لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

البحث خارج الخليج عن نماذج أفضل للهجرة العمالية

لكن هل يمكن لمخططات الهجرة "المؤقتة" أن تكون في صالح العمال؟

في 17 مايو 2021

تعتمد دول الخليج بشكل كبير على العمالة المهاجرة في جميع القطاعات الاقتصادية تقريباً. ففي قطر، على سبيل المثال، يشكل الأجانب 95% من إجمالي القوة العاملة البالغة 2 مليون شخص. وهذا الأمر ينطبق على الوظائف عالية المهارات، مرتفعة الدخل مثل القانون، والصيرفة والطب، كما هو الأمر بالنسبة للوظائف منخفضة الدخل مثل العمال المنزلية والعمال اليدويون. 

والمفارقة في ذلك، أن الاعتماد على العمالة الأجنبية كبير وواضح أنه سيستمر طويلاً، إلا أن دول الخليج تتعامل مع الهجرة على أنها ظاهرة مؤقتة إلى حد كبير. وبرغم أن الكثير من العمال المهاجرين سيقومون بمهام متعددة في دول الخليج خلال حياتهم العملية في الخليج، إلا تأشيرة العمال المهاجرين مصممة لمدة قصيرة وهي مرتبطة بوظيفة معينة أو صاحب عمل محدد. ويكاد لا يُسمع عن عامل مهاجر حصل على الجنسية. 

ويشهد نموذج هجرة العمالة الموقتة ارتفاعاً على المستوى العالمي، إذ أن الدول، خصوصاً تلك التي تنخفض فيها نسبة الخصوبة، تنظر إلى العمال المهاجرين لتوفير العمالة الرخيصة المرتبطة بقطاعات مثل الزراعة وصيد الأسماك والعمل المنزلي. ولذلك، فإن دول الخليج تمارس، إلى حد ما، ما أصبح الآن اتجاهاً دولياً. 

تصور "المؤقت" 

لكن هناك شيئان يبعدان دول الخليج عن وجهة نظر الهجرة العمالية. الأول، العدد الهائل من العمال الذين يأتون تحت هذا المخطط. وثانياً، أن جميع العمال، بغض النظر عن وظائفهم أو المهارات التي يمتلكونها، يتلقون المعاملة ذاتها حينما يتعلق الأمر بالتأشيرة – أي أن تصريحهم للإقامة والعمل في البلد يعتمد على وظيفة أو صاحب عمل محددين، مع محدودية طرق الحصول على الجنسية، والافتراض غير المعلن بأنهم سوف يعودون إلى بلدانهم الأصلية فور انتهاء فائدتهم الاقتصادية. 

  وفي أماكن أخرى من العالم، تميز الكثير من الدول بين المهاجرين ذوي المهارات العالية و"ذوي المهارات المنخفضة" (في الغالب، تعكس الأجور ذلك وليس المهارات) والذين يتم توظيفهم من أجل تلبية احتياجات قصيرة الأمد (مثل الفلاحين الموسميين). في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعطى المهاجرين المهرة تأشيرة H-1B، وتستخدم عادة للتعيينات في قطاعات التكنولوجيا، والمالية، والطب، وهي تأشيرة "مزدوجة " (ويعني ذلك أن هؤلاء يتوفر لهم خيار التقديم للحصول على الإقامة الدائمة من خلال البطاقة الخضراء. أما بالنسبة للعمال منخفضي المهارة فيتم قبول دخولهم بتأشيرة H-2 وبها أوجه تشابه مثيرة للانتباه مع نظام الكفالة الخليجي، حيث تبقى حقوق العامل في البلد مربوطة وبشكل صارم بصاحب عمل معين وبوظيفة. 

لكن هناك بعض الاختلافات الجوهرية بين تأشيرة H-2 ونظام الكفالة. فأصحاب التأشيرة H-2 من العمال المهاجرين (H-2A لعمال الزراعة، وH-2B للعمال في قطاعات أخرى) لا يسمح لهم بشكل عام بتغيير وظائفهم خلال إقامتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا يوجد عقوبات على الهروب إذا ما قرروا ترك وظائفهم قبل انتهاء فترة العقد، كما أنه لا يحق لصاحب العمل أن يعرقل مغادرتهم البلاد. كما يحق للعمال الذين يتركون العمل قبل انتهاء فترة العقد الحصول على أجرهم نظير العمل الذي أُنجز خلال فترة عملهم. 

ويتشابه إطار العمل في الخليج لجميع العمال بغض النظر عن مهنتهم أو مستوى مهارتهم.  ومع وجود استثناءات محدودة للغاية، فإن معاملة دول الخليج للعمال المهاجرين كمؤقتين تخلق حالة من عدم اليقين والضعف، وتخلّ بميزان القوى في العلاقة بين العامل وصاحب العمل. وهذا الأمر يعاني منه بحدة أكثر العمال من ذوي الدخول المنخفضة الذين يدفعون في الغالب رسوم توظيف باهضه، مما يدخلهم في دوامة الديون حتى قبل مغادرتهم بلدانهم. أما عمال المنازل المقيمين الذي يعيشون في عزلة عن المجتمع، فوقع هذه النظام السلبي أكبر على قدرتهم على الحركة. 

الاستغلال منتشر حول العالم

قامت Migrant-Rights.org بإجراء مسح حول كيفية إدارة دول أخرى للهجرة العمالة، خصوصاً الفئة منخفضة الأجر، لمعرفة ما إذا كان هناك أمثلة لعمال أجانب حظوا بمرونة واستقرار أكبر وكذلك حقوق عمالية أكثر شمولاً منها في دول الخليج. 

ولسوء الحظ، فإن الكثير من المشاكل المرتبطة بنظام الكفالة، مثل عدم القدرة على تغيير الوظائف بسهولة وندرة الحقوق العمالية، وُجدت أيضا في أنظمة الهجرة العمالية المؤقتة حول العالم. فعلى سبيل المثل، كان برنامج العمال الزائرين الخاص بعمال الزراعة في نيوزيلانده محط انتقاد المدافعين عن حقوق الإنسان لفترة طويلة، فيما تعرض برنامج "المتدرب" الياباني الذي وُصف بأنه شكل من اشكال المساعدة الفنية لتطوير مهارات العمال الآتين من الدول الآسيوية النامية، لسلسلة من الفضائح المتعلقة بسوء المعاملة، والتحرش وحوادث أماكن العمل المميتة.  

وكانت النقطة المضيئة، مع ذلك، هي أمريكا اللاتينية. ففي دول مثل تشيلي والأرجنتين، يسمح للعمال المهاجرين بالدخول إلى البلد بتأشيرة مؤقتة من أجل البحث عن عمل، ويكون لهم، نسبياً، مجموعة واسعة من الحقوق والحماية المنصوص عليها في قانون العمل. ففي تشيلي (على الأقل على الورق) يكون لدى العمال المهاجرين النظاميين الخيار للتقدم بطلب للحصول على الجنسية بعد خمس سنوات من الإقامة الدائمة. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، لا يُشجع العمال المهاجرين في الغالب على السعي للحصول على الجنسية بسبب التكاليف العالية المترتبة على ذلك، والبيروقراطية الشديدة والافتقار لاستعداد المسئولين في إرشادهم خلال عملية التقديم المعقدة، وذلك بحسب الأكاديمية في جامعة لندن للاقتصاد، ميغان رابورن. 

هل هي الكفالة تحت مسمى آخر؟ 

ستبدو بعض قصص المعاملة التي تعرض لها العمال الزائرون القادمون تحت تأشيرة برنامج H-2 الأمريكي الذي يجلب نحو 200,000 عامل سنوياً للعمل في قطاعات كالزراعة والسياحة، ومعالجة الوجبات المأكولات البحرية بالإضافة إلى الإنشاءات، مألوفة، إلى درجة غير مريحة، للمدافعين عن حقوق العمال المهاجرين في الخليج. 

فالعمال الذين يحملون تأشيرة H-2 غير قادرين على تغيير الوظائف، ويتعرضون للمخاطرة بالترحيل في حالة تقدمهم بالشكوى ضد الممارسات العمالية غير العادلة، بحسب مركز قانون الفقر الجنوبي (SPLC)، وهو منظمة أمريكية تعنى بالحقوق المدنية. ونجح هذا المركز مؤخراً في مقاضاة شركة توفّر العمالة لمزارعي قصب السكر، بسبب خداع العمال المهاجرين المكسيكيين بشأن أجورهم، وإجبارهم على العمل وتهديدهم بالترحيل إذا ما تقدموا بشكوى عن أوضاعهم. 

وفي المملكة المتحدة، تم تعديل تأشيرة العمال المنزليين في 2012 في إطار تشديد شروط الهجرة، وربط تصريح العامل بالبقاء في البلد بصاحب العمل. ويجعل ذلك عمالة المنازل عرضة للإساءة نفسها التي يتعرضون لها بانتظام في دول الخليج. 

ووثقت منظمة كالايان الاهلية حالات لاحصر لها من انتهاكات العمال المنزليين، مثل سوزي (الاسم مستعار)، فلبيبنية الجنسية التي عملت لدى عائلة في قطر في أعمال التنظيف وتربية الأطفال، ومن ثم وجدت نفسها في بريطانيا حيث تم نقل صاحب العمل. وعاشت في أوضاع سيئة، وحرمت من الحصول على يوم إجازة، وتمت مصادرة جواز سفرها، وحرمها صاحب العمل من مغادرة منزل الأسرة. إلا أنها عثرت في نهاية الأمر على جوازها أثناء التنظيف فهربت من المنزل. 

في اليابان، أُطلق برنامج المتدرب الفني (TITP)، الذي وصف بأنه برنامج مساعدات أجنبية، في 1990، وكان هو السبيل الوحيد أمام العمال المهاجرين غير "المهرة" للعيش والعمل في البلد. ظاهرياً، وُضع البرنامج لإعطاء العمال من الدول الآسيوية النامية الفرصة لتعلم التجارة من خلال العمل كـ “متدربين" بشركات يابانية لمدة ثلاث إلى خمس سنوات. إلا أن هذا البرنامج تعرض لانتقادات المدافعين عن حقوق الانسان على المستويين المحلي والدولي بعد توثيق عدد من حالات الانتهاك ضد "متدربين"، بما في ذلك عدم دفع الأجور، والتحرش الجنسي، وصولاً إلى وفاة سبّاك كمبودي بعد تعرضه لاعتداء عنصري في موقع العمل. 

وفي نيوزيلانده أيضا يتم ربط التأشيرة المؤقتة للعمال، خصوصا أولئك العاملين في قطاع الضيافة والزراعة، بصاحب العمل. ولسوء الحظ فإن هناك حالات موثقة لا تحصى لتعرض عمال يحملون هذه التأشيرة، للإساءة، حيث أخبر عمال مهاجرون في قطاع الفلاحة، باحثاً في كلية الأعمال بجامعة أوكلاند أنهم شعروا بأنهم "فريسة" في يد صاحب العمل. 

وقال المدير في المكتب القانوني The Worker’s Advocate، الذي يتخذ من نيوزيلانده مقراً له، ناثان سانتيسو لـ MR:"لسوء الحظ، يوجد في نيوزيلانده نظام للكفالة خاص بها، حيث يتم كفالة العاملين من قبل صاحب العمل." مضيفاً: "إن ذلك يجعل من الصعب على الموظفين الشكوى إذا ما واجهوا المشاكل، إذا أنه بإمكان صاحل العمل إنهاء عمل خدمات العمال مما يبطل أيضا صلاحية التأشيرة ويصبح لزاماً على العامل ترك البلد." 

ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أنه، وعلى عكس الخليج، فإن غالبية الدول التي تطرق إليها هذا المقال، لديها مساحة وسبل للنشطاء العماليين للدفاع عنه حقوق العمال. وعلى سبيل المثال، فقد حقق تحالف العمال المهاجرين للتغيير في كندا، نصراً في 2019 عندما أمّن حق العمال المنزليين المؤقتين في جلب عائلاتهم إلى البلد، وأعطاهم الخيار للتقدم بطلب للإقامة الدائمة. أما في الخليج، فإن النقابات العمالية لاتزال ممنوعة في الغالب، كما أن الجمعيات والمجموعات المجتمعية مقيدة بشكل كبير. 

ستبدو بعض قصص المعاملة التي تعرض لها العمال الزائرون القادمون تحت تأشيرة برنامج H-2 الأمريكي الذي يجلب نحو 200,000 عامل سنوياً للعمل في قطاعات كالزراعة والسياحة، ومعالجة الوجبات المأكولات البحرية بالإضافة إلى الإنشاءات، مألوفة، إلى درجة غير مريحة، للمدافعين عن حقوق العمال المهاجرين في الخليج. 

إصلاحات عديمة الفائدة

وبحسب مدافعون عن حقوق الإنسان تمت مقابلتهم خلال إعداد هذا التقرير، فإن الأمثلة في الدول التي أجرت إصلاحات على نماذج الهجرة التي يقودها أصحاب العمل، مثل بريطانيا واليابان، تشير إلى أن التغييرات إما أنها لم ترقَ لتحقق الحماية للعمال المهاجرين، أو أن الحكومات أثبتت فشلها في تطبيق هذه الإصلاحات بطريقة مجدية. ويعني ذلك بقاء العمال المهاجرين والعمال الزائرين عرضة للاستغلال وسوء المعاملة على يد أصحاب العمل كما كانوا في السابق. 

وسيكون هذا السيناريو مألوفاً إلى درجة محبطة بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان في الخليج. فجميع دول المنطقة قامت بإجراء إصلاحات على جوانب من نظام الكفالة في السنوات الأخيرة، إلا هذه الإصلاحات لم تحقق سوى القدر الضئيل لتفكيك هياكل القوة القمعية أو اختلال ميزان القوى المنهجي لغير صالح العمال المهاجرين والذي يتركهم عرضة للاستغلال وسوء المعاملة. حتى نظام التصريح المرن الذي طبقته البحرين في 2017، والذي يسمح للعمال المهاجرين منخفضي الدخل بـ “كفالة أنفسهم" يترك العمال يعانون من ارتفاع تكاليف الانضمام لهذا النظام وبأقل درجة من الحماية العمالية. 

وتوفر اليابان حكاية تحذيرية أخرى حول الإصلاحات الباهتة لأنظمة العمال الزائرين. 

فحكومة اليابان مررت سريعاً في أواخر 2018 مشروع قانون يسمح للمهاجرين بالعمل في القطاعات التي لا تحتاج مهارات عالية. وكانت النتيجة هي توفير تأشيرة مدتها خمس سنوات تعتبر، ظاهرياً، بديلة لـ برنامج المتدرب الفني ـ TITP، أي أنها بدت وكأنها تهدف لجلب عمال مهاجرين مؤقتين لسد الاحتياجات العمالية. ولم يمهد ذلك طريقاً أمامهم للحصول على الجنسية، كما لم يوفر الفرصة لجلب الأزواج أو العائلة إلى اليابان. 

ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان والخبراء القانونيون أن هذا المشروع لم يوفّر التفاصيل وأنه ليس واضحاَ عما إذا كان سيقدم أية ضمانات ضد الإساءة في مواقع العمل كالتي أصبحت شائعة تحت برنامج المتدرب الفني TITP.

وعبر بروفيسور حقوق الإنسان ودراسات السلام في جامعة أوزاكا اليابانية، سول تاكاهاشي، عن تشاؤمه من أن يحقق مشروع القانون الجديد والتأشيرة الجديدة أي فارق في شأن الوضع المزري الذي يعاني منه العمال المهاجرون من ذوي الياقات الزرقاء في اليابان، وذلك لأنه من المناسب لكلا الحكومة والشركات أن يكون هناك إمدادات جاهزة من العمال منخفضي الدخل ممن لهم حقوق قليلة ولا تمهد لأي طريق للحصول على الجنسية.  

وقال لـMR: "منذ البداية، كان الهدف من كلا TITP والنظام الجديد، دائماً، هو الحصول على عمالة رخيصة ممكن استغلالها، بكل وضوح وبساطة".

ويضيف: "ويميل الجدل العام الدائر حول العمال الأجانب إلى استخدام المصطلح الياباني "الموارد البشرية الأجنبية" (ببساطة على عكس "المواطن الأجنبي)، ليكون ذلك بـ “مثابة" "صمام أمان" لشركاتنا. وبعبارة أخرى، نحن نسمح بدخول الأجانب عندما يكون الأمر في صالحنا... وعندما لا يكون هناك حاجة لهم، نتخلص منهم كالفوطة المستخدمة، لا مشكلة في ذلك. وبالتأكيد فإن هذا التصرف ليس مستبعد الحدوث في اليابان، لكنه يبقى مشكلة شائعة، لنأمل أن يتغير ذلك."  

في نيوزيلانده، سوف تطلق وزارة الأعمال والابتكار والتوظيف MBIE، تقريراً معمقاً حول ممارسات الهجرة المؤقتة في أغسطس هذا العام. وبحسب الموقع الالكتروني للوزارة فهذا التقرير سوف يتضمن عددا من المعايير التي سيتم اتباعها خلال السنوات المقبلة، بما في ذلك إنشاء خط هاتفي للعمال للإبلاغ عن الاستغلال، ومعايير أكثر صرامة للشركات التي توظّف أعدادا كبيرة من المهاجرين. كما ستتضمن أيضا تأشيرة جديدة للعمال المهاجرين الذين يتعرضون للاستغلال "للتأكد من أنهم يغادرون الأوضاع الاستغلالية بأمان دون تعريض وضع إقامتهم للخطر".

عمالة المنازل في بريطانيا

في 2016، اتخذت الحكومة البريطانية خطوات لإصلاح تأشيرة دخول العمال المنزليين. وبموجب ذلك يسمح للعمال بالبحث عن خيارات وظيفية. إلا أنهم كانوا يمنحون وقتاً محدوداً للبحث عن وظيفة أخرى، وبإمكان العمال فعل ذلك فقط في خلال فترة تأشيرتهم الأصلية التي تُمنح لمدة ستة شهور لكل مرة.  

ووفقاً لمسئولة السياسات والحملات القانونية في كالييان، أفريل شارب، فإن فائدة الإصلاح تحديداً محدودة من الناحية العملية. 

وأخبرت شارب MR بأن "هذا يمثل إشكالية لعدة أسباب، أهمها أن العمال يهربون مع تبقى شهور أو أسابيع وأحياناً أيام في مدة تأشيرتهم مما لا يجعلهم جذابين لأصحاب العمل المحتملين، والكثيرون يهربون بدون أن يكون في حيازتهم الجواز الذي توجد فيه التأشيرة التي هي كل ما يحتاجه المهاجر ليثبت حقه في الإقامة في بريطانيا". 

كما قالت الحكومة البريطانية في 2016، أنه سوف تكون هناك جلسة توعية الزامية للعمال المنزليين الذين يقيمون في البلاد لأكثر من 42 يوم، الأمر الذي يجعل العمال أكثر وعياً بحقوقهم القانونية وسبل الدعم. إلا أنه، وبحسب كالايين فإن التقدم في تطبيق هذه الجلسات قد توقف

ولا يؤمن كالييان أن بالإمكان توفير إدارة أفضل لهجرة عمالة المنازل فحسب، وإنما لديه وضوح تام بشأن ذلك: العودة إلى تأشيرة ODW التي كانت مطبقة قبل 2012. 

تم تقديم هذه التأشيرة في 1998 في استجابة للقلق من المعاملة السيئة التي تلقاها العمال المنزليون في المنازل الخاصة للأسر. ولم يسمح ذلك بتغيير الوظائف فحسب، وإنما وفّر سبيلاً للحصول على الجنسية البريطانية. فبعد 5 سنوات من الإقامة في بريطانيا، إضافة إلى إثبات الكفاءة في التحدث باللغة الإنجليزية، يتأهل العمال المنزليون للتقدم بطلب الحصول على تصريح غير محدد المدة للبقاء في المملكة. 

وإذا ما قررت دول الخليج اتباع نموذج أمريكا اللاتينية في تبني سياسة أكثر مرونة للهجرة، تفك الربط بين صاحب العمل/الكفيل والعامل، فسيؤدي ذلك إلى تحسين الوضع الحالي، إلا أنه ليس حلاً سحرياً. فعلى دول الخليج معالجة الانفصال الأساسي في نهجها تجاه الهجرة...

الاطلاع على أوضاع أمريكا اللاتينية

بالنظر إلى الطرف الأكثر كآبة من العالم، حيث يوجد العمال المهاجرين من "ذوي المهارات المنخفضة" و"الأجور المنخفضة"، ربما تقدم أمريكا اللاتينية المثال الأكثر تفاؤلاً.

ففي معظم أنجاء أمريكا اللاتينية، تحتل الهجرة العمالية مساحة رمادية بين المؤقت والدائم. فالمهاجرين في جميع أنحاء المنطقة يتمتعون بحرية نسبية في عبور الحدود دون إجراءات استصدار التأشيرة المرهقة للتوظيف سواء طويل أو قصير الأمد. وعلى عكس دول الخليج، ففنياً هناك مسارات تتوفر من خلالها خيارات لم شمل الأسرة والحصول على الجنسية. 

وفي معظم أنحاء المنطقة، يمكن للعمال المهاجرين أن يستفيدوا من مزايا الضمان الاجتماعي، كما يحق لهم الحصول على مزايا إجازة الوضع والإجازة المرضية مدفوعة الأجر. 

ويوجد في دول أمريكا اللاتينية تقليد قوي بشأن تشكيل النقابات وحركة المجتمع المدني. ففي الأرجنتين على سبيل المثال، تشكلت أول نقابة للعمال المنزليين في العالم في 1901. وخلال القرن العشرين، تأسس في كل دولة من دول المنطقة شكلا من أشكال نقابات عمال المنازل، وفي 1988 تم تأسيس الهيئة الإقليمية Confederación Latinoamericana y del Caribe de Trabajadoras del Hogar. كما أن هناك تقليد راسخ خاص بتشكيل نقابات عمال المنازل في هذه المنطقة من العالم والذي يبدو أنه قد أدى إلى تحسين أوضاع النساء المهاجرات. 

وتعني الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية الحركة أنه يسمح للعمال المهاجرين من الدول المجاورة بالحركة عبر الحدود كما يحلو لهم، والبحث عن عمل بعد الوصول إلى بلد المقصد، بدلاً من الالتزام بعقد يربطهم بصاحب العمل. ويعني ذلك أن لمّ شمل الأسرة أيضاً ممكنا، وأن بإمكان العمال المهاجرين تغيير الوظائف بحرية. 

وعلى سبيل المثال، فإن مواطني ميركوسور (MERCOSUR) أو دول السوق الجنوبية المشتركة (الأرجنتين، البرازيل، باراغواي، الأورجواي) مسموحاً لهم عبور الحدود دون تأشيرة أو حتى جواز السفر- فيكفي أن يكون بجوزتهم بطاقة الهوية الوطنية. وتمتد الحرية نفسها لمواطني خمس دول منتسبة وهي بوليفيا، وتشيلي، وكولومبيا، وإكوادور وبيرو. 

وبحسب خبيرة العمال المنزليين في منظمة العمل الدولية، كلير هوبدن، فإنه على عكس دول الخليج حيث يعتبر وجودهم أساسي، ليس هناك وجود لوكلاء التوظيف في عملية هجرة العمال المنزليين في أمريكا اللاتينية. وكانت هوبدن تتحدث في مقابلة مع رويترز. وبسبب ذلك، فإن عمالة المنازل لا تحتمل عبء الديون في بداية عمليه هجرتها. 

وتضيف هوبدن بأن لكن هناك سبب آخر يجعل الوضع المزري للعمال المهاجرين أفضل في أمريكا اللاتينية عنه في دول الخليج وهو التشابه الثقافي. فالغالبية العظمى من المهاجرين في أمريكا اللاتينية هم من داخل المنطقة ويتحدثون لغة الدولة المضيفة (الإسبانية أو البرتغالية). وهذا ليس متوفراً في دول الخليج، حيث العمال المهاجرين من أفريقيا وآسيا لا يتقنون اللغة العربية عندما يصلون إلى البلد، مما يعني أنهم يجدون أنفسهم معزولين اجتماعيا، وغير واعين لحقوقهم وغير قادرين على المساومة. 

والتأشيرة ليست دائما مربوطة بصاحب العمل، مما يعني أن العمال المهاجرين لا تواجههم مخاطرة الترحيل كما هو الحال في دول الخليج. 

وبحسب دييغو أكوستا من معهد الجامعة الأوروبية، فقد احتلت الهجرة تصنيفاً عالياً نسبياً على أجندة السياسات لدول في أمريكا اللاتينية، ويعود ذلك، جزئياً، لسلسلة الكوارث الاقتصادية في المنطقة (والتي شكّلت عامل دفع للهجرة). وقادت نهايات عدد من الدكتاتوريات العسكرية وعودة الديمقراطية في نهاية القرن العشرين إلى ازدياد التركيز على دور القانون الدولي، الأمر الذي كان له تأثير كبير على سياسة الهجرة. 

وكانت دول مثل تشيلي، والأرجنتين وبيرو وبراغوي قد وقعت على الاتفاقية C 198، وهي اتفاقية العمال المنزليين لعام 2011 – التي فشلت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى دول الخليج، في التوقيع عليها. وبموجب هذه الاتفاقية، يتوجب على الدول الأعضاء، التأكد من أن عمالة المنازل يحصلون على حقوقهم، كإجازة يوم كامل في الأسبوع، والاحتفاظ بالجوازات والوثائق الأخرى بالإضافة إلى الحق للحصول على بيئة عمل صحية وآمنة. 

وهناك دول أخرى تقدمت على مستوي التشريعات على المستوى الوطني. فقد وافقت الأرجنتين على تشريع (القانون 26,844) في 2013 والذي يحدد ساعات العمل بثمانٍ، أي ما يعادل 8 ساعات في اليوم و48 ساعة في الأسبوع ويتطلب من صاحب العمل تقديم إجازة وضع، وإجازات مدفوعة الأجر وتعويض في حالة تسريح العمال. 

وأدخلت تشيلي مجموعة من الإصلاحات 2014 (في وقت متزامن مع توقيع اتفاقية C189) ذات العلاقة بأجور عمالة المنازل وحقهم في الحصول على أيام للراحة. وقد أصبح الأمر، فيما بعد، إجبار العمال المنزليين على لبس الزي الموحد في الأماكن العامة، غير قانوني. 

 وقالت المحاضرة بجامعة اكستر والباحثة في حقوق العمالة وحقوق الإنسان المرتبطة بحقوق العمال المنزليين، ناتالي سيداكا، إن حقيقة السماح للعمال المهاجرين بتسوية أوضاعهم بعد دخول البلد كسواح، اعتبر سمة إيجابية في شأن الهجرة في تشيلي. 

لا وجود للمدينة الفاضلة 

لكن الخطاب المناهض للهجرة أطل من جديد، مهدداً بتقويض مكاسب العمال المهاجرين. 

وفي مطلع ديسمبر 2020، وافق المشرعين التشيليين على مشروع قانون يفرض قيودا على كيفية دخول المهاجرين للبلاد، فيما يبدو أنه جزءاً من دفع حكومة يمين الوسط لخفض مهجرة. 

وعبرت سيداكا في مقابلة لها أنه " لم يعد بإمكانك تغيير وضع تأشيرة السائح إلى تأشيرة عمل، مما ولّد قلقاً من أن يقود ذلك إلى مزيد من المهاجرين الذين يعملون بشكل غير نظامي." وأضافت " لقد اقترح البعض تأشيرة باحث عن عمل ومدتها ثلاثة شهور كبديل للنظام الجديد."

وتعرض مشروع القانون لانتقادات كبيرة من قبل المدافعين عن حقوق الانسان في المنطقة، الذين قالوا إن ذلك أقل من المأمول في شأن انشاء آليات دائمة لتعديل أوضاع العمال المهاجرين، وتمكينهم من الوصول إلى المزايا الاجتماعية ومنع التمييز. 

أما البلدان الأخرى في المنطقة فهي ليست مثالية بأي شكل من الأشكال. ففي الارجنتين على سبيل المثال، تمنح المزايا الاجتماعية لعمال المنازل المهاجرين المسجلين (أي أولئك الذين يعترف بهم صاحب العمل كعمال مدفوعي الأجر، ويدفعون مساهمتهم في نظام الضمان الاجتماعي)، لكن الأستاذ المشارك لعلم الاجتماع بجامعة كوبنهاجن، بيتر أبرا هامسون، يرى في ورقة بحثية أعدها، أن ذلك لا يشكل سوى 25% من الإجمالي، لأن الغالبية العظمى ليست رسمية. 

وكتب أيضا: "أن الحقوق تنطبق فقط على العمال الذين لديهم اتفاقات رسمية، إلى أنها ليست مضمونة للعاملين بشكل غير نظامي".

في الآونة الأخيرة، وردت تقارير عن طرد أو توقيف عمال منزليين مهاجرين عن أعمالهم بدون تعويض خلال أزمة كوفيد 19. وفي حين أن وجود لغة مشتركة يضع العامل في المنطقة في وضع أقوى بالنسبة لنظرائهم في دول الخليج، إلا أنه العنصرية ضد النساء من السكان الأصليين ومن أصول أفريقية (وهم يشكلون، بحسب منظمة العمل الدولية، النسبة الأكبر من العاملات في العمل المنزلي) أصبحت مشكلة منشرة.

أمثلة للخليج؟ 

وفي حين أن معاملة أمريكا اللاتينية للعمال ا لمهاجرين من فئة منخفضي المهارة/الدخل، معيبة بلا شك، فإن الهجرة في المنطقة تعرّف على أنها حرية الحركة وحرية التنظيم المدعومين بتشريعات وطنية وإقليمية وإن كانت مؤيدة للمهاجرين على الورق على الأقل. وفي هذا الشأن تعتبر معاملتها للعمال المهاجرين أكثر تقدماً من أماكن أخرى في العالم – بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة مثل نيوزيلانده واليابان. أما عملية الهجرة في أمريكا اللاتينية فهي أقل ارهقاً للعمال المهاجرين، كما يبدو أن التاريخ الطويل لتشكيل النقابات حسّن أوضاع الكثيرين من العمال المهاجرين. وفي حين أنه من المستحيل عمل مقارنة مباشرة بين الخليج وأمريكا اللاتينية، إلا أن الأخيرة تقدم بعضا من الدروس الإيجابية. 

ومع ذلك، فإن ضمان الحصول على الجنسية، والوصول للمزايا المتعلقة بالإقامة مثل التعليم والخدمات الاجتماعية تبدو صعبة للكثير من العمال المهاجرين في المنطقة. وهذا يوضح أن الحصول على إمكانية الدخول السهل نسبيا إلى البلاد ليس سوى نصف المعركة. ويعتبر مثال أمريكا اللاتينية بمثابة منبه مفيد للمدافعين عن العمال في منطقة الخليج لمواصلة الكفاح من أجل نظام الهجرة الذي يمكّن العمال المهاجرين ليس فقط للدخول إلى البلد المضيف فحسب، وإنما لتزدهر معيشتهم ويحصلوا على المزايا المرتبطة حالما يصلون اليها. 

وإذا ما قررت دول الخليج اتباع نموذج أمريكا اللاتينية في تبني سياسة أكثر مرونة للهجرة، تفك الربط بين صاحب العمل/الكفيل والعامل، فسيؤدي ذلك إلى تحسين الوضع الحالي، إلا أنه ليس حلاً سحرياً. فعلى دول الخليج معالجة الانفصال الأساسي في نهجها تجاه الهجرة، حيث يتم النظر لاعتمادها طويل الأمد على العمالة الأجنبية على أنه ظاهرة مؤقتة. وتستخدم دول الخليج أشكالاً مختلفة للهجرة العمالية منذ القرن التاسع عشر، ولا توجد أية مؤشرات على أن الاعتماد على العمال الأجنبية سيقل بدرجة كبيرة في وقت قريب. ومادامت هذه الفكرة المغلوطة سائدة، فستظل نظرة الحكومة والشركات والأفراد للعمال المهاجرين في الخليج على أنهم مورد بشرى قابل للاستغناء عنه واستبداله. وفي حين أن تجارب الدول الأخرى المستقبلة للعمالة المهاجرة حول العالم، تقدم نماذجاً مفيدة (وحكايات تحذيرية) حول كيفية توفير أوضاعاً أكثر عدلاَ وكرامة للعمال، فإن دول الخليج تبقى نفسها في فئة خاصة بها عندما يتعلق الأمر بدرجة اعتمادها على العمال المهاجرة على المدى الطويل – وأيضا في احجامها عن الاعتراف بذلك.