لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

السعودية تجد الموارد لمعاقبة العمال المحتجين لا للانصافهم!

في 6 فبراير 2017

أقدمت المملكة العربية السعودية، في مطلع الشهر الماضي، على معاقبة مجموعة من العمال بتهمة "تخريب الممتلكات العامة وإثارة الشغب" إبان احتجاجهم على عدم صرف رواتبهم، وامتنعت في الوقت نفسه عن فرض عقوبة جدية على الشركات المتخلفة عن دفع أجور العمال لعدة أشهر.

 

في أوائل شهر يناير الفائت، حُكم على 49 من العاملين السابقين في شركات "مجموعة بن لادن" بالجَلد ثلاثمائة جلدة والسجن لمدة أربعة شهور إثر تظاهرهم احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم وإضرامهم النار في حافلات الشركة.

تأجيل إنجاز برج جدة بسبب أزمة مجموعة بن لادن المالية

تأجيل إنجاز برج جدة بسبب أزمة مجموعة بن لادن المالية

من الغريب أن تجد السعودية موارد ووسائل كافية لاتهام ومحاكمة هؤلاء العمال الذين لم يتلقوا رواتبهم حتى الآن ولا تجد مورداً أو وسيلة مجدية لمعاقبة مجموعة بن لادن والشركات الكبرى الأخرى التي فسخت عقود آلاف العمال خلال العام الماضي، فضلاً عن مخالفتها قوانين العمل السعودية! وفي الوقت نفسه الذي ما تزال مجموعة بن لادن تحتفظ فيه بحق مقاضاة العمال بتهمة تخريب ممتلكاتها سيكون أمراً عجيباً أيضاً أن تستطيع، بأي شكل من الأشكال، تأمين الأموال اللازمة لتسديد تكاليف المحاكمات بينما تعلن عجزها عن تأمين الأموال اللازمة لدفع رواتب العمال المستحقة لهم عن عمل عدة أشهر سابقة!

يعمل زوجي لدى مجموعة بن لادن دون أن يتلقى أجره منذ سبعة شهور. وها نحن قد دخلنا في الشهر الثامن دون أي مردود مادي

وكانت السعودية قد نصحت العمال بمغادرة المملكة، بدون قبض تعويضاتهم، قبل أن يتم تسليط الأضواء عالمياً على أوضاع آلاف العمال المسرحين والعالقين فيها دون سداد مستحقاتهم. حيث ما تزال العودة إلى الوطن بجيوب فارغة هي مصير الكثير من العمال غير المدفوعة أجورهم وأقرانهم من العمال المهاجرين ذوي الدخول المنخفضة، بعد أن بدا واضحاً أن نظام حماية الأجور، المحتفى به منذ بدء تطبيقه التدريجي في عام 2013، قد فشل في منع حالات التعدّي على أجور العمال أو معالجة آثارها. إذ من المفترض أن يشير النظام تلقائياً إلى النقص في الرواتب الشهرية حال حدوثه، وبناء عليه يتعين على السلطات التحرك لإجراء التحقيقات الضرورية وفرض العقوبات الملائمة.

لكن ليس بوسع نظام حماية الأجور أن يعود بالكثير من الفائدة على العمال المهاجرين، كما سبق لمنظمتنا أن حذَّرت، دون وجود منظومة تنفيذية وقضائية تراعي حقوق العمال المهاجرين وتلبّيها. فـ "الحماية" التي يوفرها النظام شكلية ونظرية محضة، طالما ما تزال تعترض العمال الكثير من العقبات التي تحول بينهم وبين استلام أو استرداد رواتبهم، أو معالجة شتى أنواع المخالفات، إضافة إلى الرسوم المرتفعة وعدم تجاوب السلطات والجهات الرسمية وعدم فعالية المنظومة القضائية، رغم إعلان وزارة العدل السعودية عن مشروع إطلاق المحاكم العمالية الجديدة في أواخر عام 2016، للمساعدة في تسريع النظر بمثل هذه القضايا، حسبما ذُكِر.

وفي حين خصصت المملكة الموارد اللازمة لمعاقبة العمال المحتجين تخلَّفت عن الوفاء بوعودها الكثيرة لحل مشكلة العمال العالقين والمحاصرين منذ العام الماضي. ورغم تأكيدات المسؤولين لوسائل الإعلام أنهم يعالجون أوضاع العمال المتضررين إلا أنهم في الواقع تركوهم لمصيرهم.

وقد التقت منظمتنا مع إحدى العائلات المحاصرة في السعودية خلال الشهر الفائت، لتحكي لنا الزوجة عن معاناتهم:

"يعمل زوجي لدى مجموعة بن لادن ولم يقبض راتبه منذ سبعة شهور، وها نحن قد دخلنا في الشهر الثامن دون أي مردود مادي. لقد علمنا من خلال مقالات منشورة في ’سعودي غازيت‘ و’أراب نيوز‘ أن الملك قد قدّم مبلغاً محدداً لإحدى الجهات المالية بغية تغطية كافة المستحقات، وكان على مجموعة بن لادن أن تتخذ من جهتها بعض الإجراءات الضرورية للتأكد من دفع كامل مستحقات العمال في شهر ديسمبر من عام 2016. ولكن للأسف لم نسمع أي إعلان أو أي جديد بهذا الخصوص لا من السلطات ولا من أرباب العمل، وها نحن عالقين هنا بلا مُعين. فلا أحد يلتفت إلى حالنا، ولا أحد يحمل لنا خبراً عما استجد بشأن هذا الوضع الذي دُفعنا إليه وكيفية حل مشكلتنا... أما مدراء الشركات فقد نقلوا جميع أملاكهم وأموالهم إلى دول الخليج الأخرى ويهددون بطرد أي موظف يطالب بمستحقاته، دون أدنى اهتمام بالورطة التي وقعنا فيها! ولا أحد يرشدنا أو يساعدنا بعد أن تقطعت بنا السبل وبتنا عالقين هنا".

وتعاني من العيش في مثل وضع هذه العائلة مئات من الأُسر التي عمل وما زال يعمل معيلوها في الشركة منذ عقود، بينهم عمال من ذوي الدخل المنخفض وآخرون من ذوي الدخل الأعلى قليلاً. وغالبيتهم عالقون في البلد تصعب عليهم مغادرتها دون استرداد رواتبهم المستحقة. فغالباً، مَن يعود منهم إلى بلده الأصلي لن يكون قادراً على الاستمرار بالمطالبة برواتبه.

وإذا كان إصدار الأحكام على هؤلاء العمال يعبر عن شيء فإنما يعبر، من ناحية، عن موقف ونظرة السعودية إلى العمال المهاجرين إلى حدِّ اعتبارهم أقل قيمةً من الحافلات! ومن ناحية أخرى أهمّ، تُظهر هذه الأحكام الجائرة مخاوف الدولة من العمال المهاجرين كقوة تزعزع استقرار المملكة السياسي. وهذه المخاوف هي التي تفسِّر المبالغة في التعامل مع جنايات المهاجرين، والقيود الصارمة المفروضة على إقامتهم وحقوقهم الاجتماعية، وانتشار الخطاب المثير لرُهاب الأجانب في وسائل الإعلام الحكومية. وهي كذلك سبب ترحيل العمال المتظاهرين لأجل رواتبهم غير المدفوعة من الإمارات العربية المتحدة في عام 2015، مثلما هي سبب مقتل عامل هندي أثناء مشاركته بمظاهرة مماثلة في البحرين قبل فترة قصيرة. حيث تمثل احتجاجات المهاجرين تحدياً مباشراً للسلطات نظراً إلى أن الإضرابات والمظاهرات محظورة في قوانين عموم منطقة الخليج العربي. إنما مع ذلك، تستطيع حكومات الخليج تجنب وقوع هذه الاضطرابات والتصدر المُحرِج لعناوين الأخبار العالمية الناقدة لسلوكها.

وفي آخر الأمر يجدر الذكر أنه حتى لو كان كل ما تفعله السعودية ودول الخليج الأخرى هو تنفيذ قوانينها فإنها تهدد اقتصاداتها وبالتالي أنظمة حكمها من خلال استمرارها بتسييس حقوق الإنسان الأساسية. فرغم أن حق العمال بالحصول على الأجر العادل لقاء العمل الذي يؤدونه مضمون في تشريعات الدولة، يُعاقَب المهاجرون بل ويُقتَلون لمحاولتهم الحصول على حقهم بالوسيلة الوحيدة التي تلفت أنظار السلطات إليهم!