قدم عدد من أعضاء البرلمان البحريني مقترحاً لتعليق نظام مكافأة نهاية الخدمة الجديد الذي يُلزم أصحاب العمل في القطاع الخاص بدفع اشتراكات لنهاية الخدمة في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.
وبرر النواب مقترحهم بأن النظام الجديد يشكّل عبئاً مالياً كبيراً على الشركات خصوصاً الصغيرة ومتناهية الصغير، التي تشكل الغالبية العظمى من الشركات في البحرين. كما انتقدوا أيضا عدم التشاور مع غرفة تجارة وصناعة البحرين قبل تطبيق النظام.
وما يثير الاستغراب أن هذا الاعتراض يتناقض مع التصريحات الحكومية السابقة التي أكدت بأن النظام الجديد من شأنه أن يخفف الأعباء المالية التي يتحملها أصحاب العمل باستبدال تحملهم المبالغ الإجمالية التي تدفع مرة واحدة في نهاية العقد، باشتراكات شهرية يسهل توفيرها. ويعكس هذا الجدل الدائر، مشاكل نطاقها أوسع تتعلق بعدم امتثال الشركات في البحرين بدفع مستحقات نهاية الخدمة للعمال.
وبدأت الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، في مارس 2024، تطبيق القرار رقم 109 لعام 2023 بتحصيل اشتراكات شهرية من أصحاب العمل في القطاع الخاص الذين يُؤمَّن عمال شركاتهم تحت مظلة الهيئة. ويتم صرف هذه الاشتراكات بشكل مباشر للعمال في نهاية فترة الخدمة. وتعتبر البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تدير فيها الحكومة عملية تحصيل وصرف مكافأة نهاية الخدمة للعمال – الإصلاح الذي وصفته منظمة العمل الدولية بأنه «نقلة نوعية في تعزيز حقوق العمال المهاجري».
وفي ظل النظام الجديد، يُلزم صاحب العمل بالمساهمة بدفع 4٬2٪ من قيمة أجر العامل المهاجر للسنوات الثلاث الأولى، ثم ترتفع هذه النسبة للسنوات التالية إلى 8٬4٪. أما أصحاب العمل الذين أكمل عمالهم أكثر من 3 سنوات قبل مارس 2024، فهم يخضعون فوراً للاشتراك بنسبة 8٬4٪. ويظل أصحاب العمل مسئولين عن دفع المكافآت المستحقة عن فترات الخدمة السابقة لتطبيق النظام الجديد.
ومنذ أن طُبّق النظام الجديد عبّر العديد من أصحاب العمل والمشرعين عن اعتراضهم على تطبيقه مستندين على أنه فاقم الصعوبات المالية التي تعاني منها الشركات أصلاً. وبعد تطبيق النظام الجديد قال النائب البرلماني محمد المعرفي أنه «سيتسبب في أضرار كارثية للقطاع التجاري وسيقود إلى انكماش في السيولة المالية». وقال إن مبررات زيادة أموال التأمين الاجتماعي تأتي على حساب القطاع التجاري. وفي هذا السياق تقدم النائب المعرفي بمقترح لتعديل قانون العمل يسمح بتحديد مكافأة نهاية الخدمة للعمال المهاجرين من خلال اتفاق الطرفين في عقد العمل.
وأدت هذه المخاوف في نهاية الأمر، إلى اتجاه المشرعين لاقتراح مشروع بقانون لوقف النظام كلياً. لكن ما يغفله هذا الجدل الدائر هو استمرار مواجهة العمال المهاجرين، حتى في ظل النظام الجديد، صعوبات في الحصول على مستحقاتهم لنهاية الخدمة.
ثغرات النظام الجديد لمكافأة نهاية الخدمة
في حين أنه من الممكن النظر لخطوة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي فيما يتعلق بتحصيل وصرف مكافأة نهاية الخدمة بشكل مباشر للعمال، على أنه أمر إيجابي – خصوصاً مع العلم أن عدد محدود من الشركات هي التي تخصص مبالغ للوفاء بالتزاماتها، مما يتسبب في عودة كثير من العمال إلى أوطانهم دون استلام مستحقاتهم – إلا أن الوصول إلى هذه المستحقات يعتبر تحدياً حقيقيا. فكثير من العمال خصوصا من ذوي الدخول المتدنية، يفتقرون إلى الوعي بحقوقهم، ويواجهون صعوبات في استخدام منصة هيئة التأمين الاجتماعي مما يجعل حصولهم على مستحقاتهم صعباً. خصوصاً إذا لم يتسنَ لهم الحصول على مساعدة خارجية.
وتحتاج المطالبة بمكافأة نهاية الخدمة في ظل النظام الجديد أن يقدم العمال المهاجرين طلباً عبر الانترنت من خلال منصة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي المتوفرة باللغتين العربية والانجليزية فقط. وللدخول على النظام، لابد من الحصول على «المفتاح الالكتروني المتقدم» - وهو مفتاح تحقق رقمي يمكن الحصول عليه فقط من مراكز الخدمة الالكترونية من خلال الهوية الشخصية والتحقق من البصمات. وعند الحصول على المفتاح الالكتروني ودخول النظام، يتوجب على العمال تحديث رقم الحساب المصرفي الدولي IBAN قبل تقديم استمارة طلب تحت فئة « علاوة نهاية الخدمة لغير البحرينيين». وهذه العملية صعبة لكثير من العمال من ذوي الدخول المتدنية الذين يعانون أصلا من قلة الوعي، وحواجز اللغة والأمية الرقمية.
وقال أحد القائمين بشئون جاليات المهاجرين في البحرين لـMigrant-Right.Org، إنهم تسلموا خلال الشهور الأخيرة عددا من الشكاوى من مهاجرين من ذوي الدخول المتدنية يبحثون عن مساعدة لاسترداد جزء من مستحقاتهم لنهاية الخدمة من الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي. وأشار إلى أن بعض الحالات تلقت مساعدة من قبل إدارات الموارد البشرية، للمطالبة بمستحقاتهم لنهاية الخدمة لكن عندما لا تقدم هذه الإدارات أي دعم – أو أن تكون غير موجودة أصلا – يتُرك العمال ليخوضوا عملية الدخول على النظام وحدهم دون مساعدة.
ومن المشكلات المهمة التي تواجه تطبيق النظام الجديد لمكافأة نهاية الخدمة، هو أن احتساب قيمة الاشتراك وصرف المستحقات فيما بعد، كلاهما يعتمدان على العقد الموقع مع الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي والذي يقدمه صاحب العمل بشكل منفرد. وفي كثير من الحالات لا يعكس هذا العقد المسجل لدى الهيئة الأجر والشروط التي تم الاتفاق عليها فعلاً، أو التي يتوجب دفعها. مع العلم أن استبدال العقود هو ممارسة شائعة في البحرين، حتى قبل صدور نظام المكافأة الجديد. فكثير من أصحاب العمل يقومون بتسجيل عقود تتضمن أجور وعلاوات أقل من أجل دفع اشتراكات أقل مثل تلك الخاصة بإصابات العمل والبطالة. ويواجه نظام حماية الأجور مشكلة مشابهة، إذ يعتمد تسجيل أجور العمال على ما يقدمه صاحب العمل وحده وهو ما يمكن التلاعب به.
وبرغم أن العمال المهاجرين بإمكانهم رفع دعوى في حق صاحب العمل لاستبدال عقودهم، إلا أن المشكلة تكمن في عدم علم العمال بالأمر إلا في نهاية فترة خدمتهم. وعندئذ يكون من الصعب عليهم البقاء لرفع دعوى والمطالبة بحقوقهم، كما أن مثل هذه القضايا تتطلب موارد باهظه، مثل تكليف محام، وهو أمر يتجاوز قدرة كثيرين من العمال المهاجرين. بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع العمال الذين يصبح وضعهم غير قانوني بسبب إجراءات يتخذها صاحب العمل – مثل تقديم بلاغ هروب كاذب – الحصول على مستحقات نهاية الخدمة إذ يعتبرون مخالفين لقوانين العمل والهجرة.
وبرغم أن أحكام قانون العمل الحالي المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة تنطبق على عمالة المنازل، إلا نظام مكافأة الخدمة الجديد لا يشملهم. وما يجدر ذكره هنا، أن الغالبية العظمى من العمال المنزليين في البحرين لا يتسلمون مكافآت أو مستحقات نهاية الخدمة
لطالما دعت الحكومة وعدد من منظمات المجتمع المدني إلى مد مظلة التأمين الاجتماعي لتشمل عمالة المنازل مما لن يحقق لهم حماية حقوقهم فحسب، وإنما سيسهم أيضا في تعزيز الوضع المالي للهيئة. وتعتبر شفافية الجانب الحكومي أمراً بالغ الأهمية لتوضيح حجم اشتراكات أصحاب العمل عن عمالهم المهاجرين في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وكذلك ما إذا كان العمال المهاجرين – أو عائلاتهم في حالة الإصابة بإعاقة أو الوفاة – يتسلمون مستحقاتهم عن نهاية الخدمة. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة إذا ما أخذت في الاعتبار القضايا السابقة المتعلقة بلوائح الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي مثل صندوق التعطل حيث كان العمال المهاجرون وأصحاب العمل يساهمون باشتراكات لكنهم لم يحصلوا على أية تعويضات في المقابل.
وتبدو معارضة الشركات والمشرعين للنظام الجديد والدعوة للعودة إلى السابق – حيث كان أصحاب العمل وحدهم مسئولون عن دفع مبلغاً من المال في نهاية فترة خدمة للعمال المهاجرين دون اشراف من الحكومة – ذريعة للسماح لأصحاب العمل بالتهرب من التزاماتهم تجاه العمال. وفي الواقع العمال، حتى مع وجود النظام الجديد، لا يزال العمال المهاجرون يعانون في سبيل الحصول على مستحقاتهم لنهاية الخدمة. ويتوجب على الحكومة البحرينية ضمان حصول جميع العمال المهاجرين على مطالباتهم والحصول على كافة مستحقاتهم قبل تغيير وظيفتهم أو العودة إلى أوطانهم.
وفي حين يمثل النظام الجديد تحسناً، إلا أنه ينطوي على تحذير أيضا، فانتقال المسئولية إلى الحكومة لتحصيل وصرف مستحقات نهاية الخدمة لا يعني بالضرورة أن العمال سيحصلون على كافة حقوقهم، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد نقل العملية إلى سيطرة الحكومة، مثل وضع ضمانات على عدالة التنفيذ لضمان تحقق هدف حماية حقوق العمال المهاجرين.