لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

إصلاحات جديدة وتحديات مستمرة في نظام القضاءالعمالي في السعودية

نفّذت السعودية إصلاحات كثيرة في آليات الشكاوى العمالية خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك إنشاء المحاكم العمالية وإتاحة الكثير من خدماتها عبر الانترنت. إلا أن الكثير من العمال لازالوا يعانون من العوائق للوصول إلى العدالة، خصوصاً أولئك الذين يفتقرون إلى المعلومات الواضحة حول الإجراءات والحقوق، وليس لديهم سوى سبل قليلة للحصول على الدعم.

في 21 أغسطس 2020

منذ وصولها إلى السعودية في نهاية فبراير، عانت العاملة المنزلية الفلبينية، ليلي*، من سوء معاملة صاحب العمل، الذي تحرش بها جنسياً، ورفض دفع راتبها. وتفاقمت مشاكلها مع الحظرالذي تسبب به كوفيد 19. وبمجرد تخفيف الحظر، تمكنت من الهروب من منزل صاحب العمل ووجدت لها ملجاً لدى عائلة فلبينية. وكان  صاحب العمل قد قام بمصادرة جواز سفرها وتصريح إقامتها، كما قدم شكوى "هروب" ضدها. 

وفي السعودية، يعاني العمال المهاجرون من صعوبة الوصول إلى المعلومات الموثوقة، خصوصاً فيما يتعلق بالقضاء والحقوق. وهي  تسرد قصتها، كان لدى ليلي ا الكثير من الأسئلة: ما هو وضعها القانوني؟ ماهي الإجراءات القانونية لاسترداد وثائقها؟ هل بإمكانها تحويل الكفالة؟ هل بإمكانها المطالبة بأجورها المتأخرة؟ أين بإمكانها تقديم الشكوى؟اللجوء للبحث على الإنترنت بالكاد ساعدها . 

ويوجّه اللوم، جزئياً، في ذلك إلى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. فخلق سوق عمل آمنة وجذابة في السعودية يعتبر جزءا من مهمّتها. إلا أن حملاتها التوعوية ليست فعّالة. كما أن موقعها الالكتروني يخلو من المعلومات الكاملة عن الخدمات التي يتم تقديمها في فروعها المحلية والتي تسمّى مكاتب العمل. كما أنها لا توفر إرشادات واضحة عن كيفية استخدام البوابة الالكترونية أو التطبيق الخاص بالوزارة. وعلى سبيل المثال، لا يوجد هناك معلومات حول كيفية رفع دعوى النزاع العمالي أو التقدم بشكوى حول مصادرة الجواز أو تصريح الإقامة، أو الشكوى على صاحب عمل مسيء أو استئناف قضية هروب. 

وحتى في حالة نجاح عامل  بتسجيل قضية عبر مكتب العمل  أوالانترنت، فإنه بالكاد يعرف ما هي الإجراءات المتبعة القادمة

إن  السياسات الحكومية التمييزية يعروها الخلل، إذ ينشأ لدى المهاجرين شعور متقدبعدم الثقة في النظام الذي يفضّل أصحاب العمل عليهم. ولا يقتصر الأمر على كون الكفالة والإقامة والقوانين العمالية استغلالية فحسب، وإنما تجارب العمال اليومية التي المترعة بالإساءة بحقهم تعمل  تذكيرهم أن التصادم والمواجهة لا يؤديان إلى العدالة. فمصادرة جوازات السفر وتصاريح الإقامة، واستخدام الهروب كسلاح ضد هؤلاء الذين يجهرون بالشكوى، تعتبر بمثابة تذكير بأن صاحب العمل لدية قوة التحكم المطلقة. إن بعض أصحاب العمل يجبرون العمال على التوقيع أو البصم على تعهدات بدفع سندات لأمرغير محددة القيمة لاستخدامها ضدهم في حال تقدموا بالشكوى. 

ويعتمد غالبية المهاجرين على الشبكات المجتمعية من مواطنيهم أو زملائهم في العمل لإرشادهم في هذا المجال. فيما يعتمد آخرون على سفاراتهم للحصول على المعلومات. وفي حين أن هذه المصادر تعتبر ذات قيمة إلا أنها في أفضل الأحوال ليست سوي تخمينات، وغير فعّالة في أسوأ الأحوال. 

وللأسف، فإن العديد من المهاجرين يعتمدون على إدارات الموارد البشرية لدى أصحاب عملهم. وفي حالات كثيرة وثّقتها MR، قدمت إدارات الموارد البشرية معلومات خاطئة مبطنة بالتهديدات. مثال على ذلك، الباكستاني أفضل، الذي لم يتم تشغيله ولم يُدفع له أجر منذ أن وصل إلى السعودية في فبراير 2020. وأخبره مدير الموارد البشرية أن ليس له أية أجور مستحقة، الأمر الذي يعتبر مخالفة صريحة لقانون العمل السعودي. المدير هدده أيضاً أن الكفيل سوف "يدمّره" إذا تقدم بشكوى إذ لديه نسخة من توقيعه.

"إن لم تكن متحدثاً بالعربية، قوي الإرادة وحازماً، فلست متأكداً إن كنت قادراً على المناورة هنا"

أدى كوفيد 19 إلى تفاقم أزمة المعلومات. فمعحظر التجول، وتطبيق تدابير القوة القاهرة ، ظلتهناك أسئلة كثيرة معلقة بدون إجابة حول الأجور المعدّلة، وإنهاء العقود وقضايا الهروب. كان العديد من العمال غير متأكدين من قانونية العمل لساعات أطول في مقابل جزء بسيط من رواتبهم المتعاقد عليها ولكن لم يكن هناك من يتوجهون اليه للحصول على الأجوبة. آخرون، تم تأجيل مواعيد جلساتهم لدى مكاتب العمل والمحاكم العمالية إلى ما بعد الحظر الصحي.

يظهر في موقع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قسماً لتعليم الثقافة العمالية، لكن محتواه يكاد يكون نسخة حرفية من قانون العمل، وأغلبه باللغة العربية وموجه بشكل أساسي لأصحاب العمل. ويحتوي الموقع على بوابة لتقديم طلب الاستشارة العمالية، لكنها لا تبدو فعّالة. أما حسابات الوزارة للتواصل الاجتماعي فهي نشطة وتتفاعل مع الأسئلة، إلا أن الإجابات تركز بشكل أساسي على المشاكل الفنية المتعلقة بالبوابة والتطبيق. وفي العام 2014، أطلقت الوزارة خطاً ساخناً بتسع لغات لمساعدة العمال في "تقديم الشكاوى وللإجابة على الأسئلة والمخاوف". إلا أنه، وبحسب بلال، العامل الباكستاني الذي حاول الاتصال بهم خلال الجائحة، فإن الرقم يوفر الخدمات فقط باللغة العربية. 

وفي حين تقدم مكاتب العمل التابعة للوزارة المعلومات، إلا أن الوصول اليها يتطلب حرية الحركة ووقت فراغ خلال ساعات العمل، وهو مالا يتوفّر لدى كثير من المهاجرين. وتوّفر البوابة الإلكترونية للعمال إمكانية اختيار اللغة عند تقديم الشكوى أو النزاع، إلا أنه ليس من الواضح إن كانت مكاتب العمل توفّر خدمة الترجمة خلال جلسات الاستماع. وأخبر عمال MR أن مكاتب العمل لديها كميات قليلة من الكتيبات واللافتات التي تشرح الإجراءات، بلغات متعددة. 

من بين من تحدثت إليهم MR، هناك ثمانية عمال على الأقل لم يكن لديهم دراية عن الآلية القانونية لتقديم نزاع عمالي، أو للاستفسار عن وضعهم القانوني. وقال أحمد، العامل المصري الذي واجه مشاكل مع كفيله لـ MR:"لا أعرف كيف أفصح عن مشاكلي". وتتكرر هذه العبارة على لسان آخرين كثر ممن يفتقرون لمعرفة ما يتعلق بالقوانين، وليس بمقدورهم الحصول على إجابات من الوكالات الحكومية، والمواقع الالكترونية، وحسابات التواصل الاجتماعي، والخطوط الساخنة ولا حتى من مكاتب العمل. 

وقال مهندس مصري وهو يستعيد أحداث زيارته لمكتب العمل في منطقته، لـ MR: "إن لم تكن متحدثاً بالعربية، قوي الإرادة وحازماً، فلست متأكداً إن كنت قادراً على المناورة هنا." وتختلف التجارب بحسب الموقع، والعاملين في مكاتب العمل، وقضية العامل نفسها، وطبقته الاجتماعية، ولغته وأصله. هناك تصور بين بعض المهاجرين ممن تحدثنا معهم، أن العديد من موظفي مكاتب العمل، خصوصاً في المدن الصغيرة، يكونون  إما غير مطلعين على احتياجاتهم أو أنهم يفتقرون للتدريب الضروري لأداء واجبهم وخصوصاً فيما يتعلق بالقوانين والقرارات الجديدة. 

إن تقديم الشكوى ليس مهمة سهلة لمن لا يتحدث العربية. وقال عامل باكستاني لـ MR أنه حاول رفع دعوى نزاع عمالي ضد صاحب العمل الذي لم يدفع أجره لمدة خمسة شهور، من خلال الواجهة الانجليزية ببوابة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.  وبعد أن أدخل بياناته الشخصية والمعلومات الأخرى ذات العلاقة، كانت الصفحات التالية باللغة العربية، ولم يتمكن من تقديم شكواه. وفي نهاية الأمر استأجر وكيلاً ليقوم بمهمة التقديم عنه. كما احتاج لطلب مساعدة السفارة خلال عملية التسوية الودية. ولم يكن بإمكانه المضي قدماً من غير مساعدة الوكيل والسفارة.

المحاكم العمالية 

بدأت المحاكم العمالية السعودية في النظر في القضايا في 25 نوفمبر 2018، في خطوة عدت واعدة بإصلاح سوق العمل. وكان محققو وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السابق يقومون بالفصل في الشكاوى التي تنشأ تحت قانون العمل في مكاتب العمل، أما الآن تقع غالبية الشكاوى في نطاق المحاكم العمالية، الرقمية بالكامل، والتي يقودها قضاة من ذوي الخبرة تعينهم وزارة العدل. والجدير بالذكر أن المحاكم العمالية لا تحكم في القضايا المتعلقة بالكفالة مثل تحويل الكفالة، وشكاوى الهروب. وبقيت مثل هذه الحالات تحت نطاق مكاتب العمل، برغم أنه بإمكان المحاكم العمالية إصدار توصيات غير ملزمة بشأن تحويل الكفالة. 

وتحت مظلة هذا النظام الجديد، لايزال على العمال رفع شكاواهم إلى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من خلال مكاتب العمل أو البوابة الالكترونية. ولا بد من أن تعقد جلستين على الأقل  في مكاتب العمل بهدف الوصول إلى تسوية ودية قبل أن يتم تصعيد القضية إلى المحاكم العمالية. وبرغم أن النظام الجديد ينصّ على عدم بقاء القضايا في مرحلة التسوية الودية لأكثر من 21 يوم، إلا أن الكثير من القضايا تستغرق عدة شهور قبل أن تُحوّل إلى المحكمة العمالية. 

وتحدثت MR لبعض العمال ممن جربوا النظامين القديم والجديد. وقد أشادوا جميعاً بالمحاكم العمالية وقالوا  أنهم وجدوا القضاة أكثر عدلاً من محققي الوزارة. ولكن لا يزال هناك صعوبة في تقييم ما إذا كان النظام الجديد قد حسّن وصول العمال إلى نظام العدل العمالي.فلا المحاكم العمالية ولا الوزارة تقدم إحصائيات حول عدد القضايا التي تم تسلّمها مصنفة بحسب الجنسية، والمهنة والجنس. ويشار إلى أن جميع العمال الذين تحدثت إليهم MR ممن نجحوا في إيصال قضاياهم إلى المحاكم العمالية هم من المتعلمين ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة. 

نظرياً، بإمكان العمال غير النظاميين رفع شكوى إلى مكاتب العمل، كما أنه بإمكان العامل المنتهية إقامته تقديم شكوى ضد صاحب عمله لتجديد الإقامة وأيضاً استئناف قضايا الهروب، برغم أنه لم ينجح أحد ممن تحدثت معهم MR في رفع هذه التهم عن نفسه. وإلى جانب عدم إدراكهم لإمكانية تقديم استئناف، فمن المحتمل أن يكون العمال غير النظاميين حذرين في توجههم للمسئولين خوفاً من القبض عليهم واحتجازهم. 

انتكاسات وابتكارات كوفيد 19 

سعيد، طبيب مصري كسب قضيته في المحكمة العمالية في 2 مارس 2020. وكان مستشفاه قد أغلق بسبب خرق المستشفى قواعد وزارة الصحة في 2019. المستشفى كان لا يزال يدين  لسعيد بمستحقاته المالية التي لا تقل عن 180000 ريال سعودي (50,000 دولار أميركي) من مدفوعات متأخرة (لا تشمل أية تعويضات عن الإنهاء التعسفي للعقد). ولم يتمكن سعيد، الذي لايزال تحت كفالة المستشفى، من العمل في أي مكان آخر بشكل قانوني لعدة شهور. وجاء القرار في صالحه في الوقت المناسب، إلا أن كفيله، استأنف الحكم إثر صدوره في مارس 2020، وبعدها بفترة وجيزة علّقت السعودية أغلب العمل الحكومي بسبب كوفيد19، بما في ذلك مكاتب العمل والمحاكم. وتم تعليق النزاعات الجارية مثل نزاع سعيد. ولم يكن وراداً القيام برفع قضايا جديدة، فيما، وبحسب عدد من العمال، كانت البوابة الإلكترونية معطلة في أغلب الأوقات اثناء الجائحة. 

وفي ذروة تفشي كوفيد 19 وحظر التجول الالزامي، تقطعت السبل بسعيد في البلاد بدون دخل وبقليل من الطعام ما دفعه على التفكير في الانتحار. إلا أنه ولحسن الحظ تمكن من النجاة من أسوأ أوقات الجائحة. ومع ذلك، لم تحدد محكمة الاستئناف موعداً لقضيته حتى الآن. 

أما سارة، وهي طبيبة سودانية، فقد تم الاستغناء عنها من عملها خلال فترة ما بعد الاختبار. ولم تتسلم أي أجر على الإطلاق، وبذلك يحق لها التعويض عن الفصل التعسفي الذي تعرضت له. وقال المستشفى الذي عملت فيه أنه لا يمانع تحويل كفالتها في حال تنازلها عن مستحقاتها المالية. ورفضت سارة قبول هذه الشروط، ورفعت دعوى من خلال مكتب العمل المحلي، لكنها لم تتمكن من تسوية القضية ودياً. وتم تحويل قضيتها إلى المحكمة العمالية، وتضاعفت مخاوفها كونها حاملاً وليس لديها تأمين صحي، بتفشي الجائحة. كما تم أيضاً تعليق قضيتها. 

وفي حين تعتبر الاضطرابات في الحياة الاعتيادية في ذروة تفشي الجائحة أمراً مفهوماً، لكن من المهم ملاحظة أن نقاط الضعف التي خلقها نظام الكفالة الظالم فاقمت الوضع لكل من سعيد وسارة. ولو تمكّن الاثنان من تحويل كفالتهما بدون موافقة كفيليهما، لكانا قد حصلا على فرصة للعمل. وفي الواقع، فإن سعيد حصل على عرض عمل وكان صاحب العمل الجديد على استعداد لتوظيفه إذا ما تمكن من تحويل الكفالة. ولو سُمح لكليهما مغادرة البلد لغادرا. لكن السعودية لا تزال تطلب  حصول العمالة على موافقة من صاحب العمل للخروج من البلد، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تزال تطالب بذلك

وبحلول منتصف يونيو، ومع بدء الحكومة تخفيف القيود، عادت مكاتب العمل والمحاكم لمزاولة أعمالها.

قبل تفشي كوفيد 19، كانت مكاتب العمل مفتوحة لأي شخص. إلا أنها، ولتحديد عدد الزوار، أصبحت الآن تطلب الحصول على موعد من خلال بوابة الوزارة الالكترونية. ويتطلب استخدام البوابة وجود حساب نشط لـ "ابشر". وبذلك فإنه ليس بإمكان من عليهم حالات الهروب، أو هؤلاء الذين لم يصدر لهم الكفيل إقامة إطلاقاً، التسجيل. 

" .فإن حقيقة أن غالبية الحالات لاتصل إلى نظام العدالة، تدل على  فشلٍ من قبل  وزارة الموارد البشرية والتنمية البشرية، والوكالات الحكومية الأخرى ذات العلاقة..."

وقال المصري محمود، الذي يعمل محللاً، أنه قام بالتسجيل لموعد في منتصف يوليو، إن أول موعد وجده متوفراً كان بعد خمسة أيام. ولدى وصوله لم يواجه صعوبة في الدخول إلى مكتب العمل، لكنه لاحظ أنه يتم السماح للسعوديين بالدخول دون الحاجة إلى إظهار دليل الحصول على الموعد. في حين لم يُسمح لغير السعوديين بالدخول بدون الموعد وطُلب منهم العودة في اليوم التالي. وفي الداخل، كان رفع القضية أسرع نسبياً بسبب محدودية عدد الزوار. 

انتقلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى النظام الافتراضي لعقد جلسات التسوية الودية. وبالمثل، يتم القيام بجميع إجراءات المحكمة العمالية افتراضياً. 

ويتلقى المدّعِي والمدّعَى عليه رسالة نصية تحتوي على رابط WebEx، وتاريخ وتوقيت الجلسة. ويتطلب حضور الجلسة توافر الانترنت وتطبيق WebEx (أو متصفح عند استخدام جهاز الكمبيوتر المحمول).

وتستغرق كل جلسة من جلسات الوزارة 20 دقيقة. وإذا تخلّف المدّعِي عن الحضور في الجلسة الأولى، فيتوجب عليه إعادة تقديم الطلب. وإذا لم يحضر المدّعَى عليه في الجلسة الأولى، يتم جدولة جلسة ثانية. وإذا لم يحضر المدّعَى عليه مرتين، أو لم يتم التوصل إلى تسوية، يتم تحويل القضية بعد ذلك للمحكمة العمالية. 

وبسبب كونه نظاما جديدا، طُرح للتطبيق في وقت الأزمة بدون سابق اختبار، فإن النظام الافتراضي مليء بالأخطاء والتغييرات العشوائية. فقد كان موعد محمود الأصلي للجلسة الأولى في منتصف أغسطس، إلا أنه تسلّم رسالة نصية في 26 يوليو تفيد أن موعد جلسته قد تغيّر إلى 27 يوليو، أي كان له  24 ساعة فقط للتحضير للجلسة. أما سارة فقد تسلّمت رسالة نصية تُعلمها أن المحكمة العمالية قد تسلّمت قضيتها، والمطلوب منها تسجيل الدخول إلى البوابة الالكترونية لوزارة العدل (ناجز)، ورفع قضية للتأكد من أنها لازلت تريد أن تقاضي خصمها . وبرغم أنها قامت بذلك، إلا أن النظام أخبرها بعد عدة أيام أنها لم تسجل قضيتها. وكان عليها تأكيد قضيتها مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى تأجيل موعد المحكمة عدة أيام بسبب عُطل فني. 

وبرغم قصور النظام الجديد، إلا أنه يوفّر نوعا من المرونة والشفافية. فبالنسبة لمحمود، كانت الجلسة عبر الانترنت مصدر ارتياح. فبرغم أنه يعيش في ينبع، إلا أن عنوان شركته مسجّل في الرياض، ما يعني أن عليه رفع قضيته في مكتب العمل في الرياض. وفي الماضي، كان سيتوجب عليه حضور جلسته في الرياض بدلاً من حضورها وهو منزله. كذلك شعر محمد أن طبيعة الجلسة الافتراضية منحته إحساساً بالشفافية. والأهم من ذلك، ولكونها افترضية، شعر أنه على قدم المساواة مع نظيره السعودي. 

وفي حين كان لمحمود وسارة القدرة على الاعتماد على الإنترنت، واستخدامه ، فإن كثيرا غيرهم ليس لديهم ذلك. وقال أحد العمال المهجرين ممن تحدثت معهم أنه شعر بالضياع وسط كل هذه التغييرات. وأضاف "أنه لا يفهم التكنولوجيا بشكل جيد، كما أنه لا يملك هاتف ذكي مشبوك بالإنترنت". ومن المؤكد أن النظام الجديد سيكون مكلفاً وصعب المنال للبعض. كما أن خدمات الترجمة المتواضعة في مكاتب العمل تمثل عقبة كبيرة في وجه العمال الذين لا يجيدون اللغة العربية أو الإنجليزية. 

وبرغم وجود نظام عدلي للقضايا العمالية، ومهما بلغ قصوره، فإن مئات الآلاف من العمال المهاجرين لا يستفيدون  منه. البعض، وببساطة، لا يعلم عن وجوده، فيما يخشى البعض الانتقام من صاحب العمل. والبعض يعتقد أن محاولة استخدامه غير مجدية فيما يقلق البعض من أن تقف لغتهم، وجنسهم وأصلهم عائقاً. وبغض النظر عن الأسباب، فإن حقيقة أن غالبية الحالات لاتصل إلى نظام العدالة، تدل على  فشلٍ من قبل  وزارة الموارد البشرية والتنمية البشرية، والوكالات الحكومية الأخرى ذات العلاقة. وإذا ما كانت مهمة الوزارة خلق سوق عمل آمنة وجذابة، فإن عليها التأكد من أن مكاتب العمل مرحبة بالجميع، منصفة سهل الوصول إليها وأن تأخذ في اعتبارها الاختلافات الثقافية لكافة أطياف العمالة المهاجرة

* تم تغيير جميع الأسماء لحماية هوية العمال 

(مصدر الصورة: عرب نيوز)