لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

نظرة على التصريح المرن بعد عامين على التطبيق

في 17 فبراير 2020

قبل عامين، أطلقت البحرين نظاماً يسمح للعمال غير النظامين تعديل أوضاعهم وكفالة أنفسهم، كما يسمح هذا النظام الذي أطلق عليه "نظام التصريح المرن" بالعمل لدى أكثر من صاحب عمل. ويستكشف هذا المقال أثار التعديلات التي مر بها هذا النظام والتوسع في تطبيقه منذ أن كتبت Migrant-Rights.org تقييمها الأخير عنه.

رسم أعلى واشتراكات أقل 

كان الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل (LMRA)، أسامة العبسي، قد ذكر في مناسبة للتعارف والتشبيك في الجمعية الهندية البحرينية قبل عدة شهور، أن حوالي 29,000 عامل مهاجر غير نظامي اشترك في هذا النظام منذ إطلاقه في يوليو 2017. وبحسب العبسي، فإن عدد العمال النظاميين في البلد قد انخفض بنحو 30% تقريباً (من 82,000 في 2017 إلى 50,000 حالياً) منذ أن أطلق النظام. 

إلا أن هيئة تنظيم سوق العمل لم تصدر أية أرقام رسمية عن عدد حملة التصريح المرن. وليس من الواضح إن كان العدد الذي ذكره العبسي يشتمل على العمال الذين سجلوا اشتراكاً في النظام وتركوه فيما بعد. إذ أن الاشتراك في النظام يعتبر ملغياً إذا لم يسدد المشترك الرسوم الشهرية لمدة ثلاثة أشهر على التوالي.

في فبراير 2019، رفعت البحرين، رسوم التصريح المرن الباهظة أصلاً بـ 300 دينار بحريني (795 دولار أميركي)، مما رفع التكلفة الإجمالية للتصريح لمدة عامين إلى 1,469 دينار بحريني (3,896 دولار أميركي). وبحسب وزير العمل والتنمية الاجتماعية، جميل حميدان، فإن طلبات التقديم للحصل على التصريح المرن انخفضت بعد هذه الزيادة بنسبة 78%. وأوضح أن عدد الطلبات التي كانت تتسلمها هيئة تنظيم سوق العمل يومياً انخفضت من 300 طلب إلى 50 طلب.

وعبّر العديد من العمال لMR عن رضاهم مزايا التصريح المرن إلا أنهم اشتكوا من ارتفاع كلفة الاشتراك في النظام. وقال عامل هندي يعمل في أحد الفنادق بدوام كامل أنه غير متأكد من قدرته على تجديد تصريح إقامته الذي سينتهي خلال شهور قليلة، وذكر: "أنا سعيد لأنني أحمل التصريح المرن ولكن المشكلة تكمن في عدم قدرتي على توفير المبالغ التي عليّ أن أدفعها، فهناك رسوماً شهرية بقيمة 30 دينار (80 دولار) وفي المقابل لم ترتفع أجورنا الشهرية. أحاول أن التحق بعمل آخر يوفّر لي تأشيرة عمل، ذلك لأنني لست متأكد أنني سأتمكن من تسديد رسوم التجديد للتصريح المرن."

ويشاركه في المخاوف، الكاميروني، فاليري، وهو يحمل التأشيرة الحرة (free visa) حالياً، والذي كان قد جاء إلى البحرين عن طريق شراء تأشيرة الدخول من كفيل مواطن ولكنه لا يعمل لديه، من صعوبة توفير رسوم الاشتراك في نظام التصريح المرن. ويقول فاليري الذي يواصل العمل لدى شركته التي لا يحصل على منها على أجر ثابت، ويعاني مؤخراً من صعوبات مالية:" لم أتمكن من المحافظة على عدد مرات التوصيل وهو العمل الذي أقوم به، إلا أنني لازلت أدفع 30 دينار بحريني شهرياً رسوماً للتصريح المرن، ولذلك فقد تركت عملي في الشركة لأبحث عن عمل آخر، وقد انتهى به الأمر بالعمل في أحد متنزهات الألعاب.

وأضاف: "حالياً أنا في فترة تجريبية، وسوف أحوّل تأشيرة إقامتي على الشركة قريباُ، وهذا يعتبر وضع أفضل، فلن يصبح لزاماً على أن أدفع 30 دينار شهرياً كرسوم للتصريح المرن الذي هو نظاماً جيداً لمن لديه عملاً جيداً، إلا أنه صعباً بالنسبة لي."

"أنجح في تجاوز هذه الصعوبة بادخار دينار واحد يومياً لاستخدامها في تسديد رسوم الهيئة، ولم أعد قلقاً ومضغوطاً حاليا"

وبرغم شكوى غالبية العمال من التكلفة المرتفعة، إلا أن النظام يقدم فعلاً خياراً يلبي الحاجة الماسّة لدى بعض العمال لجعل اقامتهم قانونية. وقال البنجلادشي حسن لMR:" أنه اختار استصدار التصريح المرن بسبب صعوبة الحصول على تأشيرة عمل. فبعد عمله كسائق تاكسي لمدة 6 سنوات، تمكن حسن من استصدار تأشيرة من أحد الشركات والعمل في غسل السيارات. وقال: “وافقت على دفع 1450 دينا بحريني (3,846 دولار أميركي) للشركة لاستصدار تأشيرة مدتها عامين، إلا أن الشركة قامت بإلغاء تأشيرتي وأصبحت غير نظامي، ولذلك لجأت إلى الاشتراك في نظام التصريح المرن. "

وقال إن الرسوم لا تمثل مشكلة إذا ما توفر عمل ثابت. إلا أنني أواجه صعوبة في دفع الرسوم خلال الشهور التي يقل فيها العمل. وأضاف: "أنجح في تجاوز هذه الصعوبة بادخار دينار واحد يومياً لاستخدامها في تسديد رسوم الهيئة، ولم أعد قلقاً ومضغوطاً حاليا."

توسعة النظام

في أعقاب ارتفاع حالات عدم دفع الأجور مؤخراً، وسّعت هيئة تنظيم سوق العمل نظام التصريح المرن ليشمل العمال الذين يحملون تأشيرة إقامة سارية ممن لم يتسلموا أجورهم وقاموا بتسجيل شكوى لدى المحكمة العمالية. إلا أنه الرسوم العالية تعني أن هذا النظام لا يزال بعيد المنال للكثير من العمال خصوصاً هؤلاء الذين لم يتسلموا أجوراً لشهور عدة.  

وبالإضافة على ذلك، فإن نظام التصريح المرن لا يزال يستثني عمال المنازل من الاشتراك فيه. وكانت السفارة الفلبينية قد قامت بالتفاوض على إدخال عمال المنازل تحت مظلة النظام وقامت بتغطية رسوم الاشتراك لمدة قصيرة خلال العام الماضي. إلا أن أحد مسئولي السفارة ذكر أنه لم تعد هناك موازنة لدى السفارة لمواصلة فعل ذلك. 

كما يُستثنى من النظام، العمال الذي يحملون تأشيرة حرة ويعملون في أحد المهن المصنّفة. إذا ليس بوسع المحاسبين والمهندسين والعاملين في تقنية المعلومات من استصدار التصريح المرن حتى لو كان عملهم الحقيقي يمكنهم من ذلك (غالباً ما يكون العمل المسجل في تصريح العمل لحملة التأشيرة الحرة مختلفاً عن عملهم الحقيقي.)

المآخذ على النظام 

في الوقت التي يعتبر نظام التصريح المرن بديلاً محتملاً لنظام الكفالة، لا بد من مراجعة عناصر الاستغلال الواضحة فيه، وهناك حاجة ماسة لتشريعات توضح الحقوق والمسئوليات للأطراف ذات العلاقة بالنظام – العمال، وأصحاب العمل، والحكومة – خصوصاً في سياق السيناريوهات التالية: 

  • عدم رفع الأجور والاستغلال: تعتبر العقود غير الزامية لحملة التصريح المرن الذين يعملون بنظام الحساب الخاص، أو ممن يعملون لفترات قصيرة. فالعمال غالباً ما يقبلون العمل بدون عقد وبذلك يصبح العمال أكثر عرضة للخلاف على الأجور مع أصحاب العمل المؤقت الذي يلتحقون به.
  • مسئولية الإصابة في مواقع العمل: يعتبر قانون العمل سارياً على العمال الذي تربطهم عقود عمل بأصحاب العمل. وبالتالي فإن قانون العمل يحمي العمال ممن لديهم تصريحا ًمرناً ويعملون وفق عقود عمل مع موظّفيهم، إلا أن الوضع بالنسبة للعمال الآخرين يعتبر أقل وضوحاً. فعلى سبيل المثال، في حال تعرض عامل السباكة للإصابة أثناء العمل بشكل مؤقت في أحد المنازل، تعتبر المسئولية ليست واضحة بشأن من يتحمل مسئولية التكاليف العلاجية.

كما أنه ليس من الواضح إن كان  النظام الوطني للتأمين الصحي سيغطي حملة التصريح المرن ممكن يعملون بالنظام الجزئي لدى عدد من أصحاب العمل. ويلزم التصريح العمال بشراء التأمين الصحي ليتمكنوا من الحصول على الخدمات الصحية الخاصة والعامة. 

مسئولية إعادة العمال إلى أوطانهم: قانونيا، يتحمل صاحب العمل بالنسبة للعمال الموقعون على عقود، مسئولية إعادة جثمان العامل إلى بلاده في حال الوفاة. إلا أن نظام التصريح المرن يشتمل على 90 دينار فقط كتأمين لتذكرة العودة وهو مبلغ يقل عن تكلفة إعادة العمال إلى أوطانهم. وقال أحد العاملين في الخدمة المجتمعية لMR، أن الجماعات المجتمعية غالباً ما تتقدم لتحمل مثل هذه التكاليف. وهناك حاجة لمعرفة مسئولية حملة التصريح المرن، خصوصاً هؤلاء الذين يعملون بدوام كامل لدى الشراكات.

هل يصلح التصريح المرن لمواجهة لـ"لتأشيرات الحرة"؟ 

تعتبر مواجهة ظاهرة "التأشيرات الحرة" في البحرين أحد أهداف نظام التصريح المرن، إلا أن مدى نجاحه في ذلك ليس واضحاً. إذ يقوم العمال من حملة التأشيرة الحرة بدفع مبالغ لكفلائهم للعمل لحسابهم الخاص أو لدى أصحاب عمل آخرين، وبرغم المخاطر التي تنطوي عليها الترتيبات القانونية، إلا أن الكثير من العمال المهاجرين يبدون أكثر تفضيلاً لـ"التأشيرة الحرة" على "التصريح المرن". 

وبإمكان حملة "التأشيرة الحرة" الترتيب لخطط العمل الذي سيلتحقون به قبل وصولهم، كما أنهم ليسوا ملزمون بالعمل في قطاع معين. كذلك فإن "التأشيرة الحرة" غالباً ما تكون أقل كلفة من التصريح المرن. 

وقال أحد العمال الكاميرونيين لMR أنه دفع 635 دينار بحريني (1,684 دولار أميركي) لكفيله ليصدر لها تأشيرة مدتها عام واحد، وبالإضافة إلى مساعدة كفيله له في إجراءات إصدار التأشيرة، فإنه لم يتحمل أيضاُ رفع رسوماً شهرية. وبذلك تكون الأعباء المالية الاجمالية التي عليه تحملها أقل من رسوم التصريح المرن.

ولا تزال هناك صعوبة في التأكد من الحجم الحقيقي للمشتركين في التصريح المرن بسبب التصريحات والحملات المضللة المستمرة من قِبل الهيئات الرسمية والإعلام، والافتقار للشفافية من جانب الحكومية، وهما يمثّلان عقبة أمام التعرف على الرقم الحقيقي للمشتركين في نظام التصريح المرن. مع العلم أنه، وفي كل الأحوال، لا يمكن الاعتماد على عدد حملة التصريح المرن لقياس تأثيرات هذا النظام. وهنا، لابد من الاستفادة من تجارب العمال واستخدامها لإجراء أية تعديلات مستقبلية على النظام، أو أية إصلاحات على السياسات الخاصة بالعمالة المهاجرة في البحرين. 

توصيات

* لا بد من وضوح حقوق حملة التصريح المرن تحت مظلة قانون العمل، فحالياً ليس من الواضح وجود دليل على معاملتهم كمالكين لعمل خاص أو عاملين لحسابهم الخاص.

* لا بد من إعادة تقييم الرسوم لجعلها مناسبة أكثر للعمال. وتغيير توقيت دفع الرسوم الشهرية إلى سنوية أو نصف سنوية، لصعوبة التفاوض على الرسوم الشهرية بالنسبة للعاملين لحسابهم الخاص.

* لا بد من وضع حد أدنى للأجور وإنشاء نظام لحماية الأجور. ولا بد من تغطية نظام التصريح المرن للعاملين في وظائف تحت الطلب. (gig economy)

* لابد من جعل التصريح المرن متاحاً للعمال قبل وصولهم إلى البحرين، بدلا ً من أن يكون هذا النظام متاحاً للعامل بعد أن يصبح غير نظامياً، وحينها يكون العامل أصلاً في وضع ضعيف، مع ضرورة ضبط ذلك بناء على احتياجات الاقتصاد للعمالة الوافدة

* لابد من إدخال عمالة المنازل ضمن النظام تحت شريحة أقل من الرسوم.