لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

أين هي جوازات سفرنا؟

في 11 يناير 2016

 

يتعرض العديد من المهاجرين الأوغنديين في دول مجلس التعاون الخليجي للترحيل إلى بلدهم بدون جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية التي يصادرها كفلاؤهم مما يزيد من معاناتهم ويثقل كاهلهم.

ذكرت هاجرة، إحدى العائدات إلى بلادها، إن كفيلها رفض إعطاءها جواز سفرها حتى بعد أن تأكد من قرب ترحيلها، كما عبرت عن القلق مما سيواجهها من متاعب في دوائر البيروقراطية الأوغندية حال سفرها، علاوة على أنها ستدفع مبلغ 50 – 100 دولار لقاء استصدار جواز سفر جديد، وهو مبلغ ليس بقليل بالنسبة لها.

كانت هاجرة قد عملت لمدة ستة أشهر في الكويت بعد أن تعرضت للخداع من قِبل شركة توظيف وسيطة أخبرتها أنها ستعمل في شركة اتصالات استناداً إلى شهادة تكنولوجيا المعلومات التي تحملها. ولكن كفيلها صادر جواز سفرها منذ وصلت الكويت وأجبرها على العمل كخادمة.

"لم أتقبل العمل لديهم منذ اليوم الأول وأصابني التوتر طيلة الوقت" تقول هاجرة، وتضيف "أخبرت المدام (الكفيلة العربية) فكان ردها أن: لا خيار لديك سوى العمل فقد أنفقنا الكثير من المال كي نوصلك إلى هذا البلد، فالتزمي بالعمل"!

فما كان من هاجرة إلا أن هربت من منزل كفيلها دون جواز سفرها وشرعت بالبحث عن عمل يتناسب مع مؤهلاتها، لكن عندما اكتشف أحد أرباب العمل الذين قصدتهم أنها لا تحمل جواز سفر أبلغ عنها الشرطة وتم القبض عليها. وأتى كفيلها إلى قسم الشرطة عارضاً أن "يعيدها إلى البيت" للعمل كخادمة، منذراً إياها بحرمانها من جواز سفرها ما لم تكمل فترة عامين من العمل لديه.

وهكذا، بمجرد هروبها، أصبحت هاجرة تلقائياً مهاجرة "غير شرعية"، ولم تستطع الشرطة إرغام كفيلها على إعادة جواز السفر لها، بل نصحتها بالاتصال بالسفارة الأوغندية لاستصدار وثائق تسفير تمكّنها من العودة إلى بلدها بدون جواز سفر. وبما أن أوغندا ليس لديها سفارة في الكويت كان على هاجرة أن تطلب المساعدة من سفارتها في المملكة العربية السعودية المكلفة برعاية شؤون مواطنيها المهاجرين إلى البحرين وقطر أيضاً.

في هذا العام فقط اضطرت السفارة لإصدار وثائق تسفير مائتي أوغندي ممن رفض كفلاؤهم إعادة جوازات سفرهم

 

وبالمثل تقول عائشة، العاملة المبعدة الأخرى، إن كفيلها طلب منها سداد مبالغ رسوم استقدامها مقابل أن يعيد لها جواز سفرها المصادر بشكل غير شرعي. ونظراً لعجزها عن الدفع أُجبِرت أيضاً على استصدار وثيقة تسفير من السفارة الأوغندية في المملكة العربية السعودية والعودة إلى موطنها بدون جواز السفر.

وطبقاً لما يذكره بشير علي نسوبوجا، أحد أبرز ممثلي الجالية الأوغندية في الكويت، فقد اضطرت السفارة الأوغندية خلال هذا العام وحده لإصدار وثائق تسفير لمائتي أوغندي تقريباً ممن احتجز الكفلاء جوازات سفرهم ورفضوا إعادتها. وبينما تعجز السفارات عن استعادة الجوازات المصادرة من الكفلاء يتم احتجاز العمال طيلة فترة انتظارهم صدور الوثائق المطلوبة لتسفيرهم وإعادتهم إلى بلادهم.

ويقول بشير أنه "توجد أسباب مختلفة لرفض الكفلاء العرب إعادة جوازات المهاجرين، أحدها يكمن في اعتقادهم بأنه يتوجب على المهاجر ألا يعود إلى بلده قبل أن يكمل عامين من العمل وفق عقد العمل المبرم حتى لو كانت ظروف العمل مجحفة"! وتتضمن الأسباب الأخرى عدم قدرة المهاجرين تسديد نفقات استقدامهم للكفيل، بما فيها رسوم تأشيرة الدخول وثمن تذكرة الطيران، فيما لو أراد أحد المهاجرين أو المهاجرات إنهاء عقد عمله في وقت مبكر.

من الناحية القانونية، تُعتبر مصادرة جوازات السفر عملاً غير شرعي في الكويت لكن العديد من أرباب العمل يرتكبونه بزعم "حماية استثماراتهم"، أي نفقات التوظيف واستقدام الشغيلة التي يفرض القانون على الكفيل تحملها أساساً. ويُذكر أن هذه النفقات قد ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية في كل المنطقة، ويعود ذلك جزئياً إلى امتناع بعض الدول المصدرة للعمالة عن إرسال مواطنيها اعتراضاً على تدني الأجور وسوء شروط العمل. وفي كثير من الأحيان يطلب أرباب العمل استرداد مبالغ نفقات التوظيف من العاملات أو العمال الذين يرغبون بإنهاء عقد عملهم مبكراً، لكنهم لا يستطيعون سدادها نظراً لغرقهم المسبق بالديون بعد دفعهم رسوم الاستقدام لشركات التوظيف الوسيطة في بلدانهم.

ورغم أن قوانين دول الخليج العربي عامةً تُجرِّم مصادرة جوازات السفر والأوراق الثبوتية الأخرى إلا أنه لا يمكن التعويل عليها لا من ناحية استرداد الوثائق المصادرة ولا من ناحية إجبار أرباب العمل على إعادتها. ومع أنهم ينتهكون القوانين نادراً ما تتم معاقبة أحد أرباب العمل، وفي أحسن الأحوال يمكن للوجهاء أو المحامين أو رجال الشرطة التفاوض معهم حول استرجاع الوثائق المصادرة التي تتحول في معظم الأحيان إلى ورقة مساومة مع العمال المهاجرين لتحصيل مبالغ الاستقدام من جيوبهم أو إعادة الرواتب التي كانوا قد تلقوها.

وعموماً ينتشر هذا النوع من الاستغلال في جميع دول الخليج العربي بشكل كبير، وتأتي الإصلاحات الأخيرة لتمنح أرباب العمل مزيداً من الصلاحيات: ففي الكويت وقطر يمكن لأرباب العمل الاحتفاظ بوثائق أي عامل بشرط موافقته، إنما نادراً ما يتمتع الشغيلة ذوي الدخل المحدود بممارسة حق الرفض، حتى إن كانوا يعونه. وكذلك حتى قبل إجراء هذه الإصلاحات أشارت دراسة صادرة عن وكالة أمنستي الدولية إلى أن الكفلاء يحتجزون جوازات سفر معظم العمال في قطر (89-90% ممن شملهم الاستطلاع).