لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

السوق السوداء للتوظيف تزيد هشاشة عاملات المنازل في الكويت

تأثير سياسات الجائحة لايزال مستمرا، والعمال يتحملون العبء الأكبر

في 27 ديسمبر 2021

مع عودة الكويت نوعا ما للحياة الطبيعية، لا تملك كل القطاعات والمقيمين القدرة على تجاوز الآثار المدمرة لكوفيد 19. 

فلا تزال عاملات المنازل في البلد يترنّحن تحت وطأة تداعيات الجائحة. والكثير منهن أخبرن Migrant-Rights.org أنهن أجبرن على العمل على مدار الساعة، وحمّلن مسئولية واجبات أكثر من المعتاد. وانعكس الاستغلال في البيوت وتصاعد بالتأثيرات السلبية للجائحة على قطاع التوظيف، عندما فُرض الحظر على عمليات التوظيف الجديدة وأُغلقت مكاتب التوظيف لفترة طويلة وبذلك انتعشت السوق السوداء لعاملات المنازل.   

مكاتب التوظيف غير القانونية  

وفقاً للهيئة العامة للمعلومات المدنية الكويتية، فإن يوجد في الكويت 732,000 عاملة منزلية يشكلن تحو 6% من السكان. وجميعهن غير كويتيات، يأتين تحديدا من الهند، والفلبين وبنغلاديش وإثيوبيا. 

وتختلف عمالة المنازل عن العمال الأجانب الآخرين بسبب استثنائهم من قانون العمل للقطاع الخاص ويغطيهم قانون أضعف هو قانون العمالة المنزلية. ويشار إلى أن 50% من عمالة المنازل هن من الإناث اللاتي يعملن كعاملات منزل، ومربيات أطفال وطباخات ويقيمن في منزل صاحب العمل، حيث أنهن ملزومات قانونياً بذلك. وقد أدت تكاليف توظيفهن المناسبة (مثل انخفاض الأجور)، والافتقار لوجود دور خدمات الرعاية العامة إلى الاعتماد الكبير على عاملات المنازل. ويقدر أن 90% من الأسر الكويتية توظّف على الأقل عاملة منزل واحدة. وزادت الجائحة من الاعتماد على خدمات هذه العاملات مع قضاء أفراد الأسرة وقتاً أطول في المنزل واعتماد الأبناء على التعليم عن بعد. 

وتعتبر القناة الأكثر شيوعا لاستقدام عاملات المنازل إلى البلد هي وكالات التوظيف التي تسهّل وصول عاملات المنازل وتوظيفهن. وتوقفت هذه الوكالات عن العمل خلال فترة الجائحة بعد أن فرضت الكويت أنظمة دخول وخروج صارمة وعلّقت التوظيفات الجديدة. إلا أن الطلب على عاملات المنازل ظل مرتفعاً، مما خلق سوقا سوداء وأنعشها فاستحوذت الوكالات غير المسجلة على زمام الأمور مما أدى إلى استغلال ما يقدر بـ60,000 من عمالة المنازل أغلبهن من الإناث من قبل مكاتب التوظيف. 

أوضحت أم محمد، وهي من المنظمين للمجتمع الأثيوبي وتعمل عن كثب مع عاملات المنازل في الكويت، وقد شهدت هذه الممارسات غير القانونية بشكل مباشر، أن الوكالات غير المسجلة تنشئ مكاتب لأعمالها في شقق (غالباً ما تكون في الجابرية، وجليب شيوخ، والجهراء)، وتستخدم هذه الشقق أيضاً لتسكين النساء قبل توصيلهن إلى صاحب العمل. وتقول إنه في بعض الأحيان توضع ما بين 50 إلى 100 عاملة منزل في شقة واحدة. ولا يعرف سوى القليل عن مشكلاتهن الصحية التي يواجهونها خلال الجائحة، جمعيهن يزدحمن في مساحات صغيرة دون قدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية. 

وتعمل هذه المكاتب بشكل مكشوف كما لو كانت كيانات قانونية. وتروّج مكاتب التوظيف هذه لخدماتها من خلال منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. وفي الوقت الذي يظهر العميل اهتمامه ويستكمل إجراءات العقد، تقدم الوكالة له سند استلام مزورا، مما يعطي انطباع أن المعاملة مشروعة. 

وعندما سألت كيف يتم العثور على هذه النساء، قالت أم محمد: "إنهم يذهبون إلى أماكن لعب الأطفال، ومجمعات التسوق، والكنائس وحتى أنهم يستهدفونهن من خلال تطبيق واتس أب، ويقنعونهن بترك صاحب العمل، ويعدونهن بوظيفة أعلى أجراً". وليس الجميع يتم الوصول اليهن بهذه الطريقة، فالبعض "هاربات" قررن ترك صاحب العمل، غالباً، بسبب تعرضهن الإساءة، مالياً وجسديا ولفظيا.

وتستهدف هذه المكاتب غير القانونية، بشكل أساسي، عاملات المنازل اللاتي انتهت تصريحات إقامتهن، كما تقول أم محمد. وبرغم أن العملية برمتها شاقة وصادمة إلا أن بعض عاملات المنازل يقبلن ويضمنّ العمل فيها لأن الأمر ينتهي بهن بالكسب أكثر من العمل من خلال التوظيف النظامي. 

ومع ذلك، قامت الحكومة بإغلاق هذه المكاتب ومعاقبة أصحابها. وفي الفترة ما بين 1 أكتوبر 2021 حتى 10 نوفمبر 2021، أغلقت الإدارة العامة لمباحث شئون الإقامة بوزارة الداخلية 22 وكالة توظيف مزورة.  

شهدت الكويت أطول إغلاق متتالي في العالم، استمر من 22 مارس 2020 حتى 30 أغسطس 2020. وتوضح شيخة الهاشم، باحثة الدكتوراه والناشطة من أجل عاملات المنازل وحقوق المرأة: "أجبر حظر التجول والإغلاق الناس على ملازمة منازلهم وبالتالي زيادة العمل المنزلي (الغسيل، التنظيف، غسل الملابس...الخ) كما أن ساعات العمل أصبحت غير منتظمة. على سبيل المثال أصبح أفراد الأسرة يصحون وينامون في أوقات مختلفة مما يضاعف الجهد والطاقة المطلوبين من عاملات المنزل" 

إن العمل لمدة 12 ليس أمراً غير قانوني في قانون شئون العمالة المنزلية الكويتي فحسب، وإنما هو أيضاً ضد اتفاقية منظمة العمل الدولية ILO لعام 2011. وبرغم أن هذا مطلوب بموجب القانون، إلا أن كثيرات من عاملات المنازل لم يحصلن على عطلة نهاية الأسبوع. 

قالت العاملة المنزلية، حنّا*، إنها حصلت على يوم إجازة واحد في الشهر. وبرغم علمها بحقها في ذلك، إلا أنها عندما أشارت بذلك لصاحبة العمل، أخبرتها: "أن زوجي لن يسمح بذلك لإن العقد على الورق فقط."

وبرغم أنه، قانونياً، يجب أن تعمل عاملات المنازل لدى كفيل واحد وأن تعيش مع الأسرة في منزلهم، فالكثير من عاملات المنازل هن مستقلات، يعملن لحسابهن الخاص لأشخاص مختلفين. وقد ترى العاملات أن هذه مخاطرة جديرة بالأخذ في الاعتبار لأن بإمكانهن العيش بين مجتمعاتهن والتحكم في ساعات عملهن. إلا أن الاغلاق الذي أثر بشدة الأماكن التي يعيش فيها العمال، جعل من المستحيل للكثيرين الذهاب إلى العمل. 

وتشير الهاشم إلى "أن الإغلاق الجغرافي (خصوصا في منطقة جليب شيوخ ومهبولة) جعل من الصعب الوصول إلى عاملات المنازل، وبالتالي رفع أسعار التوظيف بدوام كلّي بسبب النقص في وجودهن وصرامة اللوائح الصحية وتلك الخاصة بالمطارات المنظمة للتوظيف الخارجي." 

حظر التوظيف 

والسبب الآخر لازدهار السواق السوداء هو الحظر الحكومي على دخول غير الكويتيين ومن بينهم عاملات المنازل من مارس إلى ديسمبر 2020 في إطار تدابير مواجهة الجائحة. وبذلك، جاء الحظر بمثابة إضافة لذلك الذي فرض في ديسمبر 2019، عندما أوقفت الحكومة توظيف عاملات المنازل من 26 دولة. 

في فبراير 2021، قال أمين عام اتحاد الكويت لعمالة المنازل، علي الشموش، إن الكويت تواجه نقصاً بما بين 160,000 إلى 180,000 عاملة منزلية. وأوضحت العاملة الفلبينية بن إنه وبسبب هذا النقص فإن كثيرات من عاملات المنازل اللاتي كن يحاولن المغادرة نهائيا من الكويت حُرمن من ذلك من قبل أصحاب العمل. 

وتقول بن إنها كانت تخطط للعودة إلى بلدها منذ 2019، إلا أن صاحب العمل لم يسمح لها بذلك "حتى قدوم عاملة منزل جديدة لأخذ مكانها". وتضيف أنهم ظلوا يختلقون الأعذار ليجعلوا الوقت غير ملائم لمغادرتها، رغم أن السبب الرئيسي هو أن صاحب العمل كان بانتظار وصول عاملة بديلة. "في البداية قال إنه لا يمكنني المغادرة بسبب الإغلاق، ثم قال إن أسعار التذاكر كانت مرتفعة، ولذلك عليّ أن أنتظر. مر عليّ عامان وأنا أنتظر أن أسافر. أريد أن أغادر بسرعة لأن والدتي مريضة جدا، وأريد أن أراها قبل أن تسوء الأمور."

وبرغم أن الكويت لا تشترط تصريح مغادرة لعمال المنازل، إلا أنه بإمكان صاحب العمل منع العمال من مغادرة البلد برفض دفع قيمة التذكرة واحتجاز الجواز. 

المضي إلى الأمام

من الممكن أن تعالج الحكومة هذه القضايا – التي تصل إلى مستوى العمل الجبري والاتجار بالبشر – والنقص الذي يعاني منه هذا القطاع، بالسياسات التي تحمي حقوق العمل وتأخذ في اعتبارها، في الوقت نفسه، احتياجات أصحاب العمل والوكالات. أولاً، يجب أن يُسمح للعمال المنتهية صلاحية وثائقهم، بتعديل أوضاع إقامتهم القانونية من خلال وكالة توظيف مسجلة، بإمكانها، فيما بعد توصيل العامل بصاحب عمل جديد بما يتوافق تماماً مع القانون. كما أنه يتوجب على الحكومة رفع الحظر عن استقدام عاملات المنازل من بعض الدول وهو ما يدفع للتوظيف في الخفاء بشكل غير قانوني. 

على المسئولين أيضا تطوير رسائل تستهدف أصحاب العمل لتذكيرهم بالتزاماتهم التي يفرضها قانون شئون عمالة المنازل، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر، وكذلك اتخاذ إجراءات ملموسة ضد المخالفين. على أن يتم إرسال المسجات نفسها لعاملات المنازل لتذكيرهن بحقوقهن وربطهن بأنظمة الشكاوى. 

أما فيما يتعلق بالحلول، فيمكن للكويت النظر في التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية ILO الخاصة بالعمال المنزلين 189 التي تدعو، من بين أمور أخرى، بحرية تأسيس الاتحادات، والقضاء على العمل الجبري، والتمييز في التوظيف. ويعتبر هذا ممكن وواقعي، إذ سبق للكويت، وبدعم من منظمة العمل الدولية، ان أدخلت الحد الأدنى للأجور لعاملات المنازل لأول مرة في الشرق الأوسط.