لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

حدود المناصرة

في 17 سبتمبر 2020

ستة شهور مرت منذ بدء أزمة كوفيد 19، ولا أحد يستطيع التظاهر بالدهشة حيال الصور المروعة التي كشفت سوء المعاملة السعودية للمهاجرين الأثيوبيين. يشمل ذلك الظروف البائسة، والانتهاكات، والاحتجاز غير محدد المدة، وقريبا ستكون الموجة الثالثة والرابعة من الترحيلات الجماعية بدون ذرة من العدالة. كل ذلك متوقع إلى درجة كبيرة. وقد جلبت الجائحة حساسية متزايدة لمراكز الاحتجاز المكتظة وغير النظيفة التي تنبعث منها حرارة أجساد مئات النساء والرجال المحشورين في المباني القذرة التي تغلى لشهور تحت قيظ الصحراء. سيُجرى تحقيق من تلك التي لا تأتِ بعواقب ملموسة، فيما سيتم تقاذف المسئولية فيما بين السلطات المختلفة حتى يبقى أمر وحيد بين التفاصيل، وهو أن العمال قد دخلوا البلد "بشكل غير قانوني". حينها تُنسى الجرائم الحقيقية للأنظمة، والمؤسسات، والأفراد. ستمر الجائحة. وسيأتي المزيد من العمال من خلال بعض التعديل في قنوات الهجرة المقسمة ظاهرياً إلى قانونية وغير قانونية. وسيُحتجز المزيد، وُستهان كرامتهم، وسيتم ترحيلهم. كل هذا متوقع إلى درجة كبيرة. 

ومع ذلك، وبرغم أن الأمر كان متوقعاً، فبعد مرور ستة شهور على بدء أزمة كوفيد 19، ظل الخطاب حول الهجرة في الخليج مجرد خطاب فحسب. ووفرت الندوات والمناقشات، التي انهالت خلال الأسابيع الأولى القليلة من الإغلاق العالمي، الفضاء المطلوب بدرجة كبيرة لتجميع التأثيرات الفورية وطويلة المدى للجائحة، ولتخطيط الاستجابة اللازمة. وبدا أنه قد تم الوصول الى العواقب سريعاً: إن الجائحة قد أدت إلى تفاقم نقاط الضعف الكثيرة التي يعاني منها، أصلا، ملايين العمال المهاجرين في المنطقة. وهذه العودة الجماعية التي لا مفر منها، لابد من أن يتم التخطيط لها بحذر وبشكل جيد من قبل بلدان المنشأ والمقصد، من أجل ضمان حماية حقوق وسلامة ورفاه المهاجرين. 

إلا أن تنفيذ هذه التوصيات كان أقل الحاحاً، في الوقت الذي كنا نشاهد فيه، فعلياً، التدهور المتزايد لأوضاع العمال المهاجرين. ففي الوقت الذي كان تصدر عن السعودية، وبشكل متواصل، أقسى المشاهد لما يحدث، كان عبء الصدمات الذي يتحمله العمال يتردد صداه في المنطقة بأكملها. كانت الصور الآتية من الامارات، والكويت، وعمان، والبحرين وقطر تتداخل فيما بعضها، وفيها يساق العمال المهاجرون كالقطيع إلى مراكز مؤقتة قذرة، ويُتركون بلا طعام ، ولا مأوى، محرومون من أجورهم المتأخرة والمستحقة عن شهور، وغير قادرين على الوصول إلى الرعاية الطبية أو شراء تذاكر العودة إلى أوطانهم. قد يجادل البعض بأنها مجرد حكايات، وكأنها "حوادث منفردة، لا تتكرر آلاف المرات، وبشكل يومي. 

الحقيقة هي أنه فيما نحن نكافح، الآن، من أجل الخروج عن صمتنا عدة مرات في اليوم، فإن الأشخاص الذين يجب أن يستمعوا لما نقوله لا يسمعوننا على أية حال.

في كثير من الأحيان، وعند بذل جهود حسنة النية من أجل تجنب إعطاء العمال الأجانب دور الضحية والاحتفال نيابة عنهم، نكرر سرداً غير ناقداً للمرونة في الصمود. نعم، إن العمال المهاجرين صامدون حقا. هؤلاء الذين لا يوجد لديهم فائضاً عن حاجتهم، هم الأكثر التزاماً بدعم مواطنيهم ومجتمعاتهم. ولكن، في الوقت الذي تستحق جهودهم هذه الإشادة، لا يتوجب عليهم أن يكونوا بهذه الشجاعة. ولا يجب إجبارهم – بعد 20 إلى 30 عاما من الوضع نفسه وفي خضم جائحة عالمية – على الاعتماد على بعضهم البعض في كل شيء، بدءً من مأوى الطوارئ وحتى الاستشارة القانونية. إن قدرتهم على التحايل على الوضع ليس مرده المزايا غير المرئية للجائحة، وإنما هم قلب نظام الكفالة الذي أصبح مكشوفاً، ولا مبالاة الدول تجاه الأغلبية المهمشة لديها. 

إن جهود الإغاثة من داخل وخارج المنطقة – بما فيه جهودنا – اجتهدت في استجابات جزئية للكارثة الإنسانية. واتفق أصحاب المصلحة على الحاجة إلى إصلاحات طويلة المدى لتجنب مثل هذه الكارثة في المستقبل. ومع ذلك فقد واصلت الأطراف المسئولة على تحويل المسئولية إلى المجتمعات المدنية التي كانوا قد خنقوها وإلى دول الأصل التي استغلوها. ولم نعترف نحن العاملون من أجل التغيير، بحقيقة تعنتهم. نحن نتشبث بالمحادثات الإيجابية الخاصة التي لا يحضرها سوى مسئولون منخفضو المستوى، وبالاعتراف المتواضع الذي يقدمه ممثلون مجهزون بشكل جيّد خلال مناسبات متفرقة للمجتمع المدني. نحن نعظّم حلولهم وعزمهم على التغيير دون أن نحاسبهم على وعودهم السابقة. من المرهق التغلب على اختلال ميزان القوة، نحن نعمل فقط على هوامش تقبلهم وبتنازل غير معلن لخطوطهم الحمراء. 

الحقيقة هي أنه فيما نحن نكافح، الآن، من أجل الخروج عن صمتنا عدة مرات في اليوم، فإن الأشخاص الذين يجب أن يستمعوا لما نقوله لا يسمعوننا على أية حال. إنها الحقيقة المرة التي تضعف أسس الكثير من مناصرتنا ودعواتنا. ولكن ربما مع قبول فكرة أن الجائحة قد غيّرت طريقة عملنا، فإن علينا فعلا أن نغير طريقة عملنا. فإجراء هذه النقاشات والعمليات المصممة على الانترنت ليس كافياً، فلـ "بناءها بشكل أفضل" لا بد من أن نعترف أن أكبر العوائق للإصلاح الحقيقي هو الافتقار الراسخ للرغبة والحافز، بغض النظر عن حجم التعقيد الذي تسببه الحقائق غير المناسبة لنظرياتنا للتغيير. يجب ألا نخطئ في الاعتقاد بان إمكانية الوصول الأكبر تؤدي الى شمولية أكثر، والتأكد من أن الكم الكبير المرتقب من الندوات على الانترنت، ووحدات التعلم الالكتروني، وغيرها من المناسبات الافتراضية يدعو إلى تنوع في وجهات النظر، خصوصا تلك الخاصة بالعمال المهاجرين أنفسهم.

وفي التعامل مع "أمورنا الاعتيادية الجديدة"، لا يمكننا أن نعمل باتجاه المستقبل دون أن نضع الحاضر نصب أعيننا. فالكارثة الإنسانية المستمرة تتطلب تحركاً عاجلاً لا يمكن تسهيل حدوثه إلا بالإخلاص في الاستعداد والتعاون من قبل دول الخليج. فدول المنشأ والمجموعات المجتمعية، حتى تلك ذات الموارد التي لا حصر لها، تظل مقيدة بسبب محدودية صلاحياتها التشريعية، وبطء ولا مبالاة، وفي الغالب معاداة البيروقراطية، وغير قادرة على العمل بفعالية لتوفير الطعام والمأوى والدعم القانوني والإعادة إلى الأوطان، والاحتياجات الأخرى ذات العلاقة. وللمستقبل، لا بد من الإدراك أن العوائق نفسها تقف في وجه حماية رفاه ملايين العمال المهاجرين اليوم، ستكون ذاتها التي ستواصل إعاقة الإصلاحات الهيكلية غداً. 

تصوير: Flickr/Alfredo