لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

آدم هنية: لن تتغير أوضاع الهجرة دون تحول عميق يطال حكام الخليج

في 24 أبريل 2015
في هذا الحوار، تحدثنا مع دكتور آدم هنية -الكاتب والمحاضر في دراسات التنمية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية لجامعة لندن- عن إصداره الأخير "دول العبور: الشغل والهجرة والجنسية في الخليج" والذي قام بتحريره بالاشتراك مع عبدالهادي خلف وعمر الشهابي.

تبحث مجموعة المقالات في هذا الكتاب عدة مواضيع مثل الجنسية والاقصاء في الخليج، مشاريع البناء الضخمة والعاملين فيها، وسياسات المكان في المدن الخليجية. ركز المساهمون أيضاً على نظام الكفالة والعمالة المهاجرة وحركاتهم التنظيمية. سبق وأن عمل هنية في جامعة الشيخ زايد في الإمارات قبل أن ينتقل للعمل في لندن. يركز هنية في بحوثه على هجرة العمالة والسوق العالمية والاقتصاد السياسي في التمويل والتنمية، بالإضافة إلى نظريات النظام الطبقي ونشأة الدولة.

في "دول العبور" ناقشت موضع العمالة المهاجرة في الخليج وكيف أنها غير محدودة بالدول المرسلة والمستقبلة بل بنظام سياسي واقتصادي عالمي. ما أهمية تقديم قراءة غير محصورة في منظومة الدولة والتعاملات الثنائية بين الدول؟

بشكل عام، أعتقد أنه من المهم فهم موضع العمالة المهاجرة في حركات الاقتصاد العالمي، خاصة في سياق سياسات التقشف النيوليبرالية والهبوط الاقتصادي والأزمات العديدة. هذا السياق العالمي مهم لفهم القوى المشكلة لحركات الهجرة، سواء من الريف إلى المدينة أو بعبور الحدود الدولية. في ذات الوقت، من وجهة نظر رأس المال، كثيراً ما يعتبر المهاجر عاملاً مثالياً لأنه مؤقت بلا ضمانات وقابل للإزالة. بالطبع، يتم توظيف العرق في اضطهاد المهاجرين وبالتالي نرى أنهم يعيشون تجارب مريرة.

انطلاقاً من هذه العوامل، أرى أن هنالك تبعات يجب اعتبارها لفهم هجرة العمالة. أولاً، علينا أن نفهم أن العلاقات الاجتماعية لا يمكن تقنينها داخل حدود الدولة. ما نعتبره "طبقة عاملة" في دول ما تمتد عبر الحدود الدولية وتتشكل باستمرار. ثانياً، من الخطأ والضلال أن نحصر حركات هجرة العمال في فروقات الأجور بين الدول. الأوضاع الاجتماعية التي تدفع البعض للهجرة مرتبطة بالأوضاع الاجتماعية التي تخلق هذه الفروقات الطبقية الشاسعة في الاقتصاد العالمي. عوامل الدفع والجذب مرتبطة ولا يمكن فصلها.

في مثال الخليج، نموذج "الجذب والدفع" مازال مسيطراً في قراءات الهجرة. كثيراً ما يفرز هذا الأسلوب فكرة خاطئة عن أن الهجرة مفيدة لكلا الدولتين مع تهميش آليات الاستغلال المتجذرة في هجرة الملايين إلى الخليج. في الفصل الذي كتبته من الكتاب، عملت على تفنيد مثل هذه القراءات للتأكيد على أهمية دراسة التطورات المتضاربة في منطقة الخليج وموقع هذه الدول في نظام الاقتصاد العالمي. بمعنى آخر، علينا دراسة العمليات التي تؤدي إلى التطور الضخم في دول الخليج مقابل ارتفاع معدلات الفقر والاقصاء في الدول المجاورة. أظن أن الإجابة على هذا السؤال موجودة في فهم طبيعة الاقتصاد العالمي. يلعب النظام الطبقي ومنظومات العمالة المهاجرة في الخليج دوراً مركزياً في تشكيل الهرميات المحلية والإقليمية والعالمية.

ناقشتم في الكتاب أن نضالات العمالة المهاجرة في المنطقة بدأت تجذب الاهتمام في السنوات القليلة الأخيرة خاصة في الإمارات خلال ٢٠١٣ بسبب الاضرابات الواسعة في مشاريع الإنشاء. هل هنالك عوامل اقتصادية وسياسية لهذا التغير؟

هنالك عدة عوامل. بالتأكيد بعد أزمة ٢٠٠٨ وما تعرض له قطاع الإسكان، أصبحت هنالك ضغوط متصاعدة على العمالة المهاجرة العاملة في البناء. مثال على ذلك التقارير الموجودة عن عمليات الترحيل وحرمان العمال من أجورهم والعنف الممارس ضدهم بالإضافة إلى الضغوط المرتبطة بأوضاع العمل. هذا الواقع مشترك بين كل دول الخليج، ولا يقتصر على الإمارات فقط. في ذات الوقت، نجد أن توسع المشاريع الضخمة بالاشتراك مع مؤسسات عالمية، ثقافية وأكاديمية ورياضية، خلقت وعياً حول أوضاع العمال في منطقة الخليج. شهدنا عدة حركات تضامنية في هذا الشأن خلال الفترة الأخيرة. وقد تكون الثورات العربية قد لعبت دوراً في ذلك. هذه بعض العوامل التي لاحظتها إلا أننا لا نعلم بعد إن كان هذا الحراك سيستمر في المستقبل.

علينا دراسة العمليات التي تؤدي إلى التطور الضخم في دول الخليج مقابل ارتفاع معدلات الفقر والاقصاء في الدول المجاورة.

العمل النقابي في الخليج مازال في مراحله المبكرة، إلا أن نلاحظ ذلك حتى على مستوى العالم العربي، أليس كذلك؟

صحيح، مع استثناءات محدودة في تونس ومصر. هنالك مشكلة في أن النقابات الرسمية تم ربطها بالدولة والأحزاب الحاكمة لتكون بذلك أداة للهيمنة الاجتماعية بدلاً من أن تكون معبرة عن مصالح الطبقة العاملة.

هنالك إشكالية أخرى في وجود قطاعات ضخمة غير منظمة في دول شتى حول العالم العربي. بالإضافة إلى الهجرات الضخمة وأزمات اللاجئين الحاصلة حالياً. نلاحظ أيضاً غياب قطاع كبير -مثل العمالة المهاجرة في الخليج- من أغلب القراءات والتنظيمات التقدمية والراديكالية في المنطقة. إن كانت الأمور ستتغير إلى الأفضل، يجب اعتبار هذا القطاع الأساسي جزءً من الطبقات العاملة في المنطقة بدلاً من معاملتهم كأجانب وعمال مؤقتين. نحن نتحدث عن ٢٣ مليون شخص يعملون في قلب اقتصاد المنطقة.

وفقاً لدراستك وعملك في الخليج، هل تعتقد أن هنالك نهاية قريبة لنظام الكفالة؟

في فصول عدة من الكتاب، ومن بينها فصل مهم من تأليف محمد ديتو، نناقش مركزية نظام الكفالة في تحديد طبيعة علاقة المهاجر-المواطن-الدولة في الخليج. يكتب عبدالهادي خلف أن الكفالة مفتاح لفهم "ما يقوم به حكام الخليج حينما يحكمون.” خلف وديتو يشرحان كيفية استخدام نظام الكفالة لمراقبة والسيطرة على العمالة المهاجرة، ليكون هذا النظام بمثابة مناقصة يمنحها الحكام للمواطنين والشركات. بالتالي، ينتج ذلك عن تجارة الإقامات والأدهى أنه يمنح المواطنين مسؤولية ضمن سيطرة الدولة على قطاع العمل. مع اعتبار هذه المركزية التي يلعبها نظام الكفالة، لا أرى أن هنالك تغيير قادم دون تحول عميق يطال حكام الخليج. على الأغلب، سنشهد تغييرات شكلية ووعود لإصلاح القوانين دون أي تغيير حقيقي. لذلك من الاشكالي أن يتركز العمل الحقوقي على تغيير القوانين لأن قضية العمالة المهاجرة قضية سياسية تتطلب مواجهة مع النظام.

من الملاحظ أن الكتاب لا يقتصر في تركيزه على العمالة اليدوية مثل عمال المنشآت بل يشتمل على دراسات للعمالة المهاجرة في قطاعات مختلفة مثل شركات الأمن في البحرين أو موظفي الجامعات في قطر. ما أهمية هذه القراءات المتعددة؟

نهدف من خلال هذا الكتاب لتوسيع طرق فهم الهجرة في الخليج. الفصول المكتوبة (ميشيل باكلي عن الإمارات، نيها فورا عن قطر، وعبدالحميد وكلير بوغران عن البحرين) توضح الأشكال المختلفة للهجرة في الخليج والتي تتداخل لتصنع أنظمة القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذه المنطقة. وتدرس هذه القراءات أساليب وخطابات متعلقة بالهجرة في الخليج تقوم بتعريف تجارب المهاجرين والمواطنين، خاصة فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي والعرق والطبقة.

مازال حقل دراسات الهجرة في الخليج حديثاً نسبياً على الرغم من ارتباطه بهجرة ضخمة للملايين من العمال والتأثيرات السياسية والاقتصادية لهذه الهجرات التي تتجاوز المنطقة. هل هنالك مواضيع معينة ترى أن على الأكاديميين والصحافيين والمدونين التركيز عليها؟

هنالك قضيتان رئيسيتان بحاجة لدراسات عميقة. الأولى علاقة هجرة العمال بالاقتصاد السياسي لمنطقة الخليج. حالياً، هنالك توجه في الدراسات الأكاديمية لدراسة الاثنين بشكل منفصل. على الرغم من التأثير الجذري لحركات الهجرة، نجد أن دراسات الاقتصاد السياسي في المنطقة تهمش دور العمالة المهاجرة مقابل التركيز على أسواق رأس المال وعائدات النفط والسياسات الإقليمية وطبيعة الأسر الحاكمة. الدراسات المتعلقة بالهجرة كثيراً ما تكون وصفية ومحدودة في تركيزها لتتجاهل علاقة العمالة المهاجرة بتطور الرأسمالية في الخليج. من أهدافنا في هذا الكتاب أن نتحدى هذا التوجه حيث يقوم عمر الشهابي بالتركيز على علاقة التوسع المدني بالتمويل والهجرة. لكن في رأيي هنالك الكثير من القضايا المرتبطة بالهجرة في الخليج بحاجة للدراسة والبحث.

ثانياً، العلاقات العابرة للدول لشبكات المهاجرين في الخليج. لا أعني هنا العلاقات الأسرية والاقتصادية بين المهاجرين ودولهم الأم والتي كثيراً ما تم تناولها، بل أعني الحركات المحتملة للتنظيم السياسي والعمالي في مساحات مختلفة. هنالك القليل من الدراسات في هذا الشأن ومن المهم التوسع في هذا الحقل. ما هي احتمالات العمل التضامني بين من تم ترحيلهم والحركات النقابية والسياسية في دول مثل جنوب آسيا والفليبين وموجات الهجرة المستمرة؟ هذا مجال بحاجة لاهتمام الأكاديميين والصحافيين والمدونين لدعم النشاط المتعلق بهذه القضايا.

"دول العبور: الشغل والهجرة والجنسية في الخليج" تحرير: عبدالهادي خلف، عمر الشهابي، وآدم هنية. الناشر: بلوتو، لندن (٢٠١٥).