لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

«أنا لست سيدة أعمال»

سياسات البحرين ضد العمل في مجال الجنس تقود إلى الإساءة والاعتقال التعسفي والترحيل لمهاجرات لا علاقة لهن بالدعارة

في 9 مايو 2021

من بين العواقب السلبية التي تأتي مع تجريم العمل في مجال الجنس في البحرين – ويشمل ذلك تعريض المشتغلين في الجنس للعنف – الاحتجاز والترحيل للنساء المهاجرات ممن ليس لديهن أية علاقة في هذا المجال. إن ربط النساء المهاجرات من ذوات الدخول المنخفضة، وعاملات المنازل تحديداً، بالعمل في مجال الجنس، يعني أن وجودهم في أي مكان خارج الحدود الضيقة لـ "أماكن العمل"، أمراً مشكوكاً فيه. وتلعب هذه الصورة النمطية على الجوانب العرقية والطبقية، مما يمكّن أصحاب النفوذ من التملص المعاملة المستبدة للسلطات في مواقف مماثلة. 

وخلال العام الماضي فقط، وثقت Migrant-Rights.Org لعدد من الحالات لنساء مهاجرات تم احتجازهن بشكل تعسفي واتهامهن بممارسة الدعارة رغم وجود الدليل الواضح على عدم صحة ذلك. والتقت MR بعدد من النساء اللاتي قلن إنهن تعرضن للإساءة على يد الشرطة، ولم تُوفر لهن خدمات الترجمة أو المحامي، ومن ثم تم ترحيلهن دون اتباع الإجراءات اللازمة.

مثال على ذلك، النادلة الكينية، جي، التي كانت تعمل بدوام كلي في فندق في البحرين. ففي الليلة التي تسبق يوم إجازتها، قامت جي بزيارة صديقتها في منزلها في القضيبية للاحتفال بعيد ميلاد أحد الأصدقاء. ومع تأخر الوقت، قررت جي المبيت عند صديقتها بدلا من العودة إلى منزلها مشياً على الأقدام. وفي صباح اليوم التالي، تركت صديقتها المنزل في وقت مبكر للذهاب لعملها. ولدى استيقاظ جي من النوم، سمعت طرقات مدوية على الباب. وعرفت فيما بعد أنه تمت مداهمة المبنى بكاملة من قبل الشرطة.

تقول جي: "سألوني عما كنا أفعله هناك، وأخبرتهم أنه منزل صديقتي وأنني قضيت الليلة فيه، فطلبوا مني، على الفور بطاقة الهوية وأخذوا هاتفي الجوال مني. وسألني الضابط أن أفتح هاتفي المقفل وبدأ النظر في صوري ورسائلي... وكان ضابط آخر يفتش المنزل ويجمع زجاجات المشروبات الكحولية الخالية. " وبعد دقائق، سمعت جي عبارة من الضابط، تسمعها الكثيرات من النساء المهاجرات قبل القبض عليهم: "أنتٍ سيدة أعمال".

و"سيدة أعمال" (business-lady)، أو "فتاة أعمال" (business-girl) هو مصطلح تستخدمه السلطات في البحرين للإشارة إلى العاملات في مجال الجنس. وطُلب من جي، جمع حاجياتها بسرعة وتم أخذها إلى إدارة التحقيقات المركزية في العدلية، ومعها عدد من النساء الأخريات للاستجواب. 

كنت خائفة حقاً، وكان الشرطة عدائيين في تصرفهم تجاهي. لم أعرف مالذي يجب عليّ فعله. أخبرتهم مراراً أنني أعمل في فندق، وطلبت منهم أن يتأكدوا من تأشيرتي التي هي باسم الفندق الذي أعمل فيه، لكنهم رفضوا الاستماع إلي، وعوضاً عن ذلك أصروا على أنني "سيدة أعمال" لوجود المشروبات الكحولية في منزل صديقتي، ولوجود Tinder (تطبيق المواعدة) في هاتفي. والمعروف أن الكحول، وتطبيق Tinder، والجنس خارج إطار الزواج كلها ليست أمور غير قانونية في البحرين.   

وأخبرت جي MR أنها أجبرت على الاعتراف أنها تعمل في مجال الجنس، "لم أفهم أغلب ما كانوا يقولونه حولي، كانوا يصرخون في وجهي ويجبروني على التوقيع على أوراق باللغة العربية لم أكن أفهم المكتوب فيها... لم يوفروا حتى الترجمة."

وقالت جميع النساء المهاجرات اللاتي تحدثت إليهن MR، أنه لم يتم توفير مترجمين لهن خلال التحقيقات في إدارة مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب العامة التابعة التحقيقات المركزية. وفي خطاب تم ارساله للمحكمة العليا للاستئناف، وتمت مراجعته من قبل MR، جادل محام يمثل إحدى النساء بأن الاعترافات تعتبر باطلة مالم يكن المتهم قادراً على القراءة والكتابة باللغة العربية، وما لم يتم توفير الترجمة. ومع ذلك، فقد رفضت المحكمة طلب الاستئناف.

التسجيل الصوتي أعلاه: تقول ميري أن إدارة التحقيقات المركزية أجبرتها على التوقيع على أوراق لم تفهمها، لكنها علمت فيما بعد أنه اعتراف على أنها كانت تعمل في مجال الجنس. وحكم القاضي عليها بالترحيل بسبب هذا الاعتراف الخاطئ والقسري.

بعد إجبارها على التوقيع على بعض الوثائق، أُخذت جي إلى مركز احتجاز النساء في الحد حيت تم ترحيلها في نهاية الامر. وتجربة جي ليست نادرة الحدوث. ففي حالة تمييزية وتنميطيه أخرى، تم القبض على النادلة إل* بشكل تعسفي عندما كان مديرها يصحبها لتوصيلها إلى منزلها بعد نوبة عمل ليلية.

تقول إل:" في نقطة التفتيش، طلبوا مني الخروج من السيارة، وطلبوا من مديري، الهندي الجنسية، أن يذهب، وأخذوني إلى حافلة صغيرة وطلبوا مني فتح قفل هاتفي... وقال لي أحد رجال الشرطة "أنا أعرف إنك سيدة أعمال"، ولم أكن أعلم ما يعنيه ذلك، عندما صرخت بصوت عال أنني لم أفعل شيئا، حينها صفعني الشرطي وأخبرني أنهم سوف يأخذوني معهم إلى إدارة التحقيقات المركزية."

وكما حدث مع جي، تعرضت إل للإساءة نفسها في إدارة التحقيقات المركزية، وتقول" توسلت لهم لكي يطلقوا سراحي، وأخبرتهم أنني امرأة متزوجة ولدي طفلة عمرها ثلاثة شهور. كما جاء مديري وأكد لهم مرة أخرى أنني أعمل معهم، وجاء زوجي مع طفلتي ليريهم أنني لم أفعل شيئاً خاطئاً، إلا أن إدارة التحقيقات المركزية تجاهلتهم أصرت على أنني "سيدة أعمال". "

ثم نُقلت إل إلى مركز الترحيل ،لكن لأن طفلها الذي كان معها لم يكن موثقًا (ويرجع ذلك جزئيًا إلى الإجراءات المعقدة المتعلقة بذلك)، لم تتمكن السلطات من ترحيلها. بعد شهرين وعدة مناشدات من قبل منظمات المجتمع المدني، تم،أخيرا، الإفراج عن إل.

وتضيف: "السبب الوحيد لعدم ترحيلي هو أن لدي طفلة"

واستنادا إلى الحالات التي قامت MR بمراجعتها، كان هناك نسق واضح في تصنيف النساء من أصول أفريقية وآسيوية. وغالبية هذه الحالات تأتي من مناطق كالقضيبية، وهي منطقة في المنامة تسكنها أعداد كبيرة من المجتمعات المهاجرة منخفضة الدخل القادمة من آسيا وأفريقيا

التسجيل أعلاه: تصف آبي، التي تم اعتقالها وترحيلها من قبل الشرطة، كيف تم تهديدها من قبل الشرطة بالسجن إذا لم تعترف بعملها في سلك الدعارة. وتصف المرأة كيف تم ارسالها على مركز الترحيل رغم مناشدتها القاضي لبراءتها.

وأخبر ممثل إحدى السفارات الأفريقية في البحرين MR: "أنه تم القبض على كثيرات من نساء بلاده بتهمة "سيدة الأعمال" وأحياناً كان يتم القبض عليهم فقط بسبب احتسائهن المشروبات الكحولية، أو أن يكونوا على الشاطئ بصحبة شركائهن، أو بسبب وجود تطبيقات المواعدة (والتي يعتبر تنزيلها قانونياً) في هواتفهن. "

وذكر محامي في البحرين لـ MR:"استملنا عدة القضايا لنساء بريئات، قُبض عليهن بشكل عشوائي وتم اتهامهن بالدعارة. وفي غالبية القضايا، كنا غير قادرين على كسب القضية أو استئنافها لأن القاضي يؤيد دائماً ما تقوله الشرطة، حتى وإن كان ما تقوله الشرطة مصطنعاً بشكل واضح."

"الآن، وخصوصا منذ تفشي جائحة كوفيد19، نعاني في التواصل مع النيابة العامة للاستفسار عن قضايا معينة، ونادراً ما يتجاوبوا مع خطاباتنا الرسمية التي نطالب فيها بإحالة القضايا إلى المحاكم المختصة لإعادة النظر فيها."

وتحدثت Migrant-Rights.Org إلى صاحب عمل عاملة أثيوبية تم القبض عليها بالقرب من محل بقالة (برادة) في القضيبية، الذي: "بعد القبض عليها، اتصلوا بي لأحضر جواز سفرها، وتساءلت: لماذا؟ وأخبروني أن هناك حكما بالترحيل صادراً بحقها. وسألت إن كان ذلك بتهمة الدعارة، وأنه تم أخذها من محل البقالة!"

ورفض صاحب العمل أن يسلم جوازها، في محاولة، لم تنجح، لوقف ترحيلها. ويضيف: "عندما ذهبت إلى إدارة الهجرة ورأيت تقريرها، كان مكتوبا فيه مختلف أنواع القصص، بأنها اعترفت بكونها تعمل في الدعارة، وأنها تجني هذا المبلغ من هذا العدد من الرجال...الخ. كل ذلك كان ملفقاً، وفي النهاية تم ترحيلها." 

التسجيل أعلاه: تتذكر كي عندما تم أخذها لإدارة التحقيقات الجنائية واتهامها بالعمل في مجال الجنس بدون توافر أي دليل، ومن ثم أخذها إلى مركز الترحيل دون المثول أمام المحكمة، برغم إصرار كفيلها لدى إدارة التحقيقات المركزية بانها ليست عاملة في الدعارة وإنما هي عاملة لديه.

ولا يعتبر هذا التنميط العنصري للنساء المهاجرات واتهامات الدعارة قرارات فردية يتخذها المسئولون. فهناك مشكلة منهجية تتطلب مراجعة مهمة وعاجلة: التنميط الموجة لمجموعة معينة، والافتقار إلى مساءلة الشرطة، والافتقار إلى الإجراءات المطلوبة القيام بها في التحقيق، والعوائق المتعددة للعدالة بما في ذلك اللغة والتمثيل القانوني.

ويبدو أن اعتبار مكافحة الاتجار بالبشر، و"الآداب العامة" مسئولية جهة واحدة، يستخف بالكثير من الجوانب المتعلقة بالاتجار بالبشر، وأهمها أنه في حال تعرض النساء للإتجار بالجنس، فلا يمكن معاملتهن على أنهن مجرمات. وتبدو الممارسات الحالية أنها أكثر اهتماماً بالرقابة الأخلاقية أكثر منها الحماية.

التوصيات:

  • تدريب الشرطة تدريباً قائماً على مراعاة الفوارق بين الجنسين
  • توفير الشرح والترجمة لجميع إجراءات الشرطة والقضاء
  • توفير المحامين للنساء المهاجرات، وخلق بيئة تعزز النزاهة القضائية
  • عدم تجريم العمل في مجال الجنس – فتجريم الجنس لا يخلق علاقة مضرة بين العاملين في مجال الجنس والسلطات فحسب، ولكنه، وكما أوضحت الدراسات، يترك العاملات في مجال الجنس عرضة للاستغلال، ويوفر مجالاً للإفلات من العقاب، لهيئات تنفيذ القانون لارتكاب أعمال العنف والإساءة تجاه أي شخص يعتبر عاملاً في مجال الجنس.

 * تم تغيير الأسماء لحماية الهويات