لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الحظر في غانا يفشل في محاربة الفساد وفي انتشال اليائسين

مع تعثّر غانا في تطبيق الإجراءات، الوكلاء وأصحاب العمل الخليجيين يواصلون التوظيف المنفلت وغير المنظم

في 30 أبريل 2023

قيل لنا إن هناك حظر على الهجرة لكن الأمر لم يكن كذلك. بل هو أشبه بأسطورة حضرية كرستها تقارير الاعلام المضللة، وأصبحت الآن هي الحقيقة لكن دون أن يكون لها أسس قانونية أو تنظيمية. قبل وقت طويل من انتباه الحكومة الغانية للفرص والتحديات التي تحيق بالهجرة العمالية لدول الخليج، كان عدد قليل من وكلاء التوظيف من القطاع الخاص – أغلبهم متواجدون في العاصمة أكرا وثاني أكبر المدن، كوماسي – قد بدأوا بالفعل استغلالها. وكان لديهم معرفه دقيقة عن احتياجات سوق العمل في دول الخليج، وعن البطالة والأزمة الاقتصادية في بلدهم، بالإضافة إلى تمتعهم بحرية تسمح لهم بتجسير احتياجات السوقين فيما كانت الحكومة تبحث عن أفضل السبل لإدارة الوضع.

لكن خلال الفترة ما بين 2015 و2016، كان عدد الشكاوى التي تم استلامها من النساء الغانيات اللاتي تم توظيفهن كعاملات منازل – من خلال الوكلاء المسجلين وغير القانونيين على السواء – في ازدياد. وكانت التقارير الإعلامية والقصص الشفوية التي تُحكى قد أظهرت الممارسات التي يتعرض لها هؤلاء، في أبشع صورها التي لا يمكن حتى انكارها – اعتداءات جنسية وجسدية، وإصابات بالغة، ووفيات، وسرقة للأجور بالإضافة إلى أوضاع معيشية غير إنسانية.

وأدت هذه التقارير بدورها إلى سلسلة من الأحداث. كانت فكرة حظر التوظيف المباشر لعاملات المنازل لأصحاب الأسر قد جاءت أصلا من قبل وكالات التوظيف المسجلة، لكنها جاءت بنتائج عكسية كبيرة.

يقول وكيل التوظيف كواكو أداي من كوماسي موضحاً سبب فكرة الحظر: «لن أرسل أية عاملة بشكل مباشر للعمل لدى عائلة، ذلك لأنه لا يمكننا السيطرة على سلوك كل عائلة. فإذا أرسلنا عاملات إلى 10,000 أسرة، لا يمكننا السيطرة على سلوك 10,000 شخص». ولايزال أداي متحمساً لفكرة عدم إرسال عاملات المنازل لدول الخليج، مفضلا أن يتم ذلك عبر الشركات. ويدير كواكو حاليا، مخبزاً من فيلا متوسطة الحجم، ويوفر الخبز والفطائر للمتاجر والمطاعم في المدينة. وعلى مدى ساعة، كان كواكو الجالس في رواق مغبرّ، يقوم بتحليل ما تعانيه الهجرة الغانية، منتقدا بشدة حكومته لكنه يتغاضى عن تحميل حكومات الخليج للمسئولية.

أما تاردييه، فلا يرى نهاية للهجرة إلى الخارج، ويحذر من أن تتواصل التأثيرات المدمرة للحظر. ويقول: «أعمل في هذا المجال منذ قرابة العقدين، هناك بطالة كبيرة في غانا، ولا تعرف كيف نتعامل معها، كلا الحكومتان، السابقة والحالية تديران الأمور بشكل سيء لا يتسق مع وضوح عدم قدرتنا للتركيز في مراقبة هذه الصناعة وتنظيفها (تنظيمها).»

يتفق معه زملاؤه في مخاوفه. في منطقة السوق المزدحمة في أكرا، كان يوجد صفاً من الغرف في ممر قذر يقع أعلى درج شديد الانحدار. غالبية هذه الغرف خالية، لكن كان هناك رنين أكثر من هاتف بشكل مستمر. كانت الغرفة الأخيرة مطلة على شارع مزدحم في الأسفل على الجانبين، فيما كان هناك شباكا في الحائط الثالث للغرفة، يطل على غرفة بها عدد من الكراسي، فيما يبدو أنها كانت ذات يوم منطقة انتظار مزدحمة. يقول أبوبكر دان ليمان الذي يدير وكالة لخدمات التوظيف من الدرجة الأولى، وهو يتلاعب بهاتفه النقال: «قبل سنوات قليلة، لم يكن بإمكانك لقائي هكذا خلال أيام الأسبوع، فعندما تنظر لمكتبي ترى 20 كرسي. في 2016، كانت هذه الكراسي والممر مزدحماً. لن يكون لدي الوقت للحديث معك، كان يعمل لدى 18 عاملاً في ذلك الوقت، الآن استغنيت عن الجميع ولم أبق سوى عامل واحد معي.»

«لن أرسل أية عاملة بشكل مباشر للعمل لدى عائلة، ذلك لأنه لا يمكننا السيطرة على سلوك كل عائلة. فإذا أرسلنا عاملات إلى 10,000 أسرة، لا يمكننا السيطرة على سلوك 10,000 شخص...»

تتعارض المحادثات مع ليمان و تاردييه وزملائهما، مع تلك المحادثات التي تمت مع المسئولين الغانيين في مختلف الإدارات الحكومية. فالوكلاء يدعمون حديثهم بالكثير من المعلومات والبيانات، في الوقت الذي يزدرون فيه الحكومة ويرونها «ساذجة وجاهلة».

«قبل 2015 كنا نعمل كأفراد في عملنا الخاص برغم أن لدينا تصريح لتصدير العمالة. كان عددنا 15 في ذلك الوقت (شاملاً تارديه)، وقامت الحكومة بدعوتنا لمناقشة تصدير العمالة. طلبت منا اللجنة البرلمانية للعمالة أن نشكل اتحاد وأنهم سيقومون بالتواصل معنا ومساعدتنا. فقمنا بإنشاء الاتحاد الغاني لوكلاء التوظيف من القطاع الخاص GHAPEA. وكان السبب الرئيسي لذلك هو الشكاوى التي كانت ترد من عمالة المنازل في دول الخليج، خصوصا النساء. تضم هذه الفئة أيضا رجالا يعملون كسواقين وبستانيين لكن الشكاوى كانت تأتي من النساء. وكنا على تواصل منتظم مع وزير العمل».

يقول ليمان أن 90% من الحالات كانت لعمال تم توظيفهم من خلال وكلاء غير مرخصين. كانت تكلفة تسجيل وكالة التوظيف حينها باهظة وتبلغ 5000 دولار أمريكي. وكان الطلب في أوجه. «في 2015-2016، كان يتم انجاز نحو 160 تأشيرة يوميا في السفارة السعودية وحدها. كنا نتقدم بطلب لـ 190- 200 تأشيرة يوميا.»

ويوضح أن الإجراءات الرسمية كانت واضحة ومباشرة. كان هناك عقدين، الأول بين الوكيل الغاني والشركة التي تقوم بتوظيف العامل، والعقد الآخر بين الشركة في الخليج والعامل نفسه. وعلى الوكيل تقديم هذه العقود لإدارة العمل كجزء من إجراءات ما قبل السفر، وبعدها تقوم الإدارة بإشعار العامل المرشح للسفر واعطائه معلومات حول المكان الذي سيذهب اليه. 

ويزعم «إن الأمور كانت تتحسن بشكل تدريجي»، لكن مع تسلم الحكومة الجديدة زمام الأمور في 2016، قالوا إنهم لا يريدون شكاوى من الخليج. 

«العديد من النساء العائدات يعانون من مشاكل نفسية، كما أن كثيرات تحدثن عن خضوعهن لعمليات جراحية غير مبررة قد تكون لسرقة الأعضاء.»

ولادة الحظر...ظهور الوسطاء

«كان لدينا اجتماع للأطراف ذات العلاقة، وقمنا بدعوة وزير العمل. اقترحنا أن يقوم بحظر التوظيف المباشر لعاملات المنازل لدى أصحاب الأسر. كان هذا اقتراحنا. ومن على المنصة قال "أنه، وبأثر فوري، لن يكون هناك توريد مباشر للعمالة المنزلية لأصحاب الأسر". نحن نريد إرسال عاملات المنازل ولكن لابد من أن يكون ذلك من خلال المكاتب في البلدين. لكن في السعودية، في ذلك الوقت، لو كنت مواطناً سعودياً فبإمكانك أن تستصدر تأشيرة لمواطن غاني وتوظيفه بشكل مباشر.»

اتبع الوزير السيناريو المطروح وأصدر بيانا بهذا الشأن

«إلا أن وسائل الإعلام أخطأت في اقتباسه، وفي اليوم التالي ذكرت إنه تم حظر توظيف العمال في الخليج. ولأن الوزير حصل على إشادة لذلك، لم يشأ تصحيح التصور الخاطئ، بل بقي صامتا. كان يتلقى التهاني من الجميع. لذلك لا توجد سياسة مكتوبة وإنما إعلان شفهي. كما أنه لا توجد وثيقة من الحكومة بوجود الحظر. الوزير لم يذكر كلمة الحظر أصلا وإنما قال تعليق مؤقت.»

بعد مرور خمس سنوات، ومع سفر عشرات الآلاف من الغانيين إلى دول الخليج خلال هذه السنوات، لم يكن الحظر سوى مزحة، ووسيلة للترهيب من قبل المسئولين، ومنبعا للفساد بالإضافة إلى أنه خسارة قيمتها بالملايين في الإيرادات الحكومية (انظر الشريط الجانبي: كأس العالم كمنجم ذهب، وخسارة غانا).

كما أنه أعطى زخما لأنشطة «الوسطاء» – سواء أكان جون أو ماري غير المسجلين والعاملين في السر – الذين أصبحوا الآن يديرون سبل توظيف عاملات المنازل (أنظر الجزء الثاني). كان الطلب على عمال المنازل ينمو في الخليج ومثله كان ينمو الطلب على الوظائف ينمو في غانا، وبينهما كان الوسطاء يجدون أرضا خصبة لممارسة أنشطتهم دون مسائلة. أما الحظر وتفاصيله فلم يكن يعني لهم شيئاً.   

يقول ليمان: «انهارت مكاتب الاتحاد GHAPEA الـ 15، ثم ضُربنا بجائحة كورونا. ماذا يحصل الآن، بدأ الطلب على الوظائف لدينا يعود تدريجيا لكن ليس بطريقة مستقيمة (غير قانوني). لاتزال الحكومة تتقاضى منا المال لتجديد رخصنا. وعندما يأتي الأمر للتوظيف محليا ودولياً، فإن الأرباح تحقق بشكل أساسي من التوظيف الدولي.»

واصلت دول الخليج، غير مكترثة بالحظر وبتحول التوظيف في دولة الأصل إلى وكلاء غير قانونيين، اصدار تأشيرات العمل للنساء الغانيات، حتى مع العلم أن ذلك يعني سفر العاملة دون أن تملك المعرفة المطلوبة. عندما تفرض دول الأصل الحظر بذريعة حماية مواطنيها في دول المقصد، غالبا ما يكون لذلك تأثيرات عكسية. 

وافق عدد من المسئولين، ممن تحدثتهم إليهم Migrant-Rights.Org على عدم الوضوح بشأن الحظر، مؤكدين أن الحكومة لم ترد الإعلان عن بيان دون وضع اللوائح المناسبة. 

الضباط في المطار يتقاضون الرشاوى ... هم يعرفون أنه للحصول على تصريح المغادرة عليك أن تدفع 300 سيدي كرسوم للحكومة، وبذلك يخبرونك أن عليك أن تدفع لهم 500. إنهم يتواطؤون مع الوكلاء لارتكاب أعمال غير قانونية.»

أوضحت مديرة في وزارة العمالة وعلاقات العمل إن الحظر كان يستهدف بالفعل التوظيف المباشر لعاملات المنازل للأسر. وتقول: «إنه قرار سياسي لأنه من غير الآمن الذهاب إلى الخليج. ونحن نستكشف سبلا آمنة للهجرة، لا تكون مباشرة. وتضيف أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لتوضيح تفاصيل الحظر (أو عدمه) وسوف يتواصل العمل على وضع إجراءات أفضل». 

«كل الأدلة مريبة إلى حد كبير. إذا كانت هناك شركة تتخذ سبلا آمنه في عملها، فإنه من المنطقي أن تكون الشركات التي توفر العاملات المقيمات. التواصل حول ذلك أصبح معقداً. اعتقدت وسائل الإعلام والجمهور على حد سواء أنه كان حظراً كلياً.»

(في نوفمبر 2022، حاولت وزارة الشئون الخارجية الغانية في بيان لها، توضيح تفاصيل الحظر، فيما يتعلق بإعادة مواطنيها من الإمارات. انظر شريط جانبي :الترحيل الجماعي من الإمارات).

في 2022، تم توقيع اتفاقيات عمالية ثنائية مع دولتين خليجيتين، وهناك ثلاث أخرى في مرحلة إعداد المسودة، لكن لم تتشكل أية لجان مشتركة لتنفيذ الاتفاقية. وبحسب منظمة العمل الدولية «فإن اللجان المشتركة (JC) تعتبر جزءاً مكملاً لأية اتفاق، وذلك من أجل المراقبة وتطبيق الاتفاقية. والممارسة الأكثر شيوعاً هنا، هي يعتبر تشكيل لجنة بأعضاء من المسئولين من كلا الدولتين الموقعتين على الاتفاقية تحت مسمى «اللجنة المشتركة»، كما أن هناك مسميات أخرى مثل «فريق العمل المشترك»، و«اللجنة الفنية المشتركة»، و«فريق العمل الثنائي» وغيرها. وتتكون اللجنة من كبار المسئولين من الطرفين. وتتضمن الاتفاقية اختصاصات اللجنة وعدد مرات اجتماعها بشكل عام.»

«جميع الجهود نقوم بها من جانبنا، لا يوجد لدينا ملحق عمالي. كنا نأمل أن يكون لدينا ملحق عمالي، أو أن نقوم بتدريب موظفين من موظفي السلك الديبلوماسي. لكننا نواجه قيوداً وميزانية محدودة. فنحن كوزارة للعمل غير قادرين على القيام بذلك، كذلك، فإن الطبيعة المتغيرة للخدمات الخارجية لا تسمح لنا بجعل هذا الأمر اولوية بالنسبة لنا.»

ويؤكد موظف من وزارة الخارجية على التردد نفسه في إعطاء أي توضيح بشأن الحظر. 

«يعتبر (الاتجار) اتجاه عالمي. ونحن بحاجة للاطلاع على الجوانب التنظيمية المتعلقة بذلك. لدينا علم بالانتهاكات التي تحدث في دول الخليج. وبالاطلاع على الأدلة وجدنا أن لدى البعض القدرة على الإفلات من العقاب. التقارير الإعلامية تنقل دائماً كيف تتم معاملة الناس، والأمر متروك للمؤسسات الحكومية إن أرادت أن تواصل معالجة الأمر بالوقوف مكتوفة الأيدي والاكتفاء بتكرار التساؤل: مالذي يمكننا عمله! نحن نطلع على الاتفاقيات. انها ليست اتفاقيات أحادية، فنحن نحتاج دول الخليج أن تتعاون؛ فمن مصلحتهم التعاون معنا فيما يتعلق بهذه الاتفاقيات.»

ويقر أن «الحظر» غير فعال. 

«هناك بروتوكول لدى دول غرب أفريقيا لحرية الحركة فيما بينها، لذا يمكننا الانتقال من منطقة إلى أخرى. اذهب إلى تاغو ومن ثم تنقّل من هناك. من الصعب أن يمنع أحد من الحركة.»

واصلت دول الخليج، غير مكترثة بالحظر وبتحول التوظيف في دولة الأصل إلى وكلاء غير قانونيين، اصدار تأشيرات العمل للنساء الغانيات.

الفساد المتفشي

يتجاهل المسئولون الأمر كما أنهم لا يعالجون بشكل مباشر الاتهامات بشأن الفساد المتفشي في إدارة الهجرة.

إلا أن دينا* وهي مسئولة في الهجرة غالبا ما تتعطى المسئولية في قسم القادمون بمطار كوتوكا الدولي، عبرت عن قلقها بشأن عدد حالات النساء اللاتي تعرضن لانتهاك ويعدن للبلاد بشكل يومي. وتقول المسئولة بسخرية: «كيف يذهبون إن كان هناك حظر حقاً!» مشيرة إلى العلاقة بين الوكلاء والضباط. وتضيف: «العديد من النساء العائدات يعانون من مشاكل نفسية، كما أن كثيرات تحدثن عن خضوعهن لعمليات جراحية غير مبررة قد تكون لسرقة الأعضاء. أتحدث اليهن بعد عودتهن. لكن لم يحدث أن شيء من أجل وقف ذلك، جميعهن يذهبون بشكل غير قانوني.»

يؤكد ليمان أن ما يحدث غير قانوني لأنهم لا يمرون بالإجراءات الموجودة. «إلا أن الضباط في المطار يتقاضون الرشاوى. فبإمكانك الذهاب إلى المطار، وسوف يخبرونك أنه لا يمكن للأشخاص الذين تصحبهم السفر لعدم وجود تصريح الخروج، وهو ما لا يمكن الحصول عليه بسبب "الحظر"، وهم يعرفون أنه للحصول على تصريح المغادرة عليك أن تدفع 300 سيدي كرسوم للحكومة، وبذلك يخبرونك أن عليك أن تدفع لهم 500 سيدي غاني. وأحيانا بإمكانك أن تساوم وتدفع 300 سيدي غاني. إنهم يتواطؤون مع الوكلاء لارتكاب أعمال غير قانونية.»

وبحسب ليمان، فمنذ فرض الحظر، تسافر ما لا يقل عن 500 امرأة شهرياً إلى الخليج، وهذا رقم متحفظ. «بالأمس (الأسبوع الأول من ديسمبر 2022) حصلت على معلومات بأن هناك شركتان تسلمتا 600 و500 تأشيرة لعاملات منازل في السعودية، وكلاهما مسجلتان، لكنهما ترسلان العاملات دون استكمال الإجراءات. خلال الأسبوعين إلى ثلاثة أسابيع المقبلة، سيرحلن جميعاً بعد أن يدفعوا للضباط رشاوي تتراوح ما بين 300 و500 سيدي غاني عن كل عاملة، وجميعهن ذاهبات إلى وكالة في السعودية.»

ويضيف تادير: «الحكومة نفسها لا تعرف عدد الأشخاص الذين يغادرون غانا يومياً». لكن الوكلاء على اطلاع واسع بالبيانات، فهمم يسجلون ويجمعون المعلومات فيما بينهم. «لقد دفعت مبالغا كبيرة للحصول على الترخيص، ورسوم التجديد... لكن الوكلاء غير القانونيين يفلتون من القانون بإرسالهم العمال. فالقرارات المتعلقة بالهجرة، والعمالة والتوظيف، جميعها تتخذ من قبل أشخاص غير عليمين بحجم المشكلة.»

«عندما تتحدث إلى أولئك الذين يضعون السياسات، فهم مطلعون على الموضوع الذي يتحدثون عنه. سألتهم، كم منهم سافر لزيارة دبي، أبو ظبي، والدوحة... لزيارة سكن واحد للعمال؟ لكن لم يذهب أحد. ومع ذلك فهم يقومون باتخاذ القرارات. أنا كشخص عادي سافرت إلى دبي للتحقق من الشركة التي كنت أتعامل معها هناك للتوظيف. في 2007، ذهبت إلى سونابور (موقع في دبي تقام فيه معسكرات مترامية ومتداعية لسكن العمال للتحقق من الوضع، إلا أن الحكومة لم تصدقنا الغت (تقارير) سوء المعاملة واعتبرتها هراء.»

يتذكر تادير رؤية أفريقيين، أغلبهم من غانا، سيراليون ونيجيريا ينامون في محطة المترو. «هناك أشخاص كانوا يتوسلون إلىّ من أجل الحصول تذكرة للباص. التقيت امرأة من سيراليون قالت لي أنها هناك منذ عام ونصف وليس لديها أي مال. أما الغانيون الذين يذهبون إلى الإمارات بتأشيرة زيارة، فوكلائهم غير القانونيين يحشرونهم في غرفة. يوجد منزل هناك يسمى منزل الغانيين، ويتم تأجير الغرف فيه كنوع من المتاجرة. هم يعتقدون أن الوكلاء يتصرفون بحماقة، لكننا نجري بحثنا. توقعت أنه إذا لم يشجعوا القنوات القانونية، فسوف ينفقون الأموال الحكومية من اجل إعادة الغانيين بسبب ذهابهم غير القانوني، وهذا التوقع الآن أثبت صحته.» 

ويوضح مسترسلاً أن هناك مشكله فيما يتعلق بالإمارات بشكل خاص. «منذ عدة سنوات، لم يكون هناك خيار لتأشيرة الزيارة، لكن الآن يوجد تدفق (إلى الإمارات) بالإضافة إلى الكثير من المسارات غير القانونية. كما أن الشركات تستفيد من الارتباك الذي يصاحب الحظر. ليس فقط من غانا، وإنما من نيجيريا، وسيراليون إذ يتم خداع الأشخاص بدفع أموال للذهاب إلى الإمارات بدون وجود عمل مناسب هناك. فخلال العام الماضي، كان العمال يدفعون أموالا بمعدل 1500 دولار أمريكي، وكانوا يذهبون بشكل غير نظامي.»

«أنا لست منظمة أهلية، فأنا أحتاج إلى كسب المال. إذا اعطيتني عمولة كشركة، فلن أتقاضى شيء من العامل. ولكن، بخلاف ذلك، كيف يمكنني أن أقوم بذلك مجاناً.»

مستشارو الموارد البشرية في الخليج يهيمنون على الوضع

يدفع الأشخاص الذين يذهبون من خلال القنوات النظامية بعض الرسوم. «يعتمد ما نتقاضاه على الشركة. قمنا بتوظيف عمال لمصنع أسلحة في الإمارات، ولم يكن علي العمال دفع أي شيء. وللعمل في قطاع حراسة الأمن، نتقاضى ما بين 1700 – 1800 دولار أمريكي لأن الشركات لا تتحمل أية تكاليف. فهذه الشركات لا تتحمل تكلفة تذاكر السفر، كما انها لا تدفع لتدريب حراس الامن – في (هيئة تنظيم قطاع الأمن SIRA)، الذي يصدر شهادات للذين يعملون في قطاع حراسة الأمن في دبي. نحن نحصل على عقود من خلال مستشاري الموارد البشرية هناك. وعلى الورق يظهر أن الشركة قد قامت بالدفع، لكن المستشار يخبرنا بشيء مختلف.»

لا يوجد هناك معيار محدد للممارسات القائمة. «في قطر، لا يدفع عمال شركة تيسير سوديكسو أية مبالغ مالية. من المفترض أن يتحمل العمال تكلفة رسوم فحص كوفيد 19، والرسوم الحكومية ورسوم الفحص الطبي، لكن لا يمكنني أن أحمّلهم تكلفة أي شيء. الأشخاص المرشحون للتوظيف يدفعون ما بين 1300- 1500 سيدي غاني (110- 130 دولار أمريكي). سوديكسو يدفعون لي ما يعادل راتب شهر واحد بعد أن يبدأ هؤلاء العمال عملهم. ولنفس نوعية الشركة، ولنفس الوظائف، عندما أقوم بالتوظيف من خلال مستشاري الموارد البشرية في قطر، سوف يحملوني مصاريف قدرها 600 دولار للشخص. إذ يذهب هؤلاء لقسم الموارد البشرية في الشركة – في إجراء يبدو أن الطرفين متفاهمين على القيام به لاستفادتهما منه، ويكون لدى الموارد البشرية في الشركة علم به. وتتجه جميع شركات حراسة الأمن لمستشاري الموارد البشرية. وعندما تكون هناك مشكلة تفضل هذه الشركات الوكيل المحلي.»

«إذا ما كان لديك تواصل مباشر مع الريجنسي (في قطر)، فهم يدفعون لنا عمولة. لكن موظفي الموارد البشرية لا يرحبوا بهؤلاء الوكلاء وسيرفضون التعامل المباشر معهم. إنهم يرتبون كل ذلك من أجل الحصول على نصيب من الرشاوى والعمولات. بعض العملاء سيقولون لك عندما يكون هناك مشاكل، نحن نفضل التعامل مع شركة مرخص لها محليا، وليس في غانا أو أي دولة أخرى من دول الأصل.»

يتذكر تادير حملة التوظيف الأخيرة. «جاءت سيدة من سلسلة مطاعم سريعة في الإمارات من أجل عملية التوظيف، وقامت بتقديم عرض توضيحي لنا. وأخبرت العمال أنه لن يكون هناك أية رسوم للتوظيف، وأنه ليس مطلوب منهم الدفع. فقام وكيل محلي، وهو صديق لي، بإخبارها أن المستشار الذي كان برفقتها يتقاضى منهم رسوم قدرها 200 دولار عن كل شخص، فكيف تقول للعمال أن لا يدفعوا شيئاً؟ كيف سأحقق الربح المالي إذاً؟ وبذلك قمت بتقاضي رسوم قدرها 400 دولار، أعطيت المستشار 200 دولار أمريكي منها، واستبقيت الـ200 دولار المتبقية لصالحي. ولذلك أخبرته السيدة أن الشركة تعطي الوكيل/المستشار 550 دولار أمريكي عن كل شخص. وبحسب الاتفاق، قاموا بإعطاء الوكيل الغاني 250 دولار، فيما استبقى الـ 300 دولار لنفسه. لكن هذا الشخص كان يتقاضى رسوماً مضاعفة بفرض تكاليف على الطرفين ليصل ما يحصل عليه إلى 750 دولار أمريكي. أنا لست منظمة أهلية، فأنا أحتاج إلى كسب المال. إذا اعطيتني عمولة كشركة، فلن أتقاضى شيء من العامل. ولكن، بخلاف ذلك، كيف يمكنني أن أقوم بذلك مجاناً.» 

وتعكس الاتهامات الموجهة ضد مستشاري الموارد البشرية في الخليج، مزاعم الوكلاء في كينيا أيضا. 

ويحرص العديد من مستشاري الموارد البشرية على عدم ترك أثر ورقي من ورائهم. «أحمل معي المال نقداً إلى دبي والدوحة، لأنهم يرفضون أن أحوّل لهم المال عن طريق البنك.»

يردد أبوبكر، وهو عضوا بارز في GHAPEA المخاوف نفسها بشأن تقاضي مستشاري الموارد البشرية الرشاوي ومحاربة كل سبل الشفافية في التوظيف. «عادة ما نتحدث بشكل مباشر مع الشركات على أساس العمولات التي سيقومون بدفعها لنا. أما الآن فتتم العملية عن طريق هؤلاء المستشارون المقيمون في الخليج. فهم يجبرونك على الدفع في الخفاء. في دبي، يُدفع 3000 سيدي غاني لكل وظيفة، وفي قطر يُدفع نحو 5000 سيدي غاني»

ويعتبر أبوبكر واحدا من عدد قليل من الوكلاء الذين يعترفون بإرسال عاملات المنازل إلى السعودية. «نقوم بإرسال نحو 300 شخص شهريا. لا يتوجب على العامل دفع أي شيء، لكننا نقوم بدفع 500 سيدي غاني كرسوم للهجرة عن كل عامل. ويوجد هناك وسطاء، غالبا ما يكونوا سودانيين، يأتون من السعودية ويقومون بالترتيب لهذه العقود. إذا لا يمكن ترتيب التوظيف من خلال نظام «مساند» بسبب الحظر.»

وفي الوقت الذي يتشدد فيه الوكلاء فيما يتعلق بافتقار الحكومة الغانية للجاهزية، إلا أنهم يتغافلون عن المشاكل الموجودة في دول المقصد. 

«هناك بعض الشركات الجيدة، قد تتأخر الرواتب ولكن يتم دفعها في النهاية. أنصح العمال بعدم ارسال كل أموالهم إلى الوطن. استبقوا جزءا منها لتتدبروا به أموركم في حالة تأخر الرواتب... أنا صادق معهم، إن كنت لا تحب ذلك، فلا تذهب للخليج. سيكون هناك تأخير في دفع الأجور حتى في الشركات الكبيرة لأسباب مختلفة لا يمكنني التطرق لها. لكن بعض الشركات ملتزمة بالدفع دائماً. ويعاملون العمال معاملة حسنة. كذلك، فالعمال لا يريدون الذهاب والعمل لمدة 8 ساعات، فهم يفضلون العمل لساعات أطول وكسب المال. فهم يشتكون لعدم رغبتهم في الجلوس ومشاهدة التلفزيون بدلا من العمل لوقت إضافي. تذكر التقرير الإعلامية أنهم مرهقون من العمل لساعات طويلة، لكنهم يريدون ذلك، ويريدون أن يدفع لهم في مقابل ذلك.»

تم تغيير بعض الأسماء، أو تقصيرها أو عدم ذكرها بناء على طلب أصحابها*

رسم توضيحي: أسماء كلوش

الجزء الثاني: الجميع متورط ولكن لا أحد مسئول