لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

امسكيني امسكيني: عن الصرخة المدوية للعاملة الأثيوبية في الكويت

في 4 أبريل 2017

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعية بعد انتشار مقطع فيديو يظهر عاملة أثيوبية ممسكة بطرف النافذة وهي تستنجد بكفيلتها التي تقوم بتصويرها. وقعت وحشية المشهد ثقيلة على من شاهد المقطع، فبينما تصرخ الخادمة قبل سقوطها من الطابق السابع، بامكننا تلمس برودة الكفيلة خلال هذه اللحظة الكارثية. المشهد قصير وسريع ومريع، والأدهى أن الكفيلة الكويتية قامت بنشره على الإنترنت شخصياً وكأنها تتفاخر بجريمتها. وعلى الرغم من التعاطف الكبير تجاه المرأة المعتدى عليها، إلا أن خطاب الكراهية سريعاً ما تكون ضدها كمحاولة تحريف ما شاهدناه بأعيننا أو إعادة تدوير الصورة العنصرية النمطية عن الخادمات الأثيوبيات باعتبارهن متوحشات وقاتلات ومشعوذات وعاهرات وبالتالي كاذبات لا يتعرضن للانتهاك! وكانت جريدة الأنباء الكويتية – والتي تنتظم بنشر الأخبار والقصص السلبية عن الخادمات والعمالة المهاجرة بشكل عام – قد حاولت تحريف قصة الضحية بالتأكيد على أقاويل الكفيلة حيث أدعت الأخيرة أنها أرادت إثبات براءتها من محاولة الانتحار وأنها لم تمد يدها لمساعدتها خوفاً من أن تجرها المرأة العالقة إليها!!

بطبيعة الحال، عادت الكفيلة إلى بيتها لتنام في سرير راحتها، بينما تحاول الضحية الآن التعافي في المستشفى. في فيديو جديد، ظهرت المرأة في سرير المستشفى تشكر من دعموا قضيتها، كما نفت ادعاء الكفيلة بأنها كانت تحاول الانتحار. واتهمت المرأة كفيلتها بمحاولة قتلها وهو ما دفعها للهروب من النافذة. كتب البعض أن العاملة طلبت تسريحها من عملها ولكن الكفيلة رفضت طلبها وقررت حبسها في البيت وهو ما يعد شكلاً من أشكال العبودية، أو ما تسميه منظمات حقوق الإنسان بـ "العمل القسري". وقيل أن العاملة لم تتحصل على رواتبها لمدة شهور إلا أن جريدة الأنباء تدعي أنها لم تكمل شهرين في بيت كفيلتها وأنها قد تم توظيفها عبر "مكتب وهمي" مع اتهامها بالتواطئ مع المكتب في عملية توظيف وهرب مستمرة لتحصيل تكاليف الاستقدام من عدة كفلاء!

بذلك، تحولت الخادمة التي هز وقوعها حواسنا إلى مجرمة ومجنونة وكأن قصص التعسف والتعذيب جديدة على المجتمعات الخليجية. منذ أشهر، حكمت محكمة كويتية على طبيبة كويتية بالسجن أربع سنوات بعد أن استعبدت الشابة (فانيسا) داخل بيتها وقامت بضربها وتعذيبها والتسبب بعاهة مستديمة في عينها لأكثر من عام قبل أن تهرب بمعجزة وتصل إلى مركز الشرطة. ومن بعد، قضت فانيسا أسابيع في ملجأ العمالة المنزلية المليء بنساء تعرضن للاستغلال والتحرش والتعذيب، قبل أن تستطيع توكيل محام لها والعودة إلى بلادها. ولم تكن فانيسا أولى ضحايا هذه "الدكتورة" المتزوجة من مسؤول رفيع، فسبق وأن هربت عاملتان من بيتها وتقدمن بشكاوى ضدها إلا أنها استخدمت نفوذها وقامت باتهام عاملتها بالسرقة لتحريف القضية ضدهن. ولأن العاملتين لم ترغبان بشيء غير الخروج من الجحيم، تنازلتا عن القضية مقابل تحصيل أتعابهن والخروج من الكويت. في دول الخليج، لا يُمنع الكفلاء من أصحاب الانتهاكات من استقدام المزيد من العمال!

قصص التعذيب والاستعباد كثيرة في الخليج، فلا يمر أسبوع دون أن نقرأ عن حالة جديدة في الصحف الرسمية. ولو راجعنا فقط حالات التعذيب في نوفمبر الماضي، نجد قضية المرأة البحرينية التي قامت وابنتها بتعذيب عاملة سيرلانكية وحرقها بالمكواة لتتحصلان على حكم بالحبس لمدة شهرين فقط! بينما حصلت امرأة كويتية على حكم بست شهور حبساً (فقط) لتعذيبها وضربها عاملتها. أما في الإمارات، فقد قامت اماراتية بتعذيب عاملتها باستخدام المقص والماء المغلي ومكواة الملابس! هذا يعني أننا نتحدث عن التعذيب باعتباره ممارسة ممنهجة ضد عاملات المنازل في الخليج، فالقوانين تساهم في استمرار دائرة العنف هذه مع الدفاع المستميت لدول الخليج عن ضرورة ربط مكان اقامة العاملة بالبيت تحت التصرف الكامل للكفيل، فالعاملة الخارجة عن بيت الكفيل/ة تعتبر بنظر القانون مخالفة لقوانين الاقامة ومعرضة للترحيل الفوري بغض النظر عن ظروف وأسباب هربها.

وحينما كان البرلمان الكويتي يقوم بمناقشة قانون العمالة المنزلية قبل عامين، رفض المشرعون أي محاولة لمناقشة موضوع محل الاقامة لأن منظومة الهجرة الخليجية رسخت على مر العقود ملكية وتبعية العمالة الوافدة لكفلائهم عبر قوانين متعسفة وخطاب تقليدي يدعي اعتبار الخادمات من ضمن أفراد الأسرة لممارسة الوصاية عليهن أو باعتبارهن أجنبيات ماجنات سيخالفن القانون خارج البيت ويمارسن الجنس ويجلبن الأمراض.

هذه المنظومة القانونية والاجتماعية تؤكد بقوة أن العاملة المنزلية ليس لها الحق في التصرف بجسدها سواء جنسياً أو في رفض العمل لشخص ما أو في منع الأذى عنها كما نشهد مع هذه الحالة الجديدة. إن العمل كخادمة في الخليج يعد بمثابة مغامرة تعيسة لا يمكن ضمان الخروج منها بسلام! قد تنتهي الرحلة بعاهة مستديمة أو أمراض عقلية (كما حصل مع امرأة فلبينية عادت للتو من الكويت) أو قد تقضي ١١ عام من العبودية المجانية (كما حصل مع امرأة سيرلانكية رحلت عن الكويت قبل أسابيع)، كما من الممكن أن تقع ضحية للتحرش والاغتصاب، أو تدفعها الطرق المسدودة للانتحار، أو قد تفقد ما تبقى من صبرها وتقتل الكفيل أو أحد أفراد أسرته! هذه ليست سيناريوهات استثنائية، هذه ليست حالات فردية، ففي الخليج، لا شيء يمنع الكفيل عن ضحيته سوى ضميره!