لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

البحرين غير مؤهلة للاحتفاظ بالفئة الأولى في تقرير الاتجار بالأشخاص

في 21 يونيو 2020

من المقرر أن تنشر وزارة الخارجية الأميركية، هذا الشهر، تقرير الاتجار بالأشخاص السنوي (TIP). ويصنف التقرير الدول بناء على السياسات والمبادرات التي تتخذها لمكافحة الاتجار بالأشخاص. وتحظى أفضل الدول بالفئة 1، وأسوأ الدول بالفئة 3. وقد تواجه الدول التي تصنف في الفئة الأخيرة قيوداً على المساعدات الأميركية الخارجية والأموال. 

ويعتبر التقرير أداة ضغط قوية على الحكومات لاتخاذ إجراءات ضد الاتجار بالأشخاص، برغم من التحفظ على المنهجية والتقييم ودوره في حث الحكومات على وضع برامج متسرعة وغير مدروسة لمكافحة الاتجار بالأشخاص. ومن الممكن أن يؤدي التقييم غير الدقيق إلى المخاطرة بإخفاء حقيقة المبادرات غير الفعالة والسطحية التي لا تسهم فعلا في مكافحة الإتجار بالأشخاص. وتحذر أستاذة القانون جيني تشانغ من "أن التطبيق المتراخي للمعايير الدنيا للفئة 1، قد يؤدي إلى منح الحكومات تصديقاً على سمعة لم تصلها بعد، الأمر الذي لن يؤدي إلا لتشجيع شعور الحكومات بالرضا غير القائم على أسس حقيقية وبالتالي يدفعها للتقاعس عن ما ينبغي عمله". 

وتعتبر البحرين مثالاً على ذلك. فبينما كانت الإصلاحات الأخيرة خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الوضع الحقيقي يتعارض مع المعايير التي تؤهل للحصول على الفئة 1. 

خلفية 

حققت البحرين وضع الفئة 1 للمرة الأولى في 2018، وحافظت على هذا المستوى في العام التالي 2019. واحتفى المسئولون الحكوميون والإعلام المحلي بهذا الإنجاز على نطاق واسع. وزعمت الحكومة البحرينية والإعلام، وحتى المنظمات الدولية مثل المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وبشكل غير دقيق، أن هذه هي المرة الأولى التي تصل دول عربية لمستوى الفئة 1. وفي الحقيقة فإن الامارات العربية المتحدة، وصلت وبشكل مثير للجدل، لمستوى الفئة 1 في في تقرير TIP في 2003

وبحسب تقرير (TIP) لعام 2018، فإن أهم أسباب ترقية البحرين إلى  مستوى الفئة 1 هي: 

  • إطلاق التصريح المرن 
  • أول إدانة لمواطن بالعمل القسري، وأول إدانة لمسئول حكومي بالتواطؤ
  • سن نظام عقد العمل الثلاثي المعياري لعاملات المنازل
  • إنشاء آلية الإحالة الوطنية للتعرف على ضحايا الاتجار بالبشر وحمايتهم
  • إنشاء مركز حماية الأجانب، لتوفير المساعدة القانونية، والمساعدة على مدار الساعة، وإيواء ضحايا الاتجار بالبشر 
  • القيام بحملة لتعريف العمالة المهاجرة بحقوقهم القانونية
  • صندوق مساعدة الضحايا لتغطية نفقات الخدمات الضرورية لضحايا الاتجار بالبشر. 
  • المشاركة في مركز الأمم المتحدة للتدريب وبناء القدرات (UNODC)، لبناء وعي إقليمي لمكافحة الاتجار بالبشر. 

و للأسباب ذاتها احتفظت البحرين بمرتبة الفئة 1 في 2019.

وظلت بعض هذه المبادرات محدودة في التطبيق العملي. وفشلت، في الغالب، في تقديم الدعم الكافي لضحايا الإتجار بالبشر، خصوصاً ضحايا العمل القسري. 

التصريح المرن

لقي التصريح المرن ترحيباً في تقرير (TIP) لعام 2018 باعتباره "خطوة ملموسة لإصلاح نظام الكفالة بتقديم برنامج يسمح للعمالة غير النظامية بكفالة أنفسهم" وادعى التقرير، بشكل غير صحيح، أن "بإمكان المتقدمين الناجحين للبرنامج الالتحاق بأي عمل مع أي صاحب عمل بنظام العمل بدوام كلي أو جزئي". ومع ذلك، فليس جميع القطاعات مؤهلة بموجب نظام التصريح المرن، بما فيها تلك التي تتطلب ترخيصاً خاصاً مثل الطب والهندسة والقانون ومهن التدريس. 

وبرغم أن فصل العمال المهاجرين من سيطرة كفيل واحد يعتبر خطوة مهمة كما أشار تقييمنا السابق للنظام، إلا أن الافتقار للوضوح للحقوق والمسئوليات لأصحاب المصلحة، وكذلك الرسوم الباهظة، تعيق البرنامج ليكون بديلاً لنظام الكفالة، قابلاً للتطبيق. وفي الواقع، فقد نجم عن التنفيذ السيء لنظام التصريح المرن دون ربطه بإصلاحات لتحسين حقوق العمال، تقليصاً لحماية حقوق العمال. 

وتم تصميم التصريح المرن لتعديل الأوضاع القانونية للعمال، وبشكل أساسي، لاستفادة صاحب العمل بتخفيض أو إلغاء تكلفة توظيف العمال المهاجرين. ولا يُحمِّل هذا النظام أصحاب العمل المسئولية برغم أنهم الذين تسببوا أصلاً في إيصال العمال إلى الوضع غير القانوني. 

ويتحمل صاحب التصريح المرن تكلفة تصاريح العمل وكافة النفقات دون وجود ضمانات كافية لحقوقهم العمالية. فلم يتم إصلاح أوجه القصور الهيكلي في نظام الكفالة من خلال هذه المبادرة الجديدة. 

والآن مع أزمة كوفيد19، أصبح أصحاب التصريح المرن أكثر عرضة للضرر مع تراجع فرص العمل في حين أنهم مسئولون عن مصروفات الطعام والسكن الخاصة بهم. ولابد من أن يتبنى النظام التوصيات التي تضمنها تقييمنا السابق له. 

عقد العمل الثلاثي الموحد لعاملات المنازل

ألزم نظام العقد المعياري الذي أطلق في 2017، جميع مكاتب التوظيف في البحرين أن تفصح، إلى جانب أمور أخرى، عن طبيعة العمل، وساعات العمل والراحة وأيام الاجازة الأسبوعية. واشار تقرير (TIP)، وبشكل غير صحيح، أن قانون العمل رقم 36 أسس لبعض الحماية لعاملات المنازل، بإلزامه صاحب العمل توفير عقد عمل يحدد ساعات العمل...”. إلا أن عاملات المنازل مستثنيات من أحكام الباب السابع من قانون العمل الذي يحدد ساعات العمل. 

وكما أشارت MR  في تقييمها، "إن العقد الجديد لا يحدد أي شروط عمل الزامية جديدة. ويظل الأمر متروكاً لصاحب العمل لتحديد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجر ووقت الراحة وجميعها أمور يتوجب أن يتم تنظيمها بقانون. 

وفي الواقع، فإن البحرين متخلفة عن دول الخليج الأخرى (ماعدا عمان) عندنا يتعلق الامر بسن تشريعات متعلقة بحقوق عمالة المنازل. وسنّت كل من الكويت (2015)، وقطر (2017)، والإمارات (2017)، والسعودية (2013) قوانين خاصة بالعمالة المنزلية. وفي حين أن الوضع المثالي هو تضمين عمالة المنازل في قوانين العمل، إلا أن معظم دول الخليج، مع ذلك، توفّر حماية أكبر لعمالة المنازل من البحرين. 

وكذلك يفتقر العقد المعياري لآليات قوية لتنفيذه، وقد اتضح عدم الامتثال على نطاق واسع من خلال بيانات قامت بجمعها جمعية حماية العمال الوافدين (MWPS)، فمن بين 198 لجأت إلى مأوى الجمعية في 2018، فقط عاملة واحدة ذكرت أنها خضعت للإجراءات التعاقدية خلال عملية توظيفها. وكشفت التحقيقات الميدانية حول مكاتب التوظيف أن الكثير من المكاتب لم تمتثل للوائح العقد أن أنها امتثلت جزئياً. 

والأهم من ذلك كله، أن هيئة تنظيم سوق العمل (LMRA) لا تزال تسمح لأصحاب العمل بتوظيف عاملات المنازل بشكل مباشر. وبحسب الموقع الالكتروني للهيئة فإن التوظيف لعاملات المنازل بشكل مباشر لا يتطلب تقديم العقد المعياري. ويتوجب عليهم فقط توقيع "تعهد بالتزامات صاحب العمل تجاه العاملة..." مما يضعف المبادرة ويفتح لصاحب العمل قنوات لتوظيف عاملات المنازل من خلال وكلاء غير قانونيين. 

آلية الإحالة الوطنية، وحدة حماية الأجانب، حملة مكافحة الاتجار بالبشر

في 2017، أطلقت البحرين إجراءات آلية الإحالة الوطنية (NRM) التي يتم استخدامها لتحديد ودعم ضحايا الاتجار بالبشر. إلا أن هذه الإجراءات موجهه لضحايا الاتجار بالجنس بشكل أساسي، وليس العمل القسري. وبحسب تقرير (TIP)، فإن البحرين أحالت قضية واحدة فقط تتعلق بالعمل القسري للنيابة. 

ووثقت جمعية حماية العمال الوافدين MWPS عدة حالات متعلقة بعدم دفع الأجور، ولكنها لم تُعتبر كذلك من قبل السلطات. كما ذكر أخصائيون اجتماعيون في البحرين أن أفراد الشرطة يفتقرون للتدريب على التعرف ودعم ضحايا الاستغلال والاتجار بالبشر. وفي حين أن عاملات المنازل هن الأكثر عرضة للتضرر، إلا أن العمال المهاجرين أيضاً يواجهون انتهاكات تصل إلى العمل القسري. على سبيل المثال، في حالة جي بي زخريادس التي أشارت MR في وقت سابق إلى أن إدارة الشركة والحكومة شجعتا العمال على مواصلة العمل بدون أن يتسلموا أجورهم. وبموجب تعريفات الاتجار بالبشر في البحرين، فإن هذه الأفعال هي بمثابة عمل قسري، إلا أن السلطات تتعامل مع الحالة، حتى الآن، على أنها انتهاك عمالي. 

وعلاوة على ذلك، فإن هيئة تنظيم سوق العمل، التي تقود اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، توفر حماية متواضعة للذين تعرضوا للإتجار من خلال تأشيرة الزيارة. ولأن الهيئة هي لتنظيم سوق العمل فهي تركز اهتمامها على أصحاب تأشيرات العمل، فيما تقع تأشيرة الزيارة تحت مسئولية إدارة الجنسية والجوازات والإقامة (NPRA). وتعتبر حالة الكاميرونية لوكونغ باسكالاين، الذي تعرض للاتجار في البحرين نموذجاً لذلك. (أنظر الشريط الجانبي) 

تدير وحدة حماية الأجانب EPU التابعة لهيئة تنظيم سوق العمل، التي حظيت بإشادة TIP، منذ العام 2015، مأوى يضم 120 سريراً. إلا أن مصادر ميدانية ذكرت أن هذا المأوى لم يُشغّل قط بكامل هذه الطاقة الاستيعابية. فالمأوى لا يقبل العمال الذين هم طرف في نزاعات قائمة إلا إذا تمت إحالة العامل للمأوى من قبل سفارة بلاده أو إذا ما كان ضحية قضية اتجار بالجنس. أما الحالات التي يحيلها الأخصائيون الاجتماعيون للمأوي والمتضررة من العمل القسري فبشكل روتيني لا تقبلها الوحدة. وفي عام  2018، كان عدد من تم إيوائهن النساء المهاجرات في مأوى جمعية حماية العمال الوافدين وعددهن 198 أكثر من اللاتي تم إيوائهن في مأوى هيئة تنظيم سوق العمل   LMRA وعددهن 182 بحسب تقرير TIP لعام 2019. 

وأشاد تقرير TIP بدول الخليج لتطبيقها ومراقبتها نظام حماية الأجور (WPS)، إلا ان البحرين لاتزال آخر دولة خليجية تتبنى هذا النظام. وتأخر تطبيق نظام حماية الأجور في البحرين عدة مرات منذ أن تم الإعلان عنه. ويتم حالياً تطبيق المرحلة التجريبية مع الشركات الكبرى. ومن المتوقع أن يتم تأجيله أكثر مع أزمة كوفيد19، ناهيك عن تزايد "سرقة" الأجور. يشير تقرير TIP  2019 نفسه إلى أن الحكومة لا تحقق بشكل روتيني في الأجور غير المدفوعة، وحجز جوازات السفر والانتهاكات المشابهة باعتبارها مؤشرات على الاتجار، وتعاملت معها على أساس أنها مخالفات إدارية. 

الاتجار من أجل العمل في تجارة الجنس

تدمج سياسات مكافحة الاتجار في البحرين العمل بالجنس والاتجار بشكل يتجاهل حقوق الإنسان للعاملين في تجارة الجنس. وتركز بشكل أساسي على تجريم الاتجار والعمل بالجنس، أكثر منه معالجة نقاط الضعف التي يواجهها العاملون في الجنس وتقديم الحماية التي يحتاجونها. 

وبرغم من انتشار الدعارة في البحرين، إلا أن القانون يجّرم هذا الفعل، ويتم القبض على العاملين في تجارة الجنس وحبسهم و/أو ترحيلهم. 

وهذا لا يعني القول بأن الاتجار ليس مشكلة، فقد وثّق أخصائيون اجتماعيون في البحرين عدة حالات لنساء مهاجرات تعرضن للاتجار باستقدامهن للبحرين على اعتقاد العمل في خدمات التدليك ليتم بعد ذلك إجبارهن على العمل في تجارة الجنس، أو حالات لعاملات منازل "هاربات" أجبرن أيضاً على العمل في هذا المجال. ولكن يتوجب على سياسة مكافحة الاتجار، التمييز بين العمل في تجارة الجنس والاتجار، وأن تلغي أي عقوبة عن العامل نفسه. 

تظهر أغلب البيانات والدراسات أن العاملين في تجارة الجنس يصبحون أكثر عرضة للخطر وعرضة للعنف حيثما تجرّم الدعارة. فالتجريم يخلق حواجز أمام العاملين في تجارة الجنس تمنعهم من الإبلاغ عن أي عنف يتعرضون إليه، ويعرض سلامتهم للخطر ويقلل من قدرتهم على التفاوض والوصول إلى العدالة، إذ أنهم يخشون من القبض عليهم والترحيل.  

 وعلاوة على ذلك، لا يعتبر تقرير TIP وسيلة مثالية لتقييم الإجراءات الحكومية لمكافحة الاتجار بالجنس. وبحسب موجز السياسات الصادر عن الشبكة الدولية لمشاريع العمل في تجارة الجنس Global Network of Sex Work Projects ، فـ"إن تقرير TIP تجاهل، مراراً، الأذى الذي يتعرض له العاملون في تجارة الجنس، بما في ذلك الحبس والترحيل، وسوء المعاملة والعنف خلال الغارات، وزيادة التعرض للعنف، والوصم والتمييز الناجم عن مبادرات وتشريعات الاتجار. 

يتوجب على البحرين عدم تجريم جميع جوانب العمل في تجارة الجنس، وإشراك العاملين في هذه الأعمال لتطوير سياسات وتشريعات مكافحة الاتجار، والكف عن الخلط بين الاتجار والعمل في تجارة الجنس، واتباع توصيات الشبكة الدولية لمشاريع العمل في تجارة الجنس

دول أنظمة الكفالة لا تستحق مستوى الفئة 1 

تعتبر البحرين هي الدولة الوحيدة بين الدول الحاصلة على مستوى الفئة 1، التي تتبنى نظام هجرة العمالة القائم على الكفالة. 

وفي الأساس، فإن نظام الهجرة الذي يربط إقامة العامل ووضعة القانوني لفرد مواطن يجعل الأول عرضة للوقوع في ظروف عمل سيئة ومقيِّدة قد تصل إلى العمل القسري، فيما تمنح الكفيل السلطة من جانب واحد للتحكم في وضع تصاريح الإقامة. 

ويسمح هذا النظام أيضاً للمواطنين بالمتاجرة في تصاريح العمل والإقامة من خلال بيع التأشيرات للمهاجرين الذي يرغبون في المجيء والإقامة في البحرين. وبحسب دراسة حديثة للاقتصادي البحريني د. جعفر الصائغ، فإن الكفلاء المحليين الذين يتاجرون بالإقامات في البحرين يكسبون بمعدل 1,450 دينار بحريني (3,839 دولار أميركي) لإصدار التأشيرة، و800 دينار بحريني (2,118 دولار أميركي) لتجديدها كل عامين. 

وبحسب الصائغ، إذا باع الكفيل 100 تأشيرة لمهاجرين، فهو، أو هي، يتحصل على 145,000 دينار بحريني (383,940 دولار أميركي) بدون بذل أي مجهود من جهته. 

وتتيح هذه الممارسة لصاحب العمل القدرة على إلغاء التأشيرة بشكل منفرد، بعد بيعها للمهاجر، مما يحوّل وضع العامل إلى غير نظامي وبالتالي يصبح عرضة للانتهاك. 

من المحتمل أن تبقى البحرين في مستوى الفئة، أخذاً في الاعتبار إطلاق هيئة تنظيم سوق العمل LMRA، مؤخراً لوحدة جديدة لتقديم المساعدة للعمال المهاجرين في تقديم الشكاوى ضد أصحاب العمل. والبحرين شأنها شأن دول الخليج الأخرى التي نادراً ما تواصل تنفيذ ما تحدثت عنه. وتوجد هناك فجوات كبيرة في كل من تصميم السياسات وبين النية والتنفيذ. وهذه هي الفجوات التي هي بحاجة للتحليل قبل إمطارها بالجوائز والمكانة.