لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عمال جي بي زخريادس لا زالوا بانتظار أجورهم المتأخرة وأوضاعهم المعيشية مزرية

كانت إدارة الشركة والمسئولون الحكوميون يدفعون العمال المهاجرين لمواصلة العمل دون استلام أجورهم على مشاريع الدولة، إلا أنهما لم يفيا بوعدهما لتسوية موضوع الأجور المتأخرة لهؤلاء العمال بعد الانتهاء من المشروع. وبذلك، فلا لايزال 52 عاملاً تقطعت بهم السبل، في محل إقامتهم المهجور، فيما يواصلون معركتهم لاسترداد أجورهم المتأخرة لما بين 6 شهور و18 شهراً، بالإضافة إلى مستحقات نهاية الخدمة.

في 26 فبراير 2020

ويكرر 52 من عمال شركة جي بي زخريادس للمقاولات (GPZ)، المناشدة نفسها بالقول: "إننا نعاني هنا في هذه الحال المزرية، نود أن نستلم مستحقاتنا وأن نغادر هذا المكان." وهؤلاء العمال يعانون من وضع صعب وقد تقطعت بهم السبل لأكثر من ثمانية شهور ويخوضون معركة لاسترداد أجورهم المتأخرة ومستحقاتهم. وقد تدهورت صحتهم وهم منتظرون في مكان إقامتهم البائس. ويقول أحد الأطباء لدى معاينته هؤلاء العمال:" سوف لن يتمكنوا من النجاة لفترة طويلة في ظل هذا الوضع."

ويشار إلى أن هؤلاء العمال الذي تعود أصولهم إلى الهند، والنيبال، وبنغلادش، وباكستان عملوا لشهور عدة في مشاريع حكومية بدون أن تُدفع أجورهم، على وعدٍ أن يتم تسوية مستحقاتهم فور الانتهاء من أعمال المشروع. إلا أن هذا الوعد لم يتحقق حتى الآن بسبب أن الحكومة لاتزال مدينة بمبالغ غير معلومة للشركة جي بي زخريادس. 

تعثّر جي بي زخريادس أثناء عدم استلامها مستحقاتها عن المشاريع الحكومية 

كانت شركة جي بي زخريادس المسجلة منذ 1976، تعتبر من أكبر شركات الإنشاءات ربحية في البحرين،   وكانت الحكومة هي أكبر عملاء الشركة. وبلغت عائدات الشركة أوجها في عامي 2008-2009 لتصل إلى 130 مليون دولار أميركي.

وبدأت جي بي زخريادس تعاني من بعض الصعوبات المالية في 2016، عندما بدأت الحكومة وعدد من العملاء  يتأخرون في دفع مستحقات  الشركة.. وبدورها ظلت الشركة تتأخر أيضاً في دفع مستحقات آلاف العمال الذين يعملون لديها لمدة شهرين ونصف، مما دفع أكثر من 2000 عامل للاحتجاج بالإضراب عن العمل في يوليو 2016

وقالت  مصدر مقرّب  من الشركة أن إجمالي مستحقات الشركة على حكومة البحرين بلغت 57 مليون دينار بحريني (151 مليون دولار أميركي) في 2017. ومع إغلاق الشركة في يوليو 2019، كانت قد امتنعت عن دفع أجور 18 شهر لعمالها من فئتي الياقات البيضاء والزرقاء. 

وفي العام 2018، تسلمت الشركة مليون دينار بحريني من وزارة الاشغال، والشئون البلديات والتخطيط العمراني، وهو مبلغ، بحسب المسئولين، يفي بمتطلبات تسوية مستحقات عمالها المتأخرة. وتوقّف على أثر ذلك العديد من العمال عن العمل الذين وافقوا على استلام مستحقاتهم في شكل أقساط . وقامت الشركة، بالفعل، بتسوية مستحقات بعض عمالها جزئياً أو بشكل كامل ما بين عامي 2017 و2019

إلا أن  العدد من العمال السابقين في الشركة شكوا من استبعادهم ولم يتسلموا مستحقاتهم. وبحسب أحد عمال الشركة في حديثه لـ"منظمة حقوق المهاجرين" فإن الشركة أعطت أولوية لتسوية مستحقات المدراء والمهندسين الأوروبيين وغالبيتهم من اليونان وقبرص وجميعهم كانوا قد غادروا البحرين، في وقت متزامن مع مغادرة صاحب الشركة، قبل أكثر من عامين. 

 

وأضاف العمال أن الشركة، قامت بتسوية أجور من عمل لديها لفترة أقصر من العمال، وذلك لأن مستحقات نهاية الخدمة تكون قليلة تبعاً لذلك، فيما غالبية العمال المتبقين كانوا عملوا لدى الشركة لفترات طويلة، وتجاوزت مدة خدمة البعض 35 عاماً.  

ولايزال إجمالي عدد العمال المستحقين ومبالغ تسويتهم غير معلوماً، إذ أن البعض منهم تمكن من الحصول على عمل في شركات أخرى فيما كانوا بانتظار التسوية والبعض غادر إلى بلاده.

ويبلغ عدد عمال جي بي زخريادس المتبقين في البحرين، 52 عاملاً جميعهم يعانون من أجل النجاة في سكنهم الأخير المتبقي من مساكن الشركة، في ظل صعوبة الحصول على الغذاء، والماء والأدوية. وتتراوح وراتبهم المستحقة لدى الشركة ما بين 6 شهور و18 شهراً – أكثر من 250 ألف دينار بحريني (663,144 دولار أميركي) شاملة الرواتب ومستحقات نهاية الخدمة. ولم يرَ هؤلاء عائلاتهم لأكثر من أربع سنوات. 

مسئولون حكوميون شجعوا العمال على الاستمرار في العمل بدون رواتب 

وبرغم توقف الشركة عن دفع الرواتب، فإن شركة جي بي زخريادس (GPZ) واصلت العمل في مشروعات الحكومة لمدة 18 شهراً. وقال عمال بالشركة لـ “منظمة حقوق المهاجرين" أن مسئولين من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية حثوا العمال على مواصلة العمل على مشروعات الحكومة، وأكدوا لهم ضمان دفع مستحقاتهم فور الانتهاء من العمل على المشروع. وقال العمال أن هؤلاء المسئولين قاموا بزيارة العمال في مكان سكنهم لإقناعهم للعودة للعمل، كما يستذكر أحد العمال وهو كبير في السن، أن مسئولاً حكومياً زارهم في موقع العمل وعقد معهم اجتماعاً ذكر فيه "أن هذا مشروع حكومي، ولا يمكن التوقف عن العمل فيه في أثناء الإنشاء" وحثهم على "استكمال المشروع، وأن الوزارة سوف تتولى تسوية مستحقاتهم وترتيبات عودتهم إلى أوطانهم.". وعندما استفسر أحد العمال عن الرواتب، ذكر له المسئول أنها (الرواتب) لدى الوزارة وأكد لهم أنها (الوزارة) سوف تسلّمهم إياها فور الانتهاء من العمل على المشروع. إلا أن العمال لم يتسلموا شيئاً من الوزارة حتى الآن بعد مرور أكثر من عام على هذا الوعد. 

وقال مهندساً هندياً، تبلغ مستحقاته لدى الشركة 6 شهور، لـ “منظمة حقوق المهاجرين"، أنه عمل على مشروع مركز الأورام في مركز الملك حمد الصحي عندما توقفت الشركة عن دفع راتبه. وقد واصل العمل لأن الشركة وعدته بدفع رواتبه المتأخرة عندما تسدد الحكومة ديونها للشركة بعد الانتهاء من العمل على المشروع. 

محاصرون في ظروف قاسية 

قال عمال من الشركة لمنظمة حقوق المهاجرين أنهم وعائلاتهم يعانون من ضغوطات هائلة بسبب ضرورة الاقتراض لتسيير الحياة مما يعمّق أزمة الدين التي يعانون منها أصلاً. 

وقال عاملاً باكستانياً لم يتسلم راتبه لأكثر من عام: “جميع العمال هنا يعيشون قصصاً متشابهة، فعائلاتهم في أوطانهم يضطرون للاقتراض أو لطلب المساعدة للآخرين للنجاة في هذه الظروف."

وبالإضافة إلى الصعوبات المالية التي يعاني منها هؤلاء العمل، فإن غالبيتهم أصبح وضع إقامتهم غير قانوني وذلك لأن فقط بإمكان كفيلهم (الشركة) تجديد تصريح إقامتهم وعملهم، وبرغم أن هذا الأمر خارج عن إرادتهم إلا أنهم يعتبرون مسئولين عن وضعهم غير القانوني ويواجهون مخاوف القبض عليهم وترحيلهم لو غادروا مكان سكنهم في سبيل البحث عن مصدر للعمل، مع العلم أنه لو تم تسفيرهم فسيؤدي ذلك إلى خسارتهم مطالبتهم بمستحقاتهم. وكانت صحيفة Gulf Daily News (GDN) الصادرة باللغة الإنجليزية قد نشرت خبراً عن ترحيل عمالاً ينتمون لشركة جي بي زخريادس بسبب وضعهم غير القانوني. 

ويشار هنا إلى أن نظام التصريح المرن، وهو نظام يمكّن العمال غير النظاميين من تعديل وضعهم القانوني بكفالة أنفسهم، ليس مطروحاً كخيار هنا بالنسبة لعمال شركة جي بي زخريادس بسبب عدم تسلمهم رواتبهم وبالتالي ليس لديهم المبالغ الكافية للاستفادة من النظام بسبب ارتفاع رسومه. 

وبالإضافة إلى عدم سلامة أوضاعهم القانونية، فإن العديد من عمال جي بي زخريادس المهاجرين ممن عملوا لسنوات طويلة في هذه الشركة أصبحوا في سن متقدمة وأصبح من الصعب عليهم الحصول على عمل في مكان آخر. 

ويتطلع معظم العمال، على أية حال، إلى استلام مستحقاتهم ومغادرة البلد إلى أوطانهم. إذ أن الـ 52 عاملاً لا يزالون مقيمين في سكن الشركة للعمال في البديع، إلا أنهم لم يعودوا يحصلوا على المواد الغذائية أو مخصصات لشراء الطعام. 

وقال أحد هؤلاء العمال:" لقدا تم تزويدنا بالطعام خلال الشهور الخمسة الأولى، ثم توقفوا عن ذلك واستبدلوا ذلك بإعطائنا مبلغ 20 دينار بحريني (53 دولار أميركي)، إلا أن هذا المبلغ انخفض أيضاً إلى 10 دينار بحريني (26.53 دولار أميركي) في الشهر التالي، ثم توقفوا تماماً. وأصبحنا الآن نحصل على الطعام من المساعدات التي تقدم لنا."

وأدت الأوضاع التي آل إليها هؤلاء العمال إلى معاناة الكثير منهم من كبار السن، من أمراض شديدة والافتقار إلى الرعاية الصحية. وأخبر عاملاً مسناً "منظمة حقوق المهاجرين :"لقد بقيت في مستشفى السلمانية لمدة شهر بعد أن أصبت بالشلل، والآن خرجت من المستشفى لكن ليس لدي القدرة على شراء الأدوية التي تتطلبها حالتي". 

وأضاف عامل آخر: “لا يوجد معنا المال اللازم لشراء الدواء، الكثير من العمال مرضى، البعض يعاني من مرض السكر، وضغط الدم وربما فاقم هذا الضغط الذي يعانون منه، أوضاعهم الصحية، وقد توفي أحد العمال من بنغلادش، وأسمه رازاميا من أزمة قلبية العام الماضي خلال شهر رمضان".

وينتظر العمال المزيد من الأحداث غير السارة، فقد كسب صاحب العقار الذي كانت تتخذه الشركة سكناً لهم قضيته في المحكمة ضد الشركة التي توقفت عن دفع إيجار العقار.

وكان صاحب عقار سكن عمال الشركة نفسها في منطقة سترة قد كسب قضية مشابهة ضد الشركة لعدم دفع الإيجار، في يونيو 2019، وقامت الشرطة، في أعقاب ذلك بإخلاء السكن من 250 عامل كانوا يقطنون فيه. وبحسب صحيفة GDN الصادرة باللغة الإنجليزية فإن "العمال خرجوا تحت حرارة الشمس الحارقة التي وصلت 42 درجة مئوية واشتكوا بأنه لم يسمح لهم حتى بأخذ ممتلكاتهم الشخصية بعد أن تم إغلاق المبنى وتشميعه."

ويخشى العمال أن يؤول بهم الحال إلى الوضع ذاته:" لا نعرف عدد الأيام المتبقية والتي نستطيع أن نقضيها هنا، فقد يطرنا صاحب العقار في أية لحظة بعد أن كسب القضية ضد الشركة التي لم تدفع أيجار هذا العقار، وقبل أن يحدث ذلك، نريد أن يتم تسوية مستحقاتنا وأن نعود إلى أوطاننا".

وكان هؤلاء العمال المقيمين في سكن عمال منطقة البديع قد تقدموا بشكوى أخرى لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في 25 ديسمبر 2020، إلا أن الوزارة أخبرتهم أنه أجورهم سيتم تسويتها قريباً بعد أن تسدد الحكومة المبالغ المستحقة عليها. وكان العمال قد صُرفوا من الوزارة مرة أخرى في 18 فبراير 2020، وأُخبروا ببساطه أن يواصلوا انتظارهم. 

مطالبات العمال: نود أن نستلم مستحقاتنا وأن نغادر هذا المكان

قام عمال شركة جي بي زخريادس بعدد من الاحتجاجات منذ 2017، أدت إلى ترحيل عدد منهم وتسببت في وفاة عاملاً هندياً، زُعم أنه تعرض للإصابة بحاوية الغاز المسيل للدموع. وفي  6 مارس 2019، بعدما ساءت أحوال سكن العمال وواجهت جهود مطالبات التسوية طريقاً مسدوداً احتج العمال بإغلاق الطريق السريع الرئيسي بالقرب من سكن العمال بالبديع. إلا أن شرطة الشغب قامت بتفريق المعتصمين وتم توقيف 11 عاملاً منهم وتم ترحيلهم دون أن يستلموا مستحقاتهم.

وعن هذه الواقعة، ذكر أحد العمال:" جميع العمال كانوا هناك، إلا أن (الشرطة) قبضت على 11 منّا. لم يفعل أي أحد أي شيء (لمساعدتنا)، فلم يكن أمامنا سوى إغلاق الشوارع". وقال قريباً لأحد العمال الذين تم إبعادهم:" قضى قريبي 10 أيام في السجن وتم ترحيله إلى بلاده دون أن يحصل على رواتبه المتأخرة، لم يحصل على أي شيء".

"نحن لا نريد أن نسد الطرقات باعتصاماتنا، نريد أن نتبع الطرق الصحيحة، نريد فقط إعطائنا مستحقاتنا وسوف نرحل من هنا".

ويقول العمال أن سفاراتهم لا تقدم الدعم اللازم لهم. بل على العكس من ذلك، فقد قال القنصل العمال في سفارة بنغلادش لصحيفة GDN في أعقاب الاحتجاج :"أن العمال خرقوا القانون بتنظيمهم اعتصاماً على الطريق السريع الرئيسي، ونحن لا ندافع عن مثل هذا التصرف، وأن عليهم أن يواجهوا ما يترتب على ذلك. نحن نفترض أن يواجه العمال محاكمة إلا أن سفارة بنغلادش ليس لديها محامياً لمثل هذه القضايا.".

ولم يعد غالبية العمال يعبئون بالتوجه إلى سفاراتهم. وحاولت منظمة "حقوق المهاجرين" الحصول على تعليق من السفارة الهندية إلا أنها لم تحصل على الرد منها. 

وتؤشر الاستجابة البطيئة من قبل الحكومة البحرينية إلى علاقتها العميقة بالمشكلة. فعلى الحكومة، كونها العميل الرئيسي لشركة جي بي زخريادس، وهي من قامت بتقديم الوعود مباشرة للعمال، أن تشرع في تسوية فورية لمستحقات العمال وتمويل إعادتهم إلى أوطانهم. كما يجب أن تتم محاسبة هؤلاء الذين تسببوا في هذه المحنة للعمال بمن فيهم أولئك الذين ضغطوا على العمال للعمل بدون أجر.