الترحيل بدل الرعاية: الكويت تفشل في الاستجابة لمتطلبات الصحة العقلية والانتحار بين العمال المهاجرين
تشهد الكويت ارتفاعاً في الوفيات انتحاراً، ومحاولات الانتحار، وتقوم السلطات بترحيل الناجين من محاولات الانتحار بشكل سريع ووضعهم على القائمة السوداء المحظورة من الدخول مرة أخرى الى الكويت. وتعكس هذه الحوادث نظاماً راسخاً من التهميش الاجتماعي والاقتصادي مما يؤثر سلباً على الصحة العقلية والجسدية للمهاجرين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المهاجرين من ذوي الدخول المحدودة محرومون من الرعاية الصحية النفسية اللازمة للتعامل مع تبعات خضوعهم لنظام الكفالة، من ضغوطات وقلق من عدم اليقين.
ارتفاع في حالات الانتحار بين العمال المهاجرين
شهدت الكويت خلال الأسابيع الأخيرة، سلسلة من حالات الانتحار، غالبيتها من العمال المهاجرين من ذوي الدخول المتدنية. وتحدثت تقارير إعلامية محلية في مطلع أبريل عن انتحار مهاجر آسيوي (40 عاما) وآخر من بلد عربي لم يُكشف عنه. وكلاهما وُجدا مشنوقين في مكان إقامتهم. وبعد ذلك عُثر على عاملين مهاجرين آخرين متوفيين في ظروف مشابهة.
وشهد جسر الشيخ جابر، المعروف محلياً بأنه جسر الانتحار، عدداً من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار منذ إنشائه في 2019. وفي 2 أبريل 2025، حاول رجل هندي الجنسية الانتحار بالقفز من أعلى الجسر لكنه أُوقف من قبل خفر السواحل. وتم القبض عليه، والتحقيق معه، ليتم ترحيله في نهاية الأمر ووضع اسمه على القائمة السوداء المحظورة من دخول الكويت مرة أخرى مدى الحياة. وبعد أسبوع، نُقل عامل مهاجر يعمل في مزرعة في العبدلي، إلى المستشفى بعد تناوله محلول تنظيف في محاولة للانتحار. وذكرت وزارة الداخلية أنه سيتم رفع قضية سترفع ضده فور تحسن حالته.
وتشهد منطقة العبدلي البعيدة والواقعة في شمال الكويت على مقربة من الحدود مع العراق، حالات انتحار ملفتة بين عمال الزراعة المهاجرين. ويعاني كثير من المهاجرين العاملين فيها من العزلة ومن ظروف العمل القاسية، التي دفعت كثيرين للانتحار.
وربما لا تغطي التقارير الإعلامية كل حادثة انتحار، لكن صرح مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية، عيد العويهان، إن الشهور التسعة الأولى من العام الماضي شهدت 74 حالة انتحار، غالبيهم من المهاجرين.
مع العلم أن عدد من حالات الانتحار تم التدخل فيها وأُنقذ المتورطون فيها من المهاجرين قبل إيذاء أنفسهم، ولكن تم بعد ذلك احتجازهم وترحيلهم من قبل السلطات بدل من تقديم الدعم النفسي الذي يحتاجونه بشكل سريع ، أو التحقيق في الظروف التي قادت إلى ذلك.
ويشار إلى أن قانون العقوبات الكويتي يجرم محاولات الانتحار. وبحسب المادة 158 فإنه يعاقب من يحرّض، أو يساعد، أو يحاول الانتحار، بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، و/أو بغرامة لا تتجاوز 250 دينار كويتي. وبموجب المادة 79 من قانون العقوبات، فإنه يخول القاضي بالأمر بترحيل أي أجنبي يتم القبض عليه أو يصدر بحق حكم من المحكمة.
وأثار موقف الكويت من محاولات الانتحار انتقادات من بعض شرائح المجتمع الكويتي. ففي 2021، اعتبر الدكتور فواز الخطيب، الأستاذ في معهد القانون الدولي في الكويت، أن محاولات الانتحار هذه ناجمة عن تعرض ضحاياها لظروف نفسية، وحث وزارة الداخلية على تحمل مسئوليتها القانونية بدلا من «تجريم» من يحاولون الانتحار بترحيلهم. وشدد على ضرورة إحالة هؤلاء الضحايا إلى التقييم والعلاج الطبي والنفسي، بما يتماشى مع قانون الصحة النفسية لسنة 2019.
إن تجريم الانتحار – والميل للتعامل معه على أنه حوادث فردية معزولة عما يحيط بها، يعيق الجهود الجادة الرامية لفهم، والتحقيق، ومعالجة الضغوطات النفسية والاكتئاب التي ربما قادت إلى مثل هذه الأفعال. وهذا لا يعني أن جميع حالات الانتحار ناتجة عن أوضاع اجتماعية هشة يقع تحت عبئها المهاجرون في الكويت، فالانتحار ظاهرة ومعقدة وتتداخل فيها عوامل كثيرة. ومع ذلك فإن النهج العقابي الذي تتخذه الحكومة يتجاهل البنى الاستغلالية في سوق العمل ونظام الهجرة والتي من شأنها دفع من ينضوون تحتها إلى حافة اليأس، مثل عاملات المنازل اللاتي يُحتجزن في منازل خاصة وتتعرضن للإساءة، أو العمال الذين يعانون من سرقة أجورهم. وفي 2022، رحّلت الكويت 13 مهاجر تركي ممن هددوا بالانتحار بعد شهور من عدم استلام أجورهم.
وفي حين أن البحث في مجال الصحة النفسية للعمال في الخليج لا يزال محدوداً، إلا أن مقالاً أكاديمياً حول أنماط الانتحار في الكويت، كشف عن أن أغلب حالات الانتحار سُجلت بين المهاجرين، وأكثرهم عمال حرفيون أو عاملات منازل ينتمون لخلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية. وتعتبر أوضاع عاملات المنازل المقيمات هي الأكثر هشاشة بسبب وضع العزلة والإساءات التي يتعرضن لها. وخلصت دراسة حول عاملات المنازل في مستشفيات الكويت إلى «أن عاملات المنازل يصبن باضطرابات عقلية بمعدل مرتين إلى خمس مرات أكثر من الإناث المواطنات»، وأن أكثر الأسباب شيوعاً وراء دخولهن لمستشفى الأمراض النفسية، هو «رد فعل شديد للضغط النفسي».
في 2017، صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، تقريراً يشير إلى أن عاملات المنازل اللاتي حاولن الفرار بالقفز من المباني في الكويت، غالباً ما يتم تسجيل فرارهن من قبل السلطات على أنه « محاولات للانتحار». وأجرت المنظمة مقابلات مع 8 نساء ممن صنفن رسمياً كذلك، لكنها ذكرت أنهن حاولن الهرب من أصحاب عمل مسيئين أو أنهن دفعن إلى ذلك. ولم يساءل أصحاب العمل في أي من هذه الحالات بسبب الظروف لديهم والتي قادت إلى تلك الحوادث.
إهمال مقصود في الرعاية
برغم أن المهاجرين يشكلون غالبية سكان الكويت – وأيضا أغلب حالات الانتحار – إلا أنه لا توجد سوى خطوط ساخنة محدودة متاحه على مدار الساعة باللغات المختلفة التي تتحدثها مجتمعات المهاجرين في الكويت.
ولا يزال الوصول إلى الرعاية النفسية بكلفة مناسبة، تأخذ في اعتبارها الثقافات واللغات المختلفة محدوداً بالنسبة للمهاجرين في الكويت. وبرغم أن الكويت توسعت في تقديم الرعاية النفسية في المراكز الصحية العامة في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الخدمات متوفرة باللغتين العربية والإنجليزية فقط، مما يستثني كثير من المهاجرين.
بالإضافة إلى ذلك، يتجنب كثير من المهاجرين طلب الرعاية الصحية النفسية في المراكز الصحية الحكومية، خوفاً من أن يتم الإبلاغ عنهم لدى السطات وأن يتم ترحيلهم بعد ذلك – وهو خوف في محله. ففي 2022، دعا النائب البرلماني، بدر الحميدي، لترحيل المهاجرين من المسجلين في سجلات في مستشفيات الطب النفسي، زاعماً أنهم يشكلون «تهديداً لأمن وسلامة المجتمع».
في 2023، ذكرت وسائل الاعلام المحلية إن وزارتي الداخلية والصحة في الكويت أعلنتا خططاً، بناء على طلب برلماني، لإلغاء تصاريح إقامة الأجانب الذي يتلقون علاجاً في المستشفيات النفسية، ومتابعة إجراءات ترحيلهم. وذكر التقرير أن وزارة الصحة أعدت قائمة بأسماء المرضى وصنفتهم بحسب شدة حالتهم. وبالنسبة لعاملات المنازل، اللاتي يعتبر تلقيهن للرعاية الصحية النفسية مرهون بموافقة صاحب عملهم، فإن إصابتهن بأزمة صحية عقلية أو دخولهن مستشفى الأمراض النفسية يعني غالباً أنهم سيُرحلن إثر ذلك بتذكرة غير مرجعة إلى أوطانهن.
وبرغم أهمية دعم مطالبات المتخصصين في الصحة النفسية للمزيد من الوعي وتوسعة المجال لحصول المهاجرين على الاستشارات وعلى الرعاية الصحية النفسية التي تأخذ في اعتبارها الخلفيات الثقافية لمتلقيها من العمال المهاجرين، إلا أنه من المهم في الوقت نفسه الإدراك أن حالات الانتحار هذه ليس حوادث فردية أو أنها تتم بمعزل عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والبيئة الاستغلالية الأوسع التي يواجهها الكثيرين من ذوي الدخول المتدنية في الكويت. ولا بد من أن يأخذ أي نقد للانتحار بين المهاجرين في الكويت وفي الخليج، في اعتباره أن يتم تناول التفاوت الكبير الذي يسود هذه المجتمعات – والأوضاع التي لا تحد من القدرة على الوصول إلى الدعم فحسب، وإنما أيضا تدفع الكثير من المهاجرين إلى حافة اليأس.
من المهم أيضاً الاعتراف بوجود عدم توافق بين تقديم خدمات الرعاية الصحية النفسية وهيكلية الهجرة العمالية في الكويت وفي دول الخليج المحيطة. فهذه الهياكل صممت على استبعاد المهاجرين ممن يطلق عليهم اسم «المضطربون عقلياً» وكذلك «غير المؤهلين للعمل» بسبب الحالة النفسية. ويتضح هذا التوجه الاقصائي في تصريحات لمسئولين كويتيين يدعون لفحوصات أكثر تشديداً للتأكد من «سلامة صحة العمال النفسية»، وكذلك في تصميم أنظمة الفحص الطبي في دول الخليج، بما يمنع إعطاء تصاريح الإقامة أو إعادة الدخول لمن يعانون من حالات صحية قد تؤثر على قدرتهم على العمل.