لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عام على صدور قانون العمالة المنزلية في الكويت: ما الذي تغير؟

في 16 يناير 2017

مضى ما يزيد عن العام على موافقة مجلس الأمة الكويتي على القانون المتعلق باستقدام وتوظيف العمالة المنزلية الذي رحب بصدوره آنذاك المسؤولون الحكوميون والمنظمات الدولية لإحرازه "تقدماً" في حماية حقوق العمال و"تحسين صورة الكويت"، فيبدو أن المسؤول الكويتي راض عن القانون حيث لم يضع المشرعون خطة لمراقبة تنفيذ القانون وتطويره ومتابعة نواقصه وثغراته.

وفي حينه، كان موقعنا قد استعرض مواد القانون، الجيد منها والإشكالي، من خلال مسوداته الأولية حتى صيغته الأخيرة. وفيما يلي نعود للتوقف عند بعض عيوبه على ضوء التطورات الأخيرة، مع التنويه إلى ملاحظاتنا مازالت قائمة حول أنه حتى النقاط الإيجابية القليلة الواردة في القانون يمكن أن تُفرغ من مضامينها طالما لم تُوضع حتى الآن آليات مجدية لتنفيذ القانون.

خلال هذا الشهر تباشر أول شركة حكومية لاستقدام العمالة المنزلية أعمالها بعد تأسيسها بناء على هذا القانون بهدف "مواجهة الأسعار والتعامل مع العمالة وحقوقها" حسبما نُشِر. حيث يبلغ نصيب الحكومة فيها 40% والـ 60% الباقية متاحة أمام المساهمين المحليين (أي للمواطنين، عن طريق التعاونيات المحلية). وتُكلّف وزارة الداخلية بمراقبة أداء الشركة بدلاً من أن تُراقبها هيئة مستقلة أو وزارة العمل أو حتى هيئة برلمانية! أي أن الشركة على الأرجح سوف تُراقَب بوليسياً بدلاً من أن تخضع لحكم القانون على أساس حقوق العمال! وتنظر كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين في حصر استقدام العمالة المنزلية من خلال شركات حكومية كما فعلت الكويت، الخطوة التي ربما تعكس التوجه النيوليبرالي في الخليج العربي نحو تشغيل القطاعات والهيئات الحكومية شركاتياً. وسيكون علينا متابعة أثر الشركة على عمليات الاستقدام طيلة العام المقبل.

وفي الأسبوع الماضي، صرح مسؤول في وزارة الداخلية أن إدارة العمالة المنزلية ساعدت على استرداد 13 ألف دينار كويتي (42.500$) من الرواتب غير المدفوعة لعاملات وعمال المنازل منذ بدء سريان مفعول القانون الجديد. وإذ يبلغ الحد الأدنى الشهري لأجر عمال المنازل 45 ديناراً كويتياً (150$) كما ينص قانون عام 2015، يبدو المبلغ المسترد أقل من أن تتفاخر به الوزارة نظراً إلى وجود ما لا يقل عن 661.414 عامل منزلي في الكويت (من الحائزين على تأشيرات نظامية فقط). وعلاوة على ذلك لم تقُم الإدارة بإحالة سوى 25 قضية للمحاكم من بين القضايا التي أخفقت في حل نزاعاتها بين الموظفين وأرباب العمل. ولعل بعض التمعن في تفاصيل المعلومات المتعلقة بهذه القضايا يشير إلى إحراز بعض التقدم في إفساح المجال أمام العمال للوصول إلى العدالة وقاعاتها، لكن الوزارة اكتفت بإيراد الإحصاءات دون تفصيل مضامينها.

في شهر يونيو من عام 2015، كانت منظمتنا قد حصلت على مسودة مسربة لمشروع قانون العمالة المنزلية. ولاحظنا أن النسخة المعتمدة التي تم نشرها بشكل رسمي لاحقاً كانت قد أسقطت بعض الفقرات التي يمكن وصفها بأنها تقدمية، وأهم تلك الفقرات ما يتعلق بطلب ضمانة مصرفية من رب العمل الذي يقوم باستقدام وتوظيف عاملة مهاجرة لديه. فالضمانة المصرفية كان يمكن أن تساعد عاملة منزلية مثل فينيسا المهاجرة من مدغشقر، البالغة سن الـ 26 عاماً، والتي تعرضت للتعذيب واستُعبدَت لدى رب عملها حتى تمكنت من الهرب بعد ثلاث سنوات بمساعدة من مجموعات محلية قامت بنشر قصتها وإيصالها إلى محامٍ (تقاضى منها ما يعادل تقريباً نصف التعويضات التي حصلت عليها). ورغم ذلك أُجبِرت فينيسا على البقاء في ملجأ لعدة أشهر أثناء معاناتها من اضطرابات ما بعد الصدمة! ولطالما كانت الإجراءات القانونية تجعل من الصعب على ضحايا العنف وإساءة المعاملة توكيل محامٍ يتولى الدفاع عنهن وإعادتهن إلى بلادهن، علاوة على أن الوضع القانوني للعاملة أو العامل الهارب أو المتغيب يؤدي إلى سجنه في أحد الملاجئ. ولذلك كان من الممكن للضمانة المصرفية أن تساعد العاملة على توكيل محامٍ أو العودة إلى بلدها بأسرع مما تسمح به البيروقراطية السائدة. 

وإلى جانب ذلك تسمح مادة إشكالية أخرى بمصادرة جوازات سفر العمال "بموافقتهم"! ورغم مرور بضعة أعوام على اعتبار مصادرة الجوازات إجراء غير قانوني (بعد سنوات من تشجيع وزارة الداخلية لأرباب العمل على مصادرة وثائق العمال) لم يحدث أن عوقب أي من أرباب العمل على ارتكاب هذه الممارسات الاعتيادية.

في نوفمبر من عام 2016، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتزامها إصدار بطاقات إقامة تُبرز معلومات العامل والكفيل، على أساس أنه "يمكن استخدامها كبديل عن جواز السفر، كما يمكن أن تشكل حلاً للمشاكل المتعلقة بمصادرة أرباب العمل لجوازات السفر". لكن البطاقات الجديدة فعلياً تعتبر حلاً مريحاً بالنسبة لبيروقراطية وزارة الداخلية فقط، إذ تمكِّن قوات الأمن من تحديد الوضع القانوني للمهاجرين مباشرة (حيث يتعرض المهاجرون لتدقيق تأشيراتهم عشوائياً في الطرقات) بينما تستمر بالسماح لأرباب العمل بالاحتفاظ بجوازات سفر العمال. إنما يبقى المهاجرون هم الأقل استفادة من هذه البطاقات، فإذا كانت تقلل من احتمالات احتجاز أو ترحيل عامل شرعي بالخطأ إلا أنها لا تمنح العمال حرية التنقل بقدر ما يمنحهم إياها جواز السفر. والآن تمنع السلطات مصادرة جوازات سفر العمال لكنها تتركهم عرضة للتشريد والحرمان من العودة للوطن لعدة أشهر. وبات يظهر بشكل متكرر في مجمل سياسات الهجرة في الكويت هذا النمط من التشريعات الذي يركّز على جعل إدارة الهجرة تعمل بكفاءة أعلى بدلاً من التركيز على حماية حقوق العمال!

وهناك عقبة رئيسية أخرى تؤثر على تنفيذ القانون تتمثل باعتراض أرباب العمل على حق العاملة المنزلية بالحصول على يوم عطلة أسبوعية. فغالباً ما تعتبر العائلات النهار الذي تقضيه خارج المنزل للترفيه يوم عطلة للعاملة أيضاً! حتى وإن كان وجودها معهم ضرورياً للعناية بالأطفال، أي للعمل! ومن الشائع في الكويت الاعتقاد بأن العاملة المنزلية سوف تستغل يوم العطلة لمواعدة رجل تأتي منه الأمراض أو ينتج عنه حمل غير مرغوب به! رغم أن العاملات المنزليات يتعرضن للتمييز الجنسي أضعاف مضاعفة سواء في "حراسة" أجسادهن أو انتهاكها في المجتمع عموماً.

ومن هنا تبرز أمام الحكومة الكويتية المهمة الجوهرية الصعبة (التي فشلت في معالجتها حتى الآن) للعمل على مستويات متعددة حقوقياً واجتماعياً لاستئصال المواقف والممارسات القهرية ضد عاملات المنازل. بدل المبادرات التي لا تعزز عموماً إلا ضعف العمال وتزيد من سوء أوضاعهم.