لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

ما الذي يحدث في غفلة من الجميع؟

مالكوم بيدالي يتحدث عن آخر 12 أسبوع من الاعتقال والترهيب والاتهام بـ"جريمة" تسليط الضوء على مآسي العمال المهاجرين منخفضي الدخل من أمثاله

في 5 سبتمبر 2021

أحداث كثيرة مرة خلال الشهور الثلاثة الماضية، أشعلتها شهور من الاحداث السابقة. سـ(أحاول) أن أسرد لكم ما حدث.

في 4 مايو 2021، تم تسليمي جهاز الأمن القطري لاستجوابي بشأن نشاطي في مجال حقوق العمال المهاجرين. وإليكم ما حدث: 

في حوالي الساعة السابعة أو الثامنة مساءً، بعث "رئيس السكن العمالي" الذي أقيم فيه، في طلبي. وعندما حاولت أن أستفسر من حارس الأمن الذي كان يطل برأسه في غرفتي عما كان يدور، أخبرني أن لا علم له بأي شي. حاولت التخمين، هل هو التطعيم؟ فقد كنت من بين القلة الذين لم يحصلوا عليه بعد. لكن لو كان الأمر يتعلق بالتطعيم، لكانوا قد اتصلوا بي أو بعثوا أحد القائمين على السكن بوثائق لأقوم بتوقيعها. كان الأمر غريباً. ربما أرادوا أن أقوم بتوقيعها في المكتب. أو ربما تمكنت الشركة، بطريقة ما، من كشف سرّي. ولكن، حتى مع ذلك كان بإمكانهم الاتصال بي وطلب حضوري إلى المقر الرئيسي للشركة في اليوم التالي. أو حتى القيام بإرسال أحد مسئولي السكن لنقل كل ذلك لي. 

أمسك بهاتفي النقال وجهاز واي فاي المحمول الخاص بي وأنا أفكر في هذه السيناريوهات، بينما أنزل على السلالم متوجهاً إلى مكتب السكن. وكان حارس الأمني يتبعني عن كثب. وصلت إلى مكتب الإدارة، وطُلب مني الجلوس. كانت دقات قلبي تتسارع وتتزاحم الأشياء في رأسي. 

كان رئيس السكن يتحدث في الهاتف ويتحرك ذهاباً وإياباً. كان البعض يقومون بغسيل الملابس، فيما مجموعة أخرى تتفحص لوحة الإعلانات وحولهم يتحّلق آخرون.

"بعد انتهائه من المكالمة، حوّل رئيس السكن العمالي انتباهه لي مبتسماً: "مالكوم، كيف حالك؟ كيف هو حال العمل؟ 

كان إنذاراً واضحاً. فهو لم يعاملني قط بهذا التحضر. قلت، أنا بخير والعمل أيضا جيد. قمت بفتح قفل هاتفي وسألت عن سبب استدعائي. فقال: "PRO في شركتنا يود الحديث معك". هاه، من؟! فواصل:" PROيود أن يراك في مكتبه الرئيسي، وأنا أحاول فقط أن أرتب لسيارة لتنقلك إلى هناك" (بعد ذلك بفترة طويلة من تلك اللحظة، تأكدت أنه كان يقصد بـ PRO مسئول العلاقات العامة، والمعروف بالمندوب).

الإنذار الثاني هو أنني أعلم جيداً أنه لا يوجد أحد في المكتب في هذا الوقت. خصوصاً أننا كنا في شهر رمضان. أحاول أن استفسر عن سبب هذا الاجتماع المرتجل. لماذا يطلب هذا الشخص حضوري؟ لكنه نفى علمه قائلا:" لا أعلم، لكنك ستناقش ذلك عندما نصل إلى هناك. الآن عليك انتظار وصول من سينقلك إلى هناك. قالها وهو ينظر في هاتفه مرة أخرى.  ... كان يتناهى إلى سمعي اسم "وزارة الداخلية" ضمن الحديث. عاودت فتح قفل هاتفي. إنها وزارة الداخلية، نعم، أنا في ورطة. 

فتحت تطبيق الواتس أب وبدأت إرسال الرسائل. كتبت رسالة لشخص يعلم بالعمل الذي أقوم به. "ربما SOS"وبعثتها. ربما لا يرونها في الوقت اللازم. حسنا، ماذا بعد. قمت بإرسال رسالة مختصرة أخرى بها التفاصيل الرئيسية عن استجوابي وكنت على وشك ركوب السيارة التي ستنقلني. كان السائق ينتظرني خارج المكتب. أدركت حينئذ أن مهما كان ما يحدث، فإن الوضع حقيقي، وكل ما لدي هو قميصا قطنيا أرتديه للنوم. وسترة خفيفة أرتديها فوقه، وكذلك بنطلون العمل الذي لبسته على عجل وأنا أغادر غرفتي. وصندل. أخبر رئيس المكتب أنني أود تغيير ملابسي. فكر قليلاً، ثم وافق. سعدت بذلك، على الأقل يتم ترحيلي وأنا ارتدي ملابس دافئة، وحذاء حقيقي. كان حارس الأمن يتبعني من مسافة قريبة. تبادلينا الحديث ببضع كلمات في الطريق. وعندما وصلت إلى غرفتي، لبست قميصاً قطنياً أسود، وسترة جينز سوداء وقبعة سوداء أيضا، بالإضافة إلى حذا اسود نعله أبيض، وأبقيت على بنطلون العمل الأسود. أخذت بطاقة هويتي القطرية، وبعض المال وبطاقة مترو الدوحة، فقد أحتاجها. 

تم اقتيادي للبوابة الرئيسية، وحينها بدأت أمحى بيانات هاتفي، الأسماء، الرسائل ورسائل البريد الالكتروني. جلب السائق سيارة "باص صغير" ركبت وجلست في المقعد الخلفي. رافقني حارس الامن أيضا في السيارة، وانطلقنا. في ذلك الوقت تم استلام رسالتي التي بعثتها وقام المستقبل بالرد عليها. حسناً، مبدئيا شعرت أنه سيتم أخذي إلى المطار، لكن السائق سلك طريقاً آخر في اتجاه المدينة. بدأت الاثارة تتصاعد. أخبرت من كنت أتواصل معه بالتطورات الحاصلة. سألوني عن شعوري فأخبرتهم أنني متوترـ ولكنني سأتظاهر بالشجاعة عندما نصل إلى وجهتنا. وعندما اقتربنا، تمكنت من معرفة شكل المبنى من تقاطع بعيد أمامنا. فقد كان لوزارة الداخلية واجهة بسيطة ولكنها مميزة بشكل العمارة التقليدية القطرية. وهي مضيئة بشكل ملحوظ ليلاً.  اعتبرها أحد المباني المفضلة لدي في قطر التي أحببتها منذ 2016 عندما كنت أنظر بعين واسعة من خلال نافذة حافلة كروة.  

وبذلك، كنا قد وصلنا إلى التقاطع، ومضينا من خلال مدخل خاص وأوقف السائق السيارة على بعد خطوات من البوابة. كان هناك أشخاص من الجيش. طُلب من السائق الذي كان يتحدث في الهاتف مع شخص من الشركة، أن يخبرهم بما يريد. ولا أتذكر أن كان قد سلّم رجل الجيش هاتفه أو أنه قام بإرسال رسالة. خلال ذلك، كنا أيضا أقوم بإرسال الموقع الذي كنت فيه وأصف الأوضاع من حولي. تمكنت من إرسال الموقع ورسالة لجهة أخرى. عندما رفعت رأسي وجدت شخصاً يتقدم باتجاهنا. فٌتح باب الحافلة الصغيرة ورأيت شخصين يلبسان الملابس المحلية. أمرني أحدهم، الأقصر قامة، بالخروج. لم تكن صيغة أمر عادية ، فقد كانت مليئة بالاحتقار، والاشمئزاز كمن يحمل ضغينة. علمت أنني واقع في ورطة. قمت من مقعدي وانحنيت للخروج. صرخ قائلا "الهاتف!" لا وقت لديك لتوديع أي أحد.  

سلّمته هاتفيّ (سأفتقد هاتف نوكيا E7 الذي كان معي منذ 2016). قام مسئول يرتدي الزي العسكري بالتربيت علي لأنحني وقيد يدي، وقادني إلى سيارة لاند كروزر كانت متوقفة على بعد خطوات. ركب شخصين من جهاز الأمن القطري في المقعد الأمامي، بينما جلست أنا في المقعد الخلفي إلى اليسار، وإلى جانبي على اليمين جلس ذو الزي العسكري. كانت هناك رائحة تبع وعود في السيارة من الداخل. بدأت السيارة تتحرك، وفيما كنا نبتعد للاستجواب، لم أتوقف عن التفكير:"كيف وصلت إلى هنا؟"

بمجرد أن انتبهت لقوة الكلمات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وجمعيات المجتمع المدني تعلقت بكل ذلك، ووجدت أن ذلك حقا يصنع الفرق في حياة العمال المهاجرين، لقد شغفت بالأمر وغرقت فيه حتى عندما كان الأمر محفوفاً بالمخاطرة الشديدة.

حسنا، هذه قصة أطول، لكنني سأختصرها.

عندما دخلت مجال المناصرة، لم أكن أنوي أن أستغرق فيه كما أنا الآن. بالتأكيد ليس للدرجة التي توصلني للاستجواب والاختفاء القسري من قبل السلطات. إذن كيف وصلت إلى ما أنا عليه؟ حسناً، بإمكاني أن أتتبع الأصول حتى هيكل مساكن معين في منطقة قطر الصناعية، حيث يتم تسكين العمال منخفضي في أوضاع تشبه الأحياء الفقيرة بعيدين عن عامة السكان. كانت شركتنا GSS Certis تُسكننا هناك. وفي ذلك الوقت (أواخر 2019) كنا نعمل في مشروع مشيرب في قلب الدوحة، وهو المشروع الذي يعتبر رائداً بين مشاريع مشيرب العقارية، الشركة التابعة لمؤسسة قطر المعروفة دولية بأنها منارة التغيير.  

ولذلك، قبل البدء في العمل هناك مباشرة، تناقل الناس خبر أن هذا المشروع مرتبط بشكل مباشر بالعائلة الحاكمة، وأننا كحراس أمن ستكون الحياة أفضل بالنسبة لنا. كما كان هناك تكهنات تشير إلى أنه سيتم نقلنا إلى سكن أفضل، إذا لا يمكن أن نعمل في مثل هذا المشروع المرموق وفي الوقت نفسه نعيش في المنطقة الصناعية. ليس من الممكن، ولكننا كنا هناك. 

بعد أسبوعين من بدء العمل، جاءت ممثلون عن مشيرب العقارية للتفتيش على السكن، ويبدوا أنهم لم يرو خطأً في أي شيء. ولزيادة الطين بله، جاء مسئولو السكن وأعادوا ترتيب متعلقاتنا بحشرها في أي مساحة متاحة. وكل ذلك لكي تبدوا الغرف واسعة وفي مظهر حسن أمام موظفي مشيرب العقارية. وفي خلال هذه العملية تضررت بعض متعلقاتي وهو الشيء الذي أشعل شرارة شيء في نفسي.  

وفي ذلك المساء، بعد إطلالة على الموقع الالكتروني لمشيرب العقارية، وجدت قسماً للإبلاغ عن المشاكل. وبعد الكثير من التفكير، والغضب أيضا أنشأت عنواناً غير معروف لبريد الكتروني وكتبت لهم. بعثوا الرد الذي جاء فيه أنهم سيرفعون الأمر إلى الجهات المعنية ولكن لم ينتج عن ذلك أي شي. وإذا ما تقدمنا سريعاً حتى حلول الجائحة سيتم نقلنا إلى سكن آخر. وتم وضع عدد أكبر من الأشخاص في الغرفة الواحدة. قمت بالإبلاغ عن ذلك لشركة مشيرب، وأيضا لمؤسسة قطر ولوزارتي العمل والداخلية ولكن لم يتخذ أي إجراء حيال ذلك. 

وخلال هذا الوقت، تعرفت على مدافعين عن حق الإنسان حيث قمت بكتابة مقال عن تدويناتي اليومية التي أشرح فيها وضعي. وكان ذلك المقال هو الأول في Migrant-Rights.org.. وبمساعدة طبيعة تويتر حصلت القصة على الكثير من التفاعل، وعندما تم نقلنا إلى مكان إقامتنا الأصلي. وتغيرت أوضاعنا المعيشية بشكل فوري تقريباً، هنا فهمت أن رفع الصوت بالشكوى يؤدي إلى التغيير. 

" بمجرد أن انتبهت لقوة الكلمات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وجمعيات المجتمع المدني تعلقت بكل ذلك، ووجدت أن ذلك حقا يصنع الفرق في حياة العمال المهاجرين، لقد شغفت بالأمر وغرقت فيه حتى عندما كان الأمر محفوفاً بالمخاطرة الشديدة." 

وهكذا وجدت نفسي ضيفاً على جهاز أمن الدولة. خلال الاستجواب، ظلوا يسألوني لماذا "أنا ضد قطر"؟ كانوا يريدون معرفة جميع المنظمات التي عملت معها. وجميع الأشخاص في هذه المنظمات التي شاركت فيها. كانوا يريدون معرفة كم كنت أستلم من المال من أجل نشر "أشياء غير صحيحة". كذلك، كانوا يريدون معرفة سبب دعمي لحقوق المرأة خلال تلك الحادثة المخزية والمقلقة التي حدثت في مطار حمد الدولي. (إلى حد كبير، سالوا عن كل شيء، ماعدا موضوع واحد أثار استغرابي تحاشيهم له.) 

وبعد مقاومة غير مجدية من جانبي، حصلوا مني عن أرقام التعريق الشخصي، وكلمات المرور وبياناتي الشخصية لهاتفي وحساباتي على الانستاجرام وتويتر وحساب البريد الاليكتروني (جيميل) والمحادثات التي لم أحذفها حتى ذلك الوقت، وكذلك صوري وتدويناتي وأرقام التواصل الخاصة بي. لم يكن في أي من ذلك أدلة تدينني ولكنني لم أشأ أن يحصلوا عليها. ولم يكن ذلك اسوأ ما مررت به، فما أزعجني هو حقيقة إعطائهم القدرة على الوصول لمعلوماتي. ربما كان على أن أقاوم أكثر. ولكن، وكما قال المسئول: "هل تعتقد أنه ليس لدينا هذه المعلومات؟" وبحسب هذا المسئول، كانوا فقد يودون معرفة إن كنت متعاوناً معهم أن لا، الأمر الذي سيحدد مدى تساهلهم معي، وكذلك المحكمة في نهاية الأمر. عرفت أنه حتى لو عذبوني وقتلوني لسبب عدم إدلائي بأي معلومات، فهم بالتأكيد قادرون على الدخول على هاتفي في نهاية الأمر، مما يجعل صمتي بلا معنى. هذا، على الأقل ما قلته لنفسي. 

لم يكن أي من جهات الاتصال في هاتفي، ممكن وصفة بأنه "ضد قطر". وهذا يشمل أفراداً من منظمة العمل الدولية التي تعمل بشكل وثيق مع الحكومة. ستظهر المراسلات أنني حقاً أو أن أشارك في الإصلاحات العمالية. وكان بعض جهات الاتصال، والتي وصفتها السلطات بأنهم "أعداء" كان لديهم تعاون مع وزارة العمل ولجنة حقوق الإنسان. هل هؤلاء أعداء حقاً؟ 

"ماذا لو قرر شخصاً آخر، ليس محظوظاً بوجوده ضمن شبكة تواصل أن يكون له نشاط وصوت؟ ما الذي سيحدث حينها؟ ماهي حجم المعاناة الإضافية التي سيلقونها على يد الدولة؟"

ومع ذلك، عندما أعود إلى تلك الحادثة تحديدا، ربما كان بإمكاني التعامل معها بشكل مختلف – بأن لا يكون على هاتفي أي شي ذو علاقة بالأمر. لكن تلك ستكون قصة أخرى لوقت آخر. 

منذ البداية، حُرمت من وجود محامي إلى جانبي. لقد شاهدت ما يكفي من الأفلام لأعرف أن لدي الحق، على الأقل ليكون لدي محامي/أو أن أقوم باتصال واحد. كنت واضحاً معهم بأنني أحتاج لوجود وأن أتحدث لمحامي. فأخبروني أنني ما دمت تحت حراستهم فليس لدي أي حقوق. تم إلغاء طلب المحامي. وقالوا لي أنني هناك للإجابة على الأسئلة فقط. وأن الوصول إلى المحامي سيتأخر حتى يتم أخذي للمحاكمة. وسألت عن توقيت ذلك، فأخبروني أن لا علم لهم بذلك. وعندما سألت عن التهمة الموجهة لي، أخبروني أنهم، أيضا، لا علم لهم بذلك. 

وعندما تم أخذي، في نهاية الأمر، إلى النائب العام، بعد أسبوعين، بدأ في استجوابي، مرة أخرى بدون وجود محامي. اعترضت على ذلك وطلبت أن يتواجد محامي معي. سُئلت: "هل جئت مع محامي؟" وكان واضحاً أنني لم آتِ مع محامي. وهكذا تم الاستجواب. 

بعد أن قضيت ثلاثة أيام مع النيابة، أجبرت على التوقيع على وثيقة أخرى، جميعها باللغة العربية. كانت التهمتان اللتان وجهتا لي هما، 1) إنشاء حسابات التواصل الاجتماعي بغرض نشر معلومات مضللة. 2) نشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. من الواضح أنني أنكرت هذه التهم لأنه لم يكن في أي مما نشرته معلومات مضللة. هل لكم أن تتخيلوا دهشتي عندما تم الافراج عني وقرأت في الإعلام أنني متهم بـ "ارتكاب جرائم ذات علاقة باستلام مدفوعات من أطراف أجنبية لتلفيق ونشر معلومات مضللة في دولة قطر." وقد تم اسقاط ذلك فيما بعد، وتم إعلامي أنهم يفكرون في توجيه اتهام بإفشاء معلومات سرية عن الشركة." وتم إسقاط ذلك أيضاً وأبقيت تهمة "تلفيق وتشر أخبار كاذبة بنية تعريض النظام العام في قطر للخطر،" وغرامة مقدارها 25,000 ريال قطري (6900 دولار أمريكي). ما يمثل رادع كاف لأي إنسان يقوم بممارسة حرية التعبير.  

لم تكن الامور في صالحي منذ البداية. لم يكن بوسعي أن أتحمل تكلفة تعيين المحامي، كما لم يكن بوسعي دفعي أي غرامة يحددونها. إنها معجزة أنني أعرف بعض الأشخاص من جماعات المجتمع المدني وفعلوا المستحيل لضمان الافراج عني، ودفع كافة فواتيري. لا أظن أن السلطات توقعت هذا الدعم الكبير لحارس أمن أفريقي. وبصراحة، أنا أيضا لم أكن أتوقع ذلك. ما دفعني للتفكير، "ماذا لو قرر شخص آخر، غير محظوظ بمثل شبكة المعارف هذه، أن يتحدث بصوت عال عما يجرى؟ مالذي سيحدث حينئذ؟ كم حجم المعاناة الإضافية التي سيتعرض لها على يد النظام؟ أعتقد أن من حق أي شخص أن يعبر بصوت عال في وجه الظلم، وعلى الحكومة، في الواقع، أن تشجع ذلك. من المحزن أننا لا تعيش في عالم من هذا النوع. 

"... في الغالب يتم دحر الوحدة، وغالباً ما يتم ترحيل بعض الأشخاص بعد وصمهم بأنهم "مثيري الشغب" كعبرة للآخرين. هناك قول نتداوله بيننا، نحن العمال وهو: “صديقي لقد جئت إلى هنا بمفردي" وهذا يعني ضمناً ألا يوجد ما يجبر الواحد منا على المشاركة في أية مفاوضات جماعية، لأنهم لا يريدون أن يتعرضوا للعقوبات التي عادة ما تتبع ذلك."

إذا، كيف أثر كل ذلك على نظرتي لحقوق العمال المهاجرين؟ 

حسناً، أشعر أن كل ما حدث فتح عيني على أهمية الدفاع عن حقوق العمال. اختارت قطر أن تحتجزني بدلاً عن الاعتراف بوجود المشكلة التي نتعرض لها ومعالجتها. وهذا أمر لا معنى له. لماذا يفعلون ذلك؟ ألم يكن من الأفضل لو أنهم قصدوني وطلبوا مني التعاون معهم؟ وفي الواقع، فإن قانون العمل القطري يضم معايير لائقة جداً للعمال، بينما أصحاب العمل، وهم في الغالب أشخاص متنفذون، ولهم صلات مع أشخاص من ذوي السلطة، هم من يقومون بممارسات سيئة. إن قانون العمل، ولوائح مساكن العمال والتخطيط ومعايير رعاية العمال في مؤسسة قطر هي مراجعي التي أستخدمها من أجل أوضاعنا، واعتقد أن المعايير التي تضمها يجب أن تكون الحد الأدنى المتاحة لأي عامل مهاجر. لا أحد يستحق أن يسجن لقول ذلك. 

ثانياً، أظهر لي أهمية المجتمع المدني. فقد تكاتفت حولي مؤسسات ومنظمات وأفراد من ذوي التفكير المماثل وساعدوني بإقامة الحملات والتغطيات الإعلامية، والتمثيل القانوني، ودفع الغرامة. أعتبر نفسي محظوظاً لأنني حصلت على هذا النوع من الدعم، وأدعو كل من يستطيع أن يتحدث بصوت عال ليدعم ويناضل من أجل حقوق العمال، حتى الأشياء البسيطة كإعادة التغريدة وإعادة النشر من شأنه أن يؤثر بدرجة كبيرة! إن التغريدة أو المنشور قد يكون هو الفارق بين الحياة والموت وبين الحرية والسجن. إن مجموعات المجتمع المدني ضرورية لحقوق الإنسان بشكل كبير. 

كذلك، فإن هذه الحادثة بأكملها عززت من إرادتي. وجعلتني أرغب في فعل المزيد، خصوصاً عندما أتذكر أول يومين (الإجمالي 28 يوم) اللذين قضيتهما في الحبس الانفرادي، والاستجواب المنهك، والتهم المبالغ فيها، ومنع السفر والغرامة الضخمة. كل ذلك بمثابة وقود بالنسبة لي كلما تذكرته. بالإضافة إلى ذلك فإنني أعرف أن أوضاع العمال بعيدة عن "المثالية" ولذلك فهناك مجال للمزيد من العمل في هذا المجال. 

ومع ذلك، فإن قطر أجرت بعض الإصلاحات، ربما تكون الأوضح في منطقة الخليج. وتبدو هذه الإصلاحات رائعة على الورق، لكنها ليست كذلك في الواقع. أود أن اقترح السماح بتشكيل النقابات لجميع الفئات من العمالة المهاجرة ليصبحوا مرئيين ومسموعين. مالذي يخيف في ذلك إلى هذه الدرجة؟ لا أفهم. كما أود أن أقترح أيضا الترتيب لحوار بشكل منتظم بين العمال ووزارة العمل. وعند الحديث عن وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، لا أرى ضرراً من إشراك العمال المهاجرين في التفتيش العمالي. لابد من أن تُعرف وجهات نظرهم.  

والتساؤل التالي موجه للسلطات. كيف يمكنكم تتبعي واعتقالي واحتجازي ومعاقبتي على حريتي في التعبير، بينما لا يمكنكم فعل الشيء نفسه مع أصحاب العمل السيئين الذين يسيئون للعمال المنزلية جسديا ونفسيا؟ وفي بعض/أغلب الحالات، تكون الضحية هي من يتم ترحيلها في نهاية الأمر. من يفعل ذلك؟ وأين هي السفارات من كل ذلك؟ 

أقترح لكل شخص مقيم في دول الخليج، يود الانخراط في الدفاع عن حقوق العمال، استنفاذ كافة السبل الرسمية أولا، كما حاولت في البداية. فالمعلومات قوة. والقانون القطري يفرض أن يعيش العمال بشكل لائق وأن يحصلوا على أجورهم كاملة. أود أن أحث العمال المهاجرين لقراءة قانون العمل وفهمه حتى يتمكنوا من الإبلاغ عن مشاكلهم بثقة، أو اتخاذ تدابير أخرى عند حدوث الانتهاكات. (أود أن أقترح أيضا قراءة  QF, Ashghal, and the Supreme Committee Worker Welfare Standards لمجرد التعرف على المعايير التي ينبغي أن يكون عليها وضع العمال). كما يتوجب على وزارة العمل أن توفر أقصى حماية للعمال الذي يتقدمون بالشكوى، ذلك لأنهم غالبا ما يواجهون انتقام الشركات بعد ذلك.

يعتبر الاتحاد أحد الحلول المطروحة. فهناك قوة في العدد. وبذلك يصبح بإمكانهم رفع تظلمهم بشكل جماعي دون الخوف الذي يصاحب عمل ذلك بشكل فردي. وقد شهدت قطر عددا من الاحتجاجات السلمية، كان العمال خلالها يطالبون بأجورهم. لكن المشكلة أنه لا تشجيع على الاتحاد، في الغالب يتم دحر الوحدة، وغالباً ما يتم ترحيل بعض الأشخاص بعد وصمهم بأنهم "مثيري الشغب" كعبرة للآخرين. هناك قول نتداوله بيننا، نحن العمال وهو: "صديقي لقد جئت إلى هنا بمفردي" وهذا يعني ضمناً ألا يوجد ما يجبر الواحد منا على المشاركة في أية مفاوضات جماعية، لأنهم لا يريدون أن يتعرضوا للعقوبات التي عادة ما تتبع وبذلك، فأغلب العمال يفضلون البقاء في الظل، منخفضي الرأس ويتجنبون مقاومة التيار مما يؤدي في الغالب إلى استغلالهم. 

وأخيراً، لا يمكنني إلا أن أتساءل ماذا تخبئ الأيام للعمال المهاجرين بعد كأس العالم. إذا ما استمر عيش العمال في أوضاع مزرية، إذا ما ظل العمال يمضون شهوراً بدون استلام أجورهم، إذا ما كان العمال لايزالون غير قادرين على تغيير وظائفهم، إذا لم يكن بإمكان عاملات المنازل الحصول على الإنصاف، ما الذي سيحدث عندما تنصرف الأنظار عن قطر؟ 

إذا كنت قد احتُجزت ظلماً، وغُرمت ظلماً في الوقت التي تتجه فيه أنظار العالم إلى قطر – فماذا سيحدث عندما تنصرف هذه الأنظار عن قطر؟