لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

اصلاحات كأس العالم: ارتباك في خطوط الدفاع القطري

في 2 مارس 2016

 

قدّر أحد آخر التقارير الصادرة عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) أن أكثر من سبعة آلاف عامل مهاجر في قطر سيكونون قد ماتوا بحلول موعد انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم في عام 2022، مما دفع بقطر إلى رفضه والرد على ما جاء فيه، ولكن ردها أخذ شكلاً دفاعياً أجوف المضمون، وأشبه بتكرارٍ لردها الأسبق على تقرير منظمة العفو الدولية في الشهر الأخير من العام الماضي.

فبينما اعتمدت تنبؤات تقرير الاتحاد الدولي على منطق احتمالي غير جازم، ظهر الرد القطري كنوع من إدانة الذات ضمنياً، عن غير قصد. وتكفي قراءة متأنية في حيثيات البيان القطري لتفنيد ما ورد فيه من تناقضات.

البيان القطري: الدوحة/ المكتب الإعلامي/ 20 ديسمبر 2015/ عبرت دولة قطر عن رفضها للادعاءات التي وردت في البيان الأخير للاتحاد الدولي لنقابات العمال، بتكرار ادعائه بأنه "من المرجح وفاة 7 آلاف شخص من العمال الوافدين في دولة قطر قبل أن يتم ركل أول كرة في بطولة كأس العالم 2022 وذلك بناء على بيانات جديدة". باعتبار أن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة وما هي إلا تكرار لمحاولات تشويه الحقائق، مؤكداً عدم وقوع حالة وفاة واحدة بين أولئك العمال، بعد مرور أكثر من 14 مليون ساعة عمل في المنشآت الخاصة بالبطولة.

كما أنه من غير المنطقي ربط جميع حالات الوفاة التي تم تسجيلها في بلد يستضيف أكثر من مليون عامل نتيجة لحوادث العمل أو الظروف المصاحبة، وإذا كان الاتحاد الدولي لنقابات العمال يطبق نفس المنطق خلال تقييمه لوفاة العمال بسبب أولمبياد لندن 2012 مثلاً، فإن وفاة كل عامل غير بريطاني بين عام 2006 وعام 2012 قد يرجع إلى بناء منشآت أولمبياد لندن.

صحيح أنه لم تسجل أي حالة وفاة في مواقع بناء منشآت كأس العالم. لكن نشر معطيات من قبيل أن 1200 عامل مهاجر قد لقوا حتفهم حتى الآن في منشآت التحضير لكأس العالم، وأن 4000 عامل آخر سيلقون حتفهم أيضاً أثناء فترة البناء، قد لفتت الانتباه على نطاق واسع في وقت سابق من العام الفائت بقدر ما أثارت الانتقادات بشأن تضليل حساباتها الخاطئة.

لذلك يبدو احتجاج قطر على "تشويه الحقائق" بلا أساس طالما أنها لا تقوم بضبط المقاولين وتحميلهم مسؤولية نشر تلك المعلومات. فإلى جانب افتقار قطر للشفافية، معروف أنها وضعت العقبات أمام حرية جمع المعلومات من خلال إخضاع وسائل الإعلام للرقابة المتواصلة والتوقيف.

وها هو الاتحاد الدولي لنقابات العمال يزعم الآن أنه بالاستناد إلى "تحليل الإحصائيات والتقارير الصحية الصادرة في قطر خلال السنوات الثلاث الماضية، يمكن القول أن التقارير التي تتحدث عن موت أربعة آلاف عامل بحلول عام 2022 تحاول تخفيض الأرقام الحقيقية بشكل بائس".

يزيد المعدل الفعلي للوفيات عن ألف حالة سنوياً، مما يعني وفاة سبعة آلاف عامل حتى عام 2022. وتستقبل طوارئ مستشفيات قطر يومياً 2800 حالة مرضية، بزيادة قدرها 20% عما استقبلته ما بين عامي 2013 و2014".

وبالطبع، إن التنبؤات حول موت سبعة آلاف إنسان حتى عام 2022 هي توقعات افتراضية لكنها مبنية على حدوث حالات وفاة سابقة فتحت العيون على تردي ظروف العمل في قطر إلى حدٍّ يظهر معه القياس بالوفيات المتزامنة مع إقامة الألعاب الأولمبية في لندن ضعيفاً، نظراً إلى أن الغالبية العظمى من العمال المهاجرين ذوي الأجور المتدنية يعملون فعلاً في قطاعي البناء والخدمات، وإلى أن كل عامل يتقدم للحصول على تأشيرة سفر مفروض عليه الخضوع لسلسلة من الفحوص الطبية الصارمة للتأكد من جاهزيته الجسدية للعمل قبل سفره إلى قطر. أي أنه من الأرجح ربط النوبات القلبية المفاجئة وما شابهها من علل جسدية تصيب العمال الشباب بظروف وبيئة العمل على العكس من وفيات العمال غير البريطانيين في المملكة المتحدة ما بين عامي 2006 و2012.

مرة أخرى، بما أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لا تنشر أي معلومات عن إصابات العمال والوفيات في مواقع العمل، فيمكن القول أن الاتحاد الدولي لنقابات العمال يقدم أكثر التقديرات واقعية رغم شح المعلومات المتوفرة.

قطر: بالرغم من أن الأرقام التي نشرها الاتحاد الدولي لنقابات العمال، قد تم رفضها عدة مرات في الماضي، إلا أن الاتحاد الدولي لنقابات العمال ولأسباب عديدة غير واضحة قدمها على أنها حقيقة مؤكدة، ولا يوجد هناك أي سبب للاعتقاد بأن الآلاف من العمال سيلقون حتفهم في المواقع الإنشائية لكأس العالم وتكرار هذه المعلومة الخاطئة، إنما ما يحدث هو العكس تماماً.

كذلك ليس واضحاً لماذا فشل الاتحاد الدولي لنقابة العمال، في مقارنة ظروف العمل في دولة قطر بظروف العمل في بلدان أخرى تواجه تحديات مشابهة، فدولة قطر ليست الدولة الوحيدة التي تمر بتطور اقتصادي وعمراني وتستعين بعدد كبير من العمال الوافدين، وحكومة قطر عازمة على الاستمرار في تلبية أعلى المعايير الخاصة بظروف العمل وترحب بأي مقارنة عن التقدم الذي تم إحرازه في هذا المجال.

يتوجب على قطر الالتزام بالمعايير العالمية لا بمعايير الدول المجاورة، ليس فقط لأن دول الخليج الأخرى تلقت انتقادات مشابهة عن انخفاض معايير العمل فيها وانتهاكها حقوق العمال المهاجرين رغم أن بعضها يغذ الخطى باتجاه إصلاح نظام الكفالة، بل كذلك لأن الأضواء كلها أصبحت مسلطة عليها منذ قبلت المسؤولية (والمكافآت الاقتصادية والمقام الاعتباري) عن استضافة بطولة كأس العالم 2022.

ليس أمراً تلقائياً أو مجرداً أن "تمر قطر بتطور اقتصادي وعمراني"، وليس من باب الكرم أن "تطرح فرص عمل"، بل لأنها بحاجة إلى الكثير من الأيدي العاملة لتحقيق خطط التنمية السريعة الملتزمة بها. ومن هنا تقع على عاتقها مسؤولية التعجيل بتطوير معايير العمل فيها. خاصة وأنها في السنين السابقة قد حصلت وما يزال متاحاً لها الحصول على الخبرات والاستشارات من المجموعات الحقوقية والاتحادات النقابية المختلفة لإجراء الإصلاحات، وكل ما يلزمها أن تعكف على دراستها ووضعها قيد التنفيذ.

قطر: خلال الخمس سنوات الماضية، بلغت التحويلات المالية للعمال في دولة قطر التي يرسلونها إلى أسرهم كل عام ما بين 10 مليار دولار إلى 14 مليار دولار سنوياً، ويتم التعامل مع أغلب العمال في دولة قطر بكل عدل. ولأن الحكومة تدرك أن هناك أقلية لا تنال نصيبها العادل، نقوم بإصلاح قوانين العمل وتطبيقاتها، ونعمل على تحسين ظروف معيشة العمال الوافدين وشروط عملهم في قطر.

تعتبر التحويلات المالية عاملاً حيوياً ومحركاً لاقتصاد الدول والأفراد على حد سواء. ومهما تكن، تبقى تحويلات العمال المالية في قطر مفيدة للطرفين ولا يجوز استخدامها للتغطية على قصور سياسات الهجرة في قطر. وإذا كان هناك الكثير من العمال الباحثين عن فرصة عمل في الخارج لتحسين أوضاع أسرهم المعيشية، فهذا لا يعني أن بالإمكان تبرير التشريعات التمييزية والمعاملة اللا إنسانية استناداً إلى الفهم الشعبوي القائل بأن "من يأتي إلى هذا البلد عليه أن يقبل الوضع كما هو مهما تكن الظروف التي يواجهها، وأن يشعر بالامتنان لكونه يجني أجراً أوفر مما يجنيه في بلده"!

كما أن الذكر المتكرر للعمال الموجودين في قطر باعتبارهم "ضيوفاً" أو "عابرين" ليس إلا التفافاً على المعايير الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين، وترويجاً خاطئاً لفكرة أن دولة قطر تمنح فرصةً مجانية، بينما هي تجني المكاسب بالأكداس من جهد عمالٍ ليس بوسعها الاستغناء عما يقدمونه لتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.

ولم تستطع قطر تفادي المبالغة بادعاءات لا سند لها من قبيل "يتم التعامل مع أغلب العمال في دولة قطر بكل عدل"! متجاهلة الضعف البنيوي الذي خلّفه نظام الكفالة ومجمل بيئته القانونية، فضلاً عن تجاهل التوثيق الشامل لوقائع الاستغلال. الأمر الذي يدل فقط على عجز قطر عن إدراك العمق الحقيقي لأزمة واقع العمل لديها، وعدم جديتها بالالتزام بتحسين أوضاع حقوق العمال المهاجرين.

قطر: الإصلاحات التي أجرتها دولة قطر لتحسين معيشة العمال، والإصلاحات التي ما زالت في طور الإعداد، على النحو التالي:

- تطبيق نظام إلزامي لحماية الأجور يضمن تحويل أجور العمال في الوقت المحدد، وأصبح العمال في الشركات الخاصة يستلمون أجورهم بشكل إلكتروني عبر حساباتهم المصرفية في سبعة أيام.

- أدخلت قطر وطبقت قوانين جديدة تجعل حجز جوازات سفر العمال غير قانوني، والعمل خلال ساعات منتصف النهار غير قانوني أيضا، إضافة إلى زيادة الحد الأدنى لمساحة السكن للعامل بنسبة 50% وذلك لتحسين شروط الصحة والأمن والسلامة لجميع العاملين في قطر.

تسمح آخر الإصلاحات القطرية فعلياً لأرباب العمل بالاحتفاظ بجواز سفر أي عامل مهاجر بعد أخذ "إذنه". وهل يملك العمال هامشَ استقلالية حقيقية يسمح لهم بالاعتراض في ظل المحافظة على سطوة أرباب العمل!

وقد تم بالفعل إدخال نظام حماية الأجور، ولكن ليس بدون عقبات كبيرة تبرز العجز القطري عن تطبيقه. حيث أن قطر لا تملك الكادر الكافي من المراقبين والمفتشين العماليين لوضع النظام قيد التنفيذ وضمان الالتزام بالحد الأدنى من معايير العمل لديها. إذ توظف حالياً ثلاثمائة مفتش عمالي مقابل 1.6 مليون عامل ولن تتمكن من تجهيز أربعمائة مفتش قبل نهاية عام 2016.

قطر: وقامت الدولة أيضاً بوضع لوائح قوية لحماية الرعاية الاجتماعية التي توفرها للعمالة، وتيسير الحصول على حقوقهم وتطبيق العدالة لأولئك الذين يعانون من الظلم والمعاملة غير العادلة. ويعمل نظام الشكاوى الإلكتروني بعشر لغات مختلفة، بما في ذلك الإنجليزية والعربية والأوردو والهندية والتاميلية والبنغالية والنيبالية.

ولمعالجة ممارسات التوظيف غير العادلة في البلدان المصدرة لتلك العمالة من جذورها قامت دولة قطر بترخيص أكثر من 200 وكالة توظيف تقوم بالتفتيش والتأكد من الامتثال لمعايير التوظيف.

كما لا تألو الحكومة جهداً في التعاون مع حكومات البلدان المصدرة للعمالة، حيث وقعت دولة قطر على 35 اتفاقية ثنائية و 5 مذكرات تفاهم مع 40 دولة.

وأصدرت الحكومة مؤخرا قانون إصلاح نظام العمل القائم على العقد، بما في ذلك الأحكام التي تنظم شروط الدخول والخروج والإقامة والتي تعد بمثابة بداية النهاية لقانون "الكفالة" في قطر، كما أن هناك إصلاحات لا تزال مستمرة على قانون العمل لكي تمنح العمال مزيداً من الحقوق.

ما تزال الإصلاحات الأخيرة المطبقة على نظام الكفالة تحافظ على بعض بنودها الأكثر ظلماً، وخاصة ما يتعلق منها باستصدار تصاريح المغادرة حيث يُفرض على العامل أخذ الإذن من كفيله لمغادرة البلد. مع العلم أن هذا النظام ترك الكثير من العمال مقطّعي السبل لسنوات عديدة، وأجبر عمالاً آخرين على التنازل عن كل الأجور المستحقة لهم مقابل الخروج من قطر. وفي الوقت ذاته لن يجري الأخذ بتغييرات الإصلاح هذه حتى نهاية عام 2016. وكنا قد نشرنا بهذا الخصوص مقالاً تحليلياً عن الإصلاحات الأخيرة.

قطر: تنتهز حكومة دولة قطر كل فرصة للتعبير عن تقديرها للمساهمات التي يقوم بها الملايين من العمال الوافدين لتعاونهم في تطوير مشاريع البنية التحتية، وقد سبق لها أن أبدت التزامها بحقوقهم العمالية وحقوقهم الإنسانية.

وترحب حكومة دولة قطر بالنقد البنّاء المدروس من قبل منظمات حقوق الإنسان والاتحادات والمنظمات العمالية المحلية التي تسعى لمساعدتنا على تحسين ظروف العمال الضيوف، ولكننا نعتقد أن خدمة مصالح أولئك العمال تكون أفضل من خلال النقد والتحليل القائمين على الوقائع لا على ادعاءات لا أساس لها، وسوف تستمر في تصحيح السجلات عندما تشعر بأن هناك معلومات خاطئة بشأن ظروف العمال في الدولة.

يحضر النقد المدروس والمشاركة الفعالة مع هذه المنظمات حيث تتوفر الشفافية وتتاح فرصة الوصول إلى المعلومات. وفي حين أن قطر كانت قد أذنت في السابق للمجموعات الحقوقية والاتحادات العمالية بمعاينة بعض مواقع العمل وفتحت حواراً معها، إلا أنها أخذت تفرض مزيداً من القيود عليها منذ كشفت أضواء بطولة كأس العالم مشهد سوء واقع العمالة والعمال في قطر، وصعّبت على وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية القيام بالاستقصاء والتفتيش باستقلالية بدل أن تحافظ على التقدم النسبي الذي كانت قد وصلت إليه في هذا المجال.

إن الإصلاحات المزمع إجراؤها في قطر هي نتيجة لما طالبت به منظمات مثل أمنستي، وهيومان رايتس ووتش ولجنة حقوق الإنسان الوطنية التابعة لها، ومجموعات الناشطين المحليين، إضافة لما قدمه أيضاً الاتحاد الدولي لنقابات العمال من مطالبات بضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها والالتزام بمواصلة تحسين أوضاع العمالة. ولكن مجرد الإعلان عن إجراء الإصلاحات ليس كافياً، إذ يتعين على قطر مشاركة هذه المنظمات على المدى الطويل والسماح لها بالعمل داخل البلد بحرية للتأكد من أن التغيير قد تحقق فعلاً، بما يتضمنه ذلك من جعل الإصلاح عملية تعاونية وعلنية عامة.

صحيح أن قطر قد أجرت بعض التغييرات مضاعفةً عدد المفتشين العماليين في البلد ومؤخراً شرعت بتطبيق مبدأ المحاسبة على انتهاك الأنظمة المطبقة. وصحيح أن بعض وسائل الإعلام قد تمادت في تشويه الأرقام التي توقعها الاتحاد الدولي للنقابات وشيطنة صورة القطريين على مدار الساعة. وإذا لم تكن قطر هي أشد منتهكي حقوق الإنسان فلا داعي لأن تلجأ إلى مقارنة حالها بحال البلدان الأشد استغلالاً للعمال لتتملص من المسؤولية المترتبة عليها. ولا حاجة لها بمثل هذه المنافسة التي تنأى بها عن الالتزام التام بتلبية معايير العمل وحقوق الإنسان. وبعيداً عن التجاوزات بحق السيادة الوطنية، تحظى هذه المعايير بإجماع عالمي، وقطر نفسها كدولة عضو في الأمم المتحدة ومنظمة العمل العالمية تعتبر طرفاً مشاركاً وجزءً مكوناً لهذا الإجماع.

ونهايةً، بعد خمس سنوات من تشريفها بلقب مضيف بطولة كأس العالم 2022، ما زال طريق الإصلاحات الفاترة طويلاً وما زال لدى قطر الكثير لإنجازه.