسرة عمال في موقع تحت الإنشاء في الدوحة

العامل النيبالي وعاملان آخران ينامون في موقع البناء الذي يعملون فيه خلال النهار، حيث يقع الموقع في منطقة المطار القديم في العاصمة القطرية، الدوحة.

صنع هؤلاء العمال أسرتهم من الكتل الخرسانية والعصي، مع قطعة رقيقة من الخشب بمثابة فراش، ويغطون أنفسهم بشراشف قذرة لا توفر لهم الحماية الكافية من برد الشتاء.

عندما سئل العامل عن السعال غير المنقطع، أجاب: "أنا على ما يرام".

على الرغم من كثرة حالات العمال الذين يعيشون في أماكن قذرة ومزدحمة بالعمال المهاجرين، إلا أن ظاهرة نوم العمال في مواقع العمل في قطر هي ظاهرة جديدة. الشركة الراعية لهؤلاء العمال لا توفر لهم سكناً لائقاً ولا حتى أجور كافية لتأمين سكن مناسب لأنفسهم، مما يتركهم أمام خيار وحيد وهو النوم في الهواء الطلق، بلا مأوى.

موقع البناء يتكون من عدة طوابق، طابقين مكتملين البناء تقريبا، والعمل جاري لإضافة المزيد من الطوابق. خلال النهار يقوم العمال بإزالة الأغطية والملاءات ولكنهم يتركون إطارات أسرتهم في مكانها. لذلك فإن ترتيبات نومهم ليست سراً على مهندسين البناء وأصحاب المبنى الذين يشرفون على الموقع بانتظام.

يقول مشرف موقع العمل أن أحد العمال هو حارس الموقع، لذلك يتوجب عليه النوم في الموقع، ولكنه لا يعرف لماذا ينام العمال الآخرين أيضاً في الموقع ولا حتى السبب الذي جعل الحارس يضع سريره في العراء في موقع البناء.

في وقت متأخر من الليل، وعندما تتجول في شوارع الدوحة بعيدا عن الأبراج السكنية الفارهة على الساحل الغربي، تجد عدداً متزايداً من العمال يعيشون في الشوارع بلا مأوى. وفي نفس الحي، على بعد حوالي خمسة مبان بعيداً عن موقع البناء هذا، نجد عاملاً آخر ينام على درج أحد المباني السكنية لعدة أيام.

"يقدر سعر مساحة السرير في المناطق السكنية بين 500 و700 ريال قطري، أي ما يعادل مابين 140 و190 دولار أمريكي، على الرغم من أن مع معظم العمال يكسبون أقل من 1000 ريال قطري في الشهر، مما يعني أنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف السكن فيها."

زيادة تكاليف المعيشة وركود الأجور

زيادة تكاليف المعيشة كالإيجارات وفواتير المياه والكهرباء والمواد الغذائية الأساسية، مع ثبات الأجور وركودها، دفع العمال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض إلى العيش في ظروف معيشية أسوأ.

السكان متعاطفون مع محنة العمال، ويقولون أن العديد من العمال يعيشون في الشوارع من أجل توفير المزيد من المال من رواتبهم الشهرية.

يقول أحد السكان الذي فضل عدم الكشف عن هويته: "الرواتب راكدة منذ سنوات عديدة والايجارات ترتفع كل بضعة أشهر تقريباً، وذلك بسبب ارتفاع الطلب على السكن، بعض العمال الذين كانوا ينفقون ثلث رواتبهم على أماكن الإقامة وجدوا أنفسهم الآن ينفقون أكثر من نصف رواتبهم على المساكن المناسبة."

قطر مثل غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي تحظر "العزاب" (العمال الذكور المهاجرين ذوي الدخل المنخفض) من العيش في المناطق السكنية، حيث تتواجد الأسر. وتضعهم في معسكرات للعمل في أماكن معزولة خارج المدينة، حيث يصعب على العمال الوصول إلى أماكن عملهم ما لم توفر لهم الشركة وسيلة للنقل، خصوصاً وأن وسائل النقل العام في البلاد تكاد لا تذكر. لذلك، فإن تأجير أماكن لوضع السرير داخل المدينة مكلف وذلك لارتفاع الطلب عليها.

يقدر سعر مساحة السرير في المناطق السكنية بين 500 و700 ريال قطري، أي ما يعادل مابين 140 و 190 دولار أمريكي، على الرغم من أن مع معظم العمال يكسبون أقل من 1000 ريال قطري في الشهر، مما يعني أنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف السكن.

العديد من الشركات تقتطع جزءا من الراتب بدلاً من الإقامة المقدمة للعمال.

وراحت هذه الخصومات تزداد في ظل ركود رواتب العمال، حيث يقوم العديد من العمال الآن بالخروج من محل إقامة الشركة لإيجاد بدائل أرخص، وفقا لتقرير صحيفة the peninsula المحلية.

وقال أحد العمال الذين تحدثوا للصحيفة أنه يتلقى راتبا قدره 1200 ريال قطري (ما يعادل 320 دولار أمريكي)، والشركة تستقطع مبلغ 700 ريال قطري (190 دولار أمريكي) لسكن مشترك. ولكنه الآن في مسكن جديد في منطقة المطار القديم، ويدفع مبلغ 400 ريال قطري (110 دولار أمريكي)، ويتقاسم الغرفة مع خمسة مغتربين أفارقة آخرين.

وقال عامل آخر: "مهام التنظيف في السكن تطوعية فلا يمكننا اجبار أحد على التنظيف لأننا جميعنا نعود منهكين إلى بيوتنا."

حملات التفتيش العمالية تفعل القليل

التركيز على وضع العمالة المهاجرة في قطر دفع السلطات إلى زيادة حملات التفتيش في أماكن العمل. حينما زادت هذه الحملات، اضطرت الشركات إلى القيام بتعديلات في "معسكرات العمل" ولكن على حساب العمال أنفسهم من خلال استقطاع مبالغ أكبر من رواتبهم الضئيلة. قللوا عدد الأسرة في كل غرفة، وحسنوا من نظافة المطابخ والحمامات مقابل استقطاعات أكبر. بعض العمال قالوا أن ٣٠ إلى ٥٠ بالمئة من رواتبهم تستقطع من أجل السكن، مما دفع الكثير منهم إلى ترك الإقامة في سكن الشرطة والبحث عن أسِرة أرخص في أماكن أخرى.

وسائل الاعلام الدولية التي تزور قطر بشكل دوري تبحث عن القصص في الأبراج العالية من الحي التجاري في الدوحة وفي معسكرات العمل داخل المنطقة الصناعية. ولكن في بطن المدينة، باب أي فيلا قديمة يكشف قصصاً أكثر بؤساً.