
خلّفت نيران اشتعلت في مبنى سكن عمالي مكتظ في منطقة المنقف بجنوب مدينة الكويت، صباح 12 يونيو، 49 قتيلاً أغلبهم عمالاً هنود. وجرح أكثر من 50 آخرين ومعظمهم في حالة حرجة.
وبحسب وسائل الاعلام المحلية، فإن رجال الإطفاء وأفراد الطب الشرعي يبحثون حالياً في المبنى عن مزيد من الجثث، وقد يرتفع عدد القتلى بسبب هذا الحريق. وكان يقيم في المبنى المكون من ستة طوابق 196 عامل. وذكر شهود أن بعض العمال قاموا بالقفز من طوابق مرتفعة هرباً من الحريق. وتوفي أحد المهاجرين فوراً عندما اصطدمت رأسه بحافة الشرفة.
وذكر مسئول من الشركة خلال استجواب وزير الداخلية فهد يوسف الصباح له، في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع، إن جميع العمال موظفين لدى الشركة نفسها التي تملك المبنى. وقال الوزير إن الحادثة وقعت «نتيجة لجشع وطمع أصحاب الشركات وأصحاب البنايات.»
وتعتبر الشركة NBTC واحدة من أكبر شركات مقاولات البناء المدني في الكويت، وتأسست في 1977. ويتم التعاقد مع الشركة من قبل مؤسسات وشركات كبرى حكومية وخاصة عاملة في قطاع النفط والغاز بشكل أساسي مثل شركة غاز الكويت الوطنية، شركة FDH JV (DAEWOO)، وشركة Tecnicas Reunidas. ويقع السكن العمالي المنكوب بالقرب من شركات النفط الرئيسية والمصافي الكويتية.
وبموجب قانون العمل الكويتي، يُلزم أصحاب العمل ممن لديهم عقود مع الحكومة، أو ممن يقومون بتشغيل العمال في مواقع نائية، بتوفير السكن للعمال. أما الشركات التي تفشل في توفير المسكن اللائق لعمالها، فعليها أن تعوضهم بعلاوة للسكن، وذلك كما جاء في القرار الوزاري رقم 199 لعام 2010. وأن لا تقل العلاوة عن 25٪ من أجر العمال إذا ما كان يتقاضون الحد الأدنى للأجور، أو 15٪ إذا ما كانوا يتقاضون أجراً أعلى من الحد الأدنى للأجور. ويبلغ الحد الأدنى للأجور في الكويت 75 دينار كويتي (248 دولار أمريكي)
وشركة NBTC مملوكة بشكل مشرك بين رجل الأعمال الكويتي محمد البداح وهو أيضا رئيس مجلس إدارة الشركة، ورجل أعمال هندى يدعى كي. جي. أبراهام ويتولى منصف المدير الإداري.
وبحسب تقارير محلية، فإن إدارة الإطفاء عثرت على كومة من الجثث والمصابين على السلالم، مما يدل على أن المبنى كان مكتظاً بأكثر من طاقته الاستيعابية، ويفتقر بدرجة كبيرة لمعايير السلامة. وقد اختنق أغلب العمال بسبب استنشاقهم للدخان. وكان الحريق قد اندلع في الطابق الأرضي ثم انتشر في جميع أنحاء المبنى المكون من 6 طوابق.
وذكر مدير إدارة التحقيق في حوادث الحريق في الكويت، العقيد سيد حسن الموسوي، إن السبب في ارتفاع عدد الوفيات في الحادث يعود لإغلاق الواجهات، وبسبب وجود الحواجز المصنوعة من مواد سريعة الاشتعال بين الغرف، وكذلك إغلاق منافذ السطح مما حال دون هرب الكثيرين من الحريق.
القضية متأصلة وليست حالة فردية
وأمر وزير الداخلية الكويتي، في رد فوري على الحادث، بإيقاف مسئولا في الشركة وحارس المبنى. وبحسب الوزارة، فإن التحقيقات لا تزال جارية، وسوف توجه للمسئولين عن وقوع الحادث، تهمة جنائية. كما أوقفت وزيرة الأشغال ووزيرة الدولة لشئون البلديات، الدكتورة نورة المشعان، قيادات في بلدية الأحمدي التي يقع المبنى تحت مظلتها.
ويعتبر هذا الحادث المميت أمراً غير معقول حيث أنه دول الخليج عانت منذ عدة سنوات، وبالأخص الكويت، لاحتواء انتشار عدوى كوفيد 19 بسبب اكتظاظ المساكن العمالية التي يسكنها العمال منخفضي الدخل وسوء أوضاعها. بالإضافة إلى أن الكويت قامت، مؤخراً، بحملات إخلاء إجبارية صاحبها استهداف تجريد العمال المهاجرين الذكور من إنسانيتهم، الأمر الذي دفع العمال الذين تم إخلائهم قسراً، إلى البحث عن أماكن إقامة أكثر اكتظاظاً من سابقتها، وفي مناطق تفتقر إلى الخدمات. والجدير بالذكر هنا، إن الكويت تفشل، وباستمرار، في مساءلة أصحاب العمل لتوفيرهم لمساكن عمالية دون المستوى المطلوب.
والمعروف أنه في جميع مناطق الكويت والخليج، يقيم كثير من العمال المهاجرين في مبانٍ مكتظة أو في مساكن الشركة تفتقر لمعايير السلامة والنظافة. ولذلك فليس من المستغرب وقوع حوادث الحريق، وانفجار أسطوانات الغاز وانهيارات المباني.
وفي حين يوجد في دول الخليج قوانين لأماكن سكن العمال، إلا أن هذه الأنظمة تفتقر للتطبيق. ويزداد الوضع تعقيدا للعمال المهاجرين الذين لا يقدم لهم صاحب العمل، سكناً لإقامتهم. فيتوجب حينئذ على العمال استئجار مكان إقامة للسكن بشكل خاص، وهذه المباني التي يسكنوها لا تخضع للقوانين نفسها ولا لآليات التفتيش المطبقة عادة في أماكن المساكن العمالية.
إن نظام الكفالة، والاستبعاد الاجتماعي الذي يواجه العمال في الكويت، يضعف هؤلاء العمال ويحرمهم من التقدم بشكاوى حول الأوضاع الخطيرة، أو تنظيم تجمعات للمطالبة بأوضاع عمل أفضل.
وبالنظر إلى أن NBTC تعتبر شركة مقاولات رئيسية لقاع النفظ والغاز في الكويت، يبقى أن نرى ما إذا كان اللوم سيوجه لمالكي الشركة، أو تمريره إلى مدير المبنى بدلا عن ذلك، الأمر الذي يرفع المسئولية عن الملاك، والدولة، والعملاء الخاصين. وكما ذكرت MR في وقت سابق فإن دول الخليج نادراً ما تفرض عقوبات جنائية على ملاك المؤسسات الكبرى والشركات الراسخة، خصوصا تلك التي تتعاقد مع الحكومة.
وفي الوقت الذي يُنتظر أن تتبلور استجابة الحكومة الكويتية، من المرجح أن تقتصر على حملات التفتيش، ومساءلة عدد من الأفراد، بدلا من تطبيق تغييرات جذرية على نظام الهجرة العمالية، والإطار الاجتماعي والاقتصادي الذي يضعف العمال المهاجرين ويجعلهم عرضة للانتهاك والاستغناء عنهم. وسيظل المهاجرون غير قادرين على اختيار ظروف العمل والمعيشة المناسبة، مما يجعل الأمر مسألة وقت ريثما يقع حادث مأساوي مشابه.