لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مهاجرو مكة يواجهون الغموض الاقتصادي في ظل استمرار وقف السياحة الدينية

في 24 يونيو 2020

يعمل طارق.أ سائقاً لنقل الحجاج المسلمين إلى المسجد الحرام في مكة بالمملكة العربية السعودية على مدى العقود الثلاثة الماضية. 

وكان المهاجر الباكستاني قد انتقل إلى السعودية في مطلع التسعينات، عندما كان في العشرينات من عمره، وتولى وظيفة سائق تاكسي خاص في مكة، حيث أكثر المواقع قدسية في الإسلام. ومنذ ذلك الوقت، يدعم طارق أشقائه الأربعة الذين يصغرونه سناً وعائلته الذين لازالوا يعيشون في قريتهم في البنجاب الريفي. 

يقول طارق: "جئت إلى هنا بتأشيرة العمرة" ويضيف: "كانت الأمور مختلفة حينئذ وكان الكثيرون يفعلون الشيء نفسه، وكان هناك وفرة من الوظائف، والقواعد أكثر تساهلاً، ولذلك، تمكنت بعد عام من القيام بأعمال مختلفة، من العثور على شخص يكفلني لأعمل سائقاً منذ ذلك الحين". 

وبرغم أن أغلب الثروة السعودية تأتي من النفط، إلا أن ما يتأتى من الحجاج القادمين لمكة والمدينة يمثل مورداً مهماً لاقتصاد المملكة. 

شهدت السعودية قدوم أكثر من 19 مليون معتمر في 2019، و 2,5 مليون حاج، وهو الحج السنوي الذي يعتبر الزامياً للمقتدرين على تأديته مالياً وجسدياً، على الأقل، مرة واحدة في العمر. ويسهم موسما الحج والعمرة بنحو 12 مليار دولار أميركي تعادل 7% من إجمالي الناتج المحلي للملكة. كما أنهما مصدر أساسي لدخل الكثيرين في المدينة التي يعيش فيها 1,9 مليون شخص، يشكل المهاجرون، مثل طارق، أكثر من نصفهم. 

.ويقول طارق: "كانت أوضاع العمل تسوء خلال السنوات الثلاث الماضية، كما ارتفعت كلفة المعيشة، إلا أن أحداً منا لم يكن مستعداً لما فعله الفيروس"

لمحاصرة تفشي كوفيد 19، اتخذت السعودية تدابير غير مسبوقة لتعليق السياحة الدينية في أواخر فبراير، وفي أبريل فرضت القيود على جميع منافذ المسجد الحرام. 

ومنذ ذلك الوقت، وبينما كانت المدن الأخرى تتأرجح ما بين حظر التجول الأكثر صرامة والأكثر تساهلاً، ظلت مكة تحت الإغلاق الكامل طيلة هذا الوقت. 

وقال طارق:"يعتبر رمضان من أهم الشهور في حياتي، ليس فقط كمسلم، وإنما كعائل أساسي لأسرتي." وأضاف:" غالباً ما يكون رمضان شهراً مزدحماً واحقق كسباً يعادل ثلاثة شهور مجتمعة، ولكن هذا العام كان الشهر كابوساً."

يشكل المعتمرون الذين يفدون إلى السعودية خلال الشهور، رجب وشعبان ورمضان، نحو 43% من إجمالي المعتمرين على مدى العام، مما يجعل هذه الشهور الأكثر نشاطا خارج موسم الحج، لمن يعتمدون على اقتصاد الحج. وصادف حلول رمضان هذا العام ما بين شهري أبريل ومايو، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث تخلو المدينة، فيه، تماماً من الزوار. 

ويقول طارق :" لست من الأشخاص الذين يشكون من حياتهم، بل أشعر أنني محظوظ وأفخر بكوني رجلا أعتمد على نفسي" مضيفاً: “لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، وللمرة الأولى في حياتي، لم يتوفر لدي سوى القليل من الطحين والماء لأعيش عليه، واعيش بشكل أساسي اعتماداً على ما يقدمه الناس من صدقات ضمن الأعمال الخيرية خلال رمضان."

ويأمل طارق أن تتحسن أوضاعه قريباً، وإلا فهو يفكّر في العودة إلى باكستان.

"...للمرة الأولى في حياتي، لم يتوفر لدي سوى القليل من الطحين والماء لأعيش عليه، واعيش بشكل أساسي اعتماداً على ما يقدمه الناس من صدقات ضمن الأعمال الخيرية خلال رمضان."

ويسعى الكثير من المهاجرين للعودة إلى أوطانهم خلال هذا الوقت من عدم وضوح المستقبل. ومن بينهم البنغلاديشي، رزاق اف. وهو مهاجر قضى السبع سنوات الماضية عاملا في متجر صغير في حي مشهور بين الجنوب آسيويين. 

ويقول رزاق:" تقدمت بطلب للقنصلية لترتيب عودتي لأنني لم أتسلم أجر الشهرين الماضيين، واعتقد أنني لن أتسلم أجر يونيو أيضاً. فإذا كان على عائلتي في بلادي أن تجوع على أية حال، فالأفضل أن أكون معهم." مضيفا: “كانت الأمور اصلاً سيئة خلال السنوات القليلة الماضية وكنت أتسلم أجر بعض الشهور وفي شهور أخرى لا أتسلم شيئاً، لكني أعرف، الآن، أن أوضاع الأعمال آخذه في السوء."

وفيما البعض يعلق آمالا على رفع القيود في 21 يونيو في جميع مناطق المملكة بما فيها مكة. لايزال البعض الآخر قلق من أن يؤدي ارتفاع الحالات المصابة بالفيروس إلى عودة فرض القيود مرة أخرى. وحذرت وزارة الصحة في وقت سابق من عودة التدابير الصارمة في الرياض بعد أن سجلت المدينة ارتفاعاً كبيرا في الحالات الحرجة بعد تخفيف الاغلاق. 

وعلى الرغم من الإغلاق المستمر، لاتزال مكة تشهد أعلى عدد من الحالات في البلد. وربما يكون السبب في ذلك أن النسبة الكبيرة من المهاجرين في سكان المدينة، واغلبهم من غير النظاميين، يعيشون في مساكن مكتظة. وبرغم أن السلطات لم تعلن الكثير من المعلومات، إلا أن تقارير من مقيمين في مكة كشفت عن أن عدد من مجمعات سكن العمالة المهاجرة وضعت تحت الإغلاق بعد أن أصيب عمال بكوفيد 19.  

ولكن، في حين يملك بعض العمال المهاجرين مثل طارق ورزاق خيار العودة إلى أوطانهم فإن البعض لا يتوفر لهم هذا الخيار. 

ل 45% من سكان مكة، والكثير منهم من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين غير النظاميين. وعلى مدى قرون عدة، اجتذبت المدينة المقدسة الغرباء ممن يأتونها بنية الحج ومن ثم يقررون البقاء فيها ونيل حصة بالعمل في اقتصادها النشط. والآن مع ندرة تقديم الدعم للمهاجرين – النظاميين وغيرهم – فقد أصبح مستقبلهم أكثر خطورة من أي وقت مضى. 

تصوير:  ثامر الحسن