لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

العمالة المهاجرة في الخليج: حصاد عام مضى

في 9 يناير 2017

تعرضت دول منطقة الخليج العربي خلال عام 2016 للعديد من الهزات شأنها في ذلك شأن كافة دول العالم. من انهيار أسعار النفط وحتى عجز الميزانية المترافق مع تقليص الإنفاق العام، مما انعكس سلباً على أوضاع العمالة المهاجرة، الهشة من الأساس، إلى حد تسريح الآلاف من عمال الإنشاءات وتركهم عالقين ومحاصرين في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعُمان. وقد صبت وسائل الإعلام في حينه معظم اهتمامها على السعودية لكونها تضم العدد الأكبر من العمال العالقين الذين تقطعت بهم السبل.

فخلال العام المنصرم كانت المملكة قد قامت ببعض الإصلاحات الجزئية تحت شعارات حقوق العمال والسعوَدة، ففرضت غرامات على أرباب العمل المستغِلين والمخالفين للقوانين، لكن تحصيلها عاد بالنفع على الدولة أكثر مما عاد على العمال. وأنذرت وزارة الداخلية العمال المهاجرين بالتعرض للغرامة بمبلغ خمسة آلاف ريال والسجن لمدة ستة أشهر في حال تجاوز إقامتهم في المملكة مدة التأشيرة أو الهروب من العمل، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن العمال إنما يتغيبون عن العمل هرباً من الاستغلال وسوء المعاملة. ضاقت الخيارات أمام غالبية العمال نتيجة فرض الإجراءات غير المجدية، بما فيها العقوبات المذكورة آنفاً، وغياب آليات التنفيذ المناسبة، إضافة إلى عدم السماح لهم بتغيير عملهم أو الوصول إلى سبل تحقيق العدالة.

Cos8UoWUMAEQbtG

طُلب من العمال المسرحين في السعودية أن يعودوا إلى بلدانهم دون أن يقبضوا مستحقاتهم!

أما قطر التي زعمت أنها سوف "تنهي نظام الكفالة" فلم تقم في الواقع إلا ببعض التعديلات الطفيفة، مثل السماح للعامل بتغيير عمله دون موافقة رب العمل بعد انتهاء مدة عقد العمل أو بعد مضي خمسة أعوام على عمله، ودون المساس بنفوذ وسلطة أرباب العمل المطلقة على العمال المهاجرين. ومن ضمن أسوأ ما حافظت عليه كان الإبقاء على شرط الحصول على تصريح الخروج من البلد إلى جانب الثغرات التي تسمح بمصادرة جوازات سفر العمال. وقد دخل قانون الكفالة الجديد حيز التنفيذ بعد شهر من انتهاء فترة عفو مُلتبَس عن العمال المهاجرين المخالفين. ويذكر أن قطر قد تخضع للمساءلة من قِبل لجنة تحقيق تابعة لمنظمة العمل الدولية ما لم تحرز تقدماً على صعيد أوضاع العمالة فيها خلال العام القادم.

وبالنسبة للبحرين التي يُنظر إليها على أنها الدولة الأكثر "تقدمية" بين دول الخليج العربي فيما يتعلق بسياساتها تجاه العمالة المهاجرة، فقد أعلنت للمرة الثانية عن إلغائها نظام الكفالة بهدوء في شهر ديسمبر الفائت (المرة الأولى كانت في عام 2009، وأُشهِر كذلك في وقت مبكر). و يفترض بالإصلاحات في هذه المرة أن "تُنفّذ تدريجياً وتُراجع مرتين في العام على مدى سنتين"، شاملة 48 ألف عامل فقط من أصل 595.151 عامل وافد. كما أعلنت عن اعتزامها إصدار تراخيص عمل مرنة للعمال المخالفين وغير الحائزين على تأشيرة نظامية تسمح لهم بالعمل لدى عدة أرباب عمل.

ومن ناحية الدولة الأكثر تكتماً بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بإصلاح قوانين العمل، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن جملة من التعديلات على قانون العمل تتضمن اعتماد عقد عمل موحد وإفساح مجال محدود أمام العمال لتغيير أعمالهم، حيث أتاحت لهم الانتقال إلى رب عمل جديد بموافقة من رب عملهم الحالي بعد ستة أشهر في حال لم يوفر لهم العمل، أو في بعض الحالات التي تصل فيها الشكاوى إلى المحاكم. كما تضمنت التعديلات تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً و48 ساعة أسبوعياً باستثناء قطاعات محددة (واللافت هنا أن هذه القطاعات لا توظف إلا العمال المهاجرين، بما فيها الفنادق والمطاعم والأمن الخاص). ونظراً لعدائية الإمارات تجاه الصحافة المستقلة من الصعب تقدير فعالية سياساتها وكيفية تنفيذها. وأحد نقاط الضعف تكمن في تقديم عقد العمل باللغتين العربية والإنكليزية فقط، بينما يترك الخيار مفتوحاً في اختيار لغة ثالثة وهي غالباً لغة العامل. وتنص التعديلات الجديدة على إمكانية تعرُّض رب العمل لغرامة قدرها 20 ألف درهم إذا أجبر العامل على توقيع عقد دون أن يفهمه. لكن مرة أخرى تخفق هذه الإصلاحات بضمان إنصاف العمال ونيل ثقتهم بعدالة المنظومة.

وتابعت سلطنة عُمان حملاتها ضد العمال غير الشرعيين لتعتقل وترحّل المئات منهم شهرياً. ورغم أن وزارة القوى العاملة كانت قد نوهت إلى إمكانية إلغاء شهادة "لا مانع" المفروض على العمال الحصول عليها لتغيير عملهم إلا أن شيئاً لم يتغير وبقيت هذه المادة الجائرة من نظام الكفالة سارية المفعول. ويدور الحديث غير السار بالنسبة للعمالة الوافدة عن قرب إصدار قانون عمل جديد يركز على "التعمين" أي توطين الوظائف بحصرها على المواطنين فقط.

العمال العالقون في عُمان خلال حديثهم مع موقعنا

العمال العالقون في عُمان خلال حديثهم مع موقعنا

وفي الكويت تم القيام بعدة إصلاحات تتعلق بالعمال المهاجرين، بعضها جيد ظاهرياً وبعضها سيئ وبعضها الآخر شديد الغرابة. فكان من الضروري أن تُفرض العقوبات بشأن التأخير في تسديد رواتب العمال والتجارة بالتأشيرات، إلى جانب اعتماد صيغة عقد عمل نموذجي لكن بقي السؤال عن كيفية التنفيذ معلقاً بلا إجابة. وعادت السلطات لتهديداتها المعهودة بترحيل العمال المهاجرين جماعياً، الأمر الذي واظبت على ارتكابه طيلة السنوات الخمس الفائتة على الأقل. وفي هذا العام أتت التهديدات مترافقة مع عدد من الإجراءات الجديدة التي تتسم بطابع معاداة العمالة المهاجرة حارمةً الوافدين من جملة أمور شملت منعهم من دخول قاعات المطارات لتوديع أقربائهم المسافرين ومنعهم من العلاج في المستشفيات التي يرتادها المواطنون فقط.

ولن يشمل الحد الأقصى للعمالة الأجنبية قطاع العمالة المنزلية الذي تعمل فيه شريحة من العاملات والعمال الذين تُقبِل كافة دول الخليج على توظيفهم واستقدامهم، في ظل فشل "العرض" القائم بتلبية الطلب المتزايد. علاوة على أن ضعف مذكرات التفاهم الثنائية بين دول الخليج العربي ودول المنشأ بما فيها عدد من الدول الإفريقية الحديثة نسبياً على توريد العمالة للمنطقة سيعني الاستمرار في حرمان عاملات وعمال المنازل من الحماية الشرعية التي يمكن أن يوفرها لهم قانون العمل.

عموماً، شهدت المنطقة بضعة إصلاحات تؤثر على العمالة المنزلية خلال عام 2016. إذ أصبحت الكويت هي الدولة الأولى في الخليج العربي التي تضع حداً أدنى لأجور العاملين والعاملات في هذا القطاع، إنما في ظل عدم وضوح كيفية التنفيذ عملياً نظراً إلى أن البيئتين الاجتماعية والقانونية تحولان دون تمكّن عاملات وعمال المنازل من الحصول على أي شكل من أشكال الدعم القانوني، ناهيك عن النفاذ إلى العدالة. ومع ذلك يعتبر صدور القانون خطوة هامة على صعيد الاعتراف بالعمل المنزلي كعمل حقيقي. والزمن كفيل بإظهار مدى جدية المشرِّعين الكويتيين بدعم وتطوير هذا القانون.

كما أعلنت الإمارات العربية المتحدة مؤخراً عن نقل الإشراف على توظيف واستقدام العمالة المنزلية إلى وزارة العمل بدلاً من وزارة الداخلية. الأمر الذي يمكن أن يكون مقدمة لتوسيع حقوق عاملات المنازل رغم أنه لم يصدر عن السلطات ما يدل على التقدم بهذا الاتجاه.

وأطلقت السعودية بوابة الكترونية لتوظيف واستقدام العمالة المنزلية، كخطوة من المحتمل أن تنجح في القضاء على ظاهرة السماسرة الذين يستغلون ويحتالون على عاملات وعمال المنازل، إنما لن تكون ذات فائدة كبيرة من ناحية تنظيم العلاقة بين أرباب العمل وعمال المنازل.

وفي نهاية المطاف، تبقى شؤون العمالة المنزلية في منطقة الخليج العربي أكبر وأوسع من اختزالها بالدولة وقوانينها. فقسم قصص من الأصل ضمن موقعنا يدخل في تفاصيل التجربة الحياتية للعاملات والعمال المهاجرين والمنازل التي نشأوا فيها، ويسلط مقال سيد فاضل المصوَّر الضوء على الحياة اليومية للعمال المهاجرين في البحرين، كما تقدِّم خارطة الانتهاكات الموجودة على الموقع باللغتين العربية والإنكليزية عرضاً بصرياً يتتبع آثار أنظمة الهجرة النافذة في دول مجلس التعاون الخليجي. علاوة على ما يوفره دليلنا لأرباب العمل لتوظيف عاملات المنازل المهاجرات من مساعدة لأرباب العمل في انتهاج سلوكيات غير استغلالية والسير نحو بناء علاقات أفضل بينهم وبين موظفيهم.