لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

مرئيين عند الموت فقط: هل تتعلم الكويت من حريق المنقف؟

هل تكون المأساة التي كان بالإمكان تجنبها، منبهاً أم ستعود الأمور لما كانت عليه؟

كل منا يبحث عن الأمان، سواء في البيت أو على الأقل في المكان الذي نستلقي فيه للنوم في نهاية اليوم. لكن الأمر لم يكن كذلك في الساعات الأولى من يوم الأربعاء، 12 يونيو 2024، فقد استيقظ سكان المبنى السكني ذي الطوابق السبعة على حريق مشتعل، وأعمدة من الدخان تتصاعد، وكثير من الصراخ. في هذا الحريق، قُتل 49 مهاجر – جميعهم يعملون ويقيمون لدى مجموعة NBTC – وأصيب نحو 50 آخرين. وتتراوح وظائف الذين قضوا في الحريق ما بين سواقين، وسواقي توصيل، ومهندسي، ومحاسبين وينتمي أغلبهم إلى الهند، كما كان من بينهم مهاجرين من الفلبين. وأظهر التحقيق الذي أجرته قوة الإطفاء الكويتية إن سبب الحريق هو تماس كهربائي، تفاقم فيما بعد بسبب الحواجز القابلة للاشتعال بالإضافة إلى سوء تخزين أسطوانات الغاز. ويعزى ارتفاع عدد الوفيات إلى عدم كفاية ممرات الطوارئ بسبب إغلاق المداخل المؤدية إلى سطح المبنى المكتظ بالسكان. 

وقد أحدث حجم المأساة موجات من الصدمة في الإعلام المحلي، واستنفر استجابة غير مسبوقة من قبل السلطات في الكويت. فالحادثة لم تقع في منطقة صحراوية نائية ومعزولة في الصحراء، وإنما في حي مكتظ بالسكان يأوي عمالاً مهاجرين ينتمون لخلفيات متنوعة. وألقى نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي، فهد اليوسف الصباح، خلال زيارته لموقع الحريق، اللوم على ملاك العقار الجشعين الذين قاموا بمخالفة معايير السلامة في المبنى. وتم إيقاف مسئولين بالوزارة، فيما أحيل ممثلي مجموعة NBTC إلى النيابة. وتم إطلاق حملات تفتيش شاملة على العقارات السكنية التجارية – حيث يعيش أغلب غير المواطنين – في جميع مناطق البلاد. وقامت الشركات العقارية، وأصحاب العمل بإرسال إشعارات خاصة بالسلامة من الحريق للقاطنين في مبانيهم وللموظفين. وانهالت التعازي، كما تم جمع التبرعات لعائلات المتوفين. 

أساسيين لكن غير مرئيين

للوهلة الأولى، يبدو الحادث أنه مجرد نتيجة لإهمال معايير السلامة في السكن. لكن، وكما يعرف أي شخص، حتى من لديه معرفة عابرة بالأوضاع في الكويت، أن السبب الحقيقي أعمق من ذلك. فحريق المنقف جاء كنتيجة متوقعة للمشاكل الهيكلية المتأصلة في نظام الكفالة، وممارسات الإقصاء في الإدارة العمرانية التي تشكّل حياة 3 مليون مهاجر مقيم في الكويت، خصوصاً المنتمون للطبقة العاملة التي تشكل غالبية غير المواطنين الأكثر تهميشاً. 

فمن ناطحات السحاب البراقة، إلى شبكة الطرق السريعة الآخذة في التمدد، ومن مستشفياتها إلى مدارسها، وإلى مراكز التسوق الفاخرة، لا تكاد أن تكون أية جزئية من مباني الكويت واقتصادها، غير مدينة لعرق وعمل العمال المهاجرين. لقد كانوا وسيظل وجودهم مهم وأساسي. 

ومع ذلك، فإن العمال المهاجرين هم كائنات غير مرئية في الخطاب، وفي علمية اتخاذ القرار في ذات القضايا التي تؤثر على حقوقهم وعلى حياتهم. فيما يقطع نظام الكفالة العلاقة بين الحكومة والعمال المهاجرين، بتفويض جوانب مهمة من إدارة العمل والهجرة لمواطنين عاديين وأصحاب عمل، مما يفتح أبواب الانتهاك لحقوق الإنسان. 

وبالإضافة إلى أن إدارة التنظيم العمراني في الكويت، المعروفة بمركزية اتخاذ القرار تتحكم فيها مجموعة قليلة من الكيانات الوطنية، مما يجعل التجربة غير مستدامة وإقصائية. فيتم فصل البلاد وسكانها حسب التصميم، وذلك بحسب قرار للسياسات يعود تاريخه إلى أول خطة رئيسية للبلاد وضعت في الخمسينات. الكويتيون يعيشون في الغالب في مناطق منخفضة الكثافة في منازل مصممة للأسرة الواحدة، فيما غير الكويتيين لا يمكنهم امتلاك العقار، وغالباً ما يستأجرون شققاً في مباني عمودية كثيفة السكان. 

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر بلدية الكويت والمجلس الأعلى للتخطيط والتطوير هما الأكثر تأثيراً عندما يتعلق الأمر بالتخطيط والتنمية العمرانية. وتعمل هذه الكيانات على مستوى السياسة الوطنية أكثر منها ككيانات محلية تخدم المقيمين. 

وفي حين يؤثر ذلك في جميع السكان، إلا أن العزل، والبعد، والحرمان الذي يتعرض له غير المواطنين هو أكثر بكثير. فغير الكويتيين ليس لهم رأي في شكل المدينة ووظائفها، وليس لديهم تمثيل سياسي أو بلدي. وأظهر تقرير حديث أن هذه الديناميكية تساهم في تعزيز خيارات السياسات مثل فصل الأحياء السكنية بحسب الجنسية، وتحدّ من الجهود، المطلوبة بشكل كبير، لتوسعة التنمية الاسكانية لغير المواطنين. 

وبذلك، فهناك عدم تطابق بين التمثيل والمصالح. وفي هذا السياق، يتم تفويض القضايا المهمة مثل الإسكان إلى أصحاب العمل والمطورين العقاريين الذين ليس لديهم حس المبادرة للامتثال بشكل فعال للوائح، كما اتضح من حريق المنقف المميت.

إن المهاجرين من بلدانهم، بحثاً عن كسب العيش وإعالة أسرهم هناك، غالباً ما يقومون بتحويل الجزء الأكبر مما يكسبونه وهو أجر متواضع قد لا يزيد عن 75 دينار كويتي (244 دولار أمريكي) شهرياً (الحد الأدنى الوطني للأجور)، ولا يتركون سوى القليل منه لأنفسهم. ويُلزم قانون العمل الكويتي أصحاب العمل بتوفير السكن “المناسب”، أو إعطاء علاوة سكن للعمال من فئات محددة من ذوي الدخول المنخفضة، لكنها ليست كافيه بالقدر الذي يؤمن سكناً لائقاً يحفظ الكرامة، مع تحويل الكثير من المساكن إلى مساحات مشتركة للنوم للعمال منخفضي الدخل. وهذا يؤدي إلى الاعتماد على أصحاب الأحياء الفقيرة المهتمين فقط بجمع الإيجارات، ولكن يفتقرون للحافز على الصيانة والمحافظة على سلامة المباني خصوصاً مع ضعف إنفاذ القوانين. كما أن العديد من العمال المهاجرين ليس لديهم القدرة على الوصول للمعلومات المتعلقة بحقوقهم العمالية، عدا آليات الشكاوى لدى سلطات البلدية والصحة والسلامة. 

المسائلة كرد فعل

في أعقاب حريق المنقف، كان هناك بصيص من المسائلة العامة. وتسلمت الهيئة العامة للقوى العاملة أوامر مباشرة من نائب رئيس الوزراء، فهد اليوسف الصباح، بوقف العقود الحكومية مع الشركات التي لم تحدّث معلومات مساكن موظفيها. كما انتقد مسئولون حكوميون قانون الخصوصية الذي يعيق تفتيش المساكن التجارية. وأشار رئيس بلدية العاصمة الكويتية، سعود الدبوس، للإعلام المحلي، إن قانون الخصوصية «يمنعنا من دخول المباني التجارية، إلا بوجود تصريح من النيابة أو من صاحب العقار». كذلك، أوقف الدبوس أعمال بلدية الأحمدي، التي تدير المنقف، على ذمة التحقيق الشامل.  

وتم إجراء اعتقالات أولية، كما تم تحذير أصحاب العقارات المتربحين علناً. وتعهدت الحكومة الكويتية ومجموعة NBTC بتعويض كل عائلة من العائلات الثكلى مبلغ 15٫000 دولار أمريكي، و9٫600 دولار على التوالي. وهو مبلغ صغير عندما يكون عدد كبير من الضحايا عملوا على الأقل لمدة تتراوح ما بين عقدين إلى ثلاثة عقود، ولا تزال الحياة أمامهم. كما وعدت الشركة NBTC بدفع تعويض قدره 2٬400 دولار أمريكي لكل مصاب في الحريق. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن العديد من المتوفين هم في مقتبل العمر (أصغرهم يبلغ من العمر 23 عاما، وأكبرهم سنا يبلغ 65 عاما، وغالبيتها في عمر الثلاثينات) ولديهم عائلات شابة وكان أمامهم سنوات عديدة من الإنتاجية لم بقوا على قيد الحياة. فحتى لو جمعت هذه المبالغ كلها، لن تعوّض حاجة هذه الأسر التي توفى معيلها.  

وبرغم الترحيب بهذه التدابير، إلا أنها جاءت مصحوبة بأخرى تكشف عن طبيعتها في قصر النظر. فحملات التفتيش الشاملة على مستوى البلاد أزالت بعض المخاطر المباشرة على السلامة في الوقت الحاضر، لكنها ليست حلول للمدى الطويل. كما أنها عالجت الانتهاكات مثل بناء إضافات غير مصرحة للمباني لاستيعاب المزيد من العمال، والتخزين غير السليم للمواد القابلة للاشتعال، واستخدام السراديب لأغراض غير مصرحة…الخ. لكن، حتى الآن، لم يصدر بيان رسمي يشير إلى أي محاولات حقيقية لمعالجة التحديات والسياسات العمرانية الأساسية، ناهيك عن الإشارة إلى نظام الكفالة.  

وبرغم وجوة القوانين التي تفرض عقوبات على انتهاكات الإسكان والسلامة، إلا أن نهج الحكومة المتبع هو تحويل العواقب على العمال المهاجرين وتوجيه اللوم لهم بدلاً عن مسائلة أصحاب العمل ووكلاء العقارات. فبعد مرور أقل من أسبوع على حادث الحريق المأساوي، أعلنت الحكومة أنها سوق تقوم بإخلاء وترحيل العمال الذين يعيشون في مساكن تخرق قوانين السلامة. وأصبح الترحيل بمعدل غير مسبوق لـ 100 مهاجر يومياً خلال السنة الماضية، هو النموذج المتبع للتعامل مع التحديات المعقدة في مجال الاتجار بالبشر وتجارة التأشيرات، في الكويت. في أعقاب انتهاء فترة عفو مدتها ثلاثة شهور، أطلقت السلطات حملة تفتيش وترحيل جديدة، تستهدف العمال من أصحاب الإقامة غير النظامية. ومع ذلك، فإن الاتجاه لترحيل العمال بسبب أوضاع سكنهم يجعلهم يتحملون عبء حقوقهم الحمائية المنقوصة من جهة، وقلق المخاطرة بفقدان مصدر رزقهم، من جهة أخرى. 

وبذلك فإن السلطة أعطت الأولوية للتدابير السريعة على حساب الإصلاح الفعلي، وبالتحديد معالجة نظام الكفالة من جذوره. وفي هذه الأثناء، وجد أصحاب العقارات أصحاب العمل أنه من الكافي إرسال رسائل روتينية شكلية متعلقة بالسلامة، ممررين بذلك العبء الأكبر عن كاهلهم إلى الساكنين في العقارات والعمال. كما أن هذه التدابير تتجاوز حلول بناءة بشكل أكبر مثل تسهيل الوصول للرعاية الصحية والتوعية بشأن السلامة، تحسين الإسكان، أو الاستثناء القانوني من قانون الخصوصية للمفتشين العماليين. 

مهتلكة بشكل ممنهج

تعتبر سلامة الإسكان أبعد من أن تكون هي القضية الوحيدة التي يتم فيها تجاهل احتياجات وما يمر به المهاجرون من تجارب فيها. فعندما تفشت جائحة كوفيد 19، تلقاها البعض بترحيب الممتن كظرف يتساوى في ظله الجميع. فالفيروس لا يهتم بلون بشرة من يصاب به، ولا بجواز سفره، ولا بأجره الشهري. لكن الدراسات أظهرت أن الإصابات بالفيروس أدت إلى زيادة كبيرة في أعداد الوفيات بسبب المرض بين غير المواطنين مقارنة بالمواطنين الكويتيين. وعند مقارنة الزيادة في نسبة الوفيات عن المعدلات “الطبيعية”، وُجد أن نسبة الزيادة بلغت 32٫4٪ بين الكويتيين، مقارنة بنسبة زيادة بلغت 71٫9٪ عن معدلات الوفاة الطبيعية بين غير الكويتيين. 

لقد كان للفشل في مراعاة الفروقات في الإسكان والبيئة الحضرية عند تطبيق الحظر الجزئي والإغلاق الكلي، أيضا تأثيراته المتفاوتة على المجموعتين (المواطنون وغير المواطنين) – إذ أدى لتسريع وزيادة انتقال المرض بين غير المواطنين. وعندما توافرت اللقاحات، وجد العمال المهاجرون أنفسهم في نهاية طابور الانتظار، فقد اختارت الحكومة إعطاء أولوية الحصول عليه بناء على الجنسية لا على الحاجة الطبية. مع الإشارة إلى أنه تم تسهيل سبل الحصول على التطعيم من خلال أصحاب العمل الراغبين في العودة إلى مستويات إنتاجية ما قبل الكوفيد، وليس مباشرة من قبل وزارة الصحة. 

ويشار إلى أن الكويت قامت بتمديد ساعات الحظر للعمل الخارجي (من 11 صباحاً إلى 4 مساءً خلال الأشهر من يونيو حتى أغسطس) لتشمل سائقي التوصيل بالدراجات النارية. وبرغم هذه اللوائح، إلا أن العمال المهاجرين الذين يشكلون غالبية العاملين في مناطق خارجية، مثل قطاع الانشاءات والزراعة، يواجهون بالفعل وبمعدلات أعلى مخاطر الوفاة المرتبطة من الإجهاد الحراري.  وبسبب عدم قدرتها على تلبية الزيادة في استخدام الكهرباء خلال درجات الحرارة القصوى في الصيف، لجأت الكويت الى القطع المجدول للكهرباء خلال ساعات الذروة بسبب عدم قدرة محطات توليد الكهرباء في البلاد على تلبية الطلب. وفي حين يستطيع الأثرياء توفير مولدات الكهرباء والمحولات لمواجهة انقطاعات الكهرباء، إلا أنه بالتأكيد ليس خياراً بالنسبة للعمال المهاجرين الذين يعيشون في المساكن المكتظة التي توفرها الشركات لهم. وعلاوة على ذلك، فإن ساعات الذروة تتزامن مع ساعات الحظر خلال فترة الظهيرة التي غالباً ما يعود خلالها العمال إلى أماكن إقامتهم حيث يضطرون للبقاء في غرف مزدحمة، لا تتوفر فيها التهوية الكافية، والتي سخنت خلال الفترة الصباحية ولا تتوفر الطاقة لتشغيل المكيفات وتبريدها. كما يواجه العمال الذين يطبخون طعامهم خطر تلف هذا الطعام بسبب انقطاع الكهرباء عن الثلاجات. 

وتستمر القصة أدناه

تسليط الضوء على حياة المهاجرين

تم التطرق كثيراً للتحديات التي يواجهها العمال المهاجرين في ظل نظام الكفالة. لكن بالنسبة لمن هم في السلطة – الحكومة وأصحاب العمل على السواء – يبقى العمال مجرد موارد بشرية يجب إدارتها.

نشرت مجموعة NBTC على حسابها في الإنستغرام في 15 يونيو 2024، نعياً للأشخاص الذين قضوا في الحريق، معلنة عن دعم مالي لعائلات المتوفين، وقطعت وعداً بالتعاون مع السلطات المحلية. إلا أن هذا البيان لم يعترف بأي شكل لمسئولية محتملة على الشركة، ناهيك عن أيه تدابير تقوم بها لحماية سلامة عمالها في المستقبل. وفي مواقع أخرى، رفضت قيادة NBTC أية مسئولية بشكل قاطع، وأنكرت وجود أيه أماكن مكتظة في السكن المنكوب. 

من جانبها أعلنت قوة الإطفاء الكويتية عن خطط لطرح آلية ربط أنظمة إنذار الحريق في المباني بالقيادة المركزية للقوة، بهدف تسريع الاستجابة لحالات الطوارئ. ولم يتضح بعد متى وكيف سيتم تطبيق مثل هذه الآلية. 

ومع ذلك، فمن سلامة الإسكان إلى التغيّر المناخي، يتطلب الإصلاح الحقيقي في الكويت، نهجاً لإدارة المدن يعترف ويحمي حقوق فئات المجتمع الأكثر أهمية والأكثر تهميشا في الوقت نفسه ليتمكنوا من العيش بسلامة وكرامة. يتطلب الأمر تفكيكاً جدياً وعملياً لسياسة البلاد في إدارة الهجرة والعمال أي نظام الكفالة. كما أن المسئولين وصناع القرار بحاجة للتعامل مع العمال المهاجرين كشركاء وكجزء من المجتمع (حتى وإن لم يكن لهم حق الانتخاب)، وليس اعتبارهم، بالكاد، ضحايا، أو ما هو أسوأ من ذلك حين يتم اعتبارهم تهديداً للأمن، وبحاجة لحشرهم في مساكن عمالية معزولة جغرافياً. إن فهم أكبر من قبل السلطات الحكومية وأصحاب العمل، قد يعالج أخيراً الكثير من التحديات المتداخلة التي يواجهها العمال بشكل يومي. 

في مارس 2024، وقّعت بلدية الكويت على اتفاق يتم بموجبه بناء مجمع جديد مكون من 16 مبنى في منطقة صبحان، يتسع لسكن نحو 3000 آلاف عامل مهاجر. وتعد خطة الإنشاء بإقامة مجمع تجاري، ومقاهي، وخدمات ترفيه، ومكاتب حكومية وعدد من المرافق المتاحة للجميع. إلا أن «مدن عمالية» من هذا النوع، وبرغم أن دوافع إقامتها، الظاهرة هي الرغبة في تحسين أوضاع العمال، إلا أنها تعمل أساساً على عزل العمال المهاجرين وتطويق منطقتهم عن باقي سكان البلاد. هذه المدن لا توفر السلامة أو الكرامة. 

في نهاية الأمر، سيتضح مع الوقت ما إذا كانت هذه الأحداث الأخيرة قد أدت إلى أيه إصلاحات ملموسة ودائمة. فحقيقة أن السلطات لم تتحرك لتطبيق لوائح السلامة من الحريق، إلا بعد خسارة العديد من الأرواح، يجعلنا نتوقف هنا. هل نقدّر حياة الأشخاص الأكثر ضعفاً فقط عندما تسجى بقاياهم المتفحمة في التوابيت؟ هل تنكسر قلوبنا فقط عندما نعلم بوجود الأهل والأزواج والأبناء الثكلى؟ هل نرفع صوتنا بالحديث عن حقوق العمال لمجرد تقليل مسئوليتنا وحفظ ماء الوجه؟ إن حريق المنقف ليس دعوة للتنبيه، لكنها شهادة على الفشل الجماعي والمنهجي في معاملة حياة جميع البشر على قدم المساواة. ومالم تتم معالجة هذا الظلم وعدم المساواة بشكل حقيقي، فليس من المتوقع أن يكون هناك الكثير مما يمكن تغييره.

 

تصوير: سكن عمال NBTC قبل الحريق، من خرائط غوغل