من القرى المنكوبة بالمناخ في النيبال إلى حرّ الخليج الشديد، المخاطرة بالحياة من أجل الحياة
ازدادت هجرة النيباليين بحثاً عن سبل جديدة لكسب معيشتهم، مع اضطرارهم لترك حقولهم بسبب تقلبات الطقس المدمرة لمحاصيلهم. لكن هروبهم من كارثة مناخية يوقعهم في أخرى، حيث ارتفاع درجة الحرارة في الخليج، وتفاقم أوضاع العمل الخطيرة أصلا.
لم يجرب النيبالي راميش ياداف الحرارة الشديدة من قبل حتى وصل إلى السعودية. يقول إنه كان يشعر بمعاناة كي يتنفس في الوقت الذي يعمل تحت أشعة الشمس القاسية في معمل معالجة الغاز الجعيمة في راس تنورة. وكان يشرب الكثير من الماء أثناء العمل ليحافظ على رطوبة جسمه.
يلوح الخوف عليه عندما يرى زملائه في العمل ينهارون بسبب الإرهاق الحراري في أيام الصيف شديدة الحرارة والهدوء. «العمال يغمى عليهم بشكل متكرر. انا خفت. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ يجب أن أواصل العمل ما لم تغلق الشركة الموقع».
ترك راميش النيبال هرباً من التقلبات التي تحدثها تغيرات المناخ، لكن واجهته تحديات أكبر بسبب الحرارة الشديدة في السعودية. يقول متذكراً، إن عائلته لم تعد قادرة على الاعتماد على الزراعة لكسب معيشتها. «لقد حرثت الأرض وزرعت الأرز وقمت برش المغذيات وأضفت السماد. أنفقت الكثير من المال. لكن عندما حل وقت الإزهار لم نحظَ بالمطر، فجفّ كل شيء. ذهبت إلي الحقل وبكيت متسائلا:«يا إلهي، ما لذي حصل».
لاتزال العلاقة بين تغير المناخ والهجرة في مراحلها الأولى. وفي الوقت الذي يعتبر الفقر، والعوامل السياسية، والبطالة، محركات أساسية تدفع النيباليين للهجرة، تسلّط المنظمة الدولية للهجرة الضوء على الروابط «المعقدة» و «الدقيقة» بين تغير المناخ والهجرة في جنوب آسيا. ويذكر بحث أجرته المنظمة أن الطقس المتقلب ساهم في ارتفاع الهجرة بسبب «انعدام الأمن الغذائي وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة».
ويتضح دور تغيير المناخ في عملية اتخاذ قرار الهجرة كما أظهرت المقابلات التي أجرتها MR. يتذكر راميش كيف أدت موجة الجفاف في 2019 إلى تحول حقوله الصالحة للزراعة إلى أراضي قاحلة، وانتشار الآفات في المحاصيل وخفض انتاج الأرز. وفي السنوات التالية، أفاضت أمطار المونسون الموسمية نهراً مجاوراً لتجرف معها أشجار المانجو وتدفن الحقول بالرمل والحصى. ويقول إنه مع صعوبة التنبؤ بتقلبات الطقس في السنوات الأخيرة، أصبح من الصعب عليه توفير المعيشة والطعام لأطفاله الصغار ووالديه المسنين. شعر أنه مضطراً للبحث عن بديل لكسب لقمة العيش. وفي 2022، اتجه راميش إلى السعودية للعمل في واحدة من أكثر الشركات ربحية على الكرة الأرضية: أرامكو.
وراميش هو واحد من النيباليين الذين تتزايد أعدادهم ممن أجبروا على البحث عن عمل في الخارج بعد أن أدت كارثة التغير المناخي إلى تدهور سبل عيشهم. ويقول «في بلدتي، نحن نعتمد على مياه الأمطار للزراعة، لكن حاليا، ليس من المؤكد متى ستمطر السماء. ولا يمكننا أن نزرع عندما يكون هناك جفاف أو أمطار غزيرة. ومن أجل توفير سبل العيش فإن علينا التوجه الى الخارج».
وتعاني الأراضي الزراعية في جميع مناطق النيبال من التدهور على نطاق واسع. ووجد تقرير أعدته شبكة التغير المناخي في جنوب آسيا CANSA في 2021، إن أنماط الطقس غير المتوقعة، بما فيها الأمطار الغزيرة، والجفاف والمواسم الباردة المتقلبة تعيق الإنتاج الزراعي في السهول الجنوبية والجبال الشرقية، وتجبر الناس على الهجرة إلى الخارج من أجل المعيشة. كان انخفاض الدخل بسبب انخفاض المحاصيل أو تدمير الحقول هو السبب الرئيسي للهجرة في الأماكن التي شملتها الدراسة.
ومثل غيرهم من العمال المهاجرين النيباليين الذين تدفعهم البطالة والفقر للهجرة، فإن هؤلاء العمال المهاجرين بسبب المناخ، معرضون للاستغلال والإساءة في كل مرحلة من مراحل الهجرة، من التعامل الأولي مع وكالات التوظيف وحتى الوصول للوظائف. ومن المفارقات، إن التغير المناخي الذي قد يكون عاملاً واحداً بنى على أساسه قرارهم الذهاب للخارج، فإن الكثيرين يجدون أنفسهم من جديد معرضين لتقلبات ظروف المناخ القاسية في الخليج.
وتوقع راميش، الذي حصل على وظيفة لدى أكبر شركة مصدرة للنفط، بقيمة سوقيه تزيد عن 2 تريليون دولار أمريكي، أن يحصل على أوضاع عمل أفضل. لكنه أصبح يعمل في الخارج في وظيفتي نجار، ومساعد مسّاح، أحياناً في درجة حرارة تزيد عن 50 درجة مئوية، ولا يحصل سوى على فسحة قليلة للراحة. يقول راميش جسده كله نه يتصبب عرقاً غزيراً ويسيل ليملأ حذاء السلامة الثقيل. «تعتبر أيام العمل في الصيف هي الأسوأ. عندما أعصر سترتي، يملأ العرق الذي يسيل منها ما يعادل حجم الكوب الكبير.»
ويبلغ عدد النيباليين العاملين في الخارج حالياً نحو 3٫5 مليون شخص. وتعتبر دول الخليج وماليزيا هما الوجهتان الأساسيتان للمهاجرين حيث يوجد بهما أكثر من 80٪ من إجمالي القوى العاملة. وفي الخليج حيث يُتوقّع أن ترتفع درجة الحرارة بمعدل 5 درجات مئوية مع نهاية القرن الحالي، يعمل 50٪ من العمال النيباليين في قطاعات الإنشاءات، والزراعة وتوصيل الطعام.
وهؤلاء العمل الذين يعملون في أماكن خارجية، تحديداً، يواجهون مخاطر جسيمة.
وتحظر القوانين السعودية العمل في الخارج بين الساعة 12 ظهراً و3 عصراً في شهور الصيف. لكن العمال يقولون إن الساعات الثلاث ليست مطبقة بشكل كامل، حتى لو تم تطبيقها بشكل كامل، لن تكون كافية من أجل ضمان سلامتهم. ويعمل راميش في مصنع غاز تابع لشركة أرامكو من خلال شركة L&T Hydrocarbon، وهي شركة تتخذ من الهند مقراً لها. ويقول إن الشركة بشكل عام، تتوقف عن العمل إذا ما تجاوزت درجة الحرارة 55 درجة مئوية لكن «الأمر متروك للشركة بالكامل» وليس للعمال أي رأي في ذلك. إن العمال يتساقطون على الأرض حتى قبل بلوغ الحرارة 55 درجة مئوية أو قبل وبعد ساعات الحظر. ويضيف، عندما ينهارون يعطى لهم فترة استراحة قصيرة وماء للشرب ومن ثم عليهم العودة للعمل.
تقول استشارية القلب، البروفيسورة راتنا ماني غاتشوريل، إن العمل في حرارة بدرجة 40 مئوية يشكل خطورة على العمال. «حتى الأشخاص الأصحاء يصابون بالإجهاد الحراري، وضربة الشمس والإنهاك الحراري في مثل درجات الحرارة هذه لأن العمليات الطبيعية في أجسادنا تبدأ في الاضطراب والتفكك».
لقد كان راميش محظوظاً. لم ينهار حتى الآن، لكنه كان يتأرجح على حافة الإغماء. فالعمل لـ6 أيام في الأسبوع في درجة حرارة عالية في بيئة بجانب الغازات الخطرة تجعل راميش يقلقه على سلامته، وعلى صحته مستقبلاً. «قد يحدث لي أي شيء هنا، لكنني أيضا هنا لكسب المال.»
وتنتظر عائلة راميش في النيبال، التي دأبت على كسب المعيشة من الزراعة، أجره الذي يبعثه في نهاية كل شهر. وفي راس تنورة، يعمل راميش لمدة 11 ساعة يومياً، بغض النظر عن إحساسه بالإرهاق، والدوار، ليكسب أكثر من راتبه الشهري الذي يبلغ 1200 ريال سعودي. ويقول: «إنه راتب غير عادل للعمل الذي أقوم به».
من الجبال إلى الصحراء
من جانبه، يقول سانجي تشيتري، وهو عامل آخر جاء إلى السعودية بعدما جرف الانهيار الأرضي، قطعة أرضه في أحد جبال منطقة الوسط الغربي النيبالي، إنه تعرض للخداع منذ بدء عملية توظيفه.
يقول سانجي، إن مكتب التوظيف أخبره إنه سيتم توظيفه مباشرة ككهربائي في مرافق أرامكو، وأنه سيكسب 1700 ريال سعودي شهرياً. لكن عندما وصل إلى المملكة، انتهى به الأمر في شركة للتزويد بالأيدي العاملة تدعى شركة الراشد للتجارة والمقاولات RTCC التي قامت بتكليفه بالعمل في الخارج في مشروع لأنابيب غاز يتم إنشاؤها من الصفر. عمل سانجي 10 ساعات يومياً لـ6 أيام في الأسبوع ليكسب أجرا مقداره 1000 ريال فقط.
ولا يتضمن عمل سانجي مهام معينة، وبدلا عن ذلك كان عليه أن يعمل أي شيء يكلفه رئيسه في العمل، بما في ذلك تنظيف الركام ورفع وتمرير المعدات وتشغيل مكائن التقطيع. ويقول سانجي إن المشرفين المتطلبين كان يصرخون في وجهه ويوبخونه عندما يرتكب خطأ.
يقول سانجي أيضا إنه من النادر أخذ فترة راحة في أيام الصيف القائضة. «كنت أذهب إلى مكان مغطى بمظلة لأرتاح قليلاً لكنهم ينادوني على الفور للعودة للعمل. ويضيف «يذهب العمال إلى باص النقل في فترة الغداء ومدتها ساعة واحدة. وهذا هو الوقت الوحيد الذي نحصل فيه على راحة خلال الوردية بأكملها».
يقول سانجي إن العمل في حرارة 50 درجة مئوية يعتبر «أمراً عادياً» في السعودية. ويضيف «جئت إلى هنا لأني مجبراً على ذلك. لا بد من أن أكون مستعداً لأي شيء. أشهر بأنني سجين. عاجز عن فعل شيء». ويقول أيضا إنه بسبب الحرارة الشديدة والعمل الشاق لم يعد راغباً في تناول الطعام كعادته. كما أن شعره بدأ يتساقط بسرعة منذ أن بدأ العمل.
ولا يوجد لدى عائلة سانجي في النيبال أي مصدر للدخل سوى راتبه الضئيل. فقد تحول مصدر رزق العائلة من الزراعة إلى التحويلات المالية التي يبعثها. ولكن من ذهاب جزء كبير من راتبه الزهيد لسداد الدين، فإن عائلته تعاني من أجل لقمة العيش.
يقول سانجي: «إننا عائلة فلاحين لأجيال. لكن عائلتي تعتمد علي الآن لتوفير مصدر عيشها.» ويضيف: «كان لدي آمالاً عريضة عندما جئت إلى هنا، لكن كل ما حدث كان معاكساً. لم أكسب المال الذي أحتاجه كما توقعت. حالتي كمن يهرب من المقلاة الساخنة إلى النار بأكملها».
التوصيل القاتل
يقوم بيشال ماندال بتوصيل الطعام لعملاء هانغر ستيشن إلى عتبة منازلهم باستخدام الدراجة النارية في منطقة القاسم. وقد تمتد الوردية الواحدة لمدة 15 ساعة ويقول إنه يقطع خلالها نحو 300 كيلو متر.
يقول بيشال إنه كان يتعرض للنزف من أنفه، وكان جلد يديه يتقشر لكن «مهما كان الطقس ساخناً أو بارداً أو مطيراً فإن علي أن أقود الدراجة. قمت بذلك تحت درجة حرارة بلغت 48 درجة مئوية، هل لك أن تتخيل ذلك».
وتعتبر قرية بيشال المعرضة للزلازل والواقعة في منطقة مادهيش، أكبر منطقة مرسلة للمهاجرين إلى خارج البلاد، حيث هاجرت منها أعداد كبيرة للالتحاق بأعمال في الخارج. وبسبب وجود مئات الأنهار في أسفل الجبال، تتسبب الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات كل عام. ونتيجة لذلك، ترك الكثير من الناس أعمالهم في «مخازن الحبوب» باحثين عن أعمال في الخارج.
قال بيشال، إنه في 2022، عندما جرفت الفيضانات أرضه، طلبت منه عائلته الذهاب الى السعودية. قاموا بالاقتراض من أحد المقرضين و «أرسلوه» إلى السعودية، ومن أجل ذلك، دفعوا لشركة توظيف أكثر 1500 دولار أمريكي.
وعندما وصل إلى السعودية، احتُجز في غرفة لمدة شهر بدون عمل، ويقول إنه كان جائعاً. ثم تم الحاقه بوظيفة سائق توصيل حيث كان عليه أن يحقق حد أدنى من مرات التوصيل لتوفير راتبه الشهري. وذلك يعني أنه يجب عليه توصيل 420 طلب إلى منازل العملاء بقيمة 1800 ريال سعودي (480 دولار أمريكي) في الشهر، لكنه يقول إنه لم يتمكن من تحقيق ذلك أبداً. وهذا يعني أنه إذا لم يحقق الهدف المحدد، سيحصل على أجر منخفض جداً.
وبسبب صعوبة الوظيفة وقسوة الطقس غير المحتمل، أصيب بيشال بالمرض أكثر من مرة. وخلال الشهور السبعة الأخيرة، كان الشاب البالغ من العمر 23 عاماً يعاني من الصداع يومياً تقريباً، ومن الزكام عدة مرات ومن وجع في أسنانه والتهاب اللوزتين مرة واحدة. ويقول: «لم أمرض قط عندما كنا في بلادي، لم أتعاطى مسكن الألم أبداً.” ويضيف: «هنا، أحتفظ دائما بالدواء معي. وأتناول الدواء، وإلا فلا يمكنني العمل».
ويقول: «أصبحت تشنج العضلات، وألم الساقين، وحكة العين من الأمور التي أصاب بها دائما. كما أصبح الطفح الجلدي والتعرق الغزير أمراً روتينياً في الصيف. لا أريد أن أعمل هنا، لكن لا يمكنني أيضاً أن أترك العمل، فلدى قروض واجبة السداد، كما أن عائلتي تريدني أن أكسب المال».
تعرض بيشال لحادث بدراجته النارية في اليوم الأول من بدء عمله، لكن صاحب عمله، السعيد للمقاولات العامة، رفض أن يدفع قيمة الدواء. واستمر نزف ساقه حتى قدم له أصدقاؤه الإسعافات الأولية. يقول بيشال: «الشركة لا تستمع لنا، يهددونا دائما بترحيلنا إذا تقدمنا بأي شكوى». يضيف: «نحن عاجزون».
استجابة ضعيفة لإصابات العمل
كان للعمل الشاق في الحرارة المرتفعة، أثر تدهور واضح في صحة البعض من العمال.
سانجيف كومار ماندال، نيبالي مهاجر اشتغل كعامل في قطاع الانشاءات في الامارات ثم في قطر. وفي 2022، بينما كان يعمل في معسكر للجيش قيد الانشاء في أبو نخلة بقطر بدأ يشعر بصعوبة في التبول. وظل لعدة أسابيع يعاني من ذلك وعليه أن يبذل جهدا ليتمكن من التبول. لكن حالته ساءت بعد ذلك، عندما فقد السيطرة على المثانة وعاني من سلسل البول. ويتذكر سانجيف عندما كان ينام في الطبقة العلوية من السرير بطابقين في معسكر العمال:« كنت أغطى السرير بكيس من البلاستيك لأمنع البول من التساقط من السرير».
وأعطي سانجيف البالغ من العمر 23 عاماً، إجازة لعدة أيام من العمل. أجبرته شركته، شركة رد لينكس للمقاولات Red Links Construction على العمل لمدة 12 ساعة في الخارج، كل ذلك في أثناء معاناته من تسرب البول الذي منعه باستخدام كيس البلاستيك. يقول سانجيف: «كان الطقس حاراً جداً وكنت أتصبب عرقاً، لكن المشرفين ورؤساء العمل لم يسمحوا لي بالجلوس في الظل. كانوا يقولون جئت هنا للعمل وعليك أن تعمل».
وباستثناء فسحة الغداء ومدتها ساعة واحدة، كان على سانجيف نقل ما بين 300 و400 كيس من الاسمنت بوزن 50 كيلو يومياً، وخلطهم مع الخرسانة وتجهيزها للبنائين. كان يشعر بالعطش، لكنه لم يتمكن من شرب الماء بارداً بسبب تعطل جهاز تبريد الماء.
توسل سانجيف الذي لم يكن يملك أي شيء من المال، لرؤسائه لمساعدته للذهاب إلى المستشفى لكنه يقول إن الشركة رفضت دفع تكاليف علاجه. فقام بالاقتراض من زملاء عمله وأجرى فحصاً طبيا أظهرت نتائجه أنه مصاباً بتضخم في الكلى والتهاب شديد في المثانة. وبدلا من تقديم العلاج له، طلبت منه الشركة العودة إلى بلاده لكنها حرمته من تذكرة السفر. فساعده أصدقائه بدفع تكاليف عودته إلى الوطن.
الآن، سانجيف العائد إلى سهول النيبال الجنوبية، يقوم مع عائلته بالبحث عن علاج طبي لحالته لدى عدد من العيادات. لكنه، وبسبب غرقه في الديون وقيمتها نحو 6000 دولار أمريكي، لم يعد قادرا على تحمل تكاليف رعاية طبية متقدمة في المستشفى. ويخشى سانجيف الذي يسمع قصصاً عن الفشل الكلوي للعمال، أن يواجه نفس المصير.
ووثقت عشرات التقارير الإعلامية والأبحاث حالات من الفشل الكلوي لدى العمال المهاجرين النيباليين. كما لاحظ الأطباء أيضاً الارتباط الوثيق بين العمل الشاق في درجات الحرارة العالية وأمراض الكلى المزمنة.
يقول الدكتور ريشي كومار كافلي، كبير الأطباء في المركز الوطني للكلى في كاتمندو:«إن العمل في درجات حرارة شديدة وعدم شرب الماء سيسهم بلا شك في الإصابة بمشاكل صحية مرتبطة بالكلى بما في ذلك الفشل. لقد وجدت العديد من هؤلاء العمال هنا».
على بعد عدة كيلومترات من منزل سانجيف في جنوب النيبال، هناك مهاجر عائد من قطر في حالة بدنية أسوأ. فبينما كان آبندرا باسمان (42 عاما) يعمل في إنشاءات إحدى الطرق أصيب في الرأس عندما سقط في حفرة عميقة في قطر في فبراير 2019. (وحيث أن الموسم كان بارد نسبياً في ذلك الوقت، تبقى المشاكل الصحية المتعلقة الغبار الشديد). يقول أخ باسمان إنه بقي محصوراً في حفرته لأكثر من 10 ساعات، وعندما وجده زملاؤه كان غائباً عن الوعي.
تقول الزوجة رام سونير ديفي إن زوجها سافر إلى قطر على أمل كسب المال لزفاف ابنتهما. وتضيف منتحبة:«لكن أنظر ما انتهى اليه الأمر، لقد دُمرنا».
واجه آبيندرا حظه السيء خلال 4 شهور من بدئه العمل في شركة الوكيل للتجارة والمقاولات حيث كان يكافح من أجل سداد القرض الذي أخذه للذهاب إلى قطر. كان يعمل في حفر الخنادق لمدة 12 ساعة يومياً على أحد الطرق السريعة بأجر 1000 ريال.
قضى آبيندرا عامين في مستشفى الرميلة في محاولات لإبقائه على قيد الحياة، وفي 2021 تم إرساله إلى وطنه على نقالة. ويقضي الآن نهاره على كرسي متحرك، ولياله ممدداً على فراشه بغير قدرة على الكلام أو التعرف على من حوله.
الموت «غير» الطبيعي
أوضحت الدراسات أن هناك عواقب لا تعد ولا تحصى للتعرض لدرجات الحرارة الشديدة، تتراوح ما بين الطفح الحراري والتشنجات وحتى الفشل الكلوي. ومن الممكن أن يؤثر على القوى العقلية ويؤدي إلى مخاطر الإصابات المهنية.
كذلك تم توثيق علاقة الارتباط ين الحرارة الشديدة وأمراض القلب، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية. ولكن بسبب الافتقار إلى التحقيق المناسب، يبقى موت العمال المهاجرين في الخليج غامضاً بالنسبة لذويهم.
في صيف 2021، توفي صابر حسين أنصاري بعد دخوله مستشفى الملك فهد التخصصي في بريده، السعودية. وذُكر في تقاريره الطبية أنه تلقى الرعاية في مختبر القسطرة لكنه لم يتجاوب لعميلة الإنعاش. وتم تشخيصه بالإصابة بنوع من أنواع النوبات القلبية يسمى احتشاء عضلة القلب.
وبحسب الأطباء والدراسات، فقد يتسبب التعرض للحرارة الشديدة في الإصابة باحتشاء عضلة القلب وهو من «أسباب الوفاة» الشائعة بين النيباليين. وفي 2017، وجدت دراسة نشرت في مجلة علوم التعرض والأوبئة البيئية، إن التعرض للحرارة الشديدة خلال شهور الصيف يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالإصابة باحتشاء عضلة القلب الحاد.
تقول طبيبة القلب الدكتورة راتنا، إن العاملين في الخارج في دول الخليج معرضين للإصابة بمثل هذه النوبات لأنهم يقومون بأعمال شاقة في درجة حرارة شديدة، ويصابون بالجفاف بسهولة، الأمر الذي يخلق ضغط على القلب ويزيد من خطر الإصابة بالنوبة القلبية.
وجعلت ظروف وفاة صابر، عائلته تشك في أن العمل المرهق والحرارة الشديدة ساهمتا في وفاته.
وتقول زوجة صابر، سكينة خاتون وهي أم لسبعة أطفال «أنه لم يكن يعاني من أية مشكلة صحية. من الصعب التصديق أنه أصيب بنوبة قلبية». وتضيف سكينة متذكره ما أخبرها به زملاؤه في مكالمة هاتفية، إنه قبل ساعات قليلة من شكواه من ألم في الصدر، كان صابر البالغ من العمر 41 عاما، يقوم بتحميل ألواح الجبس والخشب من الشاحنات تحت الشمس الحارقة. كما تقول إن زوجها كان يعمل لمدة 10 ساعات في مخازن غير مكيفة وأيضا في الخارج.
تقول سكينة إن صاحب عمل صابر، مؤسسة الديكور العربية Arabian Decoration Est، لم يوضح للعائلة سبب الوفاة. وبحسب زملائه فقد كان بخير وكما هو دائما، في ذلك اليوم. وإلا أن وزارة الصحة السعودية تقول إن وفاته طبيعية.
وخلال ال-14 عاما الماضية، تم الإبلاغ عن حوالي 4300 وفاة لعمال نيباليين مهاجرين على أنها وفيات «طبيعية»، أو أنها بسبب نوبات قلبية وسكتة قلبية، وغالبية هذه الوفيات حدثت في الخليج، المنطقة التي ترتفع فيها درجة الحرارة بمعدل ضعفي المعدل العالمي.
تقول الدكتورة راتنا ماني بعد سماعه قصصا مروعة عن وفيات العمال وعلاج العمال المهاجرين المرضى في المستشفى :«يجب أن توفر للعمال حماية أفضل في ظل ارتفاع معدلات الحرارة عالمياً».
وفي حين أن توفير حماية أفضل للعمال المهاجرين في دول الخليج، وبدون أي شلك، هي الحاجة الملحة حالياً، إلا أن تدهور الأحوال الجوية في آسيا والافتقار إلى الالتزام بمنع المزيد من التدهور، وإدارة تأثيراته هو أيضا موضوع مقلق. ومع فرص العمل المحدودة في غالبية الاقتصادات الزراعية مثل النيبال، ستظل عيون المواطنين على الفرص الخارجية لكسب العيش. وقدّر تقرير CANSA لعام 2021 «أن النيبال ستشهد اضطرار 1٫3 مليون شخص للهجرة من وطنهم مع حلول 2050 بسبب الكوارث المناخية، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد المهاجرين في الفترة من 2006 و2020».
وفي الوقت نفسه، فإن استجابة دول الخليج لدرجات الحرارة غير المحتملة، هي فقط تحديد فترة الاستراحة في منتصف النهار والتي هي أقل بكثير من الحد الأدنى من الحماية. وكما ذكرت تقارير MR سابقاً، فإن حظر العمل يقوم على تواريخ تقويمية (بحسب الروزنامة) أكثر منها درجات الحرارة الواقعية، مما يعرض العمال لمستويات خطيرة من الاجهاد الحراري. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاجهاد الحراري هو فقط واحد من مخاطر بيئية عدة يتعرض لها العمال المهاجرون في الخليج.
يشار هنا إلى أن المنطقة تعاني من أسوأ أنواع الهواء في العالم، حيث تزيد معدلات تركيز PM2.5 وPM10 السنوية بكثير عن معايير جودة الهواء العالمية التي حددتها منظمة الصحة العالمية. وهذه الظروف تزيد من مخاطر مرض ووفاة العمال المهاجرين خصوصاً في الأيام التي تسوء فيها جودة الهواء.
*تم تغيير أسماء العمال الذين لازالو يعملون في دول الخليج من أجل حمايتهم