
تبدو حرارة الطقس في الخليج هذا العام، مطابقة لمستوياتها خلال العام الماضي 2023 إن لم تتجاوزها، على اعتبار كونه العام الأكثر سخونة على الإطلاق في إطار تسجيل درجه الحرارة ارتفاعاً قياسياً بشكل استثنائي خلال الشهور الأخيرة. وهناك احتمال كبير أن تواجه دول الخليج موجات حر متزايدة وطويلة المدى.
وتشكل الحرارة الشديدة والرطوبة العالية في المنطقة خطراً وتؤدي للإصابة بالإجهاد الحراري، إذ أن هذه الأوضاع تعيق الجسم من تبريد نفسه من خلال التعرّق. ويعتبر العمال المهاجرون، الذين يشكلون معظم القوى العاملة في الخارج في المنطقة، هم الأكثر تعرضاً لهذه المخاطر.
ويحدث الإجهاد الحراري عندما يتعرض الجسم للحرارة بدرجة أكبر من قدرته على تحملها دون حدوث ضرر فسيولوجي. وبحسب خبير صحي، فإن استمرار درجة الحرارة الرطبة عند مستوى 35 درجه مئوية لأكثر من 6 ساعات يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة وقد تؤدي إلى الوفاة. ويعتبر الخليج من المناطق القليلة التي تجاوزت فيها الحرارة مراراً هذا المستوى خلال شهور الصيف وبمعدلات متزايدة، مما دفع العلماء إلى التنبؤ بأن «تتجاوز عدد من المدن الرئيسية في المنطقة المستوى الذي يتحمله الإنسان حتى في المساحات المظللة ذات التهوية الجيدة».
وعلى عكس السكان الأثرياء المحصنين من التعرض للواقع القاسي، بالعيش في بيئات صممت بدقة لتوفير أقصى درجات الراحة، فإن العمال المهاجرين متدنيي الدخل يواجهون واقعاً مختلفاً. وحتى أولئك الذين لا يعملون في الخارج، يتم نقلهم في ظروف تتدنى عن المستوى اللائق بالإنسان، وإيوائهم في أماكن إقامة مكتظة، نادراً ما يتم صيانتها، مما يعرضهم لاستنشاق هواء بجودة سيئة حتى خلال فترة راحتهم. يضاف إلى ذلك، صعوبة الحصول على مياه شرب نظيفة، وتخزين الطعام في درجات حرارة ممكن التحكم بها، مما يشكل تحدياً كبيراً لكونه يزيد من مخاطر الإصابة بالجفاف والتسمم الغذائي. وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من العمال في الخليج يتعرضون بشكل منتظم، للهواء الذي يشكل خطورة على الصحة وكذلك التلوث الكيميائي الذي قد يسبب أضراراً صحية طويلة المدى.
وفي مواجهة الحرارة الشديدة، لم تتحرك أي من دول الخليج لفرض سياسات تخفف بشكل فعال، مخاطر الطقس القاسي على من يعملون في الخارج. وبدلا عن ذلك، يواصلون الاعتماد على تطبيق إجراءات حظر العمل في ساعات محددة في اليوم خلال شهور الصيف. ويبدأ هذا الحظر في بداية يونيو في الكويت وقطر وعمان، وفي منتصف يونيو في السعودية والإمارات. أما في البحرين حيث تبلغ درجة الحرارة بالفعل 43 درجة مئوية، فإن الحظر لا يدخل حيز التنفيذ قبل حلول شهر يوليو. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد ارشادات صارمة لتوفير مساحات محمية لفترات الراحة خلال فترة الظهيرة، أو لتوفير مواصلات لنقل العمال من وإلى مكان السكن. وغالبا ما يقيم العمال في أماكن نائية وبعيدة عن مواقع العمل، وتستغرق رحلاتهم اليومية من وإلى العمل، ما بين 45 و90 دقيقة يومياً.
وتعتبر قطر الدولة الوحيدة التي قامت بمراجعة لوائح حظر العمل في فترة الظهيرة من أجل تضمين مؤشر درجة حرارة الأرض الرطبة لقياس الإجهاد الحراري المهني. وبموجب الإرشادات المحدثة، فإنه يحظر العمل في الخارج عندما يصل هذا المؤشر إلى 32.1 درجة مئوية، التي تعتبر عالية إلى درجة خطيرة.
وكانت درجات الحرارة في الخليج قد ارتفعت إلى مستويات عالية بالفعل حتى قبل بدء الحظر خلال الأسابيع الماضية. فعلى سبيل المثال، شهدت الكويت درجات حرارة قياسية عند مستوى 51 درجة مئوية في 31 مايو 2024 وذلك قبل أن يبدأ الحظر في يونيو.
ويشير هذا التباين في مدة الحظر في دول الخليج إلى طبيعتهم التعسفية وافتقارهم إلى الأساس العلمي لقراراتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الحظر لا ينطبق على جميع القطاعات، فهو، يستثني حراس الأمن، والعاملين في التوصيل باستخدام الدراجات النارية الذين يقضون معظم وقتهم في الخارج حيث درجات الحرارة في حدودها القصوى. وكان نشطاء كويتيون قد أطلقوا عريضة يطالبون فيها بتضمين عمال التوصيل تحت مظلة حظر العمل في الصيف، وذلك في أعقاب وفاة عدد من سائقي التوصيل قبل عدة سنوات.
إن حظر العمل في فترة الظهير خلال شهور الصيف، يجب ألا يستند على تواريخ الروزنامة فحسب، وإنما على درجات الحرارة الواقعية التي تصل إلى مستويات عالية خارج ساعات وشهور الحظر المحددة. بالإضافة إلى ذلك، على دول الخليج ألا تعتمد فقط على درجات الحرارة وإنما تأخذ في اعتبارها الرطوبة والتلوث عند تطبيق السياسات لحماية العاملين في الخارج من المخاطر الصحية.