لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

معاناة العودة

المهاجرون العالقون في الخارج قلقون من خسارة ممتلكاتهم ومستحقاتهم في الكويت

في 24 نوفمبر 2020

بعد مرور عشرة أشهر على تفشي جائحة كوفيد 19، يخشى المهاجرون المقيمون العالقون في الخارج أن يتحول ما بدأ كعطلة قصيرة، إلى استغناء نهائي عن خدماتهم، مع مصادرة مستحقاتهم وخسارة بيوتهم وممتلكاتهم. 

وبدأت دول الخليج فتح حدودها ببطء لعودة المقيمين فيها، إلا أن بعض اللوائح تعيقهم من ذلك. فالكويت على سبيل المثال، أكّدت أن المقيمين الأجانب الذين انتهت تأشيرتهم أثناء بقائهم عالقين خارج البلاد لا يمكنهم العودة. وبذلك يكون ما يقدر بـ 40,000 عامل قد خسروا إقامتهم.

ونتيجة لذلك، يدفع العمال المهاجرون الكثير للعودة للخليج قبل فقدانهم وظائفهم، ولتجاوز قيود السفر. وبسبب أن الكثيرين غير قادرين على السفر مباشرة إلى الكويت أو السعودية، فهم يسافرون إلى دبي بتأشيرة زيارة أو عبور (ترانزيت) في أي من دول الخليج الأخرى. وحالياً، فتحت دبي مطارها الدولي لجميع دول العالم تقريباً، ووفق لوائح مطبقة بما في ذلك الحجر الصحي الاجباري. ويأتي ذلك في شكل "حِزم الحجر الصحي" التي قد تصل كلفتها إلى 1000 دولار أمريكي. 

يقول أحد العاملين في مجال التوظيف في لكهنؤ بالهند أن هذا، الآن، هو ما يقوم به الكثير من الوكلاء في الوقت الحالي، والذين يتقاضون ما يزيد عن 80,000 روبية هندية (1100 دولار أمريكي) مقابل عبور (ترانزيت) دبي وحدها. ويضيف: "هذا الوضع صعب جداً بالنسبة للمهاجرين الذين يودون العودة لأعمالهم في الخليج. خصوصاً إلى الكويت والسعودية حيث لا تسيّر رحلات مباشرة لهما حتى الآن. ولذلك أصبح عليهم لزاما، الآن، القيام بالفحص قبل الذهاب إلى دبي، ومن ثم البقاء في الحجر الصحي في دبي لمدة 14 يوم، ثم إجراء فحص كورونا مرة أخرى قبل أن يتمكنوا من الذهاب إلى السعودية أو الكويت. 

وتعد هذه مشكلة كبيرة فالكثير من وكلاء التوظيف، علاوة على ذلك، يديرون شركات توظيف مربحة، علاوة على ذلك، أيضاً. فـ"للعودة إلى السعودية الآن، عليهم دفع هذا المبلغ الكبير لتأشيرة الزيارة لدبي، وتكاليف الفندق، والطعام، وفحص كورونا، ومن الممكن أن ترتفع التكلفة إلى 100,000 روبية. ولا تُعطى لنا أية إرشادات من السعودية أو الكويت أو الهند. "

وجدّدت الكويت مؤخراً تأكيد قيود السفر على القادمين من دول الأصل الرئيسية مثل الهند، ومصر والفلبين، حتى بالنسبة للعمال الذين لديهم تصاريح عمل سارية الصلاحية. ولم يعد للعديد من العمال العالقين خارج البلد –يقارب عددهم 430,000 بحسب أرقام أغسطس 2020– خياراً سوى طريق العبور المُكلف للعودة قبل انتهاء صلاحية تأشيراتهم. 

وبرغم أن حكومة الكويت قد رتبت لعودة المئات من العمال المهاجرين العاملين في قطاع الصحة، وفنيي المختبرات في الشهور الأولى من تفشى الجائحة، إلا أنه حتى العمال الأساسي وجودهم مثل الممرضات من الفلبين، أصبح، الآن، عليهم سلوك طريق العودة المكلف عن طريق الإمارات.

كما تُرك عمالاً أساسيين آخرين، كمدرسي المدارس الحكومية في حالة من عدم اليقين. وبحسب تقارير إعلامية، فإن وزارة التربية أوقفت تجديد تصاريح العمل للعديد من المدرسين المهاجرين العالقين في الخارج. وكذلك أكدت الوزارة أنها لن تدفع رواتب المدرسين المهاجرين العالقين الذين لديهم تصاريح عمل سارية الصلاحية، عن تلك الشهور التي قضوها في الخارج. 

وبرغم أنه من الممكن تجديد الإقامة إلكترونيا، حتى في حالة عدم وجود صاحب الفيزا في البلد، إلا أن إجراءات العودة تظل صعبة إذ أن قرار التجديد (والمسئولية) لا تزال بيد صاحب العمل. ومع استمرار انكماش الاقتصاد تحت تأثير الجائحة، لا تحرص الشركات على إعادة العمال الذين لا تستطيع أصلاً دفع رواتبهم. 

وينقسم المتأثرون إلى مجموعتين واسعتين: الأولى هي فئة العمال المهاجرين منخفضي الدخل والمقيمين في دول الخليج بدون عائلاتهم، والثانية هي فئة هؤلاء من ذوي الدخول المتوسطة والعالية الذين يقيمون مع عائلاتهم. وكلا الفئتان تضررتا واضطربت أوضاعها بسبب الجائحة. 

وبالنسبة لهؤلاء الذين لديهم عائلات، فإن الاستثمار من وراء الإقامة في البلد يتجاوز مجرد دفع إيجارات أعلى لشقة عائلية. فحتى وإن كانت تأشيرتهم مؤقتة، فإن إقامتهم لها جذور وتنطوي على عدة أمور من بينها القروض المصرفية، وقروض السيارات، وبطاقات الائتمان، والأطفال في المدارس، والأزواج العاملون والعاملات. فمن الصعب اقتلاع هذه الجذور دون إشعار، إذا أنه بالإضافة إلى الخسارة المالية التي سيتم تكبّدها، فإن الأصعب هو عملية الانتقال إلى مكان آخر والبدء من جديد.   

ويقع ضمن المجموعة الأولى من العمال المهاجرين "حاملو الفري فيزا". وقال أحد أعضاء الجالية الهندية في الكويت أن هؤلاء العمال يدفعون لكفلائهم ما بين 400 دينار كويتي و600 دينار كويتي (1300 دولار أمريكي – 2000 دولار أمريكي)، وهم الآن غير قادرين على تجديد تأشيراتهم. "كما أن هناك شركات سيئة لم تدفع الرواتب، وتم وقف خدماتها من قبل الوزارة. فلا يمكنهم تجديد التأشيرات حتى وإن أرادوا...وأن كان أكثر لا يردون ذلك. والسبب في ذلك أنه لو عاد هؤلاء العمال فلابد من تسوية أجورهم ومستحقاتهم. 

وقد حذر المدافعون عن حقوق المهاجرين لأشهر، بأنه من المرجح أن يستغل أصحاب العمل تفشي الجائحة كي يتجنبوا دفع مستحقات العمال. 

ويتذكر أحد المقيمين العالقين الغزو العراقي للكويت في 1990، والمخاوف من يتكرر الأمر مع الأشخاص غير القادرين على العودة لاستعادة ممتلكاتهم وكذلك الآخرين الذين لازالوا في المكان.

كان أحد النيباليين الذي يعمل كمساعد مدير في أحد سلاسل محلات البيتزا العالمية في الجابرية، قد حجز للذهاب لقضاء إجازته السنوية في 15 مارس، إلا أنه قدّم موعد سفره إلى 12 مارس مع انتشار حديث عن إغلاق مطار الكويت. وكان من المفترض أن يعود في 1 مايو. 

ويقول: "كنت أعاني من ألم شديد في الظهر لأنني كنت أعمل لساعات إضافية طويلة وأكون واقفاً على قدميّ لساعات طويلة. وكان المفترض أن تساعدني هذه الإجازة للاسترخاء، ولكنني لم أتمكن من العودة. ففي البداية، أخبرتني الشركة التي أعمل لديها أنه بإمكاني التقدم بطلب إجازة للعودة للوطن مدتها أربعة شهور، على أن يُدفع لي 20% من راتبي. إلا أن طلبي رُفض. وفي 3 يونيو قيل لي أنه تم إنهاء خدماتي بالشركة."

ودفع العامل النيبالي إيجارات لثلاثة شهور (120 دينار كويتي (390 دولار) ) شهرياً، بالمشاركة مع ساكن آخر مع في الشقة، وقد ترك جميع أمتعته الشخصية، وشهاداته العلمية ومقتنياته القيّمة وراءه. 

ويضيف: "قام زميلي في السكن بحزم الأمتعة ومغادرة المكان. لكن كان عليّ أن أذهب لأستعيدها. كما كان لديّ خطة لإتمام 10 سنوات من الخدمة لكي أحصل على 100% من مكافأة نهاية الخدمة (شهر واحد لكل عام من الخدمة). ولكن الآن سأحصل على مبلغ أقل بكثير... لا اعرف، حتى، قيمة ما سأحصل عليه."

وبرغم من أن تأشيرته لاتزال سارية الصلاحية، وأن شركته أخبرته بإمكانية عودته والتقدم للتحويل لوظيفة أخرى، والحصول على تسويته النهائية، إلا أن تكلفة السفر باتجاه واحد باهظة جداً. 

ويقول: "في السابق كان بإمكاني شراء تذكرة باتجاه واحد بقيمة تتراوح ما بين 150 و200 دولار أمريكي. أما الآن فعليّ أن أدفع ما يقارب 2000 دولار أمريكي لأنه يجب أن آتي عن طريق دبي. لم يتبقَ لديّ أي مال."

وفي حين أن الشركة مازالت قادرة على دفع تسويته النهائية، إلا أنها ستودعها في حسابه المصرفي الكويتي. "ومن أجل سحبها دولياً، فسأخسر مزيداً من المال. ليس أمامي إلا خيار العودة."

وقال الأخصائي الاجتماعي شيتو، أنه على حكومات دول الأصل أن تبدأ العمل على استرداد هذه الرواتب المعلقة. "يجب أن يتم ذلك عن طريق وزارة الشؤون الخارجية، لعمل توكيل خاص لتمكين دبلوماسيي الدول المرسلة، هنا في الكويت، لتمثيل مواطنيهم قانونياً."

ويخشى الأجانب ايضاً من أن يتم الاستيلاء على شققهم، أو أن تقوم إدارات المباني بالتخلص من ممتلكاتهم، إذ أنهم لم يدفعوا الإيجار لفترة تتراوح ما بين ستة إلى ثمانية شهور الماضية. 

" قد تقوم البنوك هنا (في الكويت) بتعهيد وكلاء تحصيل في الهند لتحصيل أقساط القروض. لا زلنا لا نعرف أي من الطرق العديدة التي سيتضرر بها الأفراد..."

ولا يخشى أحد المقيمين العالقين في الهند أن يفقد ممتلكاته في الكويت فحسب، وإنما أن يظل مطالباً بتسديد القروض:" قد تقوم البنوك هنا (في الكويت) بتعهيد وكلاء تحصيل في الهند لتحصيل أقساط القروض. لا زلنا لا نعرف أي من الطرق العديدة التي سيتضرر بها الأفراد بسبب عدم القدرة على العودة ذلك لعدم استطاعتهم تجديد تأشيرتهم بشكل مستقل."

وبحسب تقارير إعلامية، فإن القيمة الإجمالية للقروض المستحقة على الأجانب في الكويت تبلغ نحو 2.7 مليار دولار أمريكي في يوليو 2020. 

ويتذكر أحد المقيمين العالقين الغزو العراقي للكويت في 1990، والمخاوف من يتكرر الأمر مع الأشخاص غير القادرين على العودة لاستعادة ممتلكاتهم وكذلك الآخرين الذين لازالوا في المكان.   

ويعود السبب في ضياع الممتلكات وخسارة سبل العيش التي تواجه العمال المهاجرين على نطاق واسع، إلى استثنائهم من الإجراءات التي اتُخذت لمواجهة كوفيد 19، وتزايد جهود تقليل نسبة الأجانب من السكان خصوصاً في الكويت، بالإضافة إلى سيطرة أصحاب العمل المزمنة على إقامة العمال القانونية. فعلى الحكومات إعطاء الأولوية للعودة الآمنة للعمال بتمديد صلاحية تصاريح إقامتهم وإبلاغ المجتمعات المتضررة منهم، بشكل واضح، بالخطط والإجراءات. ومن المهم أن يتم تطوير أنظمة للتأكد من قدرة العمل على الوصول دائماً إلى ممتلكاتهم الشخصية وحقوقهم في أجورهم ومستحقاتهم في تلك الاثناء. وبالأخص:  

  • يجب ألا يسمح لأصحاب العمل الذين يبررون التسريح وعدم تجديد الإقامة بسبب التراجع الأعمال الناجم عن الجائحة، بتوظيف موظفين جدد حتى يوفوا بجميع التزاماتهم السابقة. ويشمل ذلك الأجور المستحقة ومستحقات نهاية الخدمة. 
  • يجب على الوزارات والهيئات المعنية في الكويت إنشاء بوابة إلكترونية لتمكين العالقين في الخارج من تسجيل حالاتهم. 

تصوير: كين مارشال