لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

برغم الإصلاحات والضجة الدولية، العمال في قطر لا يزالوا غير مسموعين وغير مرئيين

هل تستمر وتيرة التغيير بعد كأس العالم؟

في 10 نوفمبر 2022

من المقرر أن تنطلق خلال أسبوعين، من استاد البيت في قطر، مباريات بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال. فيما تتصاعد الاحتجاجات، والانتقادات، والإنكار إلى مستويات غير مسبوقة. 

وفي حين أجرت قطر إصلاحات لقوانينها، وأصبحت أكثر انفتاحاً من باقي دول الخليج في التعامل مع منتقديها، إلا أنها ستخرج من كأس العالم دون أن تحقق تغييرات حقيقية أو أن تتعامل مع من كانوا الأكثر تأثرا بقوانينها وسياساتها. تعرف قطر أن بإمكانها التعاطي مع النقاد الغربيين، وهي على معرفة تامة بأن ذلك لن يغير بالضرورة شيئاً على أرض الواقع.

ويبدو أن انتقاد الممارسات القطرية، والتعامل معها والإهانة والدفاع وتصفية الصورة، وتكرار ذلك، قد لعب دوراً لصالح قطر. فمادام هذا النقد يأتي من هؤلاء الموجودون في الخارج فإن الرد سيكون في صورة استخدام أدوات علاقات عامة مكررة تحوي نواة من الحقيقة – أحيانا تتباهي بالتقدم وأحيانا أخرى تدعي بأنها ضحية لهجوم منظم ضدها. 

من المطار الذي يستقبل المشجعين، فالسيارات التي تنقل الضيوف إلى فنادقهم، إلى الفنادق نفسها، كل جزئية وكل حركة في قطر أصبحت ممكنة بفضل عمل مليون ونصف من العمال من مختلف دول آسيا وأفريقيا. فيما الرجال والنساء الذين لم يتم توظيفهم بناء على مهاراتهم وحدها، وإنما لمدى ضعف تقييم مهاراتهم، حتى يؤدوا الخدمات اللازمة دون أن يكون لهم مكانا في البلد أو أن يطالبوا بأي نوع من الانتماء، أصبحوا غير مرئيين من قبل النظام، ومحاصرين في «نظام طبقي قائم على الأصل الذي ينحدرون منه. »

هؤلاء المئات الآلاف من العمال، ليس لديهم صوت للشكوى عن قضاياهم، وقد تم استبعادهم عمداً من المفاوضات والدفاع عن حقوقهم. ويُنظر للعمال المهاجرين منخفضي الدخل على أنهم بحاجة للتدخل الخارجي، لكن من المُبخص في حقهم أن يتم النظر إليهم على أنهم جميعا بالكاد ضحايا. وفي حين لا توفر قطر نفسها لهم منصة للتعبير عن أنفسهم، فإن المنظمات الدولية التي تتعامل معها الدولة تلغي دور «حارس البوابة» متنصلة عن دورها لمساعدتهم، وتتعامل مع تجارب العمال بما يتناسب مع أجندتها. 

لذلك، فأنت ترى الآن اتحاد دولي محترم ممن له دور فعال في الزام قطر بإجراء الإصلاحات العمالية، يروج حاليا وبشكل متكرر لأنصاف الحقائق حول انتهاء نظام الكفالة (لكن الحقيقة المرّة أن النظام لازال حيّا) ، وذلك من أجل المحافظة على علاقاته مع الحكومة. كما ترى وسائل الإعلام المحلية تنشر، وبشكل متكرر، إنكار الحكومة وقصص نجاحها بدون أي مسائلة للتحقق مما يصلها من تقارير. وفي الوقت نفسه، تواصل المنظمات الإعلامية الدولية تقديم تقاريرها حول المشكلة بدرجات متفاوتة من المصداقية. 

أما القلة من العمال الذين تجرأوا ورفعوا أصواتهم وتحدثوا عن المشكلة، فقد تعرضوا للإساءة، والاحتجاز والترحيل

اختارت قطر، وعلى مدى 12 عاما، مواجهة ومحاربة وابل النقد العالمي، بدلا من خلق بيئة مناسبة للصحافة الحرة، وحرية تشكيل الجمعيات، وإتاحة الفرصة للمجتمع المدني لترسيخ جذوره، رغم أهمية الشركاء الأساسيون لصنع التغيير من أجل مجتمع أكثر عدالة. 

استسلام أو الترحيل

إن السماح لمجتمع مدني نابض سوف يعني أن المزيد من العمال قد تصدوا وحاربوا من أجل حقوقهم، وطالبوا أن يتسلموا أجرا نظير ما قاموا به من عمل، وطالبوا أن يتم التعامل معهم بكرامة. لكن الآن، تمت معاقبة القلة الذين وقفوا في وجه التيار واحتجوا، إجراءات شديدة وقاسية.

تدعى الدولة أن الأمر يتعلق بالقانون والنظام، لكن الحقيقة هي أن الاحتجاج كان شرعياً طالبوا فيه بالحصول على أجورهم. حتى قطر ليس بإمكانها إنكار ممارسات سرقة الأجور المتفشية في البلد. ويشهد تقرير متابعة صدر هذا الأسبوع عن منظمة العمل الدولية أن ممارسة سرقة الأجور (عدم دفع الأجور) هي فعلا متفشية. 

«تسلمت وزارة العمل 34,425 شكوى في الفترة من أكتوبر 2021 وأكتوبر 2022، وذلك من خلال منصة الشكاوى الالكترونية. (…) وكما هو الحال خلال العام الماضي، كانت الأسباب الرئيسية للشكاوى هي عدم دفع الأجور، ومستحقات نهاية المدة، ومخصصات الاجازة السنوية. وفي 84% من القضايا التي نظرتها مراكز خدمة العملاء، أصدر القاضي حكماً لصالح العامل.»

وباعتراف من قطر نفسها، فإن هذه مشكلة واسعة النطاق، ومع ذلك فليس من حق العمال الاحتجاج، أو التفاوض بشكل جماعي، حتى مع وجود النقابات العمال الدولية على طاولة المفاوضات مع المسئولين الحكوميين. كما سيعني السماح للعمال بالتحدث عن مشاكلهم بصوت عالِ، إدماجهم أكثر في المساحات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، الأمر الذي سيسلط عليهم الضوء ويجعلهم مرئيين. بالإضافة إلى أن ذلك، مرة أخرى، لا يتسق مع التألق الذي تطمح له قطر. ولذلك فقد تم تهميش وعزل كل ما ينظر اليه على أنه أمر غير مرغوب في النشاط الاقتصادي والعمالي. كما يتضح من إخلاء العمال منخفضي الدخل (الذين يطلق عليهم «العزاب») من المناطق الرئيسية في المدينة في إطار «التنظيف» قبل بدء فعاليات كأس العالم. 

"اختارت قطر، وعلى مدى 12 عاما، مواجهة ومحاربة وابل النقد العالمي، بدلا من خلق بيئة مناسبة للصحافة الحرة، وحرية تشكيل الجمعيات، وإتاحة الفرصة للمجتمع المدني لترسيخ جذوره. الشركاء الأساسيون مهمون لصنع التغيير من أجل مجتمع أكثر عدالة"

فشل الخطة، التخطيط للفشل

في مؤتمر نظم مؤخراً في الدوحة، وخلال حلقة نقاش حول «تعزيز الصحة والعيش الجيد بين القوى العمالية المهاجرة»، أعلن رئيس أحد الاتحادات النقابية الدولية أن نظام الكفالة قد انتهى. وتوافقاً مع هذا الادعاء، قال مسئول قطري أن الدولة كانت ضحية لانتقادات غير عادلة، وأن عدد السكان قد تضاعف ثلاث مرات في فترة قصيرة ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض القضايا التي يتم التعامل معها. وقاموا بوضع مقارنة نظرية لكيفية معاناة الدول النامية لمثل هذا التدفق السكاني. لقد تضاعف عدد السكان بقصد وتخطيط من الحكومة، لكن الفشل في التخطيط هو خطأ الجهاز الحكومي. 

في وقت الفوز بضيافة كأس العالم في 2010، كان عدد السكان 1,8 مليون نسمة. وفي 2021، بلغ عدد السكان 2,9 مليون نسمة. إذ تم توظيف ما يقارب المليون شخص، ودعوتهم للمشاركة في الاقتصاد وبناء البلد. لم يكن ذلك سعيا خيريا لتبرير الحجة المقدمة، بل كان مسعى لتحقيق الربح. وفي الوقت الذي تم التيسير للشركات، ومستقدمي الأيدي العاملة ووكالات التوظيف لجلب العمال، فشلت البلد في إنشاء مرافق تدعم وتستوعب هذه الزيادة السكانية. 

كما لم يتم تحديث الآليات القضائية، والمواصلات العامة، والبنى التحتية ذات العلاقة بشكل كافٍ لتلبية متطلبات هذه الزيادة السكانية، والذي أدى بدوره إلى تفاقم هشاشة وضع مئات الآلاف الذين يعيشون على هامش المجتمع الثري. 

الصحة، الوفيات، والوصول للخدمات

يوجد في قطر نظاماً صحياً جيداً، وبإمكان المهاجرين الحصول على خدماته بشكل سلس. إلا أنه تم الإعلان عن إحلال التأمين الصحي الخاص الإجباري محل هذا النظام خلال الشهور المقبلة، ولا تزال المقارنة بين النظامين غير واضحة حتى الآن.

كما تم أيضا وضع تشريعات خاصة بالإجهاد الحراري، يتم بموجبها تمديد ساعات حظر العمل في فترة الظهيرة، وشملت تحديد درجة الحرارة التي يجب أن يتوقف العمل عندها. وهذه التشريعات أفضل من مثيلتها الموجودة في دول الخليج. إلا أن حراس الأمن مستثنيين من هذه التشريعات وإن لم ينص القانون بشكل صريح عن ذلك. 

وبرغم أن الإجهاد الحراري يعتبر عاملا مهماً، إلا أنه ليس الوحيد الذي يؤثر في صحة العامل. فجودة أماكن الإقامة، والتغذية، وظروف العمل جميعها لها تبعات على صحة العامل. فمعدل الوفيات بين المهاجرين الشباب لاتزال مرتفعة، في حين يعزي كثير من الوفيات لظروف طبيعية، حتى وإن كان العامل قد خضع لفحص صحي فبل مغادرته بلده من أجل الحصول على التأشيرة. 

وفشلت قطر في التحقيق في وفيات العمال، برغم المناشدات المتكررة للقيام بذلك، وبذلك فشلت في منع الوفيات الممكن تجنبها والبحث عن حل لمعدل الوفيات المرتفع. (إقرأ تقريرنا: سقط ميتاً: شهادة الوفاة في قطر، نموذج للإنكار)

"تم توظيف ما يقارب المليون شخص، ودعوتهم للمشاركة في الاقتصاد وبناء البلد. لم يكن ذلك سعيا خيريا لتبرير الحجة المقدمة، بل كان مسعى لتحقيق الربح"

القوانين، والإصلاحات وأرض الواقع

عند الحديث عن الإصلاحات التي أثرت على العمال المهاجرين في قطر، فنحن في الغالب نشير إلى بنود عمالية محددة أو قوانين الهجرة مع تفاسير ضيقة لها. إلا أن ظروف الإقامة والعمل لا تحددها هذه القوانين القليلة وحدها، فهناك شبكة من التشريعات عبر مختلف الوزارات، تؤثر على حقوق العمال. كما أن هناك ممارسات وتحيزات تصل إلى مستوى القانون العرفي حتى وإن لم يتم تقنينها. 

ولذلك، عندما نسمع أنه «تم إلغاء الكفالة» لابد من النظر في تلك التشريعات ذات العلاقة

لا يمكن الحديث بشكل منفصل عن حقوق المهاجرين وحقوق العمال عن حقوق الإنسان العالمية. وهذا ما تفعله الإصلاحات. فعندما يتم التعامل مع العمال على أنهم مؤقتون وقابلين للاستغناء عنهم، فإن قطر تخلق فقاعة من الحقوق والإصلاحات وتتجاهل التهميش الكبير والحرمان من الاندماج الثقافي والاقتصادي. وهذا سياق مهم يجب أخذه في الاعتبار عند النظر في تفاصيل «الإصلاحات» الفعلية.

هناك الآن، حد أدني للأجور «غير تمييزي» – 1000 ريال قطري (275 دولار أمريكي) وهو مبلغ تافه. وبالمقارنة يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطر 62,000 دولار أمريكي. فيما تبلغ القوة الشرائية للفرد في قطر (تعادل القوة الشرائية) 92,000 دولار أمريكي. وبالتالي فإن تحديد حد أدني للأجور بهذا المستوى المنخفض يبدو وكأنه مزحة، واعتراف بإن صاحب العمل/الكفيل، والشركات الكبرى سوف تتحكم في حياة العمال الذين يقومون بتوظيفهم.

سوف يزودون العمال بالطعام، ومكان للإقامة، والمواصلات، وإذا أخفق الكفيل في توفير ذلك بشكل مرضي، فإن التقدم بشكوى، أو رفع الصوت بالشكوى سيعني خسارة حتى هذه الحدود الدنيا من الحماية، وأن يُترك العامل بدون مأوى، وبخيارات قليلة أو بدون خيار سوى ترك البلد والتخلي عن كل مطالباته أو أمله في الحصول على حل عادل. 

أما أولئك الذين يكسبون الحد الأدنى، فليس لديهم خيار أن يقوموا، بشكل مستقل، بفتح حساب مصرفي لأن رواتبهم منخفضة جدا ولا تسمح لهم بذلك. وسيتم ربط حساباتهم بصاحب العمل تحت نظام حماية الأجور. وهذا يعني أن كل ما يكسبونه هو تحويلات مالية، وليس لديهم أية ضمانات مالية حيث يعيشون ويعملون. 

وعندما يكون هذا هو الوضع الذي يوضع في العمال على حافة الفقر المدقع، فإنهم لن يخجلوا في المطالبة بحقوقهم. وحتى إن سمحت الإصلاحات (على الورق) للعمال بتغيير وظائفهم أو الخروج من البلد بدون موافقة الكفيل، فإن ذلك يكون مصحوباً بمخاطرة التعرض للانتقام المالي الذي لا يمكن أن يتحمله العمال المهاجرون.

لا يمكن إنكار أن سرقة الأجور هي أسوأ أشكال الاستغلال التي يواجهها العمال. ومن المفترض أن يمنع نظام حماية الأجور أو أن يعرّف على الأقل انتهاكات في وقت مبكر. إلا أنه فشل تماما في تحقيق ذلك. وذكر تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية أن الزيادة الهائلة في مدفوعات صندوق دعم وتأمين العمال توضح حجم انتهاكات سرقة الأجور

وتم صرف 582,400,000 ريال قطري (160 مليون دولار أمريكي) من الصندوق لتعويض 37,000 عامل، حتى يوليو 2022. وارتفع هذا المبلغ إلى 1,165,316,181 ريال قطري (أكثر من 320 مليون دولار أمريكي) من الأجور غير المدفوعة والمزايا حتى 30 سبتمبر 2022. وهذا يوضح حجم مشكلة الأجور غير المدفوعة.

ومع ذلك، وبرغم الاعتراف العلني بضخامة المشكلة، فقد صدر قراراً وزاريا في أبريل 2022 لوضع حد أقصى لصرف المستحقات المالية. ويعتمد الوصول إلى أموال الصندوق على القرار النهائي الذي تصدره لجنة النزاعات أو حكم المحكمة النهائي، فيما تعتمد جميع المدفوعات الأخرى على «ما تقتضيه المصلحة العامة».

يبلغ الحد الأقصى لصرف المستحقات بموجب القرار الحالي وفقاً لما يلي:

  • الشركات القائمة: راتب ثلاثة شهور بحد أقصى قدره 20,000 ريال قطري
  • الشركات المنتهية صلاحية ترخيصها: راتب شهرين، بحد اقصى قدره 12,000 ريال قطر
  • عمالة المنازل: راتب ثلاثة شهور، بحد أقصى قدره 8,000 ريال قطر

ونظراً لأن معظم الشكاوى يتم تقديمها بعد عدة شهور من عدم استلام الأجر، فإن هذا السقف يمثل مشكلة كبيرة. كما أنه لا يراعي بشكل كامل تعويض العمال عن المعاناة التي يتحملونها وعن مستحقات نهاية المدة. هذا عدا الطبيعة التمييزية للتعويضات التي يتم صرفها لعمالة المنازل. وحيث أن الحد الأدنى للأجور ينطبق على عمالة المنازل، فليس من المفهوم لماذا يجب أن تكون تسوياتهم أقل من نصف ما يحصل عليه العاملون في القطاع الخاص. 

"هناك الآن، حد أدني للأجور «غير تمييزي» - 1000 ريال قطري (275 دولار أمريكي) وهو مبلغ تافه. وبالمقارنة يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطر 62,000 دولار أمريكي. فيما تبلغ القوة الشرائية للفرد في قطر (تعادل القوة الشرائية) 92,000 دولار أمريكي. وبالتالي فإن تحديد حد أدني للأجور بهذا المستوى المنخفض يبدو وكأنه مزحة، واعتراف بإن صاحب العمل/الكفيل، والشركات الكبرى سوف تتحكم في حياة العمال الذين يقومون بتوظيفهم"

مما يجب أخذه في اعتباره أيضا، أن هذه الأموال يتم صرفها لأولئك الذين أصروا على الاستمرار في المطالبة وتحمل آلية القضاء البطيئة، وتابعوا شكاواهم حتى وصلت لجنة تسوية النزاعات. الكثير من العمال يستسلمون ويغادرون دون استلام أي شي من مستحقاتهم، فالبقاء والمحاربة من أجل حقوقهم يعني مواجهة أصحاب عمل أقوياء بدون وجود نظام يوفر الدعم اللازم. وبحلول الوقت الذي يقرر فيه العمال تقديم شكوى أو الذهاب للمحكمة، يكون الأوان قد فات. (أنظر الرسوم البيانية حول سرقة الأجور).

وتستغرق تسوية النزاعات وقضايا المحاكم ما بين ثلاثة شهور وأكثر من عام، وحتى في نهاية الأمر، وإن صدر حكم إيجابي في القضية فليس هناك ضمانات لحصول العمال على مستحقاتهم. فعدم وجود تنظيمات نقابية، ومنظمات المجتمع المدني، والدعم القانوني اللازم، يجعل من المستحيل أن يحصل العمال المتضررون على الدعم المالي المطلوب والإرشاد لتحمل شهور الانتظار للوصول للعدالة. 

ووفي حين يوجد لدى الاتحادات الدولية التي لديها اتفاقيات تعاون مع قطر، مسئولون للتنسيق المجتمعي للعب هذا الدور. إلا أن عددهم الذي لا يزيد عن 6 أشخاص من هؤلاء المسئولون لا يمكنهم تغطية مشاكل بهذا الحجم تطال أكثر من مليون عامل. 

صاحب الإعلان حرية التنقل بين الوظائف (إلغاء متطلبات شهادة عدم الممانعة) ضجة كبيرة، وتم تطبيق القرار بسلاسة خلال الشهور الأولى، حتى بدأت الشركات المحلية المتنفذة بالدفع تجاه عرقلته. وقد تحقق ذلك بهدوء بإدخال متطلب شهادة استقالة موافق عليها لإتمام عملية تغيير الوظيفة، وهي في الواقع شهادة عدم الممانعة. وأظهر البحث من قبل MR ومنظمات أخرى الصعوبات المستمرة فيما يتعلق بتغيير الوظائف/ لكن تقارير منظمة العمل الدولية ذكرت أنه خلال الفترة من نوفمبر 2020 وحتى أغسطس 2022، تم استلام 532,290 استمارة طلب، وأنه تمت الموافقة على 348,455 طلب من قبل وزارة العمل. 

ومن المحتمل أن تعود هذه الأرقام إلى هؤلاء الذين تمكنوا من تقديم استماراتهم الكترونيا، فيما اشتكى من لم يتمكن من ذلك (بسبب خطاب الاستقالة أساسا) من أن النظام لم يسمح لهم بالمضي في تقديم طلب تغيير الوظيفة، وكان عليهم الذهاب لوزارة العمل شخصيا دون ضمان انهاء معاملتهم ونجاح محاولتهم لتغيير الوظيفة. 

غالبا ما يساء استخدام قوانين الهروب من قبل أصحاب العمل، للرد على الشكاوى التي يتقدم بها العمال أو طلبات تغيير الوظيفة. وتتضح هذه الممارسة بشكل شرس في حالات العمالة المنزلية حيث منزل الأسرة هو مكان العمل أيضاً، ويعتبر الخروج منه دون إذن صاحب العمل هروباً. وتسمح قوانين الهروب لصاحب العمل برفع قضية ضد العامل بتهمة التغيب عن العمل (للاطلاع على تحليل شامل لهذا القانون، إقرأ تهمة الهروب: الكمين الأشد انتهاكاً المنصوب للعمال المهاجرين)

وفي حين نتحدث بشكل عام عن العمالة المهاجرة، علينا أن ندرك أن هناك فئة كبيرة غير مرئية من هؤلاء في قطاعات الفلاحة، والصيد، والعمل في المنازل، وغالبية هؤلاء من النساء. ويتم استثناء هؤلاء من قوانين العمل. ولا يفعل قانون عمال المنازل الذي صدر في 2017، سوى القليل لحماية عمالة المنازل من أصحاب العمل المسيئين، كما أنه لا يحمّل أصحاب العمل المسئولية. وتظل هذه الفئات مهملة عند الحديث عن الحقوق. 

وتعاني النساء المهاجرات العاملات في قطاع العمل المنزلي، وأيضا قطاع التنظيفات، والضيافة، وتجارة التجزئة، من هذه القيود بالإضافة إلى الاستبعاد القائم على الجنس الجندري. 

"إن عدم وجود تنظيمات نقابية، ومنظمات المجتمع المدني، والدعم القانوني اللازم، يجعل من المستحيل أن يحصل على الدعم المالي المطلوب والإرشاد لتحمل شهور الانتظار للوصول للعدالة."

الأقوياء يتمتعون بالحصانة

تعتبر الحصانة والقدرة على الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الأقوياء، أكثر التحديات التي تواجه إنفاذ القوانين وتطبيق الإصلاحات. فأسماء عائلاتهم ممثلة في جميع المحافل المهمة، مثل مجلس الشورى أو غرفة التجارة. وهناك مسيئين منهم تكررت مخالفاتهم، إلا أنهم كوفئوا بالحصول على عقود جديدة. 

وكما ذكرنا سابقاً، فإن المدافعين عن قطر يصرون على أن التغيير الثقافي سيستغرق وقتا أطول، وأنه لابد من الاحتفاء بالإصلاحات. لكن الأمر ليس محصورا بالتغيير الثقافي وحده، وإنما الأمر يتعلق بالقوانين التي توضع دون الحرص على تطبيقها، ودون الاعتراف بقوة القوانين والإصلاحات عند تطبيقها. كما أن الأمر يتعلق بعدم المسائلة عندما يتعلق الأمر بالشركات الكبرى.  

فتح فوز قطر باستضافة بطولات كأس العالم بابا على ما كان في السابق مخفياً، ووفّر مدخلا للمناصرة. إلا أن طموحات البلد لا تنتهي بحلول ديسمبر.  

بلغت قيمة مشاريع البنية التحتية المتعلقة بمنشآت كأس العالم 300 مليار دولار أمريكي، بلغت قيمة إنشاء ملاعب وحدها 10 مليار دولار أمريكي. وبحسب تقارير استخباراتية، فإنه ستقدر قيمة سوق الإنشاءات بـ 76.98 مليار دولار بحلول 2026، بمعدل نمو سنوي يبلغ 10.54% للفترة من 2021- 2026. 

من الذي يفوز بهذه المشاريع؟ من الذي يقوم بالبناء؟ تتركز القوة في يد مجموعة قليلة من الشركات المحلية الكبرى التي إما أن تدخل المناقصات وتفوز بشكل مستقل أو أن تدخل بالشراكة مع أكبر الشركات متعددة الجنسيات من فرنسا، وإيطاليا، وأمريكا، وبريطانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية. وفي حين تجلب هذه الشركات إلى الداخل المعرفة التقنية، فإنهم يتنازلون بسهولة عن حقوق من يقومون بتوظيفهم. فيتم التوظيف بثمن بخس، وعن بعد، مع مساءلة قليلة أو معدومة، والتعامي عن الممارسات التي تجلب النقد للدول التي تقع فيها المقرات الرئيسية لهذه الشركات الكبرى.

وغالبا ما يتم مواجهة الانتقاد الذي يٌطرح في هذا المجال بمعايير رعاية العمال الخاصة بمشاريع محددة للمشاريع القديمة التي وضعتها اللجنة العليا أو مؤسسة قطر. إلا أن هذه المعايير عالمية المستوى، لكنها ليست قوانين. فغرامة عدم الامتثال هي خسارة المناقصة. ولا تعقد في محكمة القانون، الأمر الذي يؤدي إلى وجود ازدواجية في المعايير لدى الشركات. والعمال الذي يقومون على هذه المشاريع يحظون بظروف عمل ومعيشة أفضل لكنهم أقلية. فيما الآخرين العاملين على مشاريع أخرى والموظفين لدى الشركة نفسها سيظلون في المعاناة. 

"تعتبر معايير رعاية العمال الخاصة بمشاريع محددة للمشاريع القديمة، عالمية المستوى، لكنها ليست قوانين فغرامة عدم الامتثال هي خسارة المناقصة. ولا تعقد في محكمة القانون، الأمر الذي يؤدي إلى وجود ازدواجية في المعايير لدى الشركات"

هل تغيرت الأمور إلى الأفضل خلال الـ 12 سنة الماضية؟ نعم ولا. فقد شهدنا إصلاحات تشريعية، برغم الافتقار للتطبيق، وكذلك آليات جيدة للتظلمات. كما شهدنا أيضا انفتاحا غير مسبوق على وسائل الإعلام العالمية، والمنظمات الدولية، وآليات الأمم المتحدة، فيما لا يزال خنق الإعلام المحلي والمجتمع المدني مستمراً. 

شهدنا تعاوناً مع منظمة العمل الدولية، كما تم إدخال معايير عمالية جديدة. إلا أنه لم يتم تلبية مبادئ منظمة العمل الدولية الأربعة: حرية التنظيم النقابي، والمفاوضات الجماعية، القضاء على العمل القسري، والقضاء على التمييز في العمل.

وعوضا عن ذلك، نرى لجان طوعية مشتركة لإدارة العمال، ومعايير للرفاهية والرعاية تمنح الشركات القوة والمسئولية كما ينبغي، وهي السمة المميزة للاقتصاد الرأسمالي الناجح، تنقل الشركات بعيدا عن التعهدات الملزمة إلى مبادرات للشعور بالرضا بما يشبه المسئولية الاجتماعية للشركات. 

ومما لا شك فيه أن هناك وتيرة معينة للتغيير تشكلت على مدى 12 عاما الماضية، وليس بالضرورة أن يتم المحافظة عليها بعد 2022، مع انحسار الاهتمام العالمي عن قطر. لكن طموح قطر سيظل حيويا. وإذا ما أرادت حقاً مواصلة الاهتمام بالحقوق، فلا بد من السماح للمزيد من الحركات الشعبية، بمسائلة أصحاب العمل، والتحقيق في الوفيات وعدم صرف النظر عن إي انتقاد واعتباره عنصري أو لا أساس له، خصوصا أنه من المستحيل إخفاء سوء معاملة الضعفاء الذين يشكلون غالبية السكان.