لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

أين هي أصوات العمال؟

في 21 يوليو 2020

عقد حوار أبو ظبي مؤخراً مشاورات سلطت الضوء على أصوات الشباب، وصنّاع السياسات وممثلين من جميع أنحاء العالم لمعالجة قضايا الهجرة العمالية في الشرق الأوسط. كما كانت المناقشة التي استمرت ثلاثة أيام بمثابة مشاورات إقليمية للملتقى العالمي للهجرة والتنمية (GFMD) الذي سيعقد في يناير 2021 في دبي. 

واشتملت الموضوعات التي تمت مناقشتها على ما يلي:

  1. إدارة الهجرة العمالية في سياق تغير مشهد التوظيف
  2. الاستفادة من التكنولوجيا لتمكين المهاجرين
  3. تعزيز الشراكات لتحقيق الأهداف المتعلقة بالهجرة في جدول أعمال التنمية المستدامة وإدارة مستقبل حركة التنقل البشرية. 

ويركز تفكيري على الحوكمة، إذ كشفت جائحة كوفيد 19 عن الكثير من العيوب المنهجية التي تجاهلتها الحكومات فترة طويلة، والتي أثرت سلباً على المهاجرين في جميع دول المنطقة. وكانت القضايا الأساسية الأربعة التي حددها المشاركون هي التمييز، والغذاء والأمن، عدم كفاية الأجور، وظروف المعيشة المكتظة. 

ولمعالجة هذه القضايا، من المهم أن تعيد الحكومات منهجيات الحوكمة المتبعة بالاستثمار في أطر الهجرة العادلة للعمالة وضمان التزام السياسات بها. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتقوية سياسات الهجرة والتدريب والتوظيف. وركّزت مناقشات الجلسة الافتتاحية على إيجاد بدائل عملية للتوظيف وتأخذ في اعتبارها الأسئلة التالية: 

  1. كيف نحسّن مشاركة والبيانات ومعالجتها؟
  2. كيف نخفض كلفة التوظيف؟
  3. كيف نعزز المناهج القائمة على محورية الانسان في الهجرة؟ 

وكنتيجة للوباء، ومع عودة الكثيرين من العمال المهاجرين إلى أوطانهم، بدأت الحكومات بحثها عن سبل إدارة سوق العمل، بما في ذلك حجز وظائف لمواطنيها في الوقت الذي تلبي فيه احتياجات الصناعة لموظفين بمهارات متنوعة. وهذا يدعو أكثر لدراسة أكثر انتقاداً لسياسات الحصص التمييزية، وتحفيز مسارات الهجرة التي تجذب العمال المهرة.  

ولكن، مالذي يشكّل المهارات، ومن هم المهرة؟ لا بد من أن يكون هناك فرص للعمال لـ"تطوير" وضعهم بناءً على سنوات الخبرة وتطور المهارات – وبالتالي السماح لمن تم تصنيفهم ذات مرة على أنهم "غير مهرة" ليتم الاعتراف بخبرتهم مما سينجم عنه، في نهاية الأمر، فرص أكبر للعمل. 

كما سلّط المشاركون الضوء على الحاجة الماسة للمشاركة بين أصحاب العمل والحكومات، داعين لمساهمة أصحاب العمل في سياسات الهجرة، إذ كان مقلقاً أنه بدون مشاركتهم سيكون هناك دائماً ثغرات في الحوكمة. 

وفي الوقت الذي يجب أخذ مخاوف أصحاب المصلحة في الاعتبار، على الحكومات أن تكون حذرة بشأن ترك الأرباح، والدخول الصافية لتملي سياسات الهجرة. فلابد من أن يكون النهج قائماً على الحقوق ومتمحوراً حول التزامات الدول كطرف متحمل للمسئولية، والعمال كأصحاب حق. 

وشملت الثغرات التي تم تحديدها ما يلي:

    • الشفافية - يجب أن يكون جميع أصحاب المصلحة على علم بالمعلومات الخاصة بعملية الهجرة.
    • تطوير المهارات – بما فيها مهارات التخصص الأساسية ومهارات الاتصال،
    • مكاتب مساعدة فعالة – للوصول إلى معلومات موحدة وخدمات تساعد على تسهيل وتوضيح عملية الهجرة، 
    • نظام قانوني مشترك – يدعو جميع الدول لتقديم نظام قانوني يحمي الحقوق القانونية للعمال المهاجرين،
    • مركز خدمة تنفيذي تُستكمل إجراءاته في خطوة واحدة – التأكد من أن قاعدة البيانات يتم تحديثها وأنها تشمل قائمة القطاعات والوظائف المطلوبة، 
    • الشراكة – نهج الشراكة التعاونية بين جميع الدول لمعالجة قضايا الهجرة.

النساء والهجرة

تحتاج الدول المرسلة والمستقبلة أن تقوم بالمزيد من الدراسة حول حماية العاملات المهاجرات، والكيفية التي يبدو عليها مستقبل العمل لهم. ومع الأعداد الكبيرة من النساء المهاجرات اللاتي يأتين إلى الخليج للعمل في مجال الرعاية والعمل المنزلي، نحتاج لضمان حماية حقوقهن في جميع مراحل الهجرة. حاليا، يوجد أربع دول من بين الدول الست الخليجية لديها قانوناً لعاملات المنازل. وكما ذكرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالأشكال العصرية للعنصرية، والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتعلق بذلك من تعصب، تينداي آشيومي في تقريرها الأخير، فإن وضع قانون منفصل لعاملات المنازل عوضاً عن إدراجهن ضمن قانون العمل، من شأنه أن يزيد من تهميشهن.

لذلك، فالهدف يجب أن يكون إدراجهن ضمن النطاق الكامل لقانون العمل. كما أن ذلك يدعو لتضمين عاملات المنازل المهاجرات في نظام حماية الأجور والسماح لهن بالوصول بشكل أفضل للعدالة، بإعادة التفكير في بدائل للاحتجاز والترحيل الذي تواجهه الكثيرات منهن.

وبالعودة إلى أشكال القضايا الناشئة من العودة الجماعية إلى الوطن، تواجه المدن حالياً الحاجة للاستجابة للأعداد الكبيرة من العائدين – والكثير منهم لن يعودوا مرة أخرى إلى الخليج. ويتم اختبار دورة إعادة الادماج بشكل كبير إذ أن العديد من العمال أُجبروا على العودة إلى بلدانهم لينضموا إلى الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل. كما أن الكثير من العائدين لم يتموا تسوية مطالبات لهم في الدول التي كانوا موظفين فيها، وأصبحوا ضحايا لسرقة الأجور. واستجابت باكستان لهذه القضية بإنشاء بوابة الكترونية سجل فيها أكثر من 41,000 من العمال العائدين. والغرض من إنشاء هذه البوابة هو مساعدة العمال العائدين بإعادة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي – وهو نموذج استجابة يمكن أن تتبناه حكومات أخرى أيضاً.

نحن بعيدون جداً عن تحقيق الهجرة العمالية العادلة والمنصفة التي تُلبَى من خلالها كل الحقوق والاحتياجات. ولا بد من وضع آليات لدراسة ديناميكيات أفضل لتوظيف العمالة من خلال تحسين التنبؤ بالبيانات. والملاحظ أن النساء والشباب مفقودين في اتفاقات الشراكة، ولذلك لابد من دمجهم بشكل أفضل. كما يجب أن تقوم المؤسسات الحكومية المختلفة ذات العلاقة بإجراءات عملية التوظيف (مثل إصدار تراخيص العمل، التأشيرات... وغيرها)، بالتنسيق فيما بينها بشكل أفضل لضمان مسارات توظيف أكثر فعالية. ومن الممكن اعتبار التكنولوجيا واعتماد الحوكمة الالكترونية أحد الحلول الكثيرة لتحسين الكفاءة فيها.

من أكثر النقاط التي تم تكرارها في ملاحظات جميع المحاور هي أهمية الاعتراف بالمهارات. فالعمال غير المهرة ممن يقضون سنوات في دول المقصد يعودون بمهاراتهم المكتسبة حديثاً التي يجب أن يحصلون على شهادة بموجبها تؤهلهم للعمل في بلدانهم دول المنشأ. ويمكن للكثير من هذه المؤهلات أن تفتح فرصاً للعمل في أوطانهم، وتوفّر حلولاً لمشاكل البطالة. تعتبر هذه الجائحة فرصة "للبدء من جديد" وبناء مستقبل أفضل للعمال المهاجرين وللمجتمعات التي يساعدون في بنائها في بلدان المنشأ والمقصد.

شخصياٍ، بعد قضاء عدة أيام من المشاركة في المشاورات الإقليمية عبر الانترنت، لاتزال لديّ بعض الأسئلة دون إجابة:

  • أين هم العمال المهاجرون الذين نتحدث عنهم بشكل مطول؟ أين هم ممثليهم؟ 
  • لماذا لم تتم مناقشة تقنين النقابات العمالية في الدول المضيفة؟ 
  • ماهي الخطوات التالية لقياس مدى نجاح كل المقترحات التي طرحت في حوار أبو ظبي؟ 

تتبادر هذه الأسئلة إلى الذهن عقب أي تدريب أو مؤتمر مشابه أشارك فيه. ودائماً تتم مناقشة أفكار الشراكة، ودائماً يتم تقديم المقترحات، ودائما تكون الحكومات حاضرة، ومع ذلك، تظل المشكلة كما هي تقريباً. 

وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك أية تطورات، ولكنني أعتقد أنه لم تكن هناك تطورات بالقدر الكافي خلال السنوات القليلة الماضية.

إن الأنظمة في دول المقصد – التي تمنح أصحاب العمل اليد العليا في العلاقة – مكرّسة ضد إمكانيات العمال للوصول إلى حقوقهم الإنسانية والحصول عليها. أما القوانين الموجودة فعلاً فهي مطبقة بشكل سيء.

وطالما تفشل هذه الاجتماعات والمؤتمرات في تضمنيها لأصوات العمال، فسيظل تأثيرها محدوداً. فغالباً ما يتم تمثيلهم من خلال وسيط، ولكن هذا غير كافياً. فإلى متى سيعتمد العمال على أصوات الآخرين ليتم سماعهم؟ في اعتقادي، إن تقنين النقابات العمالية يجب أن يكون من أولى الخطوات التي يتوجب على دول الخليج اتخاذها. 

نحن، كمجموعات لها أصواتها، على استعداد، دائماً، لتقديم الاقتراحات.  

والحكومات، التي بإمكانها أن تصنع التغيير على الورق فقط، فهي دائماً جاهزة لتقديم الوعود. 

أما العمال، كونهم المتأثرين مباشرة بأطر العمل الضعيفة، والأنظمة غير العادلة والإهمال، فلايزالون بانتظار مقترحاتنا لتُسمع، ولوعود الحكومة لتتحول إلى أفعال.