لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مسؤولون ومواطنون: كيف تتشارك المجتمعات الخليجية في مهمة بوليسية ضد المهاجرين

في 16 يناير 2015

قراءة رواية واحدة لواقع العمالة المهاجرة في دول مجلس التعاون الخليجي تنتهي بنا إلى صورة تجريمية لأغلبية مضطهدة. في هذا التقرير، نتحدث عن الممارسات البوليسية التي يتعرض لها المهاجرون على يد المسؤولين والمواطنين.

في ٢٠١٣، أشعلت "الحملة الأمنية" في السعودية موجة عنصرية ضد الملايين من المهاجرين المقيمين في المملكة. لم تكن الحملة مقتصرة على السعودية فدول الخليج جميعها اتخذت خطوات مشابهة تستهدف المقيمين فيها بحجة "التخلص من المخالفين والمتسللين". ونتجت هذه الحملات عن اعتقالات وترحيلات ضد مئات الآلاف من المهاجرين في المنطقة مع تسهيل جرائم ارتكبت ضد العمالة المهاجرة. وكانت الشرطة السعودية قد قامت مع مجموعة من المواطنين بالبحث عن عمالة أثيوبية غير موثقة بتفتيش بيوت حي المنفوحة في الرياض. رحلة المطاردة هذه انتهت بقتلهم لأحد المهاجرين.

كالعادة، لم تعتذر السلطات السعودية عما حصل ولم تقم بأي تحقيقات في مقتل هذا الإنسان بحجة أنه قتل خلال مواجهات مع "مثيري الشغب.” تأتي هذه الحادثة كمؤشر على تحول خطير في واقع العمالة المهاجرة في المنطقة حيث تقوم السلطات بتشجيع العنف ضد المهاجرين باستخدام خطاب القانون والأمن. نتطرق هنا إلى بعض الأمثلة عن هذا الواقع الجديد الذي يتشارك فيه المسؤولون والمواطنون مهمة مطاردة وانتهاك سلامة وحريات المهاجرين.

في أكتوبر، تداولت الصحف السعودية وشبكات التواصل الاجتماعي صورة رجل شرطة في مدينة تبوك خلال تكريمه من قبل مسؤولين في وزارة الداخلية. الخبر يمتدح الشرطي الذي رفض القبول برشوة من مهاجر "مخالف للإقامة" حيث قام باعتقاله وأخذه إلى مركز الترحيلات. كما قامت وزارة الداخلية قبل عامين بتكريم شرطي آخر في جدة لرفضه رشوة من مهاجر حاول التخلص من الترحيل.

من الواضح أن السلطات مستمرة في تمجيدها لرجال الشرطة لرفضهم هذه الرشاوى دون اتخاذ أي خطوات ضد فساد وفشل أنظمة الهجرة والأمن في البلاد. كما تقوم وسائل الاعلام المحلية بتكريس هذا الخطاب الذي يصنف المهاجرين باعتبارهم مجرمين دون التطرق للممارسات الفاسدة والانتهاكات التي تمارسها السلطات بشكل مستمر ضدهم ومن بينها اعتقال الآلاف لفترات غير محدودة حتى ترحيلهم وحرمانهم من التمثيل القضائي للحصول على حقوقهم المادية.

هذا المثال يؤكد على أن رواية السلطة عن المهاجرين تصنفهم باعتبارهم تهديد للأمن الوطني وبالتالي من المقبول أن تتم معاقبتهم بطرق قسرية مع تمجيد رجال الشرطة بدلاً من فرض الرقابة على عملهم.

هذه القصة الاحتفائية تمثل تجاهل الدولة لدورها الرئيسي في اضطهاد المهاجرين والتحريض ضدهم، أولاً من خلال فساد الشرطة الذي يهدد سلامة المهاجرين والذي يغلب أي خطر تراه السلطات في العمالة الغير موثقة. ثانياً، حرمان المهاجرين من حق التمثيل القضائي والمساعدة القانونية اللازمة يضطرهم لاتخاذ خطوات أخرى لحل مشاكلهم. رغم ذلك، تستمر وزارة الداخلية السعودية بامتداح منظومتها البوليسية مقابل تجريم العمالة المهاجرة لتبرير المداهمات اليومية والاعتقالات التعسفية والترحيلات الجماعية التي تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية لهؤلاء المهاجرين.

بوليسية المواطن

في نوفمبر الماضي، تداولت شبكات التواصل الاجتماعي فيديو لرجل أمن سعودي يقوم بجلد رجل جنوب-آسيوي. لم تذكر الحادثة في أي من وسائل الاعلام المحلية أو حتى الإقليمية (والتي تحرص باستمرار على نشر قصص مرعبة وسلبية عن العمالة المهاجرة حتى وإن حصلت في دول أخرى). في المقابل، نلاحظ انتشار قصة أخرى عن اعتداء "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" على رجل "بريطاني".

لم تتطرق السلطات السعودية بأي شكل لفيديو تعذيب رجل الأمن لذلك المهاجر وبالتالي لم تظهر أي معلومات اخرى عن الحادثة. كثرة هذا النوع من الاعتداءات تبدو جلية في الظهور المستمر لمثل هذه التسجيلات، فبعد انتشار هذا الفيديو ظهر تسجيل آخر لمواطن سعودي يقوم بضرب مهاجر بحذائه. على الإنترنت، ندد بعض المواطنون بهذا الفعل من خلال شبكات التواصل الاجتماعية إلا أن الكثير منهم أيضاً برروا الحادثة بقولهم أن المهاجر على الأرجح ارتكب جريمة ما وبأن العمالة المهاجرة تمثل خطراً على أمن البلاد وبأنهم يستحقون مثل هذه المعاملة.

من بين الآليات الخطيرة للحملة الأمنية في السعودية فرض عقوبات في حالة توظيف أو إيواء مهاجرين غير موثقين حيث أرسلت وزارة الداخلية رسائل قصيرة تحذر من العواقب القانونية لمن "يساعد المخالفين" والتي تتمثل في عقوبة بـ١٠٠ ألف ريال أو السجن لعامين" لمن "يتعاون" مع العمالة الغير موثقة. الإمارات أيضاً أعلنت عن عقوبة "الحبس لشهرين أو ١٠٠ ألف درهم" في ذات الحالة. كما حذرت وزارة الداخلية القطرية ضد توظيف العمالة الغير موثقة بالاعلان عن عقوبة بقيمة ٥٠ ألف ريال أو الحبس لـ ٣ أعوام.

معاقبة الضحية

بينما تستمر السلطات في معاقبة العمالة الغير موثقة والتحريض ضدهم، لا تقوم الأنظمة القانونية في دول الخليج بمحاسبة من يقوم بانتهاك حقوق وحريات العمالة المهاجرة أو حتى العمل على تحسين القوانين المحلية التي تخلق باستمرار الآلاف من العمالة الغير موثقة.

في نوفمبر الماضي، قامت قطر باعتقال عامل نيبالي بحجة عدم حمله لوثائق صالحة لأن صاحب العمل هو المسؤول عن تجديد أوراقه الرسمية. وعلى الرغم من استمرار أصحاب العمل في عدم تجديد أوراق العاملين والذي يؤدي إلى اعتبارهم "مخالفين" في البلاد، إلا أننا لا نجد أي تقارير محلية تتحدث عن أهمية فرض عقوبات على هؤلاء أو من يقومون بتشغيل عمالة غير موثقة. ما نلاحظه باستمرار هي حملات الاعتقال ضد مهاجرين يتم وصفهم بـ "عصابات" لتوفيرهم فرص عمل للعمالة الغير موثقة أو مساعدتهم على الهرب.

في ٢٠١٣، نشرت كويت تايمز تقريراً عن "عصابة أفريقية" تتكون من ١٥ رجل و٤٠ امرأة بعد هربهم من أصحاب عملهم. وفي مايو الماضي، قامت شرطة الشارقة وعجمان باعتقال "خادمات متغيبات وعصابة" لقيامهم "بتحريض الخادمات على الهرب.”

هذه الروايات تكرس الأفكار السلبية عن المهاجرين وتجعل منهم هدفاً للاعتداءات والتشهير في الأماكن العامة. هذه القصص تتجاهل السياق الذي يدفع هؤلاء للهرب من أعمالهم فالهرب من الكفيل في دول الخليج يعتبر جريمة مما يضطر الخادمات للجوء إلى هذه "العصابات.” نظام الكفالة لا يسمح لعاملات المنازل بتغيير جهة عملهم دون موافقة الكفيل الأول، كما أنهم لا يتمتعون بتمثيل قضائي يمكنهم من الحصول على حقوقهم المادية والمعنوية. تجريم العمالة المهاجرة الهاربة من الاستغلال والعنف يمثل قاعدة أساسية في أنظمة الهجرة الخليجية، بينما يسهل على أصحاب العمل الاعتداء على موظفيهم دون التعرض لمحاسبة أو عقوبات.