لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

انعكاسات الكورونا على العمالة المهاجرة وسوق العمل في الخليج

في 13 أبريل 2020

لا يفرق كورونا بين اولاد آدم، فكل جسم بشري بالنسبة له هو مرعىً محتمل، يقتات ويتكاثر عليه، ويستوطنه مقراً لنشر معشر كورونا الى العشرات الاخرى من بني البشر. وهكذا رسم هذا الطفيلي المحب للسفر خريطة رحلاته على مئات الآلاف من اجسادنا، متقمصاً كجواز سفره العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي نسجها الانسان عندما بسط سيطرته التكنولوجية على كل بقعة من هذا الكوكب. وفي الوقت الذي يساوي فيه الفيروس التاجي بين البشر في العدوى، فانه بالمقابل ما انفك يعري ويحاكم الفروقات والانقسامات التي بناها أولاد آدم فيما بينهم في الطبقة والجنسية والطائفة.

ولم تكن دول الخليج العربية بمنأى عن تحريضات كورونا الذي اقتبس دور الداعية المحنك، مؤججاً ملامح التناقضات التي تجوب في مخيالنا العام. فتصادمت من جهة الخطابات المبنية على الخلافات والشقاق المجتمعي، متجلية بأشكال مختلفة بناء على اعتبارات الطائفة والجنسية والخلافات السياسة في كل دولة، اكان ذلك الحال في تراشق الاتهامات حول كيفية التعامل مع موضوع عودة العالقين البحرينيين في ايران وقطر، او التعامل مع القادمين من مصر في الكويت، ومكانة العمالة الوافدة ذات الدخل المحدود عموماً في الخليج. وفي المقابل، انتشر التحشيد الوطني المبني على التعاضد للتصدي لكورونا في غالبية دول الخليج، بالإضافة الى اصوات ترفض تأجيج الفروقات داخل الدولة، مطالبين بنبذها باعتبارها احد اشكال العنصرية.

ولكن مما لا ريبة فيه ان كورونا عرى بشكل واضح الاختلافات المادية على ارض الواقع بين البشر. وعالمياً، تجلت اهم الفروقات في كيفية تصدى مجموعات مختلفة من البشر للكورونا على مستوى الدول، وليس بالمبالغة القول ان "الدولة" برزت كالوحدة الأساسية في كيفية تعامل الانسان مع كورونا. فها نحن نقارن سياسات الصين مع اليابان و سنغافورة، في مقابل إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة. ومن دون شك فإن سياسات دول الخليج في مواجهة كورونا تأتي في صلب هذه المقارنة، ولكن ما يميز دول الخليج عن بقية العالم، هو وجود مجاميع ضخمة على نفس البقعة من الأرض من حاملي جنسيات دول مختلفة، تصل الى مرحلة تتعدى فيها اعداد حاملي هذه الجنسيات على عدد حاملي جنسية الدولة الخليجية المعنية. وهذا جعل أراضي الخليج وكأنها البوتقة (crucible) او عين العاصفة للنظام العالمي المبني على تقسيم البشر الى مواطنين منتمين الى جنسيات دول مختلفة. فتركيبة الخليج الحالية  مبنية على استقطاب كميات ضخمة من مختلف جنسيات العالم لتتواجه وتعيش وتتعاطى بين بعضها البعض في ميدان واحد على اراضيه، بكل ما تحمله جنسياتها من تناقضات وابعاد اجتماعية. ولا يخفى على أحد ان هذا الاحتشاد البشري من الجنسيات المتنوعة في الخليج هو اساساً تحت حكم ومنطق الانتاج، فاغلب الوافدين الى الخليج أتوا للعمل، مما دفع الباحث علي الكواري الى وصف العلاقات الاجتماعية في دول الخليج بأنها معسكر عمل. وتنفرد دول الخليج عالمياً بأن العمالة الوافدة تمثل ثلاثة ارباع قوة العمل في نمط نموها الحالي، اكان ذلك في قطاعات الخدمة المنزلية او الانشاء او التنظيف او الخدمات او التجارة الخ. وعلى سبيل المقارنة، فحتى في الدول ذات النسبة العالية من الهجرة، فلا تتعدى نسبة غير المواطنين في سوق العمل 10% في الولايات المتحدة و11% في بريطانيا.

 وعلى الرغم من الاختلافات في تركيبة العمالة الوافدة فيما يتعلق بالجنسية والمهنة والدخل، فنفس هذه الاحصائيات تبين ان الغالبية الساحقة من العمالة الوافدة هم في أسفل الهرم الاجتماعي في الخليج. فحسب إحصاءات سنة ٢٠١٥، حصل  76% من العمالة الوافدة في البحرين على اقل من 200 دينار بحريني (2000 ريال سعودي) شهرياً، بينما المستوى التعليمي لدى 58% من العمالة الوافدة في السعودية في نفس العام كان أقل من الثانوية. وقد حظي قطاعي الانشاء والخدمة المنزلية على ما يقارب النصف من العمالة الوافدة في دول الخليج. وكما بينا في المقالات السابقة، فقد كان هؤلاء "العزاب" كما يعرفون (وهو مصطلح كولونيالي الأصل) هم الأكثر عرضة لأن يفرض عليهم مواصلة العمل او خسارة وظائفهم في ظل كورونا، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون على الدخل اليومي والعمالة غير الموثقة. فالعمال المنتمين لهذه الطبقة بالتحديد يجدون أنفسهم مضطرين لمواصلة العمل حتى وان أحسوا بأعراض المرض، خوفاً من فقدان الرزق او التبعات القانونية التي يظنون انهم قد يتعرضون لها ان تواصلوا مع الجهات الرسمية طلباً للعلاج. اما من ناحية السكن، فبينما قد يطمح الكثير من المواطنين لان يعيش في منزل فيه أربعة او ستة غرف، فليس بالغريب على الكثير من الوافدين ان يتشارك كل أربعة او ستة منهم في غرفة، مما يجعل مطالبات "التباعد الاجتماعي" و"العزل المنزلي" في حالتهم نكتة سمجة. وقد تذكرنا هذه المفارقات بذلك المقطع في الفيلم الكوري "طفيلي" (parasite) الحائز على اوسكار افضل فيلم، عندما علقت ربة المنزل الثرية ان الامطار الغزيرة (ككورونا) الغت خطط رحلتهم، ولكنها ستؤدي بدلاً من ذلك الى أمسية مسلية من الترفيه سيقضونها معاً داخل منزلهم الفاره. هذا فيما كان سائقها يتعامل مع تبعات الفيضانات التي ضربت شقة عائلته البالية ودمرت حيهم المتهالك، مما اضطرهم للانتقال للعيش في ملاجئ طارئة.

 لقد تعود الكثير منا كمواطنين على تجاهل هذه الاختلافات الفاقعة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة فوضت "القطاع الخاص" عبر نظام الكفالة واناطت به مسؤولية التعامل مع العمالة الوافدة بعيداً عن اعينها قدر الإمكان. وعوضاً عن عمال الخدمة المنزلية، فنحن لا نراهم الا عندما يقدمون لنا خدمة تجارية، اذ انهم يعيشون في أماكن بعيدة عننا، واغلبهم يتحدثون بلغات مختلفة لا نفهمها. لكن إصرار جائحة كورونا على ربط البشر معاً وتعرية الحلقات الأضعف في علاقاتنا الاجتماعية والاقتصادية بشكل فاضح، يعيد الحاجة الى فتح النقاش حول هذا الموضوع، والذي عادة ما يعرف في أوساط الخليج بالخلل السكاني.

على المدى القصير، من المتوقع ان الكثير من هؤلاء العمال سيفقدون أعمالهم، وهناك مسؤولية على أصحاب الشركات والدول في التأكد من حصولهم على أي مستحقات متبقية لهم، وتكاليف العودة لدولهم، واحتياجات الحياة خلال فترة تواجدهم في الخليج على اقل تقدير. فبما ان الشركات هي من استقطبت الأشخاص للعمل والدول هي من سمحت لهم بذلك، فذلك يجعلهم مسؤولون عنهم خلال تواجدهم في دول الخليج.  ومما لا شك فيه ان هذه القضية ستبرز كتحدي كبير خلال الفترة القادمة مع تزايد الصعوبات المتوقعة للقطاع الخاص في خضم أزمتي كورونا وتدني أسعار النفط.

اما على المدى المتوسط والطويل، فقد تكون هذه الصدمات التي فرضها كورونا قسراً هي فرصة لإصلاح سوق العمل في الخليج، وفتح النقاش حول المستقبل المنشود له. وقد يكون اول مدخل للتطرق الى هذا الموضوع هو الاعتراف والتركيز على الدور الكبير الذي لعبته العمالة الوافدة في تشكيل اقتصاديات الخليج. فهم فعلياً من بنوا مدنه والبيوت والعمارات التي نسكن ونعمل ونعيش فيها، وأشرفوا على تنظيفها وصيانتها وإطعام من فيها. وأول وأهم ما يمكن عمله من هذه الناحية هو تفعيل حقوقهم العمالية في عملية الإنتاج، حالهم حال المواطنين، بحيث يتم التأكد من تطبيق قانون العمل، وخصوصاً في القطاع الخاص العائلي الذي يوظف هذه العمالة والذي تم تركه من قبل الدولة ليفعل ما يشاء بموظفيه. وهذا الإصلاح مهم ليس من الناحية الحقوقية والإنسانية فقط، بل إنه سيرفع من حقوق الموظفين في الاقتصاد إجمالاً، بما فيهم المواطنين. فليس من الممكن أن يتطور قطاع خاص ذي إنتاجية ورواتب وحقوق عالية إن لم يطبق ذلك على جميع من يعمل فيه، فإن بقيت التفرقة ما بين المواطنين والوافدين فسيتواصل القطاع الخاص في إيجاد الحيل والسبل في التنصل من توظيف المواطنين، والاتجاه نحو توظيف الوافدين مهما بلغت السياسات والقوانين الحكومية، بما أن حقوقهم ورواتبهم أقل.

وجزء رئيسي من هذه العملية يتمثل في تغيير نظام الكفالة الحالي، بحيث يتم تقنين أعداد القوى العاملة وإحالة عملية إدارتها وتنظيمها، بما في ذلك قانون الكفالة، إلى مؤسسة مركزية تابعة للدولة، تكون لها رؤيتها وخطتها الواضحة بالنسبة إلى الهجرة وتبعاتها. وتهدف هذه الخطوة إلى تفعيل رؤية أوسع حول الهجرة، تتطرق إلى أبعادها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في مقابل النظام الحالي الذي تعتمد هجرة الوافدين فيه أساساً على الطلب الفردي من الكفلاء وأصحاب العمل، الذين يأخذون في الاعتبار المصلحة الفردية فقط، دون اعتبارات التداعيات المجتمعية ككل، بطريقة ترفع من دخولهم على حساب المكفولين وتمهد لحدوث انتهاكات محتملة على نطاق واسع.

لكن تبقى القضية المحورية من ناحية قوة العمل هو أنه على دول الخليج أن تختار أي نوع من سوق العمل تريد: هل تريد سوق عمل عالمي مفتوح على مصراعيه، يستقطب من خلاله رأس المال المحلي قوة العمل من أي مكان يريده على امتداد الكرة الأرضية، ويحكم السيطرة عليها عبر نظام الكفالة، بحيث ترتكز جهود دول الخليج على تنظيم العملية بين الجهات المرسلة والمستقدمة خلال دورة هذه "الهجرة الدائرية"؟ أم أنها على العكس تريد التحول إلى سوق عمل وطني يحدد أساساً على مستوى الدولة، بحيث يعتمد بشكل أساسي على المواطنين والمقيمين الدائمين في الدولة لتوفير قوة العمل بشكل متواصل ومتجدد، ومن ثم يتم تطعيم سوق العمل الوطني هذا بالهجرة عند الحاجة، في مسار مشابه لبقية دول العالم الصناعية؟

كما بينا مسبقاً، فبالإمكان إعطاء حجج لكلا الخيارين. فطبيعة سوق العمل العالمي الحالي في الخليج كان لها تأثير قوي في زيادة اجمالي الدخل المادي للمهاجرين إلى الخليج. وقد يكون أكبر دليل على ذلك هو حجم التحويلات التي تعدت 98 مليار دولار عام 2014، حيث تبين الإحصائيات أن الهجرة إلى الخليج والتحويلات منها تلعب أكبر دور نسبياً في تخفيض عدم المساواة في الدخل على مستوى العالم، بحيث يفوق دورها النسبي دور الدول الغربية بالضعف في رفع دخل المال تحت قانون الكفالة، فيما تم حصر الدول الفقيرة. كما أن هذه التركيبة وفرت الحل الأمثل لرأس المال المحلي، إذ تم تسخير قوة عمل عالمية قليلة الحقوق والرواتب لرأس سوق رأس المال على مستوى الدولة فقط. وحتى المواطنين استفادوا عبر تدني أسعار الاستهلاك نظراً لرخص قوة العمل، بالإضافة إلى انتشار استعمال الخدمة المنزلية وفتح الشركات الصغيرة التي تعتمد على العمالة الوافدة. أما من ناحية الدولة، فأصبح عموم الناس في أراضيها من السكان قليلي الحقوق السياسية وهم أقرب إلى الرعايا، أكانوا مواطنين أم وافدين، كما زاد نفوذ الحكومات المحلية على الدول المصدرة للعمالة. وبذلك، أصبحت الفروقات في الرواتب والمزايا والعطايا والحقوق والواجبات بناء على الجنسية والمهنة هي سيدة الموقف، عوضاً عن أي نوع من المواطنة (citizenship) التي تسعى نحو المساواة والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.

في المقابل، فقد زادت حالات الاضطهاد والتفرقة في صفوف الوافدين، بالإضافة إلى فقدان المواطنين قدرتهم التنافسية في الإنتاج. ففي الوضع الحالي، من المستحيل على المواطن منافسة الوافد في سوق العمل، وذلك لأن تكلفة عائلة وحياة العامل الوافد تحدد في بلده الأم، وهي أقل بكثير من تكلفة حياة وعائلة المواطن في دول الخليج. هذا بالإضافة الى تدني حقوق الوافد وضعف قدرته التفاوضية مع كفيله تحت نظام الكفالة، مما يجعل الكفلاء يفضلون توظيف الوافدين لأنهم "اكثر طاعة وانضباط" ويسهل فصلهم. وما أن يتم التطرق إلى هذه الفروقات في التكلفة والحقوق، فمن المستحيل على المواطن أن يتمكن من منافسة الوافد، وسيبرز شبح البطالة كأمر يهدد المواطنين، وبذلك تزيد حالة الاغتراب فيما بين المواطنين والوافدين معاً. وأصبح "المواطنون" في مقابل "الوافدون" وكأنهما خانتين صلبتين أقرب إلى الطوائف الطبقية (castes) المتواجدة في الهند، بحيث من المستحيل أن ينتقل أحد من خانة إلى أخرى. ولذلك، فإن الوضع الحالي الذي يخلق هذه الحالة الفاقعة من الاختلافات المتجذرة حتى في القانون بين المواطنين والوافدين، وحالات التعصب والزينوفوبيا والشك المتبادل والتحزبات داخل مكان العمل بناء على الجنسية، تدعو إلى التساؤل حول طبيعة المجتمع الذي نريده في الخليج، والتي اضحى اشبه بحالة من الاغتراب الدائم لمواطنيه ووافديه المبني على الفروقات المتقاطعة.

وقد يكون أكبر تحدي اقتصادي يواجه سوق العمل العالمي الحالي في الخليج هو عدم استدامة قوة العمل والتكنولوجيا، ذلك أن اقتصاد الدولة فعلياً قد فوض إعادة إنتاج هذه العوامل المهمة إلى أطراف خارج البلاد، بحيث لا يتم تجديد وإعادة إنتاج وتدريب هذه العوامل عبر الأجيال داخل اقتصاديات الخليج بل خارجها. ولذلك، فبرأيي أن الانتقال نحو نظام قوة عمل أقرب إلى الحال في بقية دول العالم، حيث يكون تجديد واستمرارية قوة العمل أساساً ضمن نطاق الدولة، ويتم تطعيمها بالوافدين متى دعت الحاجة، على أن يحصل المواطنون والوافدون على حقوقهم العمالية والاجتماعية كاملة، هو الحل الأمثل لاقتصاديات دول الخليج من ناحية الاستدامة وأيضاً من ناحية بناء مجتمع أكثر عدالة وانسجام.

وفي هذا المجال، فإن هناك قضية مهمة على دول الخليج فتح النقاش فيها، وهي إمكانية توطين جزء من الوافدين الذين عاشوا في دولها لفترات طويلة ويريدون أن يصبحوا جزءاً فاعلاً من المجتمع وهويته وثقافاته ولغته الجامعة ومصيره المشترك، بغض النظر عن اصولهم وخلفياتهم الاجتماعية. فأخلاقياً، هناك أمر غير طبيعي في أن يكون الشخص قد عاش في مكان ما طوال عمره، وعمل وأفنى نفسه وأنجب أبنائه فيه، الذين بدورهم كبروا وعملوا وأنجبوا أحفاداً، ليصبحوا ثلاثة أجيال أو أكثر كل منها لم يعرف موطناً سوى دول الخليج، وهم لا زالوا يعاملون كوافدين لا يمكن أن يصبحوا جزءاً مكتملاً من المجتمع، بل وبالإمكان ابعادهم في أية لحظة.  ومن ناحية الاستدامة، فإن حل هذه المسألة سيساهم في إبقاء الكثير من الكفاءات في البلاد، وجعلها جزءاً من النمط الاقتصادي بدلاً من أن تخرج من البلاد بلا عودة.

هل هذه الدعوة لإصلاح سوق العمل هي دعوة لدول الخليج للانغلاق على نفسها؟  بالطبع لا ومن المهم ألا تفسر كذلك. فالخليج دائما ما تميز بانفتاحه على العالم وتجارته وثقافاته وتكنولوجياته، وهذا شيء إيجابي بكل تأكيد استفادت منه دول الخليج والكثير من دول العالم، ومن المهم أن يتواصل هذا الانفتاح. فمن الضروري ألا ننظر إلى الأمور من منطلق نحن ضد الآخر. فالعالم مترابط ويعتمد على بعضه البعض من الناحية الاقتصادية والسياسية والبيئية بشكل عضوي، مما يجعل الخروج من العقلية الانغلاقية والتعاون فيما بين أقطاره أمراً ضرورياً، بل وقد يرى البعض ان هدف الانسانية على المدى البعيد هو الوصول الى عالم مفتوح الحدود كما كان قبل عصر الدولة الحديثة. الا انه يبقى الحال أننا نعيش الآن في عصر ما زالت الدولة فيه هي الوحدة الرئيسية للإدارة العامة، وأن هناك مقومات تحتاجها أي دولة كي تستطيع إعادة إنتاج نفسها، وهي مقومات أساسية تقوم عليها غالبية دول العالم، إن اختفت أصبحت الدولة ومن يسكنها في خطر الانكشاف وعدم الاستدامة، مع صعوبة ان تتمتع الدولة ومواطنيها باستقلالية وسيادة اتخاذ قراراتها. فإلى أي مدى سيتم استيراد كل شيء في الخليج، حتى البشر والتكنولوجيا، ويتم الدفع لها بالمقابل عن طريق مورد واحد فقط، وهو النفط الذي يجعل كل هذا الاستيراد والاتكالية على الخارج ممكنة في الأساس؟

هذا المقال نشر في وقت سابق في مركز الخليج لسياسات التنمية ضمن سلسلة من المقالات للكاتب حول موضوع آثار ازمتي الكورونا والنفط على اقتصادات دول الخليج.