لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

البیت ھو أینما یراه صاحب عملك مناسباً

في 31 مايو 2020

سوف يكون هذا المقال صريحاً، وربما به بعض التحيز، فإليه ...

في وقت كتابة هذا النص الآن، استلقى على الطبقة العليا من سرير بطابقين، مستمعاً إلى سمفونية من أصوات الشخير، وصوت مكيف الهواء ممزوجاً بضجيج حركة المرور الآتية من الخارج. أضع على أذني سمّاعات، إذا أنني عادة أستمع إلى الموسيقي عندما أكتب، ولكنني في هذه المرة لم أجد الموسيقى التي تتناسب مع جدية هذا الموضوع. ولذلك فأنني استلقى هنا في الظلام والصمت، بالأحرى هو صمت نسبي. 

أتشارك في هذه الغرفة التي تبلغ مساحتها 4X4 أمتار مع خمسة أشخاص آخرين، وبالغرفة يوجد ستة خزانات معدنية وتشكيلة متنوعة من المتعلقات الشخصية التي، بسبب طبيعتها، لا يمكن أن تستوعبها الخزانات المعدنية. ولذلك فقد تم وضع بعضها تحت السرير، وبعضها أعلى الخزانات التي ذكرت، فيما حُشر بعضها في أي مكان اتسع لها. كل ذلك يعني أن الغرفة، حقا، مزدحمة بمن وما فيها. 

ولأقدم لكم مثالاً على ذلك، فإننا عندما ننهض استعداداً للذهاب إلى العمل، جميعنا نستخدم الشريط الضيق المتبقي من الغرفة بعد أن احتلت الأسرّة والخزانات نصيب الأسر من مساحتها. 

لنفترض أننا في الوقت الذي نستعد فيه للعمل... سيتوجب عليك، أولاً، وبحسب مكان الخزانة الخاص بك، أن تمر بين اثنين إلى خمسة من العمال زملاء الغرفة لتصل إلى الخزانة في طريقك من دورة المياه للاستحمام. هناك ثمانية مقصورات للاستحمام لاستخدمنا نحن الـ 72 عامل. 

بعدها، تأخذ حاجياتك، وعليك من ثم المحافظة على مسافة تكفيك، من المكان الذي تقف فيه، لتتجنب الاصطدام بشخصين على الأقل في الوقت الذي تنحني فيه لارتداء لباسك الداخلي، إذا لم تقم بذلك في مكان الاستحمام. وحتى إن قمت بذلك فلن يختلف الأمر كثيراً، إذ أن عليك الانحناء لارتداء البنطلون. أي أنه لابد من الانحناء.

مرة أخرى، لا بد من الانتباه للمساحة المحيطة بك في الوقت الذي تلبس فيه قميصك إن كنت حريصاً على عدم لكم فك أحدهم في أثناء ذلك بطريق الخطأ. وحتى إن كان فعلاً بطريق الخطأ فقد لا يُعتبر كذلك. فالتوتر دائما عاليا في هذه الغرفة الضيقة، وليس من مصلحة أحد مفاقمة ذلك. 

إن مساحة الغرفة صغيرة جداً إلى الدرجة التي يختار بعضنا، في بعض الأيام، تأخير الاستيقاظ قليلا لتجنب الارباك؟ ما أعنيه أنه إن كنت ستنتظر دورك بترتيب سريرك، فما تخمينك لحجم الغرفة أساساً! أما الشي المضحك حقاً فهو أننا نعمل لصالح شركة معينة وهي تابعة لمؤسسة قطر، وقد جاءنا شخص من الشركة بالفعل من أجل التفتيش على الوضع، واجتاز المكان الفحص. وهذا الأمر مثير حقاً لأن كل شخص من العاملين في مجال عملنا يعلم تماماً صرامة مؤسسة قطر ونبل أهدافها عندما يتعلق الأمر برفاهية الموظفين. 

أسئلة كثيرة بانتظار الإجابة

ويمضي الوقت...

وتتشابه المحنة التي أعيشها، إن لم أكن أفضل حالاً، مع غالبية من يعيشون في المساكن العمالية التي تغطي المنطقة الصناعية بالكامل. وإن كان علي أن أصف المكان هنا في كلمة واحدة فهي "كئيب". 

ومن المحتمل أن أكتب مقالاً عن هذا الأمر، ولكن حالياً لنتوغّل أكثر في موضوعنا.

ويبدوا أن أمر مشاركة ستة اشخاص في غرفة واحدة، محتملاً لدى مقارنته بثمانية أشخاص. فقد كنت شخصياً ضيفاً على مثل ذلك الوضع، وقد كان أمراً مهيناً للإنسانية. كما أنني استرقت النظر إلى غرف معينة كانت تعود لشركات مختلفة، وكات يقيم فيها عدداً مماثلاً ولكن بظروف صحية سيئة للغاية. أتذكر أن مزيجاً من المشاعر انتابني حينها. 

في البداية كان شعوراً بالاشمئزاز مما رأته عيني، وثانياً شعرت بالأسف تجاه القاطنين هناك، وثالثاً شعرت بتقدير الوضع الأفضل الذي نعيش فيه، ورابعاً شعرت بالتشوش من الكيفية والسبب الذي أدى إلى حدوث ذلك، وخامساً كان الشعور بالغضب ثم غرقت في شعور بالحزن. 

جميع هذه المشاعر هجمت على دفعة واحدة، ولكنها ليست كل ما شعرت به.

إن مشاركة ست اشخاص في غرفة واحدة لهو أمر سيء، وعندما يتشارك ثمانية في غرفة واحدة يصبح الأمر غير عقلاني أما عشرة اشخاص فهو أمر خارج كل تصور. 

لقد سمعت من قبل عن وجود مساكن تأوي عشرة عمال في الغرفة الواحدة، وربما أكثر من ذلك. الآن لا يمكنني التحقق (اقرأ الشريط الجانبي) من ذلك، ولكنى سأستغرب أكثر إن كان الأمر غير صحيح أكثر منه أن كان حقيقياً. فهذا الأشياء أصبحت تحدث فعلاً. 

المقلق الأكبر في هذا الأمر أن كانت السلطات فعلاً تشعر بالقلق إزاء ما يحدث! فالأكيد أنها على علم به. 

ويوجد لدى قطر لوائح خاصة بمعايير السكن. هذه اللوائح تشمل عدد الاسرة في الغرفة الواحدة، ترتيبات النوم المشترك، التهوية، مساحات التخزين الشخصية، نسب مراحيض ومرافق الاستحمام المشتركة للأشخاص ما إلى ذلك. وعلى سبيل المثال، تنص اللوائح على أن يكون هناك مساحة 6 متر مربع لكل سرير، وأن يكون هناك 1,5 متر كحد أدنى بين الأسرة المتجاورة على أن يتم فصلها – أرجو الانتباه لذلك – بعازل للخصوصية أو ستارة!

إننا نرى أنه، وفقاً لقانون العمل القطري، من المفترض أن يعيش العمال بشكل لائق إلى حد ما، ولكن الواقع، وفي أغلب الحالات، ما هو إلا واقع قذر فلماذا يحدث كل هذا؟ 

ومن أحاديثي مع زملاء العمل، والمعارف الآخرين، يتضح إجماع عام على أن الأمر كله يتمحور حول المال. فحشر الكثير من الأشخاص في مكان واحد أرخص بكثير من الامتثال للوائح. ووضع العدد المطلوب من الأشخاص في غرفة من شأنه أن يعني، اساساً تخصيص غرفاً أكثر بشكل عام. والغرف الأكثر ستعني أن أموالاً أكثر سوف تنفق على المساحات الإضافية. ولذلك فكلما وضعت أشخاصاً أكثر في الغرفة، كلما زاد حجم التوفير الذي تحققه. وعندما يعود الأمر في النهاية لشخص واحد، فإن التوفير دائما موضع ترحيب. 

فعلى سبيل المثال، مالذي سيدعو لدفع 100,000 ريال قطري في الوقت الذي بإمكان الشخص مضاعفة عدد شاغلي الغرفة ودفع 50,000 ريال قطري فقط. 

من المحزن أن الأمر غالباً ما يخضع لعوامل مالية. 

وهذا هو واحد من الأسباب التي أدت بالوضع إلى ما هو عليه الآن. والسبب الآخر هو الافتقار للمعلومات عن هذه اللوائح. فغالبية العمال المهاجرين يجهلون وجود هذه اللوائح وسهولة ومجانية الوصول اليها وجاهزيتها. لذلك فلا بد من إطلاع العمال المهاجرين على هذه المعلومات بالإضافة إلى قانون العمل القطري قبل مغادرتهم بلدانهم، ومرة أخرى بعد وصولهم إلى قطر. في اعتقادي، على كل عامل أو أي شخص يجد نفسه في وضع أقل من المثالي أن يتقدم بشكوى مقرونة بالمعايير المطلوبة تماماً. ويتطلب هذا معرفة باللوائح المطبقة، وبالقنوات المناسبة لرفع الشكوى، وهو ما يجعلني أتجه للوزارة. 

وتنص لائحة تخطيط سكن العامل "أن تطبيق معايير مرافق سكن العمال في قطر هو مسئولية وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية (MADLSA)".

وعلى مسئولي العمل القيام بعمليات تفتيش عاجلة. والأهم من ذلك، يجب ان تكون الشكاوى التي تقدم ضد صاحب العمل متبوعة بالتفتيش والتدابير التصحيحية – بالطبع، بعد اتخاذ الإجراءات العقابية. وكلما كانت الشكوى والعقوبة من الفئة الأكبر كلما كان الأمر أفضل. إذ سيكون في ذلك عبرة للآخرين. كي لا يتلاعب أحد بحقوق الإنسان. 

ومع ذلك، فعلى الوزارة أن تطبق نظام إبلاغ مجهول المصدر يسمح بحماية العامل من انتقام صاحب العمل. فالخوف يعتبر سبب آخر لاستمرارية مخالفات الإقامة. فلا أحد يود أن يخاطر بوظيفته بالمبادرة بالشكوى. فخسارة الدخل المنتظم بعد إنفاق المبالغ الطائلة على التوظيف يفوق أهمية ما يحققه التقدم بالشكوى. سيكون من الأجدى للعمال الانصياع للوضع القائم واستلام أجورهم _ أعني المحظوظين الذين يتسملون هذا الأجر بانتظام. فعدم دفع الأجور لايزال وضوعاً قائماً.  

نحن لم نتجاوز الامنيات في تفكيرنا عندما نراوح في مكاننا ونقول: "على الوزارة أن تفعل هذا، وعلى الوزارة أن تفعل ذاك". ما أعنيه أن علينا ألا ننسى أن ننسب الفضل في إصلاحات قانون العمال المرتقبة إلى التحليل الحثيث للإعلام الدولي والمدافعين عن حقوق الانسان. وحتى تبذل الحكومة المزيد من الجهد لضمان عيش العمال بكرامة ووضع لائق، فسيكون الوضع في قطر " البيت هو أينما يراه صاحب عملك مناسباً".

ملاحظة: مع ان المقال يمثل تجربة معاشة لعامل في قطر إلا انها تعكس الاوضاع المعيشية للعمال في جميع دول الخليج.