لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

حالة وفاة يوميا: العمال النيباليون في السعودية

في 2 فبراير 2022
تتصدر السعودية موقعاً مريباً في معدل وفيات العمال النيباليين إثر تسجيل حالة وفاة يوميا فيها. ولا يوجد بصيص أمل في تغيّر الوضع بسبب الافتقار للتحقيق في حالات الوفاة، واللامبالاة الواضحة من قبل السلطات في هذا الشأن

على مدى أسابيع عدة، ظل ديباك سينجالي (27 عاما) يجري محادثة هاتفية مع زوجته الحامل، كالبانا، كل مساء من غرفته الصغيرة في السعودية ليسألها عن صحتها. كانا الزوجان يتحدثان ببهجة وحماس ترقباً لولادة طفلهما الأول.  وبرغم صعوبة العيش بعيدان عن بعضهما، إلا أن محادثات الفيديو المنتظمة ساعدت كابلانا في التغلب على الشعور بالوحدة في بلدتهما النائية في جبال النيبال. الآن انتهى الانتظار، فقد وُلدت الطفلة لكن والدها لم يعد موجودا ليرحب بها. 

قبل أسبوع من ولادة ابنته، أعيد ديباك في تابوت إلى وطنه. 

في 16 نوفمبر 2022، قبل 43 يوم من ولادة ابنته، عُثر على ديباك متوفيا في سريره في مدينة جيزان الواقعة في جنوب غرب السعودية.  تقول كابلانا التي تجلس على سجادة من البلاستيك في منزل شقيقتها في منطقة كابيلفاستو النيبالية: "لو كان على قيد الحياة، لكان الآن سعيدا جدا برؤية ابنته." كان ديباك يرغب في الذهاب إلى بلده ليشهد ولادة ابنته، لكن لم يكن قد مر عام على آخر إجازة قضاها في النيبال، فكان من الصعب أن يحصل على إجازة مرة أخرى.

كان ديباك يعمل طاهياً في فندق بجيزان. إلا أنه، وبحسب تصريح العمل، كان قد ذهب للعمل كعامل لدى مؤسسة نياره للتجارة (Nayarah Trading Est) من خلال Emasco Nepal Pvt. Ltd في كتمندو. وعزت إدارة شئون الطيران المدني بوزارة الداخلية السعودية وفاته لإصابته بـ"توقف في القلب والجهاز التنفسي". لكن عائلته في النيبال تجد أنه من الصعب تصديق ذلك. وتقول كالبانا "ليس لديه أية مشاكل صحية، ليس لدي أية فكرة عما يمكن أن يكون قد حدث له بهذا الشكل المفاجئ"، مشككة في ظروف وفاته. لكنها في الوقت نفسه على علم بأن عمله لم يكن سهلاً. وتتذكر:"كان يقول إنه يتعرض للحرارة طيلة اليوم، لقد رأيته يتصبب عرقا في المطبخ أثناء محادثات الفيديو". 

.١-  كالبانا سينجالي وابنتها حديثة الولادة ٢- امانا ثابا ماغار تطعم طفلة أختها حديثة الولادة الحليب، ٣،٤- ديباك سينجالي تشير لصورة زوجها على شاشة هاتفها الجوال ٥- ترجمة شهادة وفاة ديباك سينجالي.

وبينما تبكي الطفلة حديثة الولادة، وتقوم الأخت بإطعامها الحليب من كوب التغذية، تبدو كالبانا (24 عاما)، التي فقدت الوعي لثماني ساعات فور سماعها خبر وفاة زوجها، خاوية وهي تحدق في السماء. وتقول: "كان حريصا على رؤية ابنتها، لكنه غير محظوظ، ونحن أيضا غير محظوظين".

ولم تكن كالبانا وطفلتها "سيئتا الحظ" الوحيدتان في النيبال، بفقدانهم أحبائهم في الخارج. في تقرير سابق، حققت Migrant-Rights.org في المعدلات المرتفعة للوفيات غير المتوقعة للعمال النيباليين في قطر. وكما ذُكر في التقرير، فإن معدل الوفيات في السعودية أعلى كثيرا. إذ توفي 2,280 مهاجرا نيباليا في المملكة على الأقل منذ 18 أغسطس 2021. وذلك بحسب مجلس التوظيف الخارجي النيبالي. 

ومن المحتمل أن يكون عدد الوفيات أكبر من ذلك، إذ أن بيانات مجلس التوظيف الخارجي تشتمل فقط على حالات الوفاة التي تسلمت العائلات فيها تعويضات ما بعد الوفاة. وحتى يتم صرف التعويضات لابد من حدوث الوفاة أثناء فترة العقد. كما أن بياناتهم لا تشمل وفاة العمال غير النظاميين، أو أولئك المهاجرون عبر قنوات غير قانونية. وهذا لا يعني فقط أنه لم يتم الإبلاغ عن كل الوفيات، وإنما هناك الآلاف من المعالين قد تُركوا في حالة من العوز المالي، ويعانون من أجل دفع رسوم الدراسة ومصاريف الرعاية الطبية، وحتى أساسيات احتياجات الإعاشة. 

وعل سبيل المثال، فإن كالبانا التي تعاني أصلا من مشاكل ما بعد الولادة، فهي أيضا في حيرة بشأن كيفية تربية ابنتها: "لا أعرف كيف سأقوم بتربيتها وتعليمها وحدي." قالتها وهي تضع ابنتها ذات الشهر الواحد برفق في مكانها. أراد زوجها ديباك، الذي أجبرته صعوبات مالية على ترك المدرسة في الصف الثامن، أن يرى طفلتهما متعلمة بشكل جيد. وقد أصبح تحقيق هذا الحلم الآن أكثر صعوبة بدون مصدر دخل. كان ديباك، كطاه، يكسب 2,000 ريال سعودي شهرياً.

وبحسب معلومات المجلس للسنة المالية 2020- 2021، فإن أعلى عدد من وفيات العمال النيباليين المهاجرين سُجل في السعودية – ما مجموعه 368 أو على الأقل حالة وفاة واحدة يومياً. وصنفت أكثر من ربع هذه الوفيات على أنها "طبيعية" بينما توفي 18% بسبب أمراض مختلفة بما في ذلك وفيات كوفيد 19. وبلغ عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير والانتحار 14%، و12% على التوالي. وتضمنت 4% من الحالات النوبة والسكتة القلبية. في العقد الماضي، صُنّف أكثر من ثلث (772) الوفيات من إجمالي حالات الوفيات (2,281) للعمال النيباليين المهاجرين في السعودية على أنها "طبيعية". 

يقول المدافع عن حقوق الإنسان العامل في ملتقى السياسات والقانون للعدالة الاجتماعية، أنوراج ديفكوتا: "الوفيات الطبيعية في السعودية مرتفعة بشكل غير طبيعي.". موضحاً: "أن الوضع فريد ومقلق في السعودية، نحتاج حقاً أن نحقق فيه. ففي الوقت الذي تعتبر "السكتة" و"النوبة القلبية" "أسبابا" مؤدية للوفاة في دول الخليج الأخرى وفي ماليزيا، فإن ارتفاع حالات الوفيات الطبيعية في السعودية يبدو مثيرا للشكوك". 

ولم ترد سفارة النيبال لدى السعودية على طلب MR للحصول على البيانات. إلا أنه وجد أن الوثائق التي صدرت عن السفارة تصنف سبب الوفاة على أنها "طبيعية" حتى في حالة وفاة العامل لأسباب مختلفة. وصنفت وفاة ديباك سينجال على أنها "طبيعية" بحسب السفارة، لكنها توفي بسبب "سكتة تنفسية حادة" كما ذكر التقرير الطبي الصادر عن السلطات السعودية. أما بيكو راي (45 عاما) من منطقة ماهوتاري النيبالية فقد ذكر في شهادة وفاته أن السبب هو فشل في القلب والتنفس في أبريل 2021، إلا أن السفارة صنّفت وفاته على أنها "طبيعية". 

الأسباب المذكورة في شهادات الوفاة لا تسلط الضوء على الأسباب الحقيقية. وبدون فهم الأسباب، لا يمكن فعل الكثير لمنع هذه الوفيات.

ويقول ديفاكوتا: "ليس من الواضح ما إذا كانت السلطات السعودية تميل لاعتبار حالات الوفاة على أنها طبيعية أم أنها السفارة النيبالية لم تطابق البيانات." ويضيف:" لم تجر سوى بحوث قليلة في السعودية بسبب صعوبة الوصول للبيانات.". 

 وفي حين أن الحكومة النيبالية على وعي بارتفاع الوفيات "الطبيعية" في السعودية لكن يعترف راجان براساد شريسثا، الرئيس التنفيذي للمجلس" "لا يمكننا فعل أي شيء في الوقت الذي تقوم فيه السعودية بالتحقيقات. فعلينا الاعتماد على التقرير الذي نتسلمه من السفارة". 

لكنه يعتقد أن الكثير من هذه "الوفيات الطبيعية" مرتبطة بالبيئة، وللدقة أكثر بارتفاع درجة الحرارة. "ذلك لأن العمال النيباليين ليسوا على وعي بنصائح السلامة مثل شرب الكثير من السوائل وتجنب التعرض لمكيفات الهواء مباشرة بعد العمل في درجات حرارة مرتفعة."

غير متعلم، غير واع، وليس "ماهرا"

لأكثر من عام ونصف، لم يتمكن إسلام باخيه بودو (43 عاما) من المشي بدون مساعدة. كان إسلام يقضى الأيام والليالي مستلقيا على فراشه في غرفة قذرة بمنزله الصغير ذو جدران الطابوق، والواقع في قرية ريفية على الحدود النيبالية الهندية بمنطقة نوالبور.  ففي يوم قائظ في الأسبوع الأول من يوليو 2020، كان يعمل في الخارج، في صباغة الجدران في محطة مترو الرياض. وفجأة شعر أنه ليس على ما يرام وأن حرارة جسمه آخذه في الارتفاع، أخذ استراحة قصيرة ثم عاود العمل. لكن صحته تدهورت في اليوم التالي وأُخذ إلى المستشفى. 

يقول إسلام المرهق بمشاعر جيّاشة: "الآن لا أستطيع تحريك يدي ورجلي. المخ أيضا لا يعمل بشكل صحيح." وغالبا ما كان إسلام يبدو مشوشاً أثناء الحديث. وخضع إسلام لعدد من العمليات الجراحية في الرأس والقلب خلال الثلاثة شهور، فترة مكوثه في مستشفى المواساة في الرياض، لكن الأمور لم تتحسن كما كان متوقعا. فعاد إلى النيبال في نوفمبر 2020. 

تقول زوجته حسينة وهي تساعده على ارتداء قبعة صوفية في يوم شتوي قاتم في نوالبور:" قضى شبابه هناك لكنه أصبح مقعدا في نهاية الأمر، لقد تدمرت حياتنا."

أمضى اسلام 18 عاماً في السعودية. وفي خلال تلك الفترة عمل في عدة شركات – أحيانا كحمال، وأحيانا عامل سقالات. لكن خلال السنوات الثماني الأخيرة كان يعمل في الشركة نفسها في الرياض حيث كانت مهمته الصباغة والمسح بالأسمنت. بنى إسلام، من أمواله التي ادخرها على مدى سنوات، بيتا صغيرا لأسرته المكونة من 13 فردا في النيبال. لكنه أصبح مقعدا حتى قبل أن يضع اللمسات الأخيرة، من أعمال المسح بالأسمنت والصباغة على منزله. 

كان يبدو مهزوما وهو يقول: " كان لدي حلما أن أصبغ هذا البيت بنفسي". 

لكنه الآن قلق على مستقبل أبنائه. يقول وهو يداعب ابنه وابنته الصغيرين بملابسهما المدرسية وقد عادا للتو من ملعب في الخارج: "كيف يمكنني رعايتهم في الوقت الذي أعاني لتسيير حياتي أنا شخصيا".

وعلى أمل أن تتحسن صحته، تأخذه زوجته حسينة أسبوعيا إلى مستشفى في الهند. لكن املها ينهار في كل مرة. تقول وهي تعرض أكوام الفواتير الطبية: "لا توجد علامات للتحسن. نحن فقراء، أرجو محاولة مساعدتنا". مضيفة: "لم يعد لدينا المزيد من المال للعلاج."

وبحسب تصريح التوظيف في الخارج، فإنه تم توظيف إسلام في 2018 من قبل K.M.AL-Hammam Est. لأعمال الإنشاءات كعامل براتب قدره 1,500 ريال سعودي، لكنه كان يتسلم 1,200 ريال سعودي فقط. 

وفي الحقيقة، فإن هناك الآلاف من العمال المهاجرين النيباليين مثل إسلام في كلتا دولتي الأصل والمقصد. فهناك أكثر من 20,000 عامل نيبالي في الخليج أجبروا على ترك وظائفهم بعد اصابتهم بالإعاقة والمرض فقط في الفترة من 2017- 2018، وذلك بحسب تقرير العمال المهاجرة 2020

وفي حين أنه يجب معالجة الافتقار للوعي بين العمال، فإن عبء صحتهم وسلامتهم، بما في ذلك وضع معايير صارمة للصحة والسلامة، يجب أن يقع على صاحب العمل وحكومات دول المقصد. ويشار هنا إلى ان قوانين الصحة والسلامة المهنية في السعودية أيضا تلزم أصحاب العمل لتحمل هذه المسئولية

ويدرك مدير المجلس، بندو سوبيدي أن أوضاع العمال النيباليين المهاجرين في السعودية هي الأسوأ بين كل دول الخليج، ويقول إن المجلس يحاول تحسين الوضع. 

ويقول: "أن أغلب الذي يواجهون هذه المشاكل هم من غير المتعلمين، وغير الواعين بالإضافة إلى العمال الذين لا يمتلكون المهارات" ويضيف: "لن يتعرض الكثير منهم للإصابات أو المعاناة من المرض لو كانوا على وعي بأبسط الأشياء مثل معايير السلامة في مواقع العمل، أو قواعد المرور". قد لا يكون هؤلاء على وعي تام بالمخاطر الصحية المحتملة للعمل في درجات حرارة عالية – أو أي ظروف عمل معرضة للمخاطر- أو لزيارة الأطباء بشكل منتظم عندما يصابوا بالتعقيدات.

وعل سبيل المثال، لم ينقل أحد إسلام للمستشفى، أو حتى مجرد اقترح الذهاب إلى المستشفى في اليوم الذي اشتكى من ألم في الصدر وخدر الجانب الأسر من جسمه. وعندما ذهب في اليوم التالي للمستشفى تم تشخيصه بالإصابة بـ cerebral infarction، أو ما يعرف بالسكتة الدماغية وذلك بحسب التقرير الطبي. وهذا يحدث نتيجة لتعطل تدفق الدم وبالتالي إعاقة تزود الدماغ بالأوكسجين. وفي صورة الأشعة السينية التي أخذت لرؤية الأوعية الدموية للقلب ظهرت إصابته بـ "تضيق حاد للصمام التاجي". يقول إسلام: “ذهبت في اليوم التالي للمستشفى، لم نأخذ الأمر، في بداية الأمر، بجدية". 

في 2021، قام المجلس بمراجعة منهج التدريب لما قبل المغادرة. يقول راجان براساد شريسثا، المدير التنفيذ للمجلس: "أعتقد أن الإضافات الجديدة لمنهج التدريب الاجباري سوف تساعد على تقليل الوفيات، والإصابات، والمرض". وأضاف: "إن المنهج يشمل الصحة الجسدية والعقلية، كما أنه يشتمل على معلومات خاصة بكل دولة".

وفي حين أنه يجب معالجة الافتقار للوعي بين العمال، فإن عبء صحتهم وسلامتهم، بما في ذلك وضع معايير صارمة للصحة والسلامة، يجب أن يقع على صاحب العمل وحكومات دول المقصد. ويشار هنا إلى ان قوانين الصحة والسلامة المهنية في السعودية أيضا تلزم أصحاب العمل لتحمل هذه المسئولية. 

ويشكك نشطاء حقوق الإنسان في فعالية مثل هذا التدريب والمنهج المتبع، إذ لاتزال مئات الوفيات تُسجل كل عام. وفي هذا السياق، يقول راميشوار نيبال، المدافع عن حقوق الإنسان والذي يدير منظمة Equidem المتخصصة في حقوق الإنسان والعمال: " يوجد تغيير إيجابي في المنهج، لكنني أخشى ألا تنفذها معاهد التدريب بشكل فعال." ويضيف: " ذلك لأنني لا أعتقد أن لدينا عدد كافي من المدربين المهرة، والبنية الأساسية لإجراء برامج تدريب ومتطورة." 

وبالتأكيد فإن المناهج المواكبة للتطورات تساعد على تعديل الأوضاع، لكنه أضاف أن التطبيق العملي والاجباري ضروري لتجنب الوفيات والإصابات.

وفي خلال السنوات المالية العشر الماضية، توفي أكثر من 587 (26% من إجمالي الوفيات خلال تلك الفترة) من العمال في حوادث السير في السعودية، فيما انتحر 208 (9%)، وتوفي 161 (7%) في حوادث في مواقع العمل. ويظن راميشوار أن بعضا من هذه الوفيات كان بالإمكان تجنبها لو تم توعية العمال بقواعد عبور الطرق، ومعايير السلامة في العمل، أو طرق التعامل مع الضغوطات العقلية. 

١- فاغو دامي ثارو (72 عاما)، في مبنى مجلس التوظيف الخارجي ليطالب بإعادة جثمان ابنه، كيشور كومار دامي، الذي توفي في السعودية قبل 5 شهور. ٢- إسلام باخيه بودو (43 عاما)، في منزله في نوالبور، النيبال. ٣- عائلة اسلام باخيه – زوجته حسينة خاتون (يسار)، والدته جوهرة خاتون (يمين)، وابنه الأصغر أيان باثان وابنته نجمة خاتون في المقدمة.

البحث عن الابن

ظل فاغو دامي ثارو (72 عاما) ينتظر يائسا، إعادة جثمان ابنه. وناشد باغو المسئولين المحليين والاتحاديين في النيبال لإعادة جثمان ابنه من السعودية. 

لكن انتظاره ظل مستمرا.

يقول فاغو الحزين: "أريد أن أرى ابني لمرة واحدة أخيرة" وبرغم كبر سنه، فقد سافر إلى كتمندو من منطقة جنوب بارا ليقدم طلبا لرئيس المجلس FEB. ويقول: "أعرف أنني لن أراه، لكن أرجوكم مساعدتي، لا يمكنني تركه هناك." 

إلا أن رئيس المجلس، دين باندو سوبيدي، يسارع بالقول إنه "لا يمكنه فعل أي شيء" لأن القضية لاتزال قيد التحقيق. 

وكان ابن فاغو الأكبر، كيشور كومار دامي، يعمل في تركيب البلاط في تبوك في شمال غرب السعودية. ولدى كيشور البالغ من العمل 40 عاماً، 5 بنات وهو العائل الوحيد لعائلته المكونة من 14 فرداً. وفي سبتمبر 2021، وُجد كيشور معلقا في غرفته بشكن العمال. ولم يكون من الواضح إن كان الأمر انتحارا أو ينطوي على جريمة. لكنه كان قد أجرى اتصالا، قبل يوم من وفاته، بزوجته ثريا ديفي وأخبرها أنه سيعود إلى الوطن بعد أسبوعين. وفي اليوم التالي علمت ثريا بوفاة زوجها من عامل نيبالي مهاجر في السعودية. 

وبينما كانت ثريا وأفراد العائلة الآخرين قلقين في بلدتهم، كان فاغو ، بكمامته الزرقاء على ذقنه المجعد، يذرع الشوارع في كتمندو، ويناشد المسئولين لإعادة جثمان ابنه. 

سأل فاغو رئيس المجلس:" هل تعرف الوضع فيما يتعلق بجثمان ابني؟"

ليجيبه دين باندو بجدية: "لا تقلق ستحفظ الجثة في الثلج". 

وتريد عائلة كيشور كومار إجراء تحقيق لمعرفة أسباب الوفاة، والمطالبة بالتعويض، لكن أولويتهم الآن هي إعادة الجثة.

ويوضح دين باندو: "بأنه تم التحقيق في القضية من قبل الشرطة السعودية، ولذلك لا نعرف متى يمكننا إعادة الجثمان".

ولا يزال لدى فاغو قليل من الأمل برؤية ابنه، وإن كان ميتا، ولكنه قلقا الآن هو على حفيداته. ويقول: "كيف يمكن لزوجة كيشور تربية هؤلاء الأطفال وحدها؟ كيف سيمكنها تزويجهن – تعلم جيدا أن علينا أن نقدم المهر لكل واحدة منهن، وليس لدينا المال لذلك." 

وتعتبر قصة عائلة فاغو شائعة بشكل مأساوي في النيبال، حيث تشمل التحويلات من الخارج ثلث الناتج المحلي الإجمالي فيها. 

وتستغرق عملية الإعادة إلى الوطن من السعودية وقتا أطول من الدول الأخرى، مما يطيل الألم الذي تتعرض له العائلات التي تنتظر جثامين أبنائها. يقول دين باندو: "في حالة الوفاة الطبيعية، يستغرق الأمر حوالي شهرا واحدا، لكنه الفترة أطول في حالات الانتحار، والجريمة والحوادث، لأن الأمر حينها يتطلب الخضوع للتحقيق." 

وبحسب باندو، فإن الحصول على شهادة إخلاء طرف من قبل الشرطة السعودية، والمحكمة العمالية والشركة التي يعمل بها العامل، يستغرق وقتا طويلا. ولا يمكن للسفارة النيبالية إصدار شهادة عدم ممانعة لترحيل الجثة إلا في حالة إصدار جميع إجراءات إخلاء الطرف. 

وأضاف: "ينسق كل من المجلس النيبالي والسفارة في الرياض ومكتب القنصلية في جدة لتقديم خدمات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن، لكن لايزال الأمر صعبا لتسريع انهاء الإجراءات بسبب عدد الوفيات الهائل في مثل هذا البلد الكبير." 

ويوجد في السعودية نحو 400,000 نيبالي موزعين في مناطق المملكة. كما أن ثلثي العمال هؤلاء العمال يعملون في ما يُعرف بالقطاع ذو المهارات المنخفضة مثل التنظيفات، وغسيل الملابس، والحمالين، والتعبئة والشحن...الخ. وفي المرتبة الثانية يأتي قطاع وظائف السياقة وتشغيل الآلات بنسبة 13% من العمال النيباليين في المملكة، يتبعه قطاع الخدمات والمبيعات بنسبة 9%، وذلك بحسب تقرير الهجرة العمالية لعام 2020. 

يقول راميشوار نيبال: "توجد المشاكل في كل القطاعات، لكنها أسوأها تلك المرتبطة في قطاع الخدمات، والضيافة، والانشاءات، ومن الممكن أن تكون مشكلات عمالة المنازل أسوأ، إلا أنه من الصعب أن نقول ذلك بشكل قاطع، لذلك لصعوبة الوصول إليهم وقلة المصادر فيه." وتحظر النيبال استقدام عمالة المنازل إلى السعودية منذ 2017، لكن لايزال الكثير من العمال يسافرون من خلال طرق غير نظامية. 

ووسط تزايد الشكاوى من العمال الذين يعانون أوضاعا سيئة، قامت القنصلية العاملة بجدة، بتحديد مساكن العمال الأكثر عرضة للضرر والتي تشهد ارتفاع في الإصابات والوفيات. ومع ذلك، لم توفّر السفارة في الرياض، أو القنصلية في جدة أية معلومات حول هذه المساكن ومواقعها.

إلا أن المدير التنفيذي للمجلس، راجان، يقول إنهم تسلموا المزيد من تقارير الوفيات، والإصابات، والحالات الأخرى المرتبطة بالعمل، من الرياض وجدة والدمام. مشيرا إلى أنه "ربما لوجود عدد أكبر من العمال فيها خصوصا في قطاع الانشاءات." 

لم يتسلم يام بهادور، بعد، أية تعويضات من الشركة بعد وفاة ابنه. وعندما تحدث لمثلي الشركة وللسفارة النيبالية في الرياض، لم يتلقَ إجابات واضحة، بحسب قوله

معاناة العالقين

يحاول صاغر بي كي (29 عاما) منذ أكثر من 6 شهور، العودة إلى النيبال من الدمام بالسعودية. لكنه لا يحمل جواز سفره. منذ حوالي 5 سنوات، عندما وصل إلى السعودية للمرة الأولى، للعمل، سلّم جوازه لكفيله. ويقول صاغر من الدمام: "الآن أريد أن أغادر السعودية لكن كفيلي يرفض إعادة جوازي لي"، كما أنه لم يجدد تصريح إقامتي منذ انتهاء صلاحيته قبل ثلاث سنوات، كما أن كفيله يرفض إعطاءه تصريح للمغادرة.   فنياً، لم يعد تصريح المغادرة الذي يصدره الكفيل مطلوباً، ولكن لاتزال إجراءات الخروج من البلد تعتمد على عدم تدخل الكفيل في الطلب. 

وبحسب عقد عمله، تم توظيفه لدى مؤسسة سعاد الفلاح السهلي للنقليات (Saud Al Falah Al-Sahli Transport Est)، كسائق مركبة ثقيلة، براتب قدره 2000 ريال. لكنه كان يستلم فقد 1,200 ريال سعودي، علما أن الشركة توقفت عن الدفع خلال الشهور الثلاثة الماضية. كان صاغر قد جاء إلى السعودية من خلال New World Overseas Service Pvt. Ltd. في كتمندو. 

يقول صاغر: "ليس بيدي حيلة. ليس لدي المال، لم أتسلم راتبي لثلاثة شهور، لقد توسلت للحصول على المساعدة من أشخاص كثيرين لكن دون جدوى". 

ومن جهتها، تبحث زوجته، بسانتي، عمن يقدم له المساعدة في النيبال. قامت بزيارة مكتب منطقة شيتوان لمشروع الهجرة الآمنة (SaMi) – وهو مبادرة ثنائية بين حكومة النيبال وسويسرا تقدم الدعم للعمال المهاجرين. 

إلا أن صاغر لايزال عالقا في السعودية. وكذلك زميليه، كريشنا بيشوكارما وديبندرا بي كي. كانوا يقيمون في موقف للسيارات في الدمام لعدة أيام، بانتظار الحصول على المساعدة. 

عندما غادر صاغر بلاده، كان عمر ابنه سنة ونصف. والآن يبلغ الابن من العمر ست سنوات، ويسال باستمرار عن مكان والده ومتى سيلتقيه. تتوسل بسانتي:" أرجو مساعدتنا، ابني وأنا نريده أن يعود لنا".

طلب صاغر وزملاؤه المساعدة من سفارة النيبال، لكن السفارة "اقترحت أن يتواصلوا مع مكتب العمل في الخفجي، ذهبنا إلى هناك، ولكن بلا جدوى". 

ولم ترد سفارة النيبال لدى الرياض على استفسارات Migrant-Rights.org حول هذه القضايا العمالية. 

وبحسب مسئولي (SaMi) يتعرض العمال النيباليون في السعودية لأشكال من الانتهاكات الحقوقية الإنسانية والعمالية مثل مصادرة الجواز، وسرقة الأجور، والإقامة منتهية الصلاحية، والفصل التعسفي، وظروف العمل المزرية بالإضافة إلى استبدال العقود.  

ويقول نابين شيشر بي كي، القنصل في مركز موارد الهجرة للهجرة الآمنة بالنيبال: "إن الانتهاكات في حق العمال المهاجرين النيباليين ليست أمرا جديداً، ولكن يبدو أن الوضع قد تفاقم مع جائحة كوفيد 19. فقد وردتنا، خلال الشهور الأخيرة، شكاوى أكثر بشأن العمل الجبري، وعدم دفع الأجور، والخصم من الأجور."

ويتفق معه راميشوار: "تضاعفت مصاعب العمال لأن بعض أصحاب العمل اتخذوا من الجائحة ذريعة لاستغلال العمال."

في مارس 2021، أعلنت السعودية عن إصلاحات في نظام الكفالة، بما يسمح للعمال بتغيير وظائفهم دون الحاجة لموافقة صاحب العمل، وذلك بعد مرور عام واحد من العمل، أو بعد انتهاء مدة العقد، أو تحت بعض الظروف المحددة. ومع ذلك فإن التقارير تتواصل عن الانتهاكات التي تحدث تحت نظام الكفالة كما يذكر راميشوار: "قد يكون الأمر أفضل لبعض العمال على مستوى الأفراد، لكن بشكل عام، لايزال الوضع كما هو."

التحدي الآخر هو عدم وجود اتفاقية ثنائية بين النيبال والسعودية. وبحسب راجان، رئيس المجلس النيبالي فإنه "لابد من معالجة مشاكل العمال النيباليين على المستوى الحكومي. فقد كان هناك مجهود لإبرام اتفاق بين الطرفين، لكن لا أدري لماذا تأخر الأمر." 

برغم التحديات العديدة في دول المقصد، إلا أن النيباليين منخفضي الدخل أو العاطلين مضطرون للعمل في الخارج. 

كان والد ديباك سينجالي، يام بهادور (48 عاما) قد شهد وفاة ابنه "المفاجئة" في جيزان. يتذكر كيف كان الأمر مروعا أن يشهد وفاة ابنه الوحيد (27 عاما). "عدت إلى الوطن رفقة جثمانه". ويقول: "للأمانة، لا أرغب في العودة مرة أخرى. ولكن ماذا سأفعل هنا؟ فليس لدي عمل. كما أنه ليس لدي مصدر آخر للدخل." 

لم يتسلم يام بهادور، بعد، أية تعويضات من الشركة بعد وفاة ابنه. وعندما تحدث لمثلي الشركة وللسفارة النيبالية في الرياض، لم يتلقَ إجابات واضحة، بحسب قوله. 

بعد شهرين من وفاة ابنه، قرر يام بهادر السفر إلى السعودية حيث كان يعمل راعياً. ويقول: "لقد قضيت 14 عاما في الصحراء مع الخراف والماعز. ولا أعرف كم من السنوات سأبقى هناك، لأنني مديون بقرض قيمته 1,200,000 روبية نيبالية. والآن يتوجب عليّ أنا تسديد هذا القرض."