لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الحقيقة التي تخفيها الإحصائيات السعودية

في 2 سبتمبر 2020

كان المؤتمر اليومي الصادر عن وزارة الصحة السعودية، ولا زال، المصدر الوحيد المعتمد للمعلومات حول كوفيد 19 في المملكة. ولأنها تؤطر بلغة علمية، فإن تصريحات مسئولي الصحة المستندة المعتمدة على الأرقام والبيانات تطرح وكأنها موضوعية ومحايدة. وتابع آلاف الأشخاص هذه البيانات الصحافية خلال الحظر الشامل على مستوى البلاد طيلة فترة الجائحة المستمرة. وينشر مشاهير تويتر وسناب تشات، وكذلك التلفزيون السعودي والصحف الرئيسية ملخصاً للمؤتمرات الصحفية لجميع أنحاء البلاد. 

ومع حلول الأسبوع الثالث من أبريل، أشار عدد من المؤتمرات الصحفية إلى إصابة المهاجرين بمعدلات أكبر من المواطنين، إذ مثلوا 85% من إجمالي الحالات المصابة في 23 أبريل. وأشار المتحدث باسم وزارة الصحة أن معدلات الإصابة غير المتناسبة تعود للاكتظاظ في مساكن المهاجرين. وفي ظاهر الأمر، يبدو هذا التصريح صحيحاً لأن الظروف المعيشية للعمال المهاجرين من ذوي الدخول المنخفضة تجعل من المستحيل تقريباً ممارسة التباعد الجسدي.

ومع ذلك فإن الأماكن المزدحمة تروي جزءا فقط من الحكاية. فالنظرة المتعمقة في إحصاءات وبيانات وزارة الصحة تثير فضولاً – فوزارة الصحة لم تكشف قط عدد السعوديين الذين تم فحصهم في مقابل غير السعوديين. وفي الحقيقة، فإن وزارة الصحة ذكرت أنها تعمل على زيادة الفحص الاحترازي للعمال الذي يقيمون في مساكن مكتظة، وهو ما قد يفسر، جزئياً، الأسباب من وراء ارتفاع معدل الحالات الإيجابية بين هذه المجموعات خلال الأيام الأولى من تفشي الجائحة. وببساطة، إذا ما قامت الوزارة بفحص عدد أكبر من المهاجرين بناءً على فرضية أنهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، فإن النتائج سوف تظهر نسبة أكبر من النتائج إيجابية لفحوصات المهاجرين.

في 30 أبريل، بيّن معدل السبعة أيام أن 81% ممن ثبتت إصابتهم بالفيروس هم من غير السعوديين. وعندما بدأت وزارة الصحة توسعة نطاق فحوصاتها من خلال تطبيق الهاتف الذكي "موعد" والفحص عبر المرور بالسيارة في مايو، زاد عدد المواطنين الذين خضعوا للفحص. وعندها، بدأت نسبة إصابة السعوديين بالفيروس في الازدياد. وفي 31 مايو، أوضحت المعدلات الأسبوعية أن 42% من المصابين الجدد هم من السعوديين. وبحلول 12 يونيو، ارتفعت نسبة السعوديين المصابين إلى 52%. بعد ذلك، وبتوقيت مثير للتساؤل، أوقفت الوزارة الإبلاغ عن جنسيات الحالات الجديدة المصابة بعد 12 يونيو (أوقفت الوزارة الإبلاغ عن جنسيات الوفيات الناجمة عن الإصابة بكوفيد 19 في مايو 31). 

وكانت وسائل الإعلام قد تناولت الاحصائيات التي أعلنت في الأيام الأولى لتفشي الجائحة بشكل واضح، وتم تعميمها، دون تحليل ونقد، للاستهلاك العام واستخدمت لكيل الاتهامات للعمال المهاجرين. فالعديد من وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية اتهمت المهاجرين بأنهم السبب في نشر المرض ما أدى إلى تنامي خطاب كراهية بسرعة بعد ذلك. وأصبح كون الشخص أجنبياً مرادفاً لعدم المسئولية والافتقار للنظافة في الخطاب العام.  

كما أن الرواية الرسمية طغت على التمييز الهيكلي ضد العمال المهاجرين، الأمر الذي أثّر مباشرة على حياتهم. ولم يشر أي بيان عن الفوارق الصحية الناجمة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدنية التي يعيش فيها هؤلاء، والتي من الممكن أن تكون سبباً محتملاً لارتفاع الإصابة بين المهاجرين.  كما لم يشر أي من مسئولي وزارة الصحة عن محدودية وصول هؤلاء إلى الرعاية الصحية أو معدات الوقاية الشخصية كسبب آخر محتمل. وما يلفت الانتباه، أن غالبية هؤلاء العاملين في الصفوف الأمامية، كالممرضين وطواقم التنظيفات، ومحلات البقالة وسائقي المركبات الثقيلة هم من العمال المهاجرين، الأمر الذي يقودهم إلى مستوى أعلى من التعرض للإصابة بالفيروس، وهذا العامل أيضاً تم تجاهله. 

واتهمت شخصيات إعلامية العمال باختيار العيش في أوضاع غير نظيفة. فيما اتهمهم آخرون بتقديم المصلحة الشخصية على الصحة العامة، متهمين العمال بتفضيلهم ادخار الأموال على شرائهم نوعيات جيدة من الصابون أو على شراء الصابون أصلاً. البعض شبههم بالقنبلة الموقوتة متهمينهم بانعدام المسئولية "لاختيارهم" العيش في مساكن مكتظة. ودعا الكاتبان البارزان حمود أبو طالب، و عيسى الغيث في مقالين نشرا في صحيفة عكاظ إلى تطهير أرض الوطن من العمال الأجنبية الفائضة. 

وردا ًعلى هذا الخطاب، عبّر الأمير عبد الرحمن بن مساعد عن استغرابه لسماع من يقول إن "ما جاب لنا البلا إلا هم" وتساءل "هل هناك أحد يتعمد أن يصاب بكورونا ؟ "مصرحاً أن اكتظاظ أماكن إقامة العمال المهاجرين "ليس ذنبهم". 

وفي الوقت الذي ساهمت تغريدة بن مساعد، كشخصية مؤثرة ولديها عدد كبير من المتابعين، بشكل إيجابي في هذا الخطاب، إلا أن صمت مسئولي وزارة الصحة ساعد في تأجيج كراهية الأجانب المتزايدة. فقد واظبت المؤتمرات الصحفية اليومية على اتهام العمال المهاجرين بنشر المرض من خلال المعلومات الملتوية والتحديثات المستمرة حول الجهود المبذولة لمعالجة الأوضاع المكتظة التي يعيشون فيها. 

وبدلاً من اتخاذ العمال كبش فداء، يجب على الحكومة معالجة عوائق وصولهم إلى الرعاية الصحية والتأمين الصحي المناسب. يجب أن تنتهج البلاد خطة صحية عامة شاملة تأخذ حياة العمال المهاجرين في عين الاعتبار فهم يشكلون ثلث عدد السكان. كما يجب على الحكومة تدريب مسئولي وزارة الصحة على انتهاج خطاب مناسب وحساس، خوفاً من أن يؤدي التعميم غير المسئول لشيطنة العمالة وهم الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع، كما شهدنا في ذروة الخوف والريبة في الأسابيع الأولى لجائحة كورونا.