لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عمال النقل في الكويت: خلف المقود، تحت العجلات

في 16 سبتمبر 2021

في الوقت الذي سلطت الأزمة الصحية العالمية الضوء على القضايا المؤسسية والمنهجية التي ابتليت بها الصناعات المختلفة، تتواصل معاناة عمال قطاع النقل والمواصلات في الكويت.

تعتبر الكويت التي تبلغ مساحتها 17,800 كيلومتر مربع صغيرة نسبياً، وهذا يعني أن التنقل فيها يفترض أن يكون سهلاً. إلا أنه مع عدم وجود البنية التحتية لنظام المواصلات العامة، فإن معظم الناس يعتمدون على المركبات الخاصة. الأمر الذي يجلب هذا معه عدداً من المشاكل بدءً من الازدحام المروري وحتى انبعاثات العادم من ثاني أكسيد الكربون والمشاكل البيئية المرتبطة به. 

ومع سوء الإدارة والفساد الذي أصاب قطاع النقل، فإن العمال المهاجرون في هذا القطاع هم الأكثر تضرراً. 

التوقعات في مقابل الواقع

في قطاع النقل، هناك عدد من فئات العمال المختلفة والفئات المتفرعة عنها: فسائقي الحافلات يختلفون عن سائقي سيارات الأجرة، كما يختلف سائقو سيارات الأجرة المصرح لهم للنقل من وإلى المطار، عن أولئك المرخص لهم للتجول في الشوارع، وعن سائقي سيارات الأجرة تحت الطلب. 

ويُنظر لسائقي الحافلات الكبيرة على أنهم ملوك في أعين عمال النقل، ذلك لأنهم الوحيدون الذين يتمتعون برواتب ثابتة وأماكن إقامة توفّرها لهم الشركة – ولكنهم مازالوا يعملون لساعات طويلة، حوالي 12 ساعة في اليوم، فيما يحصلون على أجور منخفضة. ويصل أجر العاملين في شركات الحافلات العامة إلى 150 دينار كويتي (500 دولار أمريكي) شهرياً، فيما يحصل العاملين في شركات الحافلات الخاصة على أجور تتراوح ما بين 350 إلى 450 دينار كويتي (1160 إلى 1500 دولار أمريكي) شهريا. ولتعويض هذه الأجور المتدنية يعمل سائقو الحافلات عملا إضافيا كسواق لسيارات الأجرة، إذ يمكن أن تؤهلهم رخصتهم للسياقة لذلك. 

وفي الوقت نفسه، فإن سائقي سيارات الأجرة لا يحظون براتب ثابت. فهم يكسبون أجورهم بشكل يومي بناء على عدد مرات خدمة التوصيل التي يقومون بها. ويبلغ معدل كسب سائق سيارة الأجرة 15 دينار كويتي (50 دولار أمريكي) يومياً بعد ساعات عمل تمتد إلى ما بين 12 و16 ساعة يومياً، أقل من نصفها هو دخلهم. فالسائق يدفع لشركة سيارات الأجرة ما بين 7,5 و8 دينار كويتي كرسوم يومية. بالإضافة إلى ذلك، يتحمل السائق كلفة البنزين وتبلغ نحو 3 دينار كويتي. وفي نهاية اليوم، يبلغ دخل سائق التاكسي حوالي 3 دينار كويتي (7-10 دولار أمريكي). 

ويوضح علي، وهو سائق سيارة أجرة من كيرلا ويبلغ من العمر 34 عاماً: "الرسوم عالية جداً، وينتهي بنا الأمر بكسب قليل، لا يكفي حتى لدفع الإيجار أو لشراء الطعام. وفي معظم الحالات، يعيش 5 من سائقي التاكسي في غرفة واحدة، ما يكلف الشخص الواحد 50 دينار كويتي، كما نحتاج على الأقل 20 دينار للطعام شهرياً. بالكاد يكون لدينا ما يكفينا من المال مع حلول نهاية الشهر."

في بعض الأيام، لا يكسبون شيئاً بعد دفع الرسوم لصاحب العمل. فالشركة تملك السيارة، وتتحمل تكاليف التأمين والتسجيل، وتوفر التأشيرة للسائقين. 

الوضع يسوء مع الجائحة

فاقمت الجائحة الوضع البائس الذي يعيشه عمال النقل اضعافاً، إذ تم إيقاف خدمات سيارات الأجرة والحافلات لمدة ستة أشهر. 

ويقول ألوين جوزيه، عضو الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، "إن أصحاب العمل (شركات سيارات الأجرة) كانوا يجبرون العمال على دفع الرسوم اليومية في خلال فترة الاغلاق" وتنازل بعض أصحاب ا لعمل عن الرسوم بشكل مؤقت، ولكنهم اعتبروها ديناً وطالبوا العمال بتسديده بعد عام. يقول علي: "صاحب عملنا لم يطلب منا أن ندفع خلال فترة الإغلاق، لكنهم الآن يجبروننا على تسديد المبالغ التي ندين بها لهم من أبريل إلى مايو 2020 برغم أنهم على علم بأنه لم يكن لدينا عمل في ذلك الوقت."

ومن جهة أخرى، فإن الآلاف من العمال المهاجرين غادروا الكويت، وبسبب عدم وجود عدد كاف من الركاب، فقد اضطرت شركات الحافلات على تقليص عملها. كما تم تسريح كثيرين من سائقي الحافلات. وفي العادة، فإن 60% من الركاب هم من المتنقلون من وإلى جليب شيوخ، وهي منطقة أغلب من يقطنون فيها هم من العمال متدنيي الدخل، وذلك بحسب احصائيات مسئولي شركة النقل العام الكويتية. 

نقابات غير رسمية

وقد تضرر عدد كبير من عمال النقل بسبب كثير من المشاكل مثل حجب الراتب، وإجبار سائقي سيارات الأجرة على دفع الرسوم اليومية المرتفعة. وبرغم حقيقة عدم وجود نقابة مرخصة أو مسجلة لسائقي سيارات الأجرة، إلا أن عدة مجتمعات عمالية أقامت جمعياتها الخاصة ليتساعد أفرادها فيما بينهم خلال فترة الحاجة. 

يقول علي:" لدينا أعضاء كثيرين من نحو 100 شركة سيارات الأجرة، ممن نقوم بمساعدتهم. فعلى سبيل المثال، لو تورط شخص في حادث سيارة ولا يتحدث العربية، يقوم بالاتصال بشخص من الجمعية. أو إذا تعرض شخص لمشكلة خاصة بسيارته فهو يبعث برسالة في مجموعة واتس أب". 

وبرغم إنشاء هذه الجمعيات، إلا أن عدم قدرتها على التسجيل قانونيا كاتحاد، يعني أن هؤلاء العمال لا يمكنهم الضغط للمطالبة بحقوقهم أو للمطالبة بتحسين معيشتهم. 

من جانبه قال أنس شاكر، المسئول الفني بمنظمة العمل الدولية :"إن وجود اتحادات وجمعيات حرة وديمقراطية وشاملة، عامل مهم لأي اقتصاد مزدهر. ولضمان سوق عمل محورها الإنسان أو سوق عمل تضع في أوليتها التنمية الإنسانية المستدامة، لا بد من أن يكون العمال قادرين على الانضمام إلى الاتحادات والجمعيات بدون أي خوف أو انتقام، وذلك من أجل التعبير عما يقلقهم بشأن أوضاع العمل، وكذلك للدخول في مفاوضات جماعية مع أصحاب العمل، والمطالبة بسياسات أفضل لحماية حقوقهم وتعزيزها."

"صاحب عملنا لم يطلب منا أن ندفع خلال فترة الإغلاق، لكنهم الآن يجبروننا على تسديد المبالغ التي ندين بها لهم من أبريل إلى مايو 2020 برغم أنهم على علم بأنه لم يكن لدينا عمل في ذلك الوقت."

تقسيمات سائقي سيارات الأجرة

وبحسب وزارة الداخلية الكويتية، فإنه يوجد 18,000 سائق سيارة أجرة منضوين تحت ثلاث فئات مختلفة – سيارات أجرة المطار، وسيارات الأجرة المتجولة وسيارات الأجرة تحت الطلب – و جميعهم مشمولون تحت تأشيرة رقم 18، ماعدا سيارات أجرة المطار المخصصة للكويتيين فقط، الذين لا يحتاجون أصلا تأشيرة للعمل. 

والاختلاف بين سيارات الأجرة المتجولة وسيارات الأجرة تحت الطلب هو أن الأولى تستطيع نقل الأشخاص من أي مكان ومن الممكن طلبها أيضا من على جانب الطريق، وفي مواقف سيارات الأجرة أو عند المجمعات التجارية. أما سيارات الأجرة تحت الطلب فهي تنقل الركاب فقط بناء على طلب وحجز مسبق. 

وبرغم أن الاثنين يقومان بنفس العمل تقريبا، إلا أن المخاطرة بالنسبة للسائقين المتجولين في الشوارع، أكبر. وبحسب علي، فإنهم أكثر عرضة للمشاكل مع الشرطة، لأنه عملهم يتطلب منهم التجول في الشوارع. وأشار إلى أن الكثير من سائقي سيارات الأجرة يتعرضون للتوقيف بشكل متكرر ويتم مسائلتهم من قبل الشرطة مما يعطلهم لساعات وأيضا يقلل عدد الركاب الذين بإمكانهم تقديم خدمة التوصيل هم خلال اليوم، وبالتالي يعني ذلك إيراد أقل. كذلك، فإن سيارات الأجرة المتجولة أكثر وضوحاً بوجود ضوء أعلى السيارة، فيما سيارات الأجرة تحت الطلب أكثر تحفظاً بوجود إشارات إعلانها على الأبواب الجانبية للسيارة. 

وما خلق فجوة أكبر بين سائقي سيارات الأجرة، أن سيارة أجرة المطار من الممكن تشغيلها فقط من قبل الكويتيين، كما أن نقل الركاب من المطار إلى المدينة مقصور فقط على الذين لديهم سيارات أجرة المطار. وقد خلق ذلك عقبات أمام سائقي سيارات الأجرة الآخرين إذ أن طريق المطار يعتبر جزءا حيويا من العمل الذي يتم استبعادهم منه. 

ومن أجل كسب عدد أكبر من الركاب، يتواجد كثيرون من سائقي سيارات الأجرة المتجولين وتحت الطلب على "منصة كريم". وبحسب البيانات التي تم الحصول عليها من قبل "كريم"، فإن لديهم نوعين من السيارات، المريحة وهي عبارة عن (سيارات خاصة وليموزين يتم تأجيرها من قبل شركات السيارات) وسيارات الأجرة التي تشكل غالبية أسطولها من ا لسيارات. 

ولا تملك "كريم" أي سيارات أجرة، كما لا يتم توظيف سائقي سيارات الأجرة بشكل مباشر. فالتطبيق يعتبر جزءا مما هو متعارف عليا عالميا "اقتصاد العمل الحر" حيث يقوم الناس بالعمل من خلال منصات مختلفة لعقود بمدد قصيرة أو كمستقلين. ومع ذلك، ففي الكويت، يتم التعاقد مع السائقين لكفيل واحد. وبذلك تصبح وظائف العمل الحر ضمن نموذج للعمل غير المعرف في المنطقة. 

إنهم ما يكسبونه

وبرغم من أن جميع سيارات الأجرة بها أنظمة العداد، ويُحدد السعر بحسب المسافة والوقت، إلا أن أغلب السائقين لا يستخدمون هذه العدادات ويتم الاتفاق على السعر مع الراكب قبل بدء خدمة النقل. 

ويعتبر غموض السعر، والافتقار لنظام العدادات الواضح تحدياً آخر لسائقي سيارات الأجرة. ويوضح علي أن النقل من مدينة الكويت إلى جليب شيوخ (مسافة الرحلة 15 كيلومتر) عادة ما يكلف ما بين 2 و2,5 دينار كويتي.  

وفي الوقت الذي يعرّض هذا النظام عمال النقل لمخاطر مختلفة، فإن خلفيتهم أيضا ساعدت على تعرضهم لأشكال من التمييز وسوء المعاملة. 

يصرح جو أن غالبية عمال النقل يأتون من دول جنوب شرق آسيا مثل الهند، وبنغلاديش والنيبال. ومثل الكثيرين من العمال المهاجرين في الكويت، فإنهم يأتون إلى دول الخليج لكسب معيشتهم والانفاق على أسرهم في بلدانهم. 

حاجر اللغة يعتبر أحد الصعوبات التي يواجها سائقو النقل لأن كثيرين منهم لا يتحدثون الإنجليزية أو العربية، مما يشكل تحديا عندما يتعاملون مع الركاب، أو الدوائر الرسمية أو أصحاب العمل. وبحسب علي، فإن هذا يعتبر أحد الأسباب التي تجعل سائقي التاكسي ينشئون الجمعيات المؤقتة. 

كما أن كراهية الأجانب، والخطاب المعادي للمقيمين آخذان في الارتفاع، الأمر الذي يؤثر على عمال النقل بأكثر من شكل. ويتشارك في هذه المعاناة العديد من العمال المهاجرين، فيما يقع سائقي الحافلات وسيارات الأجرة في فخ الحصول على مبالغ أقل من المحددة من قبل الزبائن، أو يتعرضون لمشاكل التأشيرة مع كفلائهم. كما أنهم تأثروا بشكل مباشر بالمغادرة الجماعية للمقيمين خلال العام الماضي، حيث أن النقل العام يستخدم بشكل أساسي للمقيمين الذين لا يمكنهم امتلاك سياراتهم الخاصة، أو أولئك غير القادرين على استصدار رخصة سياقة. ففي الكويت لا بد من أن يكون راتب المهاجر 600 دينار كويتي (2000 دولار أمريكي)، وأن يقيم في الكويت أكثر من عامين وأن يحمل شهادة جامعية حتى يمكنه الحصول على رخصة سياقة. 

الحاجة إلى حماية أفضل

يترك عمال النقل عرضة لسوء المعاملة بسبب أن النظام الذي ينضوون تحته لا يقدم لهم الحماية.

وبرغم توقيع الكويت على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (1) لعام 1919، التي تنص على أن الموظف يجب ألا يعمل أكثر من 8 ساعات في اليوم، إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للعمال في قطاعات عديدة من بينهم قطاع النقل والمواصلات.

ويقول شاكر: "هناك شي واحد بإمكان الكويت عمله من أجل جميع العمال في البلاد، وهو تعزيز التفتيش العمالي. فعلى المفتشين العماليين التأكد من تطبيق القانون، ومن حصول العمال على الحماية وأن العقود يتم تطبيقها، وكذلك التأكد من احترام إجراءات الصحة والسلامة المهنية."