لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

البيزنس وحقوق الإنسان: بمقدور الشركات توظيف نفوذها لحماية العاملات المنزليات

في 7 أغسطس 2016

 ما يزال عمال وعاملات المنازل، مربيات وخدَم وسائقين وطهاة وبستانيين، محرومين إلى حد كبير من رعاية قوانين العمل السارية في دول مجلس التعاون الخليجي. مع العلم أن الغالبية العظمى من عمال المنازل تتشكل من النساء المهاجرات المتحدرات من بيئات مفقرة ومن بلدان لا توفر أنظمتها وآلياتها أية حماية، سواء كان عملهن داخل البلد أو خارجه، والآتيات إلى منطقة الخليج العربي على أمل تأسيس حياة أفضل، ولكن بمعارف ومعلومات ضحلة أو حتى دون وعي مسبق بحقوقهن وواجباتهن وبشروط العمل التي سوف تخضعن لها.

تتعرض عاملات المنازل إلى تقييدات بشروط وقوانين عمل لا توفر لهن الحماية في معظم بلدان العالم تقريباً بما فيها المملكة المتحدة حيث تتضمن شروط الحصول على التأشيرة منعَ عمال المنازل الزائرين من تغيير أعمالهم. وبالنسبة لنا، نحن المتابعين اللصيقين لهذه القضايا، يتمثل هدفنا النهائي في شمول عمال وعاملات المنازل برعاية قوانين عمل منصفة عادلة، وضمان أفضل تنفيذ للساري منها.

وفي أثناء ذلك تبرز الحاجة لسد ثغرات المعارف وملء فجوة المعلومات، واتخاذ خطوات وقائية من شأنها تخفيض المساوئ الناجمة عن الاستغلال. والفرصة سانحة لأن تلعب إدارات الشركات و"البيزنس" دوراً في هذا المجال.

تتوجه منظمة حقوق العمالة المهاجرة "Migrant-Rights.org" بخطابها إلى مواطني الخليج (والمقيمين فيه من غير المواطنين)، وهدفنا الأساسي هو تعزيز ودفع حقوق العمال المهاجرين قُدماً في منطقة الخليج، حيث يسود الخواء عندما يتعلق الأمر بتوفر المعلومات وإقامة الحوارات المجدية حول هذه الموضوعات، وتُعتبر منظمة حقوق العمالة المهاجرة منبراً فريداً من نوعه لكونها محلية الطابع ومستوعبة لمضامين شؤون هجرة العمالة إلى الخليج العربي.

ومن أجل مجابهة النظرة والآراء السلبية السائدة حول العمالة المهاجرة وتغييرها يتعين علينا تقديم البديل لجمهورنا المحلي.

تغيير المواقف تجاه العمالة المنزلية

لهذا الغرض يأتى "مشروع آويني" Shelter Me Project (بالاشتراك مع Hivos) الذي يوفر لنا فرصة الاحتكاك المباشر مع الناس ودعوتهم لتغيير مواقفهم تجاه عاملات وعمال المنازل، من خلال إجرائنا الدراسات الإحصائية والاستعانة بمجموعات تركيز أرباب العمل المعتمدين على العمالة المنزلية. وقد أدركنا أن سلوكيات أرباب العمل الاستغلالية لا تنبع دائماً من خبثهم، فكثيراً ما يكون سببها عدم المعرفة المتفشي بين أرباب العمل وجهلهم بالسلوكيات الأفضل.

لكن العقبة الأبرز تكمن في أن الإجراءات الوقائية (التي تعكس سياسات الدولة) تزيد من حالة عزل وتهميش العمال، مهما تكن ممارسات أرباب العمل ونواياهم طيبة.

فنجد أن دول المنشأ المصدِّرة للأيدي العاملة تنتهج سياساتٍ تمنع النساء من الهجرة أو تجعل السفر عسيراً عليهن عبر الطرق النظامية، مبررة تلك السياسات ومدافعة عنها بدعوى أنهن بحاجة للحماية من تقلبات أحوال هجرة العمالة.

ومن الضفة الأخرى تحاول السياسات المطبَّقة في بلدان العمل المستوردة للأيدي العاملة "حماية" رب العمل والعاملة: الأول من وكالات التوظيف الفاسدة ومن العمال "غير الموثوقين"؛ وحماية الثانية من ضعف حالها كامرأة ومهاجرة في آن واحد. وفي نهاية المطاف تعجز كل هذه السياسات عن الاعتراف باستقلالية الفرد وقدراته الكامنة وتمييز حقه بالإنتاجية الاقتصادية، بالتوازي مع عدم وجود عقود عمل نظامية والحاجة لتحديد شروط العمل بشكل جلي ومفصَّل لا لبس فيه.

أما بخصوص النشاط القائم على أساس الحقوق في دول مجلس التعاون الخليجي فهو محدود ومقيد في أحسن الأحوال، ومعدوم في أسوأها. ومن أجل الوصول إلى أرضية مشتركة وأفضل مستوى من التكافؤ – حيث يُضمَن العمل اللائق لعاملات المنازل – يتعين على جميع الأطراف من أصحاب المصلحة الالتزام بأسس حقوق الإنسان. وقد توصلنا بعد البحث إلى إعداد دليل أرباب العمل كوسيلة مبسطة وعملية تساهم في شرعنة العمل المنزلي، متضمناً مبادئ توجيهية لتيسير العلاقة بين رب العمل والعاملة المنزلية التي يوظفها لديه بما يعود بالنفع على كليهما على حد سواء.

من حيث الجوهر، يتعين على الشركات والمنظمات التي يضم كبار موظفيها عدداً كبيراً من الوافدين أن تلعب دورها في هذا المجال. فهؤلاء الموظفون التنفيذيون هم الذين يشغِّلون عاملات وعمال المنازل، ويعكس سلوكهم الجوهر الأساسي لقِيَم ومبادئ البيزنس. وفي بعض البلدان، بما فيها قطر، يمكن للوافد أن يكون كفيلاً لعامل منزلي إذا حصل على إذن من رب عمله، وفي هذه الحالة تغدو المنظمة (بشكل غير مباشر) جزء مشاركاً في عمليات استقدام العمالة وتوظيفها. الأمر الذي يمكن النظر إليه على أنه مسؤولية بقدر ما يمكن اعتباره فرصة على الشركات استغلالها لتوجيه طاقم موظفيها وتدريبهم على أفضل الممارسات والسلوكيات. خاصة أن المجال مفتوح أمامها على اتساعه للعب دور ريادي وفعال، بمنظور التأكيد على كل من يرغب بالاستفادة من خدمات عاملات المنازل أن يلتزم بقواعد رسمية تضمن احترام حقوق العمال.

لماذا يتوجب على الشركات احترام حقوق عاملات المنازل وحمايتهن؟

ما الذي تستطيع الشركات أن تفعله؟

  • توزيع دليل أرباب العمل على الموظفين القائمين لديها على رأس عملهم وممن يُحتمل أن يوظِّفوا عمال منازل.
  • وضع سياسةٍ تُدخل قواعد سلوك الموظفين ضمن الثقافة والقيم الأساسية للشركة.
  • التفكير بإنشاء تجمع اجتماعي في المنظمة لمناقشة مواضيع حقوق الإنسان والتوصل إلى صياغة أسس أفضل الممارسات والسبل لتوظيف وإسكان عاملة منزلية، ولرفع سوية مهارات عاملات المنازل أيضاً.
  • تفحُّص المرافق والتسهيلات الممنوحة لمساكن طاقم الموظفين (إذا كانت الشركة تقدمها). وهل هي في حالة ملائمة لعيش عاملة مقيمة فيها؟
  • التحدث إلى مسؤولي الدولة والبعثات الدبلوماسية حول ما إذا كانت لديهم معايير يعتمدونها لتوظيف عاملات المنازل وتشجيعهم على توزيع دليل أرباب العمل.

يقيم مشروع "آويني" ورشات عمل مع أوساط البيزنس لإطلاق حوار حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات في حماية عاملات المنازل. ونحن على تواصل مع هذه الأوساط لحثهم على الاستفادة من دليل أرباب العمل مقترحين عليهم إنشاء منظمات اجتماعية في منشآتهم أو أعمالهم المهتمة بتدريب العمال على المهارات الأساسية كاللغة والإسعافات الأولية، ومحو الأمية المالية. كل هذه مجرد مقترحات وأية مبادرة صغيرة بتنفيذها ستدفع بالأوضاع قدماً.

مع العلم أن بعض المنظمات قد قامت بشق الطريق من قَبل بوضع شروط تلزم موظفيها تجاه عاملات المنازل. فعلى سبيل المثال، في عام 2000 أجرت الجامعة الأمريكية ببيروت تعديلات على شروط السكن وتعليماتها المتعلقة بعمال المنازل تحديداً، مدرجة حقوق وواجبات موظفيها (كفلاء عمال المنازل). ونتيجة لذلك، أصبح طاقم الموظفين القاطنين بالسكن الجامعي ولديهم عمال منازل ملزمين بتسجيلهم لدى الجامعة، وبات يتوجب عليهم إبراز تصاريح عمل العمال وتوثيق عقودهم. كما أعلنت الجامعة الأمريكية بوضوح أنها سوف تقابل أية إساءة أو مضايقة "باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة نيابة عن العامل ضد رب العمل المسؤول أو أحد أفراد أسرته".

أما بالنسبة للشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي فيتوقف عليها أن تقرر ما تستطيع أن تأخذه على عاتقها، وإلى أي حد تبلغ قدرتها فيما يتعلق بحماية عاملات المنازل. إنما الأمر الذي لا جدال فيه هو أنه يتوجب عليهم اتخاذ بعض التدابير على الفور.

 

(نُشرت هذه المقالة الافتتاحية أولاً على موقع معهد حقوق الإنسان والأعمال Institute of Human Rights and Business)