لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

آلاف العمال محاصرين في السعودية والحكومة تتخلى عن مسؤوليتها

في 27 سبتمبر 2016

مرت عدة أشهر وما يزال آلاف العمال المهاجرين محاصرين في المملكة العربية السعودية، معظمهم ممن كانوا يعملون في شركة "سعودي أوجيه" وآخرون ممن عملوا لدى شركات أخرى تأثرت من أزمة هبوط أسعار النفط عالمياً، بما فيها شركات وأعمال "مجموعة بن لادن". فوفقاً لوكالة رويترز التي اعتمدت على مصدرين مختلفين بلغت مديونية شركة "سعودي أوجيه" للعمال 2.5 مليار ريال سعودي، تتضمن تعويضات إنهاء عقود العمل وكافة المستحقات ذات الأثر الرجعي (عن أشهر عمل سابقة لم يقبض العمال أجرها). ومن جهتها تقول الشركة أنها حجبت الرواتب لأنها لم تتلقَ من الحكومة السعودية المبالغ المترتبة عن المشاريع المنجزة لصالح الحكومة، والتي تصل قيمتها إلى 30 مليار ريال لم تسدد وزارة المالية أياً منها منذ عام تقريباً. ومن المرجح أن يؤدي التعثر الأخير في المفاوضات الجارية بين "سعودي أوجيه" والحكومة إلى إطالة أمد الأزمة.

وإذا كانت تملأ الأجواء رائحة تواطؤ وتقاعس الحكومة عن مسؤوليتها بضرورة التدخل لحل الأزمة، فذلك لا يعود إلى العلاقة الوثيقة بينها وبين الشركة بقدر ما يعود إلى إخفاقها في إيجاد الحلول المناسبة في الأشهر الأخيرة قبل وصول الأزمة إلى ذروتها. مع أن وزارة العمل كانت قد زعمت أنه خلال أشهر مارس ويونيو ويوليو تم فرض غرامة على شركة "سعودي أوجيه" لمخالفتها قانون حماية الأجور، وأن الوزارة تعمل على وضع اللمسات الأخيرة على إجراءات تقضي بدفع رواتب الموظفين وتسهيل سفر ذوي عقود العمل المنتهية.

وبالعودة إلى شهر مارس 2016، شكلت الحكومة لجنة مختصة تجاوباً مع شكاوى العمال حول عدم تلقيهم أجورهم، وتعهدت بتسديد رواتبهم من طرفها مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال تسوية مستحقات المشاريع التي نفذتها "سعودي أوجيه". وخلال شهري يونيو ويوليو عاد العمال ثانية لتقديم شكاوى عن عدم تلقيهم الرواتب طيلة سبعة أشهر، مشيرين إلى وجود ثغرات في تطبيق "نظام حماية الأجور" المفترض أنه يضمن تلقي العمال لرواتبهم كاملة وفي وقتها المحدد. ثم قاموا بعدة أعمال احتجاجية في جدة ضد الشركة وعدم تدخل الحكومة، فقطعوا الطرقات وأشعلوا النار في سيارات وحافلات الشركة وأغلقوا محطة وقود قبل أن تفرقهم قوات الشرطة.


ولم يحصل العمال على أي نتيجة واستمر إخفاق وزارة العمل بإيجاد حل فعلي حتى بعد مرور شهرين آخرين. وحتى المطالبات بإعادة العمال المسرَّحين والمحاصرين إلى أوطانهم بطائرات الخطوط الجوية السعودية مجاناً ليست كافية ولا يمكن اعتبارها حلاً عادلاً للأزمة. خاصة وأن معظم العمال المحاصرين يرفضون إعادتهم لبلدانهم، متحملين الجوع والظروف المزرية التي يمرون بها في 20 معسكر عمالي، خوفاً من عدم تلقيهم مستحقاتهم بعد تسفيرهم، كما لا يعتبر السفر خياراً مقبولاً للعمال المديونين لمكاتب التوظيف أو من يترتب عليهم سداد قروض مصرفية غير قابلة للنقل. ونظراً لحجم القضية وتركيز الإعلام عليها تحاول السفارات المعنية التدخل للتفاوض على حلٍّ يصب في صالح العمال.

وتجد وعود وزارة العمل الخائبة صداها في تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقائه مع وكالة بلومبيرغ:

الأمير محمد: بلا شك. المشكلة القائمة مع أوجيه تختلف عما نشهده هنا في السعودية. لقد سددنا لها عدة أقساط ولكن بسبب وجود ديون عليها داخل وخارج السعودية فإن المصرف يقوم بسحب الأموال حال دخولها. ليست مشكلتنا أن شركة سعودي أوجيه لا تستطيع تغطية تكاليف العمالة لديها، إنها مشكلتها. من جهتنا سنحترم العقد الذي أبرمناه معها. لكن إذا كان المصرف يسحب الأقساط التي نسددها لها وتعجز من جهتها عن دفع أي مبلغ لموظفيها وعمالها فتلك مشكلتها وحدها. وبإمكانهم الذهاب بها إلى المحاكم، (التشديد من قِبل المحرر).

لكن بعد هذه الأشهر الطويلة من انتظار العمال لرواتبهم وتقديمهم العديد من الشكاوى لوزارة العمل، بات واضحاً أن العمال غير قادرين واقعياً على مقاضاة شركة سعودي أوجيه.

نلاحظ من التعليقات الواردة على منشورنا عن مناخ العداء الذي يعاني منه العمال المهاجرون، فلم تستطع الأيام العشر الفضيلة من ذي الحجة أن تنير قلوب الناس بالتعاطف معهم، للأسف. فبعد توقف الشركة عن تأمين الأغذية والكهرباء والخدمات الصحية وأعمال الصيانة في المعسكرات العمالية بات العمال المحاصرون يعتمدون على تبرعات أبناء بلادهم والمساعدات التي تقدمها سفاراتها من خلال الحملات المنظمة والجمعيات الخيرية. ويُبرز هاشتاغ (#NoIndianLeftBehind) جهود مجموعات العمل الهندية وسعيها نحو توفير المعونات لأكثر من 10 آلاف عامل هندي متضرر من الأزمة.

وعلاوة على أوضاع العمال الهنود، يُذكر أن آثار أزمة تدهور أسعار النفط قد طالت العمال المهاجرين المتحدرين من جنسيات أخرى أيضاً: ثمانية آلاف عامل باكستاني، 10 آلاف فلبيني، وعلى الأقل مائة عامل سيريلانكي قد تم تسريحهم بسبب الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى 10% من أصل 600 ألف عامل نيبالي في المملكة السعودية طالتهم الأزمة أيضاً، حسب تقديرات جمعية "The Non-Resident Nepali Situation" (NRNA).

ومن الجدير بالذكر أن العمال المسرحين والمحاصرين لا يشكلون ظاهرة نادرة الوجود ولا وضعهم مجرد نتيجة لهذه الأزمة وحدها. ففي أغلب الأحيان يتم تجميع العمال وجلبهم إلى السعودية في مجموعات، مع وعدٍ بفرصة عمل لم يُنجز عقده النهائي بعد، ويبقون بلا عمل حتى يباشر أحد المشاريع أعماله فيُلحقون به. ونظراً لتركيز الإعلام على هذه الأزمة الأخيرة، تسمح السلطات السعودية لبعض العُمال بالانتقال إلى أي شركة أخرى ضمن المملكة.

ومن المرجح أن يستفيد العديد من أرباب العمل المحليين من مصدَر العمالة المتاح لهم بسهولة، لتأتي أزمة العمال المحاصرين كفرصة زائدة لعرض الأيدي العاملة. كما تُظهر تصريحات الأمير محمد أن عمال البناء يُعاملون عادة على أنهم "أهم" بقليل من مُدخلات العمل الأخرى، وأن استغلالهم نتيجة حتمية لموقعهم في سلاسل إمداد الأعمال الإنشائية التي "يصعب تدبر أمرها". فبداية من الحكومة ومروراً بالشركات والأعمال وصولاً إلى الأفراد تظهر نزعة مرعبة من التعامل غير الإنساني مع العمال وهم المساهمين الأساسيين في عمليات التنمية في المملكة. أولئك العمال الذين يستحقون أجورهم عن عملهم الذي أنجزوه بنزاهة تشهد عليها حتى الحكومة وشركة سعودي أوجيه ذاتها، تتعالى الأصوات ضدهم لتعبِّر ليس عن الإهمال وعدم الاكتراث بهم فقط، بل وعن العداء الصريح لهم.

محنة هؤلاء العمال التي طال أمدها بغيضة، ولكنها ليست مفاجئة كثيراً.