لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مدفوعون لحافة اليأس: عمال المنازل الذكور في السعودية

في 22 يوليو 2020

في بلد لا يسمح فيه للنساء بسياقة السيارات حتى العام 2018، ولاتزال العادات الاجتماعية تستبعد الكثيرات من هذا الخيار، يعمل نحو مليوني مهاجر كسائقين خاصين بدوام كامل. ويشكّل السائقون الشخصيين الخاصين أكثر من 55% من إجمالي العمال المنزليين في السعودية. كما أن 70% من إجمالي العمالة المنزلية – شاملة حراس الأمن والطباخون والزراعون من بين المهن الأخرى – هم من الذكور.  

ومنذ الاغلاقات التي تم تنفيذها في أواخر مارس في مناطق عديدة من البلاد، أصبح الأمن الوظيفي والسكن غير مأمونَين للعمال المنزليين مثل محمد داوود، السائق الهندي الذي يعمل في الرياض. 

وبحسب قانون عمال المنازل السعودي، فإن أصحاب العمل مسئولون عن توفير السكن للعمال الواقعون تحت كفالتهم. وبسبب طبيعة الوظيفة، فإن محل الإقامة عادة ما يكون عبارة عن ملحق ملاصق لمسكن صاحب العمل أو قريب منه.

يقول داوود:" لم تكن العائلة التي أعمل لديها، أصلا، على يقين بشأن أعمال أفرادها، فالزوج هو شريك في شركة تأثر عملها كثيراً" ويضيف:" لكنهم أصحاب عمل أظهروا مراعاة لوضعي، فمع أنني لم أعمل لأكثر من أسبوعين إلا أنهم سمحوا لي بمواصلة الإقامة في السكن الملحق بفيلتهم".

ولم يدفع صاحب العمل لداوود راتبه الشهري وقيمته 1800 ريال خلال هذه الفترة. وعوضاً عن ذلك استلم إجمالي 2000 ريال سعودي عن شهري أبريل ومايو ونصف شهر يونيو. إلا أن داوود لا يشكو من ذلك. 

يقول:" لم يكن لدي الكثير من النفقات خلال الأسابيع القليلة الماضية لأن لدي سقف يغطيني وطعام يشبعني، ولكنني لم أستطع أن أرسل مالاً كافياً لأهلي، " مضيفاً:" لكنني أعرف أن الأمان الوظيفي سيعود فور تحسن الأوضاع، وهذا هو المهم بالنسبة لي". 

أما جاويد* الذي كان يبلغ من العمل 21 عاماً عندما وصل إلى جده قبل خمسة عشر عاماً للعمل كطباخ ومدبر للمنزل. ويعمل جاويد مع صاحب عمله الحالي للسنوات الست الماضية. وبدأت مشاكله قبل الجائحة عندما بدأت شركات صاحب العمل تعاني من مشاكل مالية. 

يقول جاويد: "قيل لي العام الماضي أن الأوضاع ستسوء أكثر، وأنني بين خياري تخفيض أجري أو البحث عن عمل آخر. ومن ثم بدأت الاغلاقات، ولا زلت أعيش هناك وأعمل ولكن بقدر أقل بكثير عن السابق. فقد دفعوا راتبي لشهر واحد، 2000 ريال سعودي، منذ مارس، وطلبوا مني أن أختار بين البحث عن عمل آخر أو المغادرة." لكن من الصعب العثور على وظيفة في هذا الوقت، ومع توقّف الرحلات الجوية التجارية مع باكستان، قام جاويد بالتواصل مع سفارة بلاده في محاولة للعودة إلى وطنه، لكنه لم يتلقَ منهم رداً حتى الآن. 

ولفيليب البالغ من العمر 27 عاماً، بدأت المشاكل قبل فترة طويلة من تفشي كوفيد 19، فقد كان المهاجر الفلبيني يعمل لصاحب عمله السعودي لمدة عامين وفق راتب مُتعاقَد عليه قدره 2500 ريال سعودي شهرياَ. إلا أنه لم يتسلم سوى راتب شهرين ونصف عن الفترة من أكتوبر 2019 وحتى فبراير 2020. 

يقول فيليب: "نظراً لعدم وجود عمل أقوم به من مارس فصاعداً، أخبرت صاحب العمل أنني سأستقيل. وحاليا، لدي صديق (أقيم معه حالياً) يمتلك سيارة، وقال لي أنه بإمكاني استخدامها كسائق خاص خلال فترة الليل عندما لا يحتاجها، وهذا ما أفعله طوال الأسابيع الثلاثة الماضية. وإذا ما تحسن وضع العمل سأبقى هنا، وإلا سأعود إلى بلدي. أحتاج مساعدة القنصلية، لأن جوازي لايزال مع صاحب العمل السابق، وأعتقد أنهم قدموا بلاغ "هروب" ضدّي. إلا أن القنصلية لم تمد يد المساعدة حتى الآن – أحاول إيجاد طريقة اتصال مع موظفي القنصلية لأن ذلك سيساعدني على الأرجح."

"السفارات تضع الأولوية للعائلات وللنساء غير المتزوجات لأن الأضواء مسلطة أكثر على مخاوفهم، وإذا تعرضوا لمعاناة فإن الإعلام في الوطن ستتحدث أكثر عن ذلك"

وبرغم أن قوانين عمالة المنازل في السعودية تلزم بدفع أجور العمال بحسب ما ينص عليه العقد، في نهاية كل شهر هجري من التقويم الإسلامي، إلا أنه من السهل أن يُخرق القانون ولا رادع لذلك. 

وفي الوقت الذي لا يعتبر هذا الأمر قضية جديدة، إلا أن الأزمة غير المسبوقة مثل هذه الجائحة، سلطت الضوء على اعتماد عمال المنازل الكبير على أصحاب العمل، وعلى أوضاعهم المالية.

حارث، البالغ من العمل 33 عاماً، هو سائق من أصول سودانية يعمل في الدمام، طلب منه صاحب العمل الخروج من مكان إقامته والبحث عن مكان آخر ليعيش فيه، وذلك بعد أسبوعين من الإغلاق. 

يقول حارث: " في يوم إجازتي الأسبوعية، أذهب لزيارة قريبي الذي يعيش في شقة مشتركة مع ثلاثة آخرين، وقيل لي أن أبقى معه لفترة لأنهم قلقون أن أصاب بعدوى الفيروس – برغم أننا تحت الاغلاق الكامل. لذلك لم أتمكن من الذهاب للخارج أكثر مما يستطيعون". وأضاف: “دفعت 200 ريال سعودي شهرياً مقابل بقائي هناك حتى رفع الاغلاق قبل عدة أيام."

ودفع صاحب عمل حارث له ما مجموعه 1500 ريال سعودي، وكان هذا المبلغ كافياً له فقط للفترة من نهاية مارس وحتى بداية يونيو. ويبلغ راتبه المتعاقد عليه 1700 ريال سعودي. 

كباقي العمال الآخرين، فإن عائلة حارث في بلده تعتمد على التحويلات التي يبعثها لهم شهرياً لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وبالتالي فقد تأثروا مباشرة بقرار صاحب عمله. 

وقال: "لم أتمكن سوى من ارسال ثلث ما اعتدت أن أرسله في العادة، ولكنني سعيد لأنني كنت أتسلم أجراً خلال هذه الفترة برغم من أنني لم أكن أعمل". ويسترسل: “أعتقد أنهم شعروا بالمسئولية لأنهم يكفلون تأشيرة إقامتي، ولو أنني لم أكن قادراً على تحمل مسئولية نفسي كلياً، فمن المحتمل أن يكونوا قد واجهوا تبعات قانونية لذلك."

بعد رفع الاغلاق في يونيو، عاد حارث للعمل من جديد، إلا أن كفيله طلب منه مواصلة الإقامة مع قريبه على المستقبل المنظور. 

كان حارث محظوظاً بحصوله على مكان إقامة بديل، إلا أن الانتقال إلى شقة مكتظة أصلاً أثناء الجائحة ينطوي على مخاطرة.

".لو أثبتت إصابتي بالفيروس واضطررت للخضوع للحجر الصحي، لكنت قد فقدت عملي..." 

وكشف مسح أُجرى في مايو عن أن 77% من الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بكوفيد 19 كانوا مقيمين غير سعوديين. وأحد العوامل المحتملة لهذا التأثير غير المتناسب على المهاجرين، هو مجمعات الشقق والأحياء المكتظة التي يسكن فيها المهاجرون منخفضو الدخل. 

وبرغم أن أصحاب العمل ملزمون بتقديم الرعاية الصحية للعمال المنزليين، وبرغم أن السعودية توفر الفحص والعلاج المجانيَين حتى للمقيمين غير النظاميين، إلا أن حالة عدم اليقين وصعوبة الوصول للمعلومات لا يزال يشكل عقبة أمام الرعاية الطبية.

كذلك، تأثر العمال المنزليون الذكور والسائقون في الأسر الخاصة، تحديداً، بفقدان الوظائف في مختلف القطاعات والعمل عن بعد. واعتاد محمود* البالغ من العمر 30 عاماً ويعمل في مكة، على نقل زوجة صاحب العمل من وإلى العمل. 

"عملت كسائق لعائلة واحدة خلال الأربع سنوات الماضية، وأعيش في السعودية منذ 10 سنوات. وعملي الأساسي هو نقل زوجة صاحب العمل من وإلى العمل ومقره في جده، لخمسة أيام في الأسبوع. وليس لدي أي عمل منذ أواخر مارس لأنها لم تعد تذهب للعمل، كما أن مكة أصبحت تحت إغلاق كامل.  وقد تسلمت كامل أجري عن شهر مارس ولكن لم أتسلم سوى 500 ريال سعودي عن شهري أبريل ومايو (من أصل أجري المتعاقد عليه وقدره 2700 ريال سعودي)، وأخبروني أنني لم أكن أعمل ولكنهم يعلمون أنني أدعم عائلتي في بلادي ولذا أرادوا مساعدتي في ذلك.  

وتم إبلاغه أن شهر يوليو سيكون هو شهر عمله الأخير.

أما حسن ف. من الهند وعمره 30 عاماً، فقد عمل كحارس أمن لدى عائلة سعودية تعيش في مكة. ويقول إنه أصيب بحمى لمدة أسبوعين متواصلين خلال أبريل، وبرغم رغبته في إجراء الفحص إلا أن صاحب العمل فضل إعطاءه ثلاثة أقراص من البراسيتامول ليأخذها، في اليوم، لخفض درجة حرارته وطلب منه مواصلة عمله. 

ويقول: "عملت لساعات أقل، وأخبروني أن بإمكاني أن أرتاح كلما احتجت لذلك، ولكن لا حاجة للذهاب إلى المستشفى إلا إذا شعرت بالمرض الشديد. ويواصل: "لو أثبتت إصابتي بالفيروس واضطررت للخضوع للحجر الصحي، لكنت قد فقدت عملي."

وقال العديد من عمال المنازل الذكور ممن فقدوا وظائفهم وينتظرون رحلات العودة إلى اوطانهم، أن سفاراتهم لم تضع مخاوفهم في أولوياتها.

ويقول داوود عندما سُئل عما إذا فكّر في طلب مساعدة سفارة بلاده:" السفارات تضع الأولوية للعائلات وللنساء غير المتزوجات لأن الأضواء مسلطة أكثر على مخاوفهم، وإذا تعرضوا لمعاناة فإن الإعلام في الوطن ستتحدث أكثر عن ذلك". ويضيف:" لا أعتقد أن الناس يعلمون أن أغلب العمال المنزليون هنا، هم سوّاق وجميعنا رجال على ما اعتقد."

ويقول محمود: "أخطط للعودة إلى باكستان – الوضع هنا سيء جداً، الضرائب أصبحت عالية الآن. أواصل الاتصال بالسفارة (القنصلية)، بل ذهبت إلى هناك لكن لم يَسمح لي بالدخول وأخبروني أنني أحتاج موعداً لذلك. أردت الحصول على رحلة للعودة إلى الوطن في أبكر وقت ممكن لأنه أصبح من المكلف جداً مواصلة العيش هنا." 

* تم تغيير بعض الأسماء لحماية الهويات

تصوير:  فرانسيسكو أنزولا  (لأغراض التوضيح فقط)