لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الكفالة للفقراء، والحرية للأغنياء

نظام "الإقامة المميزة" السعودي هو الأخير في الموجة الخليجية لتخفيف أنظمة الكفالة لصالح المميزين

في 21 مايو 2019

أطلقت السعودية نظام إقامة جديد يسمح للأجانب بالبقاء في المملكة دون الحاجة لكفيل محليّ. ويعتبر هذا النظام هو الخطوة الأولى في "إصلاح" نظام الكفالة في الوقت الحاضر، فيما تناولت وسائل الاعلام المبادرة بوصف غير دقيق على أنها "إلغاء الكفالة". 

غير أن الإصلاحات الجديدة هي في الواقع موجهة للمستثمرين الأثرياء ورجال الأعمال الأجانب للاستفادة من رؤوس الأموال الكبيرة لتحريك الطلب في القطاع العقاري وكذلك الترويج للاستثمار الأجنبي. ويؤكد على ذلك إشارة تقارير صحافية  إلى أن رسوم الإقامة المميزة السنوية ستحدد بـ 100 ألف ريال سعودي (26,6 ألف دولار أميركي)، فيما تصل رسوم الإقامة الدائمة إلى 800 ألف ريال .سعودي ( 213,28 ألف دولار أميركي) الا ان هذه الرسوم لم يتم الاعلان عنها رسميا

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى قد منحت استثناءات مشابهة للكفالة الذاتية من أجل الدوافع ذاتها، إلا أن هذه المبادرات لا تؤثر كثيراً في أوضاع الغالبية من العمالة الأجنبية منخفضة الدخل في المنطقة.

ماهي "الإقامة المميزة"، ومن المستفيد منها؟

أقر مجلس الشورى السعودي مسودة قانون يسمح لغير السعوديين بالحصول على كفالة ذاتية لإقامتهم (تصريح الإقامة). وهذا النظام الذي يشير إليه المسئولون بـ"الإقامة المميزة" سيمنح حاملي التصريح إقامة مؤقتة أو دائمة قابلة للتجديد.

ومن المزايا الأخرى التي يحصل عليها حملة "الإقامة المميزة"، الحصول على تصاريح إقامة لعائلاتهم، وإصدار تأشيرة دخول لأقربائهم، وتوظيف العمال، وتملك العقارات بالإضافة إلى حرية الدخول والخروج من السعودية دون قيود (وتبقى السعودية هي الدولة الوحيدة في دول مجلس التعاون التي تلزم الأجانب بالحصول على تصريح من كفلائهم لمغادرة المملكة).

ووضعت الحكومة السعودية ستة شروط تؤهل الأجانب للحصول على التصريح الجديد وهي:

  1. أن يكون جواز السفر ساري المفعول
  2. ألا يقل العمر عن 21 عاماً
  3. إثبات الملاءة المالية
  4. أن يكون لدى المتقدم إقامة نظامية، إذا كان مقيماً في السعودية
  5. خلو السجل الجنائي من السوابق
  6. تقرير طبي يثبت عدم الإصابة بالأمراض المعدية

وتوضح التصريحات الصادرة من المسئولين الرسميين، أن هذه المبادرة تستهدف أصحاب الأعمال والمستثمرين الأجانب في المملكة، كمحاولة للحد من التدفقات المالية إلى الخارج، وتحريك الطلب على العقارات، وتشجيع الاستثمار في المدن الاقتصادية والمناطق الاستثمارية الجديدة مثل "نيوم" و"مدينة الملك عبدالله الاقتصادية". ويعتبر تمكين المستثمرين الأجانب من تملك العقار أمراً أساسياً لدعم هذه المبادرات.

وفي تعليقٍ على "الإقامة المميزة"، قال عضو مجلس الجمعية المالية السعودية، عبد الله الربدي: "...عندما يكون المستثمر يعلم أن لديه إقامة بشكل مستقر والأنظمة واضحة، لا يحتاج إلى إخراج أمواله ويحافظ عليها داخل المملكة ويدورها داخل الاقتصاد السعودي".

في سياق توجهات دول الخليج

اتخذت دول الخليج مبادرات مشابهة. ففي عام 2018، بدأت الإمارات العربية المتحدة إصدار تأشيرات إقامة بكفالة ذاتية لمدة 5 سنوات و10 سنوات، وذلك لأصحاب الأعمال وملاك العقارات، مع اشتراط حد أدنى لرأس المال.

كما سمحت البحرين للأجانب بالحصول على الإقامة بكفالة ذاتية وذلك عند تملك العقارات في مناطق محددة، أو الاستثمار بنسبة 100% في مشاريع تجارية في قطاعات محددة. وبشكل مشابه، سمحت قطر للأجانب بالحصول على تصاريح إقامة من خلال التملك العقاري في مناطق محددة. أما في عمان التي سمحت لفئة محددة من ملاك العقار من استصدار تأشيرة إقامة عقارية، إلا أنه ليس بإمكان المستفيد أن يتم توظيفه للعمل بموجب هذه التأشيرة.

وتعتبر المشاريع العقارية الضخمة، والمدن الصناعية من أهم بنود أجندة تنويع مصادر الدخل في دول الخليج. ومن أجل تحقيق ما ترمي إليه هذه الاستراتيجيات الاقتصادية، كان على هذه الدول أن تضع استثناءات لتخفيف قيود أنظمة الكفالة لجذب وإبقاء المستثمرين الأجانب.

"لم تعد الحاجة للأجانب مقصورة على كونهم مصدر للعمالة، وإنما يتم جذبهم للمنطقة كسياح، وكمستهلكين، وحتى كقاطنين للمناطق الحضرية في المنطقة. أصبح الأجانب مصدراً للقوة الشرائية التي يتم استهدافها في برامج التسويق، كما يتم جذبهم وتوظيفهم للتنقل والسفر، والشراء، والاستثمار وحتى للعيش في المنطقة.

وبناء على صغر حجم السكان المواطنين في هذه الدول، يصبح من الواضح أنه من الصعب توجيه مثل هذه المشاريع للمواطنين كمستخدم أو مستهلك نهائي، وإلا فإن الأمر سينتهي بهذه المشاريع لتصبح مدناً للأشباح" عمر الشهابي، اقتصادي مقيم في الخليج، Migration, Urban Commodification, and the "Right to the City" in the GCC

تسعير حرية التنقل

يتمتع الأجانب من ملاك العقار ورؤوس الأموال في دول الخليج، بالحصول على مزايا فريدة بسبب وضعهم القانوني المربوط حالياً بأملاكهم العقارية وأعمالهم، وليس بكفيل محلي. إلا أن الاستقرار يبقى حكراً على الأجانب الأثرياء القادرين على تحمل الكلفة المالية لذلك، أما بالنسبة للغالبية من الأجانب منخفضي الدخل فإن الحرية ماتزال حلماً عصياً على التحقيق.

وتعتبر هذه السياسات جزءاً من النمط العالمي الحديث لسياسة الهجرة غير المتكافئة، حيث يتمكن المهاجرين الأثرياء من الإقامة والتنقل بحرية بينما يصطدم الفقراء بالقيود على تنقلاتهم. وبحسب تقرير وكالة الشفافية الدولية فإن هجرة الاستثمار، التي يتاح بموجبها شراء الجنسية والإقامة أصبحت صناعة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

حالياً، يعاني الأجانب من منخفضي الدخل في الخليج من قيود متزايدة على حرية التنقل. ففي يوليو 2017، فرضت السعودية ضريبة متصاعدة على الأجانب قيمتها 100 ريال سعودي (نحو 30 دولار أميركي)، على كل شخص يتم إعالته من قبل الكفيل، ومن المقرر أن يتم زيادة هذه الضريبة تدريجياً حتى تصل إلى 400 ريال في يوليو 2020. وفي إجراء مشابه، رفعت البحرين الحد الأدنى من الراتب المطلوب للحصول على تأشيرة لدخول العائلة، من 250 دينار بحريني (660 دولار أميركي) إلى 400 دينار بحريني (1,060 دولار أميركي). وقد أجبرت هذه السياسات الأجانب من ذوي الدخول المنخفضة على المغادرة، كما أدى ذلك إلى تفريق شمل عائلات منخفضي الدخل .

كما أن هذه التشريعات تتناقض مع العزم على إبقاء الأموال وتدويرها داخلياَ، فالكثير العائلات في السعودية لم يعد بوسعها مواصلة الإنفاق على السكن، والمدارس، والمواصلات وغير ذلك، وانتهى بهم الأمر بإعادة عائلاتهم إلى أوطانهم الأصلية ودعمهم بالجزء الأكبر من رواتبهم بإرسالها إلى هناك.

 

التملك العقاري تملك الأعمال
الإمارات 1

التملك العقاري الكامل في بعض المناطق

الحصول على تصريح إقامة لمدة 5 سنوات، قابلة للتجديد عند استثمار ما قيمته 5 مليون درهم إماراتي (1,36 مليون دولار أميركي)

تصاريح إقامة وشروط أخرى خاصة بكل إمارة

السماح بتملك الأجانب للأعمال بنسبة 100% في قطاعات محددة

تصريح إقامة لمدة 10 سنوات عند استثمار ما قيمته 10 مليون درهم إماراتي (2,72 مليون دولار أميركي)

منح تصريح إقامة لمدة 5 سنوات عند استثمار ما قيمته 500,000 درهم إماراتي (136,00 دولار أميركي)

السعودية سيسمح لحاملي الإقامة المميزة بتملك العقار. ويخمّن المحللون أن تكون هذه الملكية محصورة في المدن الاقتصادية

السماح للأجانب بتملك الأعمال بنسبة 100% في قطاعات محددة

تصريح إقامة بكفالة ذاتية لمدة تتراوح بين عام وعامين، قابل للتجديد

قطر2

ملكية كاملة للعقار في مناطق محددة

تصريح إقامة لمدة 5 سنوات قابل للتجديد لملاك العقارات

السماح للأجانب بتملك الأعمال بنسبة 100% في جميع القطاعات

لا يوجد إشارة صريحة لربط تصريح الإقامة بالاستثمارات

الكويت 3

التملك العقاري مقصور على العرب من حاملي تصاريح الإقامة الدائمة (خاضع

للشروط)

يسمح  للأجانب بتملك الأعمال بنسبة 100% في قطاعات محددة إذا ما تم الموافقة عليها من قبل الهيئة الكويتية لترويج الاستثمارات المباشرة

لا يوجد إشارة صريحة لربط تصريح الإقامة بالاستثمارات

 البحرين4

ملكية كاملة للعقار في مناطق محددة

تصريح إقامة قابل للتجديد لملاك العقارات التي لا تقل قيمتها عن 50,000 دينار بحريني (132,600 دولار أميركي)

يسمح بملكية الأعمال بنسبة 100% في قطاعات محددة

تصريح إقامة بكفالة ذاتية لمدة تتراوح بين عامين و10 أعوام قابل للتجديد عند الاستثمار بما قيمته 100,000 دينار بحريني (265,200 دولار أميركي)

عمان

ملكية كاملة للعقار في مناطق محددة

تصريح إقامة لمدة عامين قابل للتجديد لملاك العقارات

غير مسموح للأجانب بتملك الأعمال بنسبة 100%

يمنح للمستثمرين تصريح إقامة بكفالة ذاتية لمدة عامين قابل للتجديد

1- تمنح الإمارات أيضا تصريح إقامة لمدة 10 سنوات للأشخاص من ذوي المواهب الخاصة على أن يكون لديهم عقد عمل. المتقاعدون أيضا مؤهلون للحصول على تصريح إقامة بكفالة ذاتية لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد وخاضعة للشروط بما فيها الحد الأدنى للاستثمار، والحد الأدنى للدخل النشط والضمانات المصرفية.
2- قطر أيضا أفسحت قنوات للإقامة الدائمة للمقيمين لفترات طويلة في قطر، خاضعة للحد الأدنى من الدخل.
3- في الكويت يسمح البند 24 من قانون الإقامة بمنح الأشخاص تصاريح إقامة بكفالة ذاتية، إلا أن هذا القانون لم يتم تفعيله بحسب تقارير صادرة مؤخراً.
4-  في البحرين يسمح نظام العمل المرن للأجانب المنتهية تصاريح أعمالهم أو التي تم انهائها من الحصول على إقامة بكفالة ذاتية خاضعة لرسوم شهرية. كما أنه بإمكان الأجانب المتقاعدين التقدم بطلب للكفالة الذاتية مع الخضوع لشرط الحد الأدنى من الضمانات المصرفية.

 

تغطية إعلامية مضللة

لا يعتبر من غير المألوف لوسائل الإعلام المحلية أن تشيد بإنهاء نظام الكفالة كلما تم الإعلان عن تشريعات أو إصلاحات جديدة لها علاقة بأنظمة الهجرة.

فمنذ إعلان الموافقة على التشريع السعودي الجديد، ظهرت موجة من العناوين غير الدقيقة التي تصف المبادرة السعودية بأنها إنهاءٌ لنظام الكفالة في المملكة. فجاء في قناة العربية الإخبارية "أول "إقامة مميزة" تلغي نظام الكفيل كلياً وذكر عنوان آخر "تعويض “نظام الكفيل” بنظام “الإقامة المميزة”.. هل ينهي عقود “الرق والاستعباد” في السعودية؟".

وفي البحرين ظهرت عناوين مشابهة في الإعلان عن نظام العمل المرن، فذكرت العربية أن "البحرين تلغي نظام الكفالة للعمالة الأجنبية" ، والأمر كان نفسه عندما طبقت البحرين إصلاحات تسمح للعمال المهاجرين بتغيير كفلائهم دون موافقة أصحاب العمل في 2009، إذ وصف الكثير من وسائل الإعلام تلك الخطوة أنها إنهاء لنظام الكفالة. وواظبت بعض المؤسسات الإعلامية حتى مؤخراً في 2018 على نشر تحليلات غير دقيقة تؤكد على ذلك بالقول "في عام 2009، أن البحرين تقدمت دول الخليج في انهاء نظام الكفالة".

وعندما أجرت قطر إصلاحات لبعض من سياسات الهجرة العمالية إن 2015، كانت هناك حالات من المغالطة. فزعمت الأخبار العربية، إلى جانب عدد من وسائل الإعلام الأخرى أن " قطر تلغي نظام كفالة العمالة" ، ذلك برغم ضآلة التغيير الذي تحدثه هذه الإصلاحات لحقوق المهاجرين وحرية انتقالهم. وتفتقر هذه التغطيات غير الناقدة للتحليل كما أنها تحجب الموضوع في وقته. وهذه الروايات الخاطئة غالباً ما تتجذر وبالتالي يتطلب الأمر أن يضطر دعاة الحقوق بالتكرار مراراً للمعنى الحقيقي الكفالة وممارساتها.

وبرغم أنه ليس من المعروف إن كانت هذه التغطية الإعلامية هي نتاج افتقار لفهم نظام الكفالة أم أنه ناتج عن إدراك وعلم في إطار سياسة العلاقات العامة، إلا أنه من الواضح جداً أن تطبيق نظام الكفالة الذاتية على قلة مختارة لا يعنى أن نظام الكفالة الخانق قد أرخى قبضته عن رقبة الغالبية العظمى من العمالة المهاجرة في الخليج.