لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الموت انتحاراً

مهاجرون نيباليون يعانون من العزلة وخيبة التوقعات والأعباء المالية

في 22 يونيو 2022

أقدم على الأقل 579 مهاجر نيبالي على الانتحار في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الـ 11 عاما الماضية بسبب مواجهتهم الضغوط الجسدية والنفسية، وذلك وفق بيانات تمت مراجعتها من قبل Migrant-Rights.org. 

وأظهرت بيانات التي تم الحصول عليها من مجلس العمالة الخارجية أن الوفيات بسبب الانتحار تشكل 11% من إجمالي 5,511 حالة وفاة في المنطقة. وحدثت 37% (216) بين حالات الانتحار هذه في السعودية، و27% (154) في قطر، و24% (138) في الإمارات، و8% (46) في الكويت فيما قضى 4% (25) المتبقية نحبهم انتحاراً، في البحرين وعمان. 

تؤثر الأعباء المالية، وأوضاع العمل السيئة، والعزلة، وخيبة التوقعات بسبب عدم تلبية ما تنص عليه عقود العمل، وأمور أخرى، بالإضافة إلى الافتقار للدعم الاجتماعي، على جودة حياة العمال في الخليج. ويخشى الخبراء ألا يتحسن هذا الوضع قريبا، في ظل الجهود القليلة التي تكاد تكون معدومة لتحسين أوضاع الصحة الجسدية والعقلية للعمال. 

يقول البروفيسور ساروج براساد أوجا، رئيس الصحة العقلية والطب النفسي في جامعة تریبهوان، إن حالات الانتحار أو تلك المتعلقة بمشاكل الصحة العقلية بين العمال المهاجرين النيباليين أصبحت أكثر شيوعاً خلال السنوات الأخيرة. 

«لقد شاهدت مئات من العمال المهاجرين وأزواجهم ممن يعانون من الأرق، والقلق، والاكتئاب الحاد، وإذا لم تحصل هذه الحالات على الرعاية الصحيحة في الوقت المناسب فمن الممكن أن تدفع هذه الأعراض للأمراض العقلية، هؤلاء الأشخاص للانتحار.»

ويعتقد البروفيسور ساروج أن ارتفاع حالات الانتحار هي «حالة طوارئ صحية» بالنسبة للنيباليين، بصرف النظر عن المكان الذي ينتحر فيه هؤلاء الأشخاص. كما يعتقد أن كثير من الأرواح كان من الممكن انقاذها لو كانت خدمات الصحة العقلية متاحة، ومن السهل الوصول اليها.

وقال الدكتور بابو راجندران، وهو طبيب مقيم في البحرين، لباحثين في مشروع المؤشرات الحيوية، إن أكثر الأوضاع الطبية الضاغطة التي تواجه المهاجرين هو الاكتئاب وإدارة الأوضاع المزمنة. 

«ولا يعتبر الاكتئاب من الحالات غير الشائعة في العالم. الوحدة تقود اليه. وهناك حالات انتحار تحدث في معسكرات إقامة العمال. لكنني أجد المشكلة أكبر في الحالات ضمن الفئات الأعلى – المشرفين. فهم لا يحصلون على الرعاية الصحية، وهم ليسوا وحدهم في ذلك، فهم ليس لديهم دعم مجتمعي، وعليهم التعامل مع الضغوطات الآتية من أوطانهم، ولا تفهم عائلاتهم حجم الضغوطات. فهم يودون العودة، لكنهم لا يعرفون السبيل لذلك.»

وسلط متخصص في الصحة العقلية مقيم في قطر، وتحدث أيضا للباحثين في مشروع المؤشرات الحيوية، الضوء على نهج الفروقات الجندرية لدى العمال المهاجرين فيما يتعلق بالصحة العقلية. «يوجد لدى الإناث ثقة أكبر في البحث عن المساعدة للصحة العقلية، خصوصا هؤلاء اللاتي يعملن في قطاع الخدمات. فعندما يتعرضن لنزاعات أو لأوضاع عمل سيئة أو وضع أسري سيء فإنهن يبحثن عن المساعدة. وتعتبر النساء والرجال الفلبينيين أكثر انفتاحا لطلب المساعدة، الهنود أيضا أحيانا ولكنهم يأخذون وقتهم في ذلك.»

ومع ذلك فإن الذكور من المهاجرين يتعامون مع الأمر كوصمة عار، «أغلب الاتصالات التي ترد خط المساعدة في قطر تأتي من رجال يعملون في مواقع إشرافية، ولديهم مشاكل تتعلق بسوء الفهم مع أسرهم في الخارج. فهؤلاء يصعب على أسرهم التعامل مع ما يمرون به. وعندما تسوء الحالات نقوم بتحويلهم للمساعدة الطبية.»

«يصاب الكثير من المهاجرين بنوبات هلع في العمل. وأسألهم كيف يتعاملوا مع الأمر فردوا أنهم يذهبون إلى مكان ما بمفردهم، دورات المياه، يأخذون وقتا حتى يهدأون. يقولون إنهم لا يستطيعون النوم بسبب ذلك. البعض يفقد شهيته بسبب ذلك. يجدون طرقا للتأقلم مع الأمر برغم أنهم لا يعلمون حقيقة ما يمرون به. ومن بين الرجال. فإن أكثر المحفزات تأتي من العمل في قطاع الإنشاءات، والصعود لارتفاعات شاهقة أو صعوبة إنهاء العمل المطلوب، حينها يصابون بنوبات القلق.»

ولكن، كما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن المشاكل العمالية تتسبب في مثل هذه النوبات.

«بعد ذلك يساعدهم الأخصائيون الاجتماعيون لتقديم الشكاوى. صادفني اثنان يفكران في الانتحار. وإذا ما أرادوا عمل شيء حيال الأمر، فسنقول لهم إن بإمكانهم الحصول على المساعدة، كل ما في الأمر هو الحديث معهم عن الوضع والتواصل معهم. خلال الجائحة، لقد تلقينا مزيدا من الاتصالات بسبب تضخّم محفزات نوبات القلق– خفض الأجور، عدم دفع الأجور، والاستغناء عن الخدمات.»

 

أعلاه: بعض العمال المهاجرين النيباليين الذي قضوا نحبهم انتحارا في الخليج

الآراء الطبية صداها مختلف قليلا بين أسر المتوفين

أكّدت مقابلات أجريت مع عائلات ثمانية من العمال الذي ماتوا منتحرين، إن العمال كانوا تحت عبء الدين خلال فترة عملهم في الخارج. كما ذكروا أنهم كانوا يستلمون أجور أقل من تلك التي تم الاتفاق عليها قبل مغادرتهم أوطانهم، أو أنهم غير راضين عن عقود عملهم. وكانوا قد عملوا ساعات عمل أطول لكسب المزيد من المال برغم قسوة ظروف العمل. 

كان رام كومال موخيا بن، واحدا من كثير من النيباليين من ذوي الدخول المنخفضة الذي انتحروا في الخليج.

ذهب بن إلى قطر بينما كان غارقاً في الديون ويكافح من أجل معيشته، تاركاً ورائه زوجته وطفلين ووالديه المتعبَين في موطنه في جنوب النيبال. كان رام كومار قد استلف قرضا بقيمة 800,000 روبية نيبالية (6,545 دولار أمريكي) من أحد المقرضين المحليين لتغطية مصاريف مهر أخته. وفي مكالماته لزوجته، كان يبدو حزينا لعدم قدرته على كسب ما يكفي ليسدد القرض، في الوقت الذي كان المقرض يهدد بالاستيلاء على منزله إذا لم يتم سداد القرض بسرعة.

على مدى 7 شهور، عمل رام كومار كعامل بناء، يكسب 900 ريال قطري (250 دولار أمريكي) شهرياً، وكان يبعث كل أجره لأسرته لشراء الطعام، والدواء، ودفع رسوم المدارس. كان يحفر الأرض لتركيب أسلاك الكهرباء، ويعمل ساعات عمل إضافية بدون راحة، حتى خلال درجات الحرارة المرتفعة، لكنه مع ذلك لم يتمكن من تخليص نفسه من الديون الجائرة. وأدى خذلان رام كومار بظروف العمل الشاقة، والأجر المنخفض إلى انتحاره في 16 سبتمبر 2020 بعمر 28 عاماً.

قالت زوجته ديفاكي موخيا: «لو كان بمقدرة زوجي دفع الدين لما انتحر، فهو لم يكن يريد العمل هناك لكن كيف يمكنه التصرف تحت وطأة الدين الضخم؟»

غالبا ما كان رام كومار يخبر زوجته بتوبيخ صاحب العمل للعمل إذا ما اقتطعوا وقتا للاستراحة. وفي محادثتهم الهاتفية الأخيرة، قبل وفاته بيوم واحد قال لزوجته أن جسده يؤلمه كثيرا بسبب حجم العمل الكبير الذي يؤديه.

ديفاكي موخيا، زوجة رام كومار موخيا بن مع ابنها وابنتها آروشي كوما – تصوير برامود آشاريا

قالت ديفاكي: «نحن فقراء، وليس لدينا طريقة أخرى لتسديد القرض. كان راتبه ضئيلاً». وتضيف: «لماذا ينتحر لو كان كل شيء على ما يرام؟»

مؤخراً، سددت ديفاكي القرض من المال الذي تسلمته كتعويض من حكومة النيبال عن وفاة زوجها (700,000 روبية نيبالية (5,000 دولار أمريكي) من صندوق رفاه العمالة الخارجية، و1,400,000 روبية نيبالية (11,200 دولار أمريكي) من نظام التأمين النيبالي). وتقول: «ليس لدي قرض الآن، لكن ليس لدي زوج أيضا. كيف سأربّي أطفالي وحدي؟ كيف سأرعي والديّ؟ لا أمتلك عقاراً. من أين أطلب المساعدة.»

"يقول نيراجان ثاباليان، رئيس منظمة العفو في النيبال: «تعتبر دورة الديون طويلة الأمد واحدة من عوامل كثيرة تضغط على العمال منخفضي الدخل وتضطرهم لتحمل أوضاع عمل غير إنسانية.»، مضيفاً: «الصدمة الثقافية، والديون، والتشتت العائلي، وبعد المسافة – جميعها عوامل تبدو مرتبطة بأفكار الانتحار لدى العمال المهاجرين.»"

كان محمد نداف مسور دنيا، الآتي من جنوب النيبال، يعمل كعامل تنظيف في مجلس (مساحة مشتركة في البيوت الخاصة حيث يتم الترفيه عن الضيوف من الذكور) في قطر، وهو المكان الذي وُجد فيه ميتا بعد أن انتحر في أغسطس 2021. وفي محادثاته الهاتفية لزوجته كان دائما يقول: «لدي العديد من الضغوطات. لم أتمكن من كسب المال كما هو متوقعاً. كيف يمكنني أن أوفر المال لزواج ابنتي ولدراسة ابنائي؟»

كان الشاب البالغ من العمر 41 عاما قد عمل في السعودية سابقاً. ولم ترد له زوجته، ميرول خاتون، مواصلة العمل في الخارج بسبب عدم تحقيقه أي تقدم مالي، إذ كان راتبه ضئيلاً وغير منتظماً. ولكن من أجل توفير المال لمهر ورعاية ابنتهم التي تعاني مرضا مزمناً، قرر محمد نداف الذهاب إلى قطر، حيث وُعد براتب قدره 900 ريال قطر (250 دولار أمريكي). فقام باقتراض روبية نيبالية 450,000 (3,670 دولار أمريكي) لدفع هذه المصاريف بالإضافة إلى تكاليف توظيفه.

تعتقد ميرول أنه انتحر بسبب الضغط المالي. 

Mahamad Nadaf Masur Dhuniya’ wife Mairul Khatun. Photo: Pramod Acharya

وعلى بعد أميال قليلة من ميرول، تعيش هيرا ديفي كاباري، التي تعتقد أيضا أن زوجها لم يكن ليموت لو لم لديه قرض. تذكرت هيرا ديفي آخر محادثة هاتفية مع زوجها قبل أسبوع من وفاته.

قالت هيرا ديفي: «في ذلك اليوم أخبرته أن الدائن يكرر طلبه بسداد القرض. ثم حاول مواساتي، أعتقد أنه كان خائفاً من القرض.»

قبل الذهاب إلى قطر، قال وكيل لاليت له إنه سيحصل على وظيفة سائق براتب قدره 1900 ريال قطري (520 دولار أمريكي). ولكن، وفق زوجته، فإنه منذ أن وصل إلى قطر بدأ كعامل بناء براتب 1000 ريال قطري (275 دولار أمريكي). وكان قد اقترض 900,000 روبية نيبالية (7,361 دولار أمريكي) من مُقرض محلي. كانت العائلة قلقة من تراكم الديون في ظل فائدة سنوية مرتفعة بلغت 36%.

وُجد لاليت ميتاً بالقرب من شجرة في 2021.

يقول نيراجان ثاباليان، رئيس منظمة العفو في النيبال: «تعتبر دورة الديون طويلة الأمد واحدة من عوامل كثيرة تضغط على العمال منخفضي الدخل وتضطرهم لتحمل أوضاع عمل غير إنسانية.»، مضيفاً: «الصدمة الثقافية، والديون، والتشتت العائلي، وبعد المسافة – جميعها عوامل تبدو مرتبطة بأفكار الانتحار لدى العمال المهاجرين.»

تعاني الكثير من الأسر لتفهم مسألة الانتحار والتأقلم مع تداعياته المالية عليهم. 

بالنسبة لميساريا تيروا من غرب النيبال، فإن صدمتها بانتحار زوجها كبيرة ومفاجئة. فقد عمل زوجها بال بهادور كامي (33 عاماً) لمدة 5 سنوات في أعمال البناء في قطر. وعُثر عليها ميتاً في غرفته في 2 فبراير 2021. 

تقول ميساريا: «كان شخصا رزيناً وهادئاً، لم أتخيل قط أن ينتحر. كيف لي أن أعرف من هنا ما كان يدول في رأسه؟»

كان بال بهادور قد اقترض 200,000 روبية نيبالية (1,630 دولار أمريكي) من مقرض بقريته لدفع تكاليف فحوصات ابنه ذو الاحتياجات الخاصة، ولنفقات الأسرة. كما اقترض 60,000 روبية نيبالية (490 دولار أمريكي إضافية لدفع رسوم التوظيف.

قبل وفاته، كان بال بهادور وزوجته يتحدثان لساعات بشكل يومي. تقول ميسارا أنها وجدته طبيعيا في آخر محادثة بينهما قبل يوم واحد من وفاته، مضيفة: «عندما سمعت أنه لم يعد موجودا، لم أصدق، فلم يخبرني قط بما يمر به من مصاعب».

تشك ميسارا أن زوجها كان قلقاً بسبب القرض وضغط تربية الأطفال على راتبه الضئيل. كان يكسب 30,000 روبية نيبالية (245 دولار أمريكي) فقط شهريا، كما تقول ميسارا أنه لم يكن يتسلم راتبه لشهور. وعندما أطلب منه المال كان يقول إن الشركة (صك للتجارة والمقاولات) لم تدفع حتى الآن. «الله أعلم بما حدث له فجأة.»

ميسارا تيروا مع ابنتها ساريتا (أقصى اليمين)، كالبانا (الثانية من اليمين) وابنها عمريت (بجوار ميسارا). تصوير: ريتيكا رقية

بعد وفاته، أصبحت مسئولية سداد القرض، ورعاية الأسرة كلها تقع على عاتق ميسارا التي تقول: «كيف يمكنني سداد الدين، ليس لدي المال لذلك، لا يمكنني حتى الذهاب للعمل، فليس بمقدروي ترك طفلي المعاق وحده في البيت.»

كان زوج راجكوماري باتالا، ديب بهادور باتالا، 40 عاما، عاملا في قطاع الإنشاءات في قطر. وبحسب سجله العمالي فقد عمل ديب بهادور لدى جيفرسون الدولية للتجارة والمقاولات براتب قدره 900 ريال قطري (250 دولار أمريكي). وتم العثور عليه ميتاً في سكنه العمالي في 19 فبراير 2022. 

وبسبب انتهاء عقد عمله قبل وفاته، لم تكن عائلته مؤهله للحصول على تعويض من نظام حكومة النيبال للتأمين. وكانت راجكوماري قد باعت قطعة الأرض لتسدد القرض الذي تصل قيمته إلى 255,000 روبية نيبالية (2,070 دولار أمريكي)، ولكن كان عليها أن تقترض من جديد من أحد القرويين لتغطية نفقات جنازة زوجها ومصروفات الأسرة. وبلغت قيمة القرض 100,000 روبية نيبالية (800 دولار أمريكي). 

ليس لدى راجكوماري أدنى فكرة عن كيفية تسديد هذا الدين. فقد قامت أيضا ببيع بعض الماعز لدفع رسوم التوظيف لنفسها للعمل في الخارج. لكن ابنيها وعمرهما 16 عاما و11 عاما لم يسمحا لها بالذهاب. إنها غير متأكدة كيف ستوفر سبل العيش لأسرتها. 

تقول: «لا يمكنني الذهاب للخارج للعمل وترك ولداي هنا، كما أني لا أستطيع الحصول على عمل هنا». وتضيف: «قلبي يبكي عندما أفكر في مستقبل أبنائي، مالذي بيدي فعله؟ الآن أعطاني أقربائي الطعام وهذا ما أتناوله وأطعمه لأبني (لكن) أنا قلقة. إلى متى يمكنهم تقديم الدعم لي؟» 

 

قصص مثل هذه موجودة في جميع أنحاء النيبال

كان إيشور تامانغ، الآتي من منطقة داهدينغ النيبالية، يعمل سائقا في قطر. وكان يعمل في البلد منذ 2019. وبحسب سجله العمالي، الشركة التي أخذت كفاله إيشور أثناء تعيينه كانت Qatar Tractor & Equipment Co، وكان راتبه يبلغ 1,500 ريال قطري (412 دولار أمريكي).

في 21 أكتوبر 2021، وُجد تامانغ ميتا بالقرب من مكان عمله في الدوحة. علمت زوجته، ديلمايا تامانغ بخبر وفاته من نيباليين آخرين في قطر. والآن ديلمايا تشعر بالقلق الشديد على مستقبل بناتها. تقول: «جمعيهن صغيرات في العمر، لا أعرف كيف سألبي احتياجاتهم وحدي. أود أن أجعل مستقبل بناتي أفضل، لكنني لا أدري إن كان بإمكاني ذلك». لدى ديلمايا 5 بنات وجميعهن أقل من 16 عاماً.  

وتعمل الزوجة في حقل زراعي حيث تعيش في داهدينغ، وتزرع الخضروات وتربي الحيوانات. وعليها أن تسدد دينا بقيمة 200,000 روبية نيبالية (1,635 دولار أمريكي) إذ كان زوجها قد اقترض من أحد القرويين لدفع رسوم التوظيف. 

 

فاقمت جائحة كوفيد 19 أوضاع العمال بشكل غير مسبوق 

في أبريل 2020، عندما كانت حالات كوفيد 19 تتزايد في قطر، توفي باين بهادور بيشوكارما منتحرا بالقرب من بوابة المعسكر العمالي. في اليوم السابق اتصل بعائلته في بخاره وكان خائفا ومهزوزا بسبب إصابة زميله بكوفيد 19. أخبرهم أنهم سيعودون إلى أوطانهم فور تباطيء الإصابات.  

يشعر ابنه راج الذي علم بوفاة والده من عامل نيبالي آخر، بالظلم والضيق من السلطات القطرية والشركة لعدم تزويدهم بتفاصيل عن وفاة والده. 

عائلته غير متأكدة من سبب انتحاره، يقول ابنه راج بيشوكارما: «أعتقد أنه الخوف من الإصابة، عدا ذلك فإن والدي كان رجلاً قويا للغاية».

في أثناء ارتفاع حالات كوفيد 19 في يونيو 2021، عُثر على تانكا بهادور بيشوكارما (50 عاما) ميتاً خارج مكان عمله في السعودية. بعد يومين، علمت عائلته في شيتوان بالنيبال بخبر وفاته. قالت ابنته بريتي بوخريل: «أخبرونا أنه انتحر، لكن حتى الآن لا يمكنني تصديق ذلك. والشركة لم تقل أي شيء عن الوفاة. كان الأمر غامضاً.»

عمل تانكا بهادور كعامل بحري. ولتحقيق دخل إضافي، عمل كخياط في معسكر السكن العمالي في أيام إجازاته وبعد انتهاء نوبات عمله. 

قبل وفاته بيوم واحد، بدا طبيعيا في محادثة هاتفية لكنه كان يسعل. وتقول بريتي: «أنا لست متأكدة أنه انتحر بسبب خوفه من كوفيد، أعاني من أجل معرفة كيفية موته. حتى وإن كان قد انتحر فعلا، فعلى الشركة ابلاغنا».

زوجة أنجان داس، اوشا سوبا ووالده نيرندرا بهادور دارجي- تصوير برامود آشاريا

في شرق النيبال، تشعر اوشا (23 عاماً) بالقلق على مستقبل ابنتها ذات الـ 4 أعوام. فقد انتحر زوجها هذا العام. وتقول: «لا يمكنني حتى التفكير فيما عليّ فعله كي أربّي ابنتي الصغيرة».

كان زوجها، أنجان داس (22 عاماً) يعمل بائعاً في سوبر ماركت في الدوحة عندما انتحر في 5 فبراير 2022. كان مكان إقامته على بعد خطوات من السوبر ماركت، وكان يذهب اليه لتناول الغداء أو لقسط من الراحة خلال فترة الاستراحة خلال اليوم. 

وفي ذلك اليوم، ذهب إلى غرفته في معسكر السكن العمالي مع أصدقائه لتناول الغداء. وعاد أصدقائه للعمل، لكنه أخبرهم أن سيبقى لبعض الوقت. وعندما عاد الأصدقاء بعد انتهاء نوبات عملهم في المساء، وجدوه ميتاً في دورة المياه. 

قال زميل له في الدوحة: «كان يبدو حزيناً بعض الشيء قبل أيام من وفاته. كما كان قليل الكلام. اعتقدنا أنه شعور طبيعي ينتاب كل من يعيش بعيداً عن عائلته»، ويضيف: «لا يمكنني أن أقول سبب وفاته بالضبط، لكن قد يكون ذلك بسبب الوحدة والاكتئاب».

بدأ أنجان العمل في السوبر ماركت في 2019، لكنه عاد مؤخراً بعد أن قضى إجازته في النيبال. وكان قد اشترى قطعة أرض هناك مستخدماً مدخراته بالإضافة إلى اقتراضه من منظمة تعاونية محلية. كان يريد بناء منزلاً بعد عودته من قطر. وكانت ابنتهم قد بدأت للتو المدرسة الابتدائية. 

وكان قد خرج من الحجر الصحي في الدوحة قبل أسبوعين، بعد أن ثبتت إصابته بكوفيد 19 بعد عودته. وأسرته غير متأكدة إن كان الحجر الصحي قد أثّر على صحته العقلية أو أنه فاقم حالته. 

موظفون يضعون تابوت عامل نيبالي على عربة في مطار كتمندو – تصوير برامود آشاريا

بشكل عام، تشير البيانات إلى أن وفيات الانتحار أصبحت أكثر تكراراً من دول الخليج خلال السنوات الأخيرة. ففي خلال 11 سنة الماضية، كان الانتحار هو ثالث الأسباب المؤدية للوفاة بين العمال النيباليين في السعودية، بعد الوفاة الطبيعية وحوادث الطرق. وفي الإمارات، وعمان والكويت، يعتبر الانتحار ثاني الأسباب المؤدية للوفاة (بعد السكتة القلبية، وأسباب الوفاة الطبيعية والنوبات القلبية على التوالي). 

وثّقت العديد من الدراسات مدى تكرار حدوث مشاكل الصحة العقلية بين المهاجرين النيباليين. وتشير دراسة أعدت في 2019 من قبل مهنيين صحيين إلى «أن عوامل مثل التوقعات العالية للأسر في الوطن، والمعاملة غير العادلة في العمل، وسوء أوضاع العمل والمعيشة، والتمييز في العمل، والعزلة الاجتماعية في الخارج، من شأنها أن تحفز الإصابة بالأمراض العقلية لدى المهاجرين النيباليين». كما وجدت دراسة أخرى أعدت في2021 «أن المشاكل العائلية المتراكمة بسبب الأعباء المالية وخيبة التوقعات هي أهم العوامل المرتبطة بضعف الصحة العقلية لدى العمال المهاجرين». 

استمع المتحدث باسم إدارة التوظيف الخارجي، كريشنا براساد بوسال للعديد من الشكاوى من العمال حول استبدال العقود، وسرقة الأجور، وأوضاع العمل الصعبة، والأجور الضئيلة التي يتسلمها العمال. «إنهم يتوقعون شيئا وهم في النيبال، ثم ينتهي الأمر بهم بمواجهة شيء آخر في دول المقصد. هذا النوع من الأوضاع يخلق المشاكل لهم. إنهم يتعرضون لضغوطات جسدية ونفسية». 

وقال رئيس منظمة العفو الدولية في النيبال، نيراجان إنه برغم المشاكل المتزايدة، فإن مشاكل الصحة العقلية تبقى «ظاهرة منسية». وأضاف: «على الحكومات ذات العلاقة أن تستثمر الجهود لمنع ذلك. كما أن على الجميع الانتباه لهذه المشكلة، بدءً من ذوي العلاقة المحليين وحتى منظمات حقوق الإنسان الدولية».

قال البروفيسور ساروج: «لابد من إدخال سياسة على المستوى الوطني في أقرب وقت ممكن لمنع حدوث الانتحار. فالعمال المهاجرين من بلدنا المعتمدة على التحويلات من الخارج يستحون رعاية مناسبة للصحة العقلية».

توصيات

– يتوجب على دول الخليج توفير الدعم النفسي – الاجتماعي للعمال المهاجرين، وأن يتم تغطيتهم في أنظمتها للرعاية الصحية بشكل صحيح.

– يجب معالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى تفاقم المرض العقلي أو الدفع إلى اليأس بما في ذلك العزلة الاجتماعية، وسوء أوضاع العمل والمعيشة، وتأخير حل النزاعات التي تقع في مكان العمل.

– يجب على دول الأصل تحسين التوعية ما قبل اتخاذ القرار، وما قبل المغادرة، الأمر الذي يساعد العمال للتأقلم مع العمل والعيش في دولة أجنبية. ومع ذلك، فالمسئولية النهائية عن جودة حياة العمال يجب أن تقع على وجهة المقصد وهي دول الخليج وأصحاب العمل فيها.

– يجب على أصحاب العمل وإدارات الموارد البشرية لديهم، الانتباه بشكل خاص للصحة العقلية لعمالهم، بتمكينهم من الوصول للاستشارات الصحية متى ما تطلب الأمر.

– يجب على سفارات دول المنشأ، حيث تعمل، أن توفر الدعم لرفاه العمال من مواطنيها.