لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

في المملكة العربية السعودية، سياسة الدولة والخطاب الاجتماعي العنصري يساندان بعضهما البعض

في 30 أغسطس 2017

تلقى السكان السعوديون رسائل نصية على هواتفهم في مارس 2017 من دائرة المديرية العامة للجوازات بوزارة الداخلية السعودية، تعلن عن إطلاق حملة "وطن بلا مخالف"، والتي تعهدت بتخليص البلاد من الوافدين الذين تجاوزوا فترة إقامتهم، أو هربوا من وظائفهم، أو يؤدون الحج دون الحصول على الأذونات الصحيحة.

وفي ظل تراجع الاقتصاد السعودي منذ هبوط أسعار النفط في منتصف عام 2014، وصل الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي في المملكة، وخطاب كراهية الأجانب، والعنصرية إلى ذروته بمستوى غير مسبوق على الإطلاق. ومع ذلك، فإن لهذه العنصرية تاريخًا طويلاً لا يزال يتجلى اليوم بفعل عاملين اثنين يعزز كل منهما الآخر: سياسة الدولة والعنصرية على المستوى المجتمعي.

Screenshot 2017-08-11 14.59.05

نظام الكفالة

على الرغم من إلغاء العبودية في عام 1962 في المملكة العربية السعودية، فإنها قد اتخذت شكلاً جديدًا ومعاصرًا عبر نظام الكفالة. ونظام الكفالة هو عبارة عن نظام رعاية تكون فيه حالة تأشيرة الموظف المغترب مرهونة بصاحب العمل، وهذا يعني أنه لا يستطيع دخول المملكة أو مغادرتها أو التبديل بين أصحاب العمل من دون إذن من كفيله، ويتقيد بذلك حقه في التنقل بشكل جوهري. وصفت فليجر في دراسة Antoinette Vlieger’s (2011) التي أعدتها كيف لا يعد عمال المنازل في المملكة العربية السعودية ملكية رسمية لأرباب عملهم، مما يعني أنهم غير مشمولين في تعريفات الأمم المتحدة "للعبد". إلا أنها تدفع باتجاه مراجعة هذا التعريف: فقبل انتشار مفهوم الملكية الخاصة، لم تكن الملكية هي المؤشر والشرط الدائم للعبودية. بل تمثلت العبودية في السيطرة القصوى لشخص ما على شخص آخر.

والسيطرة القصوى والعنصرية المؤسسية التي يطرحهما نظام الكفالة بتفويض من السلطة (وبهذا تتحمل المسؤولية) ويفرضها رب العمل على العامل، تكشف عن نفسها في أبشع صورها في قطاع العمل المنزلي، وفي المقام الأول مع العمالة الوافدة من شرق إفريقيا وجنوب/جنوب شرق آسيا. تعد السيطرة الكاملة لأصحاب العمل على العمال محظورة من قبل الدولة؛ والتي تتدخل عندما يكون ذلك في صورة الترحيل والتدابير العقابية الأخرى ولكن نادرًا ما يكون التدخل في صورة حماية. وفي حين يوجد بالفعل قانون عمل محلي يحدد بعض الشروط الضئيلة مثل الإجازة الأسبوعية والإجازة السنوية لمدة 30 يومًا كل سنتين، فإنه توجد مشكلات خطيرة في الامتثال والإنفاذ والعقوبات. ويعيش عمال المنازل مع أرباب عملهم، ونادرًا ما تكون لديهم القدرة على التفاعل خارج المجال الخاص لأعمالهم، ويحظر تشكيل النقابات بالنسبة لجميع العمال الأجانب، مما يهيئ بيئة يمكن فيها بسهولة إساءة معاملتهم أو استغلالهم دون محاسبة.

 

في عام 2015، أذاعت قناة BBC فيلمًا وثائقيًا قصيرًا حول عمال المنازل الكينيين الموجودين في المملكة العربية السعودية، حيث ذكرت إحدى عاملات المنازل التي تم ترحيلهن من السعودية، أنها "ذهبت إلى هناك ووجدت أنه تم تخفيض الراتب، والمكان الذي كنت أنام فيه كان يوجد به فراش صغير. لم أكن أستطيع النوم أو كنت أنام ولا تطول مدة نومي عن ساعتين. ولم يكن لي نصيب من الطعام. إذا أعطوك طعامًا فليس سوى بقايا الطعام. كان الأمر مؤلمًا للغاية وكنت أبكي في كل مرة وأسأل نفسي "ما الذي جاء بي إلى هذا المكان؟" ويستعرض الفيلم الوثائقي أيضًا عاملات المنازل الكينيات اللائي كن يتعرضن للضرب والتعذيب والاعتداء الجنسي على يد أرباب عملهن.

قبل مفهوم الملكية الخاصة، لم تكن الملكية دائمًا علامة على العبودية. عوضًا عن ذلك، تمثلت العبودية في السيطرة القصوى لشخص ما على شخص آخر.

عكست تجربة العاملات في السعودية عن الخلل في العلاقة بين أرباب العمل وعمال المنازل. وأخبر مسؤولون بالسفارة السعودية في نيروبي قناة BBC بأن الشكاوى التي قدمتها هذه النساء كانت وقائع فردية ولا تمثل السلوك العام نحو العمالة الأجنبية. ومع ذلك، ورد عدد هائل ومتواصل من التقارير التي تفيد وقوع حالات اعتداء على عمال المنازل والذين كان من بينهم فتيات دون سن 18 عامًا، وخلال العقد الماضي تم إثبات أن هذه الحالات كانت بعيدة كل البعد عن كونها وقائع فردية.

العرق

علاقات القوة والسيطرة ما بين أصحاب العمل والموظفين المغتربين لا تحدد بحسب الطبقة الاجتماعية لكلا الطرفين أو الجنسية التي ينتميان إليها فقط، فالعرق يعد عاملاً مكافئًا لهما أيضًا. لا يوجد تاريخ حديث يوثق لحالات عمل فيها السعوديين في خدمة المنازل لدى سعوديين آخرين غير أقاربهم؛ فالمهنة معتمدة دائما على العمالة الأجنبية. وأصبح توظيف عمال المنازل المغتربين أمرًا شائعًا منذ الطفرة النفطية في 1973 عندما ارتفعت الأجور بما يسمح للعديد من السعوديين بالإمكانية المادية لتوفير عمال منازل. وبفضل موارد الدولة الوفيرة، لم تكن هناك حاجة ماسة للعمل بالنسبة لمعظم النساء السعوديات، ليتحولن إلى مديرات رئيسيات لعاملات المنازل - وبالتالي، فإنهن المصدر الرئيسي لإساءة المعاملة تجاه عاملات المنازل، وهذا دور يتعارض مع صورة الشخصية المظلومة التي غالباً ما تظهرها وسائل الإعلام والمنظمات الدولية.

A strip from a graphic illustrating the experience of Almaz, an Ethiopian worker in Saudi Arabia

مقطع من رسومات توضيحية لتجربة ألماظ، عاملة إثيوبية في المملكة العربية السعودية

أغلب العمال من ذوي الدخل المنخفض الذين يحكمهم النظام يتم توظيفهم من دول آسيوية وإفريقية معينة حيث تكون عقود العمل رخيصة وتوجد العمالة الأكثر حاجة مالياً إلى دعم أسرها والأكثر استعداد لتحمل ظروف عمل سيئة بسبب ذلك. ويؤدي تجريد العمالة الإفريقية والآسيوية من إنسانياتهم إلى قصص لا حصر لها من الإيذاء الجسدي والإساءة اللفظية والاعتداء الجنسي والاستغلال المالي، وهو ما يبرره الاعتقاد السائد بأن حياة بعض الأعراق أقل قيمة، أو أن لها سمات سلبية معينة تستدعي استغلالها. وتكون هذه القوالب النمطية واضحة على الدوام في الخطاب المتعلق بسعودة الوظائف الخدمية التي تشغلها العمالة الوافدة في الوقت الحالي.  ويدعو مقال نشرته جريدة سعودي جازيت مؤخرًا إلى سعودة "أوبر" و"كريم"، وزعمت الصحفية ميسون أبو بكر أن السائقين الوافدين لا يحتفظون بنظافة سياراتهم ويميلون إلى استغلال النساء برفع الأسعار، وحصرت الصحفية هذا الانتقاد على الرجال الوافدين فقط.

إلقاء اللوم على الضحايا

يمكن أن تمتد الشيطنة الجنسية وإلقاء اللوم على الضحايا أيضًا إلى عمالة المنازل التي تشكل النساء الأغلبية الساحقة فيها، ولا يحصلن على الحماية من الاعتداء الجنسي داخل المنزل الذي يعملن فيه. في قضية حديثة، بدأ التويتر السعودي في نشر الهاشتاج #AlTurkiParole دفاعًا عن حميدان التركي بعد أن واجه اتهامات جنائية بتهمة اغتصاب مدبرة المنزل الإندونيسية التي تعمل لديه في الولايات المتحدة. وتتردد التغريدات من الدعوة إلى لم شمله مع أبنائه إلى المزاعم بأنه قضى 11 عامًا بسبب اتهامات كاذبة وأدلة متلاعب بها.

وفي حالة أخرى يعود تاريخها إلى 2015، حيث نشرت امرأة سعودية مقطع فيديو لزوجها وهو يعتدي جنسيًا على عاملة منزلية والذي انتشر كالنار في الهشيم مع الهاشتاج #سعوديه_تفضح_زوجها_الخاين. رد العديد تأييدًا للمرأة السعودية دون إيلاء أي اهتمام بالعاملة المنزلية التي يمكن رؤيتها بوضوح وهي تقاوم. وذكرت وسائل الإعلام مثل Gulf News هذه الواقعة على أنها خيانة وليس على اعتبار أنها اعتداء جنسي على ضحية رغم مقاومتها. يتجلى هنا نمط إلقاء اللوم على الضحايا والأثر هو أن عاملات المنازل هدّامات للبيوت وعلى الزوجات السعوديات أن تحذر منهن وتخشاهن. وتَدوم هذه المعتقدات من جانب كلٍ من المجتمع والمؤسسات التي تفشل في حماية الضحايا (على سبيل المثال، من خلال سجن العاملات الحوامل)، وتبث الشكوك التي تبرر إساءة معاملة العمالة.

الدين

تواجه العمالة المهاجرة غير المسلمة أيضًا اضطهادًا بسبب ممارسة شعائرها الدينية على الرغم من أن المملكة السعودية قد تعهدت في 2006 بعدم التدخل في الممارسة الخاصة للأديان الأخرى والقضاء على تجاوزات الشرطة الدينية في الاحتفالات الدينية داخل المنازل الخاصة. ومع ذلك، تم إلقاء القبض على خمسة وثلاثين إثيوبيًا مسيحيًا في ديسمبر 2012 عندما داهمت الشرطة الدينية احتفالاً دينيًا خاصًا في أحد منازل هؤلاء الأشخاص في ذكرى عيد ميلاد المسيح.  وتعرض "الكافرون" كما أشارت إليهم السلطات ووسائل الإعلام، لعمليات تفتيش جسدية غير آدمية وظروف احتجاز غير صحية قبل ترحليهم بتهمة "اختلاط غير مشروع" لأشخاص غير متزوجين.

وفي الرابع من أبريل عام 2017، شاركت امرأة سعودية مقاطع فيديو على Snapchat لنفسها وهي تستجوب عاملات منازل بشأن معتقداتهن الدينية وتخوض في متعلقاتهن الشخصية. ويمكن رؤيتها وهي تتعدى جسديًا ولفظيًا عليهن في مقاطع الفيديو هذه التي راجت ووردت على موقع The Tempest حصريًا. حقيقة رواج مثل هذه الفيديوهات وعدم تعرض أصحاب العمل لأي ملاحقات قانونية، تعد تأكيدًا على ما زعمته العديد من منظمات حقوق الإنسان، بأنه لا توجد سوى قوانين قليلة موضوعة وتُطبق في حالات أقل لحماية العمالة الوافدة المستضعفة سواء الموثقين منهم أو غير الموثقين.

السلوكيات الاجتماعية

تنتشر العنصرية بشكل خارج عن السيطرة بين السعوديين أنفسهم كذلك ويكون السعوديون السود مستهدفين في الغالب. في حوار مع New Arab حول مقطع الفيديو المنتشر على YouTube، "Yes She’s Black, but She’s Pretty"، وتصف فيه عبير سندر صاحبة مدونة عن الجمال، وهي سعودية سوداء، كيف تلقت عددًا لا حصر له من المجاملات الضمنية حول أنها جميلة رغم كونها سوداء مما يوحي بأن في التصور السعودي جمالها كان استثناءً بما أنها سوداء. وأخبرت New Arab"نشأت وأنا أشعر على الدوام بأن بشرتي السوداء جميلة وأني كنت جميلة ... لكن تغير ذلك عندما خرجت إلى المجتمع وبدأت أسمع الكثير من تعليقات الكراهية والعنصرية التي جعلتني أكره نفسي لفترة... حتى أنني فكرت في تبييض بشرتي".

ومن المفارقات الغريبة أن الخطاب المساند للعدالة الاجتماعية والحركات النسائية في المملكة العربية السعودية نادرًا ما يظهر تضامناً مع العمال المهاجرين. وينبغي أن يدرك مناصرو العدالة الاجتماعية كيف أن العرق والجنسية والطبقة الاجتماعية والجندر والدين وما إلى ذلك تتراكم معا لتشكل تجربة المهاجر في البلد المستضيف بما في ذلك ظروف العمل ومستوى الدخل. وفي حين أنه من السخف عدم السماح للنساء بالقيادة في المملكة العربية السعودية، فإن إحدى الحجج الأكثر تكرارًا لتأييد حق المرأة في القيادة مبنية على أساس الشيطنة الجنسية للرجال الوافدين، والأخطار التي قد تواجهها النساء السعوديات عندما يقود من أجلهن السائقون الموظفون الذين عادة ما يأتون من بلدان جنوب آسيا. كتبت الصحفية د. هدى جنات (التي تكتب لصحيفة The Guardian) تغريدة مؤخرًا أظهرت فيه مقطع فيديو لسائق باكستاني يحاول التحرش بامرأة سعودية مع كتابة الوصف التعليقي "فتاة سعودية تصور بالفيديو مواطنًا باكستانيًا يعمل كسائق يتحرش بها. أليس من الأفضل منح المرأة السعودية أبسط حق على كوكب الأرض ... حق قيادة سيارة؟" حقوق المرأة السعودية يجب ألا تستند إلى الخوف من العمالة المهاجرة.   ومن المهم أيضًا أن نتذكر أن كلاً من النساء السعوديات والوافدات والنساء غير المواطنات في السعودية (من مواليد السعودية) محظور عليهن القيادة، والخطاب النسوي السائد يستثنيهن باستمرار من حق التنقل والسياقة.

تعد حملة القضاء على العمالة غير الموثقة صورة أخرى من نظام الكفالة السعودي العنصري والطبقي بشكل مؤسسي – حيث يحد النظام العديد من اختيارات العمال الوافدين المستضعفين ويدفعهم للبقاء بحالة غير شرعية. وتنعكس كراهية  المواطنين للأجانب والعمالة المهاجرة أيضًا على ساحة الحركات النسائية، وغالبا ما يذهب النشطاء إلى حد لوم الوافدين على العلل الاجتماعية مثل حظر القيادة والتحرش الجنسي وفرص البطالة وأكثر من ذلك. ويتزايد هذا النوع من "إلقاء اللوم على الوافد" باستمرار في ظل هذه الأوقات الصعبة اقتصاديًا، مما يجعل من المستحيل تقريبًا إلغاء نظام الكفالة وتنفيذ تدابير الحماية المؤسسية للعمالة الوافدة الأكثر ضعفًا في الدولة. وإلى أن تكون هناك حركة أكثر شمولية للعدالة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية لا تستثني المهاجرين من الطبقة العاملة، فإن سياسات الدولة والخطاب الاجتماعي العنصري سيواصلان تعزيز وإدامة بعضهما البعض.