لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

ارتفاع حالات الهروب مع بداية غير رصينة لإصلاحات نظام الكفالة في السعودية

مع تفشي الفساد والرشاوى، الغاء تهم الهروب يشكل تجارة مربحة للوسطاء

في 25 أبريل 2022

اعتقد عبد الباسط أن دعاء والدته سيفعل المستحيل له. فهو، كملايين العمال الآخرين فقد وظيفته في ذروة تفشي الجائحة، لكنه تمكن من العثور على وظيفة أخرى على الفور تقريبا، بل أنها أفضل دخلا. 

كان يعتقد أن التدخل الإلهي لابد وأن يكون في صفه، لأنه من الواضح أن الاحتمالات لم تكن كذلك: فعبدالباسط لم يكن عليه التعامل مع التداعيات الاقتصادية لكوفيد19 فحسب، وإنما كان يفعل ذلك كمواطن باكستاني في السعودية، وهي واحدة من دول الخليج التي عززت أنظمة توطين الأيدي العاملة لديها.

منذ العام 2011، كانت مبادرات نطاقات تهدف لإحلال العمالة الأجنبية بالسعوديين، ويتم توسيع ذلك بشكل تدريجي ليشمل قطاعات أكثر. وإلى جانب عوامل أخرى مثل ضريبة الأجانب، اضطر عدد كبير من الأجانب لمغادرة البلد بشكل نهائي.

يقول عبد الباسط: «كان على الكثيرين العودة إلى باكستان أو إلى البلدان التي أتوا منها بسبب فقدانهم وظائفهم، وحتى مع استمرار هذه الوظائف، فإن كلفة المعيشة أصبحت مرتفعة مما يجعل الادخار غير ممكنا». ويضيف:«كانت أموري جيدة الحمد لله، والفضل يعود في ذلك لدعاء والدتي (الصلاة). الأمر ليس سهلا لكنني أريد أن أبقى هنا لأنمّي مسيرتي المهنية، إلا إذا لم يعد لدي خيار آخر». 

وبرغم تضاؤل الفرص بسبب السعودة، أراد عبد الباسط العودة إلى جده بعد إنهاء دراسته في الخارج حتى يكون أكثر قربا من عائلته والمجتمع الذي ترعرع فيه. 

ويقول:«لقد نشأت هنا (في جده) ثم ذهبت إلى باكستان من أجل التعليم الجامعي وعدت بعد ذلك للعمل هنا». وهذا ليس بالأمر غير المعتاد، فالكثير من العائلات الجنوب آسيوية في الخليج تبعث أبنائها إلى أوطانهم للحصول على التعليم بتكلفة مناسبة ثم يعيدونهم إلى الخليج على أمل حصولهم على وظيفة أيضا. 

وكان عبد الباسط محظوظا بما يكفي ليحصل على وظيفة جيدة الأجر ليعمل لدى أصحاب عمل جيدين ليس مرة واحدة بل مرتين.

ويعمل عبد الباسط حاليا كمدرس في معهد تدريب مهني راسخ في جده، لكنه لا يرغب في ذكر اسم صاحب العمل الحالي أو السابق.

في يونيو 2020، أخبره صاحب العمل السابق، وهو أيضا معهد تدريب مهني تابع لمركز بريطاني، أن المعهد سينهي خدمات بعض العاملين لمواجهة الجائحة. وأُعطي عدة أسابيع «فترة سماح» للحصول على وظيفة قبل أن يضطروا لإلغاء تأشيرته. 

علم عبد الباسط أنه عليه أن يلتحق بوظيفة أخرى حتى يحصل على كفالة صاحب عمل لتأشيرة عمله والسماح له بمواصلة العيش بشكل قانوني في جده. 

يقول:«لم أواجه في السابق مثل هذه المشكلة مع أصحاب العمل الذين عملت معهم». مضيفا: «أحصل دائما على راتبي بانتظام، أصحاب العمل جيدون. أظن أن معظم المشاكل التي تسمعون عنها تتعرض لها العمالة غير الماهرة، لكن أين تجد مكانا خال من هذه المشاكل؟»

يقول إنه لم يكن قلقا قط بشأن الانتهاكات المرتبط بالعمل التي يواجهها المهاجرون. إن العمال ذوو المهارات العالية في السعودية مثل نظرائهم في أي مكان آخر في العالم، هم أقل تعرضا للاستغلال وسوء المعاملة من العمال الأقل مهارة. 

إلا أن ذلك تغير بالنسبة له بعد أسابيع قليلة من بدء وظيفته الجديدة. فقد تلقى عبد الباسط رسالة نصية تبلغه بوضعه غير القانوني وأنه في حالة«هروب» – ما يعني أن كفيله قدم بلاغ ضده لدى السلطات متهما إياه بالهرب. وعندما ذهب إلى الموقع الالكتروني لوزارة العمل وملأ بياناته الشخصية، تأكد من أنه فعلا، يعتبر هاربا من العمل. وفجأة، أصبح ضحية لنوع من الاستغلال الذي ظن دائما أنه يقع فقط على العمال المهاجرين الأقل مهارة الذين يعملون لدي أصحاب عمل مسيئين. 

يقول:«هذا شي لا يريد أي وافد تجربته» موضحاً:«تهمة الهروب يمكن أن تدمر حياتك، فأنت مجرم في الأساس إن كنت مصنفا تحت تهمة الهروب.»

وهروب هي كلمة عربية تصف الشخص الهارب. وبحسب قانون العمل السعودي، يجب على جميع أصحاب العمل التبليغ عن أي عامل أجنبي هارب من العمل. فيما يعتبر نظام الهروب مصدر قلق رئيسي لدى المدافعين عن حق المهاجرين لأنه يجرّم التنقل الوظيفي ومن الممكن أن يورط العمال في أوضاع عمل مسيئة. 

ويتفشى سوء استخدام هذا النظام من قبل الكفلاء. 

يقول عبد الباسط:«لم أهرب من العمل، لما أفعل ذلك؟ لقد تم انهاء عقدي، وبعد ذلك حصلت على وظيفة أخرى وبدأت العمل بشكل قانوني. لم يكن لدى علاقة سيئة مع أصحاب العمل سواء الحالي أو السابق».

كان على يقين أن الأمر ينطوي على خطأ، لكنه علم أن عليه أن يتصرف بسرعة. فإذا تم حل المشكلة خلال أسبوعين من الممكن الغاء تهمة الهروب بسهولة نسبيا، وهذا ممكن أن يحدث لو قام صاحب العمل والعمال بحل المشكلة بينهم بشكل ودي. لكن، إذا لم يتم حل المشكلة خلال 15 يوم، فلا يمكن رفع التهمة إلا إذا ما تقدم العامل بشكوى ضد صاحب العمل لدى إدارة الجوازات، وتمكن من إثبات عدم هروبه. وحتى في حالة اتفاق صاحب العمل والعامل لحل المشكلة بينهما بعد مرور 15 يوم. فقد لا يكون الغاء تهمة الهروب ممكنا. 

كانت تأشيرة عبد الباسط لا تزال في طور التحويل من صاحب العمل السابق إلى صاحب العمل الحالي، لذلك قام بالاتصال بالأول للحصول على توضيح. 

ويقول:«لم يكونوا على علم بما يجري، فبالطبع أنا لم أهرب. أخبروني أنه ربما يكون هناك خطأ في النظام وطلبوا مني التحدث لمسئول العلاقات الحكومية لأنه كان يتولى أمور التأشيرة والإقامة لجميع العاملين لديهم.»

يعمل مسئول العلاقات الحكومية كوكيل للإشراف على تطبيق المسئوليات المتعلقة بالهجرة والعمل لدى الشركة في السعودية. ولا يشغل هذه الوظيفة إلا السعوديين، الذين يراقبون إدارة جمع الوثائق، والتصديق، والترجمة، ومراجعة المكاتب الحكومية وجميع قضايا التأشيرات والجوازات للعمال. 

قال:«قمت بالاتصال بمسئول العلاقات الحكومية وأخبرني ببساطة أن على أن أدفع له 10,000 ريال سعودي (2600 دولار أمريكي) لإلغاء تهمة الهروب. ببساطة كان يطلب مني رشوة». 

ويضيف:«أعرف جيدا أنه متنفذا، وأنه سعودي. أي أن بإمكانه فعل أي شي. ولذلك لم يرغب صاحب عملي السابق، حتى في التدخل عندما أخبرتهم أنه يطلب مني رشوة برغم أنه بدا عليهم القلق. فهم يحتاجونه لتسيير عملهم.»

يوضح عبد الباسط أن مكتب العلاقات الحكومية ظل يتصل به بشكل متواصل طالبا منه تحديثا بشأن الدفع، وطمأنته بأن هذا الوضع سيتم إزالته فور استلام المبلغ. 

«ظل يقول إن هذه الأمور تحدث في النظام دائما، وأنه سوف يكون قادرا على تغيير وضعي القانوني في النظام فورا إذا ما حصل على المبلغ. لم يذكر أن هذه رشوة، لكني أعرف أنها كذلك.

أجرى عبد الباسط بعض العمليات الحسابية السريعة ليدرك أن دفعه للرشوة قد يكون الأكثر فعالية والخيار – الأقل ثمنا – بالنسبة له: إذا ما ترك الأسبوعين يمران، فهو لن يدفع غرامات بنفس القدر من المال فحسب وإنما سيتم توقيفه، وترحيله وسيواجه منعا دائما من الدخول مرة أخرى. أو، بإمكانه تقديم شكوى لدى المحكمة ضد مسئول العلاقات الحكومية بتهمة بلاغ الهروب الكاذب، لكن من المحتمل أن يضطر لدفع مبلغا أكبر للإجراءات القانونية دون ضمان النتيجة. كما سيعني ذلك أنه لن يكون بإمكانه مواصلة العمل في وظيفته الجديدة، لأن توظيف«الهاربين» يعتبر تصرف غير قانوني. 

دفع عبد الباسط الرشوة وتم تعديل وضعه القانوني خلال ثلاثة أيام. ويقول:«لم يكن لدي خيارا، إذا لم يتغير وضعي في السجلات خلال عدة أيام، سيكون وجودي غير قانوني وسيتم ترحيلي.»

في أبسط الحالات، يتحول المهاجر الذي هو في وضع«هارب»، تلقائيا، إلى غير نظامي ويواجه سلسلة الأحداث التي يخشاها عبد الباسط: الاعتقال، والترحيل، والغرامات العالية والترحيل. أما هؤلاء الذين يواجهون تهما أخرى – كالسرقة – فهم يواجهون الحبس لمدة أطول والغرامات. ويواجه من يتم ترحيله بسبب الهروب، المنع من الدخول مرة أخرى إلى البلد، مدى الحياة (كانت مدة المنع 5 سنوات قبل 2021).

كانت هذه التداعيات هي السبب في تركيز عبد الباسط على الارتياح من«حل» المشكلة خلال الـ 15 يوما الأولى أكثر من خسارته لمبلغ 10,000 ريال سعودي. 

أحد زملائه، مصطفى، فاته الانتباه لإشعار الرسالة النصية. وعندما تمكن مسئول العلاقات الحكومة من الوصل اليه، كانت مهلة الأسبوعين على وشك الانتهاء. 

لم يكن لدى مصطفى المال لدفع الرشوة، لأنه لم يكن بوسعه، مثل عبد الباسط، الحصول على وظيفة جديدة وكان يعتمد على مدخراته لتغطية نفقاته. 

وبذلك، مر الأسبوعان، لكن مسئول العلاقات الحكومية واصل الحاحه بأن لديه علاقات داخلية تمكنه من تعديل وضع الهروب حتى بعد مرور الموعد النهائي إذا ما دفع مصطفى 20,000 ريال سعودي (5300 دولار أمريكي).

يتحدث عبد الباسط عن تجربة صاحبه مصطفى قائلا:«ناقشنا الأمر كثيرا واعتقدنا أن إرسال المبلغ الآن سيكون إهدار للمال لأنه من غير المحتمل أن يتم تغيير وضع الهروب الآن. كنا نعتقد أنه يكذب». مصطفى رفض التحدث بشكل رسمي لكنه سمح لصاحبه عبد الباسط أن يتحدث عن الوضع والمشكلة التي مر بها.

ويحمل مصطفى الذي يعود أصله إلى جنوب آسيا، جوازا استراليا. ويستنفد حاليا كل علاقاته لمساعدته للخروج من البلد دون الحاجة للمرور في مركز الاحتجاز. 

يقول عبد الباسط:«إنه رجل يهتم بعائلته، وكان همّه الوحيد هو القدرة على الخروج كم البلد دون الحاجة لبقاء في السجن». مراكز الاحتجاز التي يُحتجر فيها المهاجرون غير النظاميين بشكل مؤقت تشبه السجون إلى درجة كبيرة. وبحسب صحيفة سعودية، فإن معدل فترة الاحتجاز في هذه «المراكز» لا يتجوز أسبوعين، إلا أن تقارير صدرت عن منظمة هيومان رايتس ووتش ذكرت عن الأوضاع غير الملائمة فيها بما في ذلك الإيذاء الجسدي. 

 «إن الأمر ليس جديدا، لكن أصبح يتكرر كثيرا خلال الآونة الأخيرة، إنها مشكلة كبيرة. عليك أن تعرف ذلك.»

يكرر عبد الباسط حيرته مما تعرض له، هو وصاحبه مصطفى وهما يعتبران من الأجانب ذوي الدخل الجيد نسبيا، من استغلال – وهو ما كان يسمع به بأنه أمر من يعاني منه هم العمال الأكثر ضعفا. 

ومع ذلك، فيقول أحمد*، وهو ناشط سعودي في مجال حقوق المهاجرين، إن بلاغات الهروب الكاذبة ضد العمال المهاجرين من ذوي الدخول الجيدة أصبحت طريقة استغلال منتشرة بشكل متزايد خلال العام الماضي.

يقول أحمد وهو من أصول هندية عاش في الرياض على مدى 33 سنة الماضية:«أن الأمر أصبح أزمة كبيرة». وينشط أحمد في مساعدة العمال المهاجرين الذين يتعرضون لظروف استغلالية. ويشير:«قد لا تتصور عدد الحالات التي تردنا، الآن، يومياً.»

ويوضح أن الإصلاحات التي أجريت على نظام الكفالة والتي تم تطبيقها في مارس 2021، أسهمت في«سوء استخدام» تهمة الهروب. 

ويضيف:«دعوني أخبركم عما حصل. أدركت الشركات والأشخاص من ذوي النفوذ إن قدرة العمال الأجانب على تغيير وظائفهم بسهولة من شأنه أن يكون مضرا لهم. ولذلك فهم يستخدمون تهمة الهروب لإبقاء الأجانب تحت المراقبة».  

وأضاف أحمد أنه لا يعتقد أن إصلاحات نظام الكفالة قد خففت القيود في الممارسة العملية. ويقول:«إنها على الورق فقط برغم الاحتفاء الإعلامي الذي حظيت به الإصلاحات التي تم تطبيقها قبل عام». ويعتبر استخدام الهروب من العوامل التي أبقت على السيطرة القصوى لأصحاب العمل على العمال. 

وكلما زادت معاناة الشركات بسبب حالة عدم اليقين التي تمر بها، زاد استغلالها وإساءتها للعمال الأجانب من جميع الخلفيات الثقافية والجنسيات. 

في هذا السياق، يقول:«أعرف مجموعة من المهندسين الذين تم طردهم من العمل في شركة – كبرى – كانت تعاني من الخسائر، وبعد ذلك، وبدون أية مقدمات، صُدموا باتهامهم جميعا بالهروب، وبذلك لن يكون بإمكانهم العودة إلى السعودية مرة أخرى والعمل من اجل المنافسة.»

ويجرّم القانون بلاغات الهروب الكيدية، ومن الممكن أن تُمنع الشركات لمدة 5 سنوات من مزاولة أعمالها إذا ما عُلم بأمرها، لكن العبء يقع على العمال المهاجرين لإثبات ذلك. فيما البيروقراطية والمتطلبات القانونية للطعن في قضية الهروب باهظة الثمن وصعب الوصول اليها من قبل العمال المهاجرين. 

يقول أحمد إنه صادف عشرات الحالات التي تورط فيها عمال مهاجرين من ذوي المهارات العالية – أشخاص لم يظنوا قط أنهم سيواجهون مثل هذا الانتهاك – كانوا يأتون له بهذه المشاكل. 

«الأمر ليس بالجديد، لكنه أصبح متكررا بدرجة أكبر، أقول لكم إنها مشكلة ضخمة». 

الوضع أشد بؤسا بالنسبة لعمال المنازل

في السابق، كانت جميع الحالات تقريبا التي واجهها تعود للمهاجرين الأكثر ضعفا، خصوصا عمالة المنازل. وهذه الحالات لم تشهد أي انخفاض أيضا.

تستثنى عمالة المنازل من إصلاحات نظام الكفالة وبالتالي فلا يمكنها تغيير الوظائف دون تصريح صاحب العمل الحالي، إلا إذا أثبتوا قيام صاحب العمل بانتهاك شروطا معينة في عقودهم، أو في قانون عمالة المنازل. ولكن، بإمكان صاحب العمل الإبلاغ عنهم بتهمة الهروب بشكل سريع، حتى قبل محاولتهم البدء في إجراءات الشكوى. 

بإمكان أصحاب العمل الإبلاغ عن العمال بسهولة، الكترونيا، من خلال منصة أبشر. وبإمكان عمال المنازل استخدام المنصة نفسها للتأكد من وضعهم القانوني، إلا أن القليل منهم يمتلك المعرفة لفعل ذلك. كما أنه لا سبيل لهم، تقريبا، لإلغاء تهمة الهروب إذا ما وجدت، ويواجهون بذلك الترحيل التلقائي والمنع من الدخول مدى الحياة بعد مرور 15 يوم من تقديم الاتهام. وإذا ما علم عمال المنازل بوضعهم قبل مرور 15 يوم، بإمكانهم تقديم شكوى من خلال جوازات (الإدارة العامة للجوازات)، لكن يجب القيام بذلك شخصياً. 

يقول أحمد:«لا يقتصر الأمر على عدم قدرتهم على تغيير صاحب العمل بسهولة، وإنما أيضا الهروب يعتبر أداة قوية في يد أصحاب العمل». موضحا:«إذا ما كنت من عمالة المنازل، فأنت تتحمل جميع أنواع الإساءات حتى لا تواجه تهمة بالهروب. والأمر لا يتعلق بأن تهرب أو لا – فإذا أراد صاحب العمل، بإمكانه تدمير حياتك ببلاغ كاذب أيضا.»

عاملة المنزل آنا – ماري (27 عاما) من الفلبين. مسجلة كحالة هروب في وضعها القانوني، مضطرة أن تعيش على الأريكة في شقة قريبها – وتبحث عن عمل «غير قانوني».

اتجهت إلى مجتمع الفيس بوك حيث يتبادل مجتمع العمال المهاجرين في السعودية تجاربهم ويقدمون النصح لبعضهم البعض. وإلى جانب بحثها عن الحل، فإنها ترغب في الحديث مع آخرين ممن لديهم نفس تجربتها.

تقول آنا – ماري لـ MR: «كان أصحاب الأسرة يلقون علي أعباء مرهقة من العمل، كما أنني تعرضت للانتهاك الجنسي من قبل أحد الرجال من الأسرة الممتدة الذين يزورنهم»، مضيفة:« تحملت ذلك لأنني بحاجة لوظيفتي، لكن، في أحد الأيام، عنما آذاني كثيرا، أخبرت سيدة المنزل، على أمل أن تساعدني؟».

وتقول، في اليوم التالي علمت أنها وضعها القانوني أصبح«هروب»، وأن عليها أن تغادر المنزل قبل أن يتصلوا بالشرطة.

تقول:«لم أهرب، فقط رغبت أن أحتفظ بالوظيفة. لكنهم لم يرغبوا أن يخوضوا في الدراما العائلية بعدما كشفت ما كان يحدث، وقرروا التخلص مني.»

ومن خلال المجموعة، قامت بالتحدث مع نساء آخرين ممن تم الإبلاغ عنهم بتهمة الهروب في محاولة للنظر في خياراتهم. البعض منهم كان قد ترك صاحب عمل مسيء، فيما امرأة واحدة على الأقل ممن كانت تتحدثن معهن، ثم الإبلاغ الكاذب عنها بتهمة الهروب بعد أن كشفت الاستغلال الذي كانت تواجهه في العمل. 

كانت تبحث عن عمل، وكانت ترغب في مواصلة العمل بشكل قانوني، والتحقت بعدة وظائف بشكل مثالي حتى تم القبض عليها، وتوقيفها ومن ثم إعادتها إلى الفلبين بشكل نهائي.

كانت تتحدث إلى عدد من«الهاربين» من خلال مجتمع الفيس بوك. «غالبيتنا، أصلا، لم تحصل على راتبا كاملا من كفلائنا. وبالنسبة لي، كنت أتعرض لإساءات كثيرة. أعتقد أن على من يتم اتهامهم بالهروب، الاستسلام لمصيرهم بأن يتم القبض عليهم ذات يوم، ويتم سجنهم، ومن ثم إعادتهم إلى بلدانهم إلى الأبد. نأمل أن نتمكن من الادخار قدر الإمكان ريثما يأتي ذلك اليوم.»

ومن خلال مجتمع الفيس البوك، صادفت أيضا بعض الرجال الذين«هربوا» لأنهم يفضلون هذا الوضع. وهؤلاء هم السبب الحقيقي من وراء إنشاء نظام الهروب في المقام الأول، لحماية أصحاب العمل الذي ينفقون الكثير من المال لكفالة واستقدام العمال المهاجرين للعمل لديهم. 

عبد الباسط أيضا على دراية بالعديد من العمال «الهاربين».

فتطرق إلى حي يسكنه المهاجرون في جده.«فقط اذهب إلى هناك وأتحدث للرجال. من الباكستانيين، واليمنيين، والهنود، والمصريين، الجميع هناك. غالبيتهم في وضع«الهروب» ويعملون كسوّاق أو في المصانع. وعلى عكسي، اختاروا الهروب من أصحاب عملهم.»

وقامت MR بزيارة الحي والتحدث مع عدد من الأشخاص.

لم يرغب أحد منهم في ذكر اسمه، أو كشف هويته بأي شكل من الأشكال، لكنهم عبروا عن الشهور بالارتباح بشأن الخيار الذي رسوا عليه.  

يقول عامل هندي في الثلاثينات من عمره:«من الممكن أن يكون الكفيل شريرا جدا ولا يدفع الرواتب.» ويضيف:«بدلا من العمل الجبري من أجل راتب قليل بدون أجر، فعلى الأقل بإمكاني البحث عن عمل هنا وهناك بنفسي ودعم عائلتي في بلادي. وإذا ما تم القبض علينا فسوف نغادر. من خلال السجن ولكن لا يهم.»

ويضحك، ربما لسخافة واقعه، عندما ذكر السجن.«الطريق الوحيدة للخروج بالنسبة لنا جميعاً، هي من خلال السجن مهما حدث. وحتى يحين ذلك الوقت، نحاول، كلنا أن نبعث أكبر قدر من المال لأهلنا في الوطن.»

*تم تغيير الأسماء