لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

التسوق للعمالة المنزلية في الإمارات

برغم وجود تدبير، العمال يواجهون أوضاعاً هشة بسبب تأشيرات الزيارة، وعدم المساءله، ورسوم التوظيف المرتفعة، والوظائف غير المضمونة

في 1 أبريل 2021

في الوقت الذي يتزايد فيه الاعتماد على عاملات المنازل خصوصاً المقيمة، الملاحظ أن تدفق العاملات لتلبية هذا الطلب لا يأتي دائماً من خلال القنوات الاعتيادية. وتتراجع الاعتبارات الأخلاقية من أجل التكاليف والراحة. ولا يمكن وصف العملية التي تقوم بها مكاتب التوظيف إلا بالفوضى المنظمة. فهي منظمة بما يكفي بالنسبة لصاحب العمل ولكنه مشوشة بالنسبة للعاملة. وتعتبر سهولة تحويل تأشيرات الزيارة إلى تأشيرات عمل في الإمارات، تحديداً، هي السبب في خلق سوقاً موحلة للعمالة المنزلية. وتستمر هذه المشاكل برغم وجود مراكز خدمات تدبير التابعة للحكومة التي تسعى إلى توحيد معايير توظيف العمالة المنزلية. 

ويستكشف هذا التقرير كيف يعمل القطاع في هذا السياق.

مكاتب التوظيف

في عجمان، يقع سوق توظيف العمالة حيث يزاول مستقدمي الأيدي العاملة أعمالهم، في المنطقة الواقعة بين مركز شرطة المدينة الشامل واللولو هايبر ماركت، متخذين من محلات تتراوح بين الصغيرة والمتوسطة ذات نوافذ زجاجية وأبواب مقراً لأعمالهم. وعند المرور بالسيارة من هناك، بإمكانك رؤية نساء يرتدين القناع الواقي وجالسات على الكراسي وهن يبحثن عن عاملات منازل، وهناك يوجد مكتبان وضعا في موقع استراتيجي للفت انتباه الزبائن عند دخولهم المحل. وترتدي النساء الموجودات خلف المكاتب، العبايات ويُجدن الحديث بأكثر من لغة. وكانت اللاتي تحدثت معهن من اثيوبيا، وسريلانكا وأوغندة. 

وتستقبل هذه النساء الزبائن. وبمجرد انتهاء المجاملات الأولية، يتم تسجيل متطلبات العملاء وغالباً ما يتم ذلك باللغة العربية. ويتخصص كل مكتب في جنسيات معينة، كما تُحدد رسوم التوظيف بحسب جنسية العاملة. وتتراوح الرسوم ما بين 17,000 درهم إماراتي (4,630 دولار أمريكي) للعمالة القادمة من إندونيسيا (بصرف النظر عن الحظر المفروض حالياً من قبل دولة الأصل) إلى 12,000 درهم إماراتي (3,270 دولار أمريكي) للعمالة القادمة من الهند أو سريلانكا، وصولاً إلى خيارات "أرخص" للعمالة القادمة من إثيوبيا بقيمة 7,000 درهم إماراتي (1,910 دولار أمريكي) ومن أوغندا بقيمة 6,000 درهم إماراتي (1,635 دولار أمريكي). وبرغم الفروقات الكبيرة في رسوم التوظيف، فإن رواتب العمال تتراوح ما بين 1,000 درهم إماراتي (270 دولار أمريكي) للعمال الأوغنديين والأثيوبيين إلى 1,200 درهم إماراتي (330 دولار أمريكي) للإندونيسيين والهنود.   ويُحدد الحد الأدنى القانوني للأجور لعمالة المنازل من دول الأصل في أغلب الحالات، إذا لا يوجد في الإمارات نظام الحد الأدنى للأجور. 

وغالباً ما يكون العملاء، زوجين في منتصف العمر (برغم أن الزوج هو غالباً ما يقوم بالتوظيف)، يعرفان بوضوح الجنسية المفضلة لديهما بناءً على خبرتهما السابقة وتصوراتهما. وبمجرد إعلان تفضيلاتهما، بما في ذلك المهارات المطلوبة مثل اللغة والقدرة على الطبخ أو رعاية الأطفال، فإن مديرة المكتب تقوم باستدعاء الباحثات عن عمل ويتم صفهن في طوابير أمام المكتب في مقابل كل من العملاء ومدير المكتب. ويتم سؤالهن للحديث عن أنفسهن والإجابة على أسئلة أصحاب العمل المرتقبين. وهنا يطلب منهم أيضاً رفع القناع عن وجوههن. ولا توجد سيرة ذاتية أو معلومات مطبوعة للمراجعة. ولا تعطى أي فرصة للباحثات عن عمل، لطرح أي سؤال على "بابا" و"مدام". وبمجر أن يختار صاحب العمل عاملة المنزل، يصبح بإمكانهما اصطحابها معهما بعد دفع عربون صغير يصل إلى 5000 درهم إماراتي (545 دولار أمريكي)، لإخضاعها للتجربة لعدة أيام. وفي هذا الوقت يُطلب من عاملة المنزل أن تسارع بأخذ مستلزماتها الشخصية. كما يُعاد إليها هاتفها، الذي من الواضح أنه كان مصادرا ًمنها قبل ذلك. 

وبسبب لوائح كوفيد-19، فإنه ابتداءً من مارس فصاعداً، لم يعد مكتب التوظيف يجلب الباحثات عن العمل إلى المكتب بشكل يومي. فيتم أخذ النساء على المكتب بالتناوب بينما تظل الأخريات في مكان الإقامة الذي يوفّره لهم مكتب التوظيف. والآن، عندما يأتي العميل إلى المكتب، بإمكانهم رؤية بعض العاملات المرتقبات، أو الاطلاع على فيديوهات لنساء أخريات من هذا المكتب نفسه. وفي مقاطع الفيديو المسجلة، تظهر الباحثات عن عمل مرتديات الزي المتعارف عليه للعاملات ويجبن على أسئلة وجهت اليهن من قبل مدراءهم بخصوص العمر، والجنسية، والحالة الاجتماعية، وخبرة العمل السابقة...الخ. 

الباحثات عن عمل

طُلب من ديانا* أن تأتي من كمبالا في أسرع وقت ممكن. 

قالت: "تواصلت مع وكيل في كمبالا من خلال أحد أصدقائي، وأخبرته أنني أريد أن أعمل في دبي." وتضيف: “وكان من الصعب حقاً الوصول إلى كمبالا. لدي ثلاثة أطفال يعيشون مع والدتي في مدينة صغيرة تبعد 100 كيلومتر عن كمبالا. أطفالي بحاجة للذهاب إلى المدرسة". زوجها يعمل بائعاً للكوكاكولا ويكسب فقط 20,000 شيلنغ (5,80 دولار أمريكي) في اليوم. 

وقالت بحماس: “عملت في عمان لمدة عامين براتب قدره 70 ريال عماني (182 دولار أمريكي) شهرياً، لكن تبدو لي دبي واعدة أكثر إذ يمكنني أن أكسب 1000 درهم (273 دولار) شهرياً. وتضيف: “لذا أعطيت جواز سفري للوكيل بدون تردد. وتمت الموافقة على تأشيرتي خلال يومين فقط، وأخبرني الوكيل أنه تم تحديد صاحب العمل الذي سأعمل لديه في دبي. وبدون أن أفكر مرتين في الأمر، قمت باقتراض مبلغاً من المال لكي أقوم بإجراء الفحص الطبي في عيادة خاصة في كمبالا، والفحص شمل فحص كوفيد19، والإيدز، والحمل. 

وجاءت نتائج جميع الفحوصات سلبية. وفي 10 يناير 2021 كانت ديانا تسافر على متن رحلة الطيران المصري عبر القاهرة. 

وعندما خرجت من المطار، كانت تتوقع أن يكون في استقبالها صاحب عملها، إلا أنها بدلاً عن ذلك استقبلها الوكيل واصطحبها إلى السكن التابع للشركة، حيث وضعت في غرفة صغيرة يشاركنها فيها خمس نساء أخريات. وبما أنها تحمل شهادة بنتائج فحص كوفيد-19 السلبية، فلم تُحجر. وفي الحقيقة فإن جميع النساء تقريباً تم فحصهن عن كوفيد-19 في بلدانهم، ولذلك لم تخضع أي منهن لفترة الحجر الصحي. 

وتقول: "بعد ليلة غير مريحة إلى حد ما لم أستطع النوم خلالها، تم إيقاظي بطرقٍ على الباب"، ودخلت سيدة تعمل في الوكالة وأخذت مني هاتفي، وأعطتني طقمين من الزي المتعارف عليه للعاملات. وكل ما قدم لنا كان عبارة عن شاي الصباح ورز مسلوق لوجبة بعد الظهر" 

وتؤخذ النساء إلى المحل في العاشرة صباحاً ويبقين هناك حتى العاشرة مساءً ويتخلل ذلك فترة استراحة قصيرة. 

أما لامسي، وهي أيضاً من أوغنده، فقد وصلت في بداية مارس وهي الآن تعمل لدى إحدى الأسر. وتقول:" هنا أفضل كثيراً ". وتتذكر موضحة: “هناك كنا 20 امرأة نقيم في غرفة واحدة بدورة مياه واحدة. وفي المساء كنا ننام على سيقان بعضنا. وفي الصباح، مع الشاي الخالي من الحليب، كنت أُعطي قطعة من الخبر المحمص فقط. وفي فترة ما بعد الظهر كنا نتناول الرز المسلوق بدون صالونه". وفي الغرفة التي كنا نتشارك فيها، نحن الـ 20 امرأة، لا توجد نوافذ. وكان الوقت الوحيد الذي كنا نميز فيه الليل من النهار هو من الضوء القادم من تحت الباب." ولم يكن على لامسي الذهاب إلى مكتب التوظيف كل يوم. فقد سجل لها صاحب العمل فيديو لعرضه على العملاء، حيث تتحدث عن عملها السابق ومهاراتها. وتضيف:"بعض النساء كن يذهبن على المكتب (مكتب التوظيف) يوماً واليوم التالي يبقين في الغرفة. كنًا نؤخذ إلى هناك بالتناوب. في الغالب كان يوجد 16 امرأة في الغرفة في وقت واحد. يوجد الكثير من عاملات المنازل يبحثن عن عمل الآن! لم أكن أعرف كل ذلك قبل أن آتي إلى هنا."  

وفي حين لم تدفع ديانا أي مبلغ من المال للوكيل المحلي في أوغندة، فقد دفعت لامسي نحو 1800 درهم إماراتي. وكانت لامسي محظوظة لأنها حصلت على صاحب عمل من خلال مكتب التوظيف، وأنه تم إتمام معاملة تأشيرتها من خلال أحد مراكز تدبير. وحين يتم الانتهاء من معاملات هذه الوثائق، تصبح العاملة مشمولة تحت قانون العمالة المنزلية الإماراتي. 

فخ تأشيرة الزيارة

نظرياً، يوفّر تحويل تأشيرة الزيارة إلى تأشيرة عمل قدراً من الاستقلالية بالسماح للأفراد بالبحث عن وظيفة تناسبهم، لكن هذا ليس هو الحال في الغالب في الممارسة العملية. فالكثير من العاملات اللاتي الذين يسافرون بتأشيرة زيارة يدفعن رسوماً لعدد من مكاتب ووكلاء التوظيف في دول الأصل ودول المقصد، ولا يوفّر لهن القانون الإماراتي حماية من ذلك. ذلك لأن هجرتهن لا تعتبر نظامية في دولهم الأصلية، كما أن الحماية القنصلية محدودة. أما هؤلاء اللاتي لا يحصلن على عمل، أو اللاتي يتم إعادتهن إلى مكاتب الأيدي العاملة خلال فترة التجربة والاختبار، فيكون وضعهم أكثر هشاشة. 

عاملات المنازل السريلانكيات غير القادرات على الحصول على وظائف يواجهن صعوبات في العودة للوطن

اليكم حالة ديشاني وخمس من صديقاتها ممن جئن من سريلانكا من خلال وكلاء متعددين بتأشيرة زيارة، وهن الآن يعانين بدون شبكة أمان يلجئون لها. جميعهن جئن إلى هنا بعد يناير 2020. والآن غير قادرات على الحصول على وظيفة خلال فترة صلاحية التأشيرة، ومتورطات في الإمارات بدون مكان للإقامة، وبدون جوازاتهن، وليس لديهن ما يكفيهن من المال ليعدن إلى بلدهن. كما أن السفارة السريلانكية ليست على استعداد لتوفير المأوى لأنهن لم يصلن على تأشيرة عمل. وحالياً تنام هذه النساء في متنزه مفتوح. 

وأوضح عامل سريلانكي مهاجر كان معهم في المتنزه: "ليس لديهن مكان للاستحمام ولا دورة مياه. فهن إما أن يذهبن إلى محطة بترول قريبة، او ينتظرن الذهاب إلى مسجد قريب عندما يفتح بوابته في وقت الآذان للصلوات."

إن إغلاق مكاتب التوظيف الخاصة التي تستقدم عمالة المنازل بتأشيرة زيارة قد يعالج بعضاً من هذه المشكلة. ولكن بدون الانتباه بجدية للمشكلة، فليس من المرجح إلا أن يتكيف هذا التوظيف غير القانوني مع الظروف الجديدة، خصوصاً وأن تحويل تأشيرة الزيارة يبقى إجراءً سهلاً. كما أنه من المهم التأكيد على إمكانية استغلال سهولة الحصول على تأشيرة الزيارة إلى الإمارات، من قبل وكالات التوظيف غير القانونية التي من الممكن أن تستخدم البلد كمركز لتوزيع الأشخاص فيما بعد على دول الخليج الأخرى