الأعمال التجارية وحقوق الإنسان
الكينيون يتعرضون لابتزاز ووعود كاذبة في سبيل توظيفهم في قطر ودول الخليج الأخرى
تعرضت الحكومة الكينية، مؤخراً، لانتقادات شديدة بسبب اتهامات واجهتها بشأن تورطها في عملية احتيال تتعلق بآلاف الأشخاص من الباحثين عن وظائف. وفي كينيا، أفرزت الظروف الاقتصادية الصعبة بطالة بمعدل 12٬7٪ بين فئة الشباب العمرية ما بين 15 و34 عاما والذين يشكلون 35٪ من السكان، مما دعا الحكومة الى اتخاذ تدابير يائسة تسمح للقطاع الخاص بالعمل في السوق بدون رقابة ومحاسبة. والأسوأ من ذلك استغلال دول المقصد لهذا الوضع البائس دون رقابة من دولة المنشأ. ويبدو أن الشروط والأحكام السارية على حملة توظيف كبرى لدى شركة قطرية، تحديداً، تنتهك قانون قطر الذي يحظر فرض رسوم على العمال المهاجرين.

اليوم الأول من حملة التوظيف في مركز كينيا الدولي للمؤتمرات في نيروبي تحت إشراف وزير العمل، ألفريد موتوا. مصدر الصورة: صفحة الوزير على فيسبوك.
وبحسب وزير العمل الكيني، د. ألفريد موتوا، فإن التوصية باختيار الشركة جاء مباشرة من نظرائهم القطريين. حيث التقى وزيري العمل – القطري علي بن صميخ المري والكيني موتوا – في نيروبي، واتفقا على تعديل اتفاقية العمل بين البلدين، وخلق أكثر من 200,000 فرصة عمل لعمال كينيين من أصحاب المهارات.
وبعد الاتفاق بوقت قصير، أعلنت الحكومة الكينية عن توافر 3000 فرصة عمل في قطر، ونظمت وزارة العمل عدة حملات توظيف للشباب الكينيين. وكانت الأعمال المطروحة مبدئيا في قطاعات الضيافة، والانشاءات، والرعاية الصحية، والزراعة. ومؤخراً، قامت الحكومة بتوظيف كينيين/صوماليين يتحدثون العربية للعمل في مؤسسات إنفاذ القانون القطري.
ومع تزايد حالات الاستغلال المالي وسوء الإدارة، تثار الأسئلة بشأن دور السلطات الكينية والقطرية في تسهيل مثل هذه الممارسات، التي تؤدي الى معاناة الآلاف من العمال الكينيين من الديون بسبب جهة وعدم اليقين من جهة أخرى.
ورفض الوزير الكيني الكشف عن اسم شركة التوظيف، وذلك عندما حوصر بالأسئلة خلال لقاء تلفزيوني في اليوم التالي من إطلاق حملة التوظيف. وزعم (29:15) أنهم يتعاملون مع شركة قدمها لهم وزير العمل القطري، و«أن هذه الشركة لا تدفع رسوم وكالة … لا تدفع رسوماً وكالة (ويقول) سنقوم أساسا بتوفير فرص عمل لشعبكم، لكننا لا ندفع أي رسوم للوكالات. ليقم الناس باستكمال معاملاتهم وجلبهم لنا وسوف نهتم [بأمرهم]. وزعم موتوا أن شركة عملاقة (تريليونية القيمة) لم يكشف عن اسمها راضية عن التوظيف حتى الآن، وقد تزيد حصة الكينيين من التوظيف بنسبة 20٪ إلى 10٫000 وظيفة. وأضاف: «إنها شركة عملاقة تضم تحت مظلتها شركات إدارة فنادق، وإنشاءات، ورعاية صحية وخدمات زراعية. وللشركة أعمال في الجزائر، وقطر، والسعودية، ودبي لكن مقرها الرئيسي في قطر. وهي شركة تصل قيمتها إلى عدة تريليونات من الدولارات، ولديها طاقة لاستيعاب 65,000 وظيفة».
ورغم انتشار تقارير الفساد في التوظيف والممارسات الإدارية غير الأخلاقية لدى طرفي العلاقة الكينية/القطرية، إلا أن المسئولين الحكوميين في كلا الطرفين يتعاملون مع هذه الظاهرة وكأنها أمر طبيعي. ومع أن القانون القطري يحظر فرض رسوم توظيف على العمال، إلا أن موتوا قال: «لا يؤمن القطريون بتحمل كلفة العامل بنسبة 100٪، فإذا لم يدفع العامل شيئاً لن يكون لديه ما يخسره، وسيرغب بالعودة إلى بلاده بعد ثلاثة شهور». ووفق قوله فإنهم (ليس واضحاً هنا إن كان يشير إلى الشركة أو الحكومة) لن يدفعوا لكل شيء، وإنما فقط للتكاليف الكبيرة مثل تذاكر السفر، والإقامة، والطعام، بينما سيتوجب على العمال تحمل تكاليف الفحوصات الطبية، والتأشيرات والرسوم الأخرى [21:07]. هذا التصريح أدلى به الوزير ما يدل على اتفاقه مع ما جاء فيه. وهو ما يؤكده التحقيق السابق الذي أعدته MR حول الاحتيال في التوظيف.
«لا يؤمن القطريون بتحمل كلفة العامل بنسبة 100٪، فإذا لم يدفع العامل شيئاً لن يكون لديه ما يخسره، وسيرغب بالعودة إلى بلاده بعد ثلاثة شهور»
الوعود مقابل ممارسات الواقع
أوضح الوزير الكيني في المقابلة التلفزيونية نفسها أن الشركة القطرية لم تقدم رسوماً لوكالات التوظيف، مما يدفع الوكالات لفرض رسوماً عالية على العمال، واعتبر هذا كأنه التبرير لتدخل الحكومة المباشر في عملية التوظيف، وذلك من أجل طمأنة المواطنين بأن عملية التوظيف تتم بشفافية وخالية من الفساد. وحظيت المبادرة بالترحيب واعتبارها فرصة لتأمين وظائف للكينييين في الخارج دون دفع مبالغ ضخمة من المال لوكالات التوظيف. ولأن التواصل كان مباشر مع مسئولين معينين من قبل الحكومة، اعتبر الباحثون عن عمل أن عروض العمل مشروعة. وقال الوزير «لقد أخذت على عاتقتي مسئولية تسيير المشروع كممثل للحكومة الكينية حتى لا يكون هناك أي رسوم للوكالات، ولن يكون هناك أي خداع، ذلك لأن العمل الذي نقوم به كانت الوكالات ستفرض مقابله رسوما قدرها 200,000 شيلنغ، كما تعرف، حتى يتمكن الوكلاء من استداد أموالهم […]. لذلك فأنا أريدهم أن يعلموا أن هذا العمل لا ينطوي على رسوم للوكالات.
كان لتدخل الوزير المباشر والعلني أثر في جعل المبادرة تبدو وكأنها اتفاق رسمي بين حكومتين على حملات للتوظيف، كاتفاقية كينيا وبريطانيا، التي وإن شابتها بعض العيوب، إلا أنها وفّرت مستوى من الحماية للعمال. إلا أن حقيقة الأمر كما اتضحت فيما بعد، هي أن الوزير كان، فقط، يقوم بتسهيل عملية التوظيف من خلال وكالات خاصة، يحمل الكثير منها سجلات تتضمن فرض رسوم باهظة، وكذلك قضايا فساد، واستبدال العقود. وكانت الشركة القطرية قد أوصت بتعيين الشركة الكينية التي نظمت حملة التوظيف الأولى، بينما دققت الحكومة الكينية في التوصية واعتمدت الشركة فيما بعد.
في يوم التوظيف، 25 أكتوبر 2024، توافد إلى مركز كينيا الدولي للمؤتمرات آلاف الكينيين الراغبين في الحصول على فرصة عمل- البعض قضى الليل نائماً بالقرب من البوابة ليكون أول من يدخل عند فتح الأبواب. ومع حلول الساعة 4 مساء، كانت جميع الوظائف في قطاع الخدمات قد امتلأت. وأجريت مقابلات عمل للممرضات والسواقين في اليوم التالي. وكان الحضور كبير جداً وتصدر العناوين العريضة في الاعلام، مما أثار قلق مقاطعات أخرى بسبب استبعادها من البرنامج. وردا على ذلك، أعلنت الحكومة عن خططها لمبادرة أخرى على مستوى أوسع.
أولئك الذين تمكنوا من الوصول لحملة التوظيف في نيروبي كانوا على موعد مع صدمة قاسية. فقد علمت هيلاري، وجابيث، وهيلين أن عليهن دفع عمولات من أجل ضمان وظائفهم بعد وقوفهن في الطابور لساعات طويلة في انتظار إجراء المقابلات معهن: «قيل لنا أن التقديم مجاني، والآن بعد أن استيقظنا باكراً وانتظرنا في الطابور واجتزنا المقابلات، يقال لنا أن علينا دفع 230,000 شيلنغ كيني (1770 دولار أمريكي)، من أجل وظيفة أمن يبلغ راتبها الشهري 70,000 شيلنغ كيني (595 دولار أمريكي). وإذا لم يكن لديك المال، يسارعون اقتراح الحصول على قرض مصرفي حيث يتم إيداع المبلغ مباشرة في الحساب المصرفي لوكالة التوظيف».
قالت هيلاري واتشيرا من ليكيبيا، كينيا لـ Migrant-Rights وقد بدت عليها خيبة أمل واضحة: «إنها عملية احتيال صريحة». وهيلاري باحثة عن عمل جاءت من ليكيبيا التي تبعد عن نيروبي 185 كيلومتر (حوالي 5 ساعات بالسيارة)، وتحملت ليلة باردة قضتها في نيروبي لكي تتمكن من الحصول على فرصة لإجراء مقابلة للعمل في صباح اليوم التالي. لكنها صدمت بأن «المقابلة قصيرة جداً، كما أنهم لم يطلعوا على مؤهلاتي».
وتحدث مسئول من وزارة العمل في نيروبي لـ MR اشترط عدم ذكر اسمه، موضحاً أن هذه المبادرة ليست اتفاقاً بين الحكومات. وأن الوزارة تقوم فقط بتسهيل دور الوكلاء من القطاع الخاص في التوظيف.
بعد أسبوعين من أول حملة توظيف، قدمت وزارة العمل الكينية خطة جديدة للتوظيف الجماعي في 20 من أصل 47 مقاطعة كينية. وهذه المرة تستهدف الحملة 20,000 شخص من الباحثين عن عمل في دول الخليج، وأوروبا، وأمريكا. وتشمل الوظائف المطروحة عاملات منازل، ومنظفي سيارات، عمال نظافة، وندل للمطاعم، وحراس أمن. وعلى عكس الحملة الأولى فقد قام بالإجراءات في الحملة وكالات توظيف من القطاع الخاص بشكل مباشر، حيث أوكلت اليها مهمة تسهيل عملية التوظيف – وهي نفسها الوكالات التي انتقدها الوزير في المرة السابقة – ومن جانبها قامت الحكومة بتسهيل تقديم القروض لمساعدة الباحثين عن عمل في تغطية تكاليف رسوم وكالات التوظيف».
قالت هيلاري نيجيري، وهي إحدى المتقدمات للحصول على فرصة عمل في حملة ناكورو: «ما فشل الوزير في توضيحه منذ البداية، هو أن هناك رسوم لإتمام إجراءات الطلب». وأضافت «البعض منا لم ينته بعد من قرض الدراسة، ليس لدينا أي مال لندفعه في مقابل الحصول على وظيفة». ولم تكن الرسوم متوقعة في حملة التوظيف الأولى. فلم يعرف المتقدمون إلا بعد اجتياز المقابلات وتأهلهم للوظيفة، أن عليهم تحمل بعض التكاليف مثل رسوم الجوازات والتأشيرات، والفحوصات الطبية، وعمولة وكالة التوظيف التي تراوح ما بين 150,000 400,000 شيلنغ كيني.
وتحدث مسئول من وزارة العمل في نيروبي لـ MR اشترط عدم ذكر اسمه، موضحاً أن هذه المبادرة ليست اتفاقاً بين الحكومات. وأن الوزارة تقوم فقط بتسهيل دور الوكلاء من القطاع الخاص في التوظيف. وتم توظيف الكينيين الباحثين عن عمل من خلال مكاتب توظيف مختلفة ممن لديها تأشيرات صادرة لقطر. ويقول: «نحن (وزارة العمل) وفرنا لهم منصة ليقوموا بعملية التوظيف بشكل عادل. وقد ساهمنا في توديعهم في المطار بشكل رسمي، وتأكدنا من سلامة وثائقهم. نحن لا نريد لهم أن يكونوا ضحايا الاتجار بالبشر. نحن كوزارة عمل نسهل عمل وكالات التوظيف الخاصة، بتسريع عملية استصدار الجوازات وإصار شهادات حسن السيرة والسلوك، لكن أصحاب عملية التوظيف هم وكالات القطاع الخاص.
مخاطر عبودية الدين
الأغرب من كل ذلك، أن الوزير عقد اتفاقات مسبقة مع البنوك ومؤسسات التمويل متناهية الصغر لتقديم قروض للمتقدمين الذين اجتازوا المقابلات. وتواصلت MR مع ثلاثة من البنوك للاستفسار عن هذه القروض. سمح بنك KCB للمرشحين الحاصلين على عروض عمل بالتقدم للحصول على قروض. والوثائق المطلوبة لذلك هي وثيقة قرار التوظيف من وكيل التوظيف، نسخة من الجواز، خطاب موافقة من ولي الأمر أو أحد الوالدين. سند أو دليل على الملكية لقطعة أرض. واستمارات ضمان تحمل توقيع الضامنين، ومن ثم يصرف البنك القرض بناء على التقرير الائتماني لطالب القرض. ويبلغ الحد الأقصى للقرض 650٬000 شيلنغ كيني (5٫036 دولار أمريكي). واعتاد بنك KCB على تقديم هذا القرض للبحارة الذين يحتاجون المال للحصول على وثائق البحارة، لكنه الآن توسع في تقديم هذه القروض للراغبين في الهجرة للعمل في الخليج. وعلم الذين اختاروا التقدم بطلب القرض، أن المال المُقترض سيودع مباشرة في حساب وكيل التوظيف.
كما صرح موتوا أن ترتيبات قد أجريت مع جهات حكومية، وأن إدارات الهجرة والتحقيقات الجنائية سوف تسرّع، بشكل أكثر من المعتاد، عملية إصدار شهادات حسن السيرة والسلوك وكذلك جوازات السفر.
وخلال حملة التوظيف في ناكورو، الواقعة على بعد عدة مئات من الكيلومترات من العاصمة نيروبي، أقيمت جولة توظيف أخرى في معهد وادي ريفت للعلوم والتكنولوجيا. وأصيب المتقدمون وأغلبهم من الطلبة، بصدمة عندما علموا أن الوظائف المطروحة ليست مجانية كما أعلن عنها في السابق. فقد طُلب منهم الاقتراض لتمويل العمولات. ويقول جافيث جيسورا، أحد الباحثين عن عمل: «إذا أرادت الحكومة ممارسة التجارة، عليها أن تكون صادقة وصريحة، فلا فرق بين الذهاب إلى وكيل توظيف أو المجيء إلى هذه الحملة، لأن الإجراءات هي نفسها. ومن يدري، ربما كانت وكالات التوظيف هذه تعود لأحد كبار السياسيين المتطلعين لجني المال من هذه العملية». قال جيسورا أن الوظيفة أعطيت له دون الاطلاع على مؤهلاته. ويقول: «كل ما طُلب مني هو دفع عمولة، والراتب المفترض قيمته 60٬000 شيلنغ كيني، لكن قيمة العمولة 250٬000 شيلنغ كيني لعقد مدته عامان. حتى وإن ذهبت للعمل في الخارج، فهل سأبعث المال لعائلتي أم سأسدد قرض الحكومة؟». وكان الوزير حاضراً أثناء حملة التوظيف وقال إن من لا يوافق على الترتيبات بإمكانه المغادرة.
ولم يتمكن سوي عدد قليل من الذين حضروا يوم التوظيف ودفعوا الرسم الباهظة من السفر إلى قطر. رافقهم الوزير إلى المطار، والتقط الصور معهم وتمنى لهم سلامة السفر. لكن كثيرين منهم انتهي بهم الأمر بدون وظائف. أهد هؤلاء الباحثين عن عمل، جيمي موتوا، أخبر MR «أن من أجروا المقابلات معهم اختفوا، وتلقى فيما بعد اتصالاً وطُلب منه توقيع عرض عمل في العراق براتب 41٬000 شيلنغ كيني، وأن يحمل معه عمولة قدرها 55,000 شيلنغ كيني. وأحمد الله أنني تمكنت من استعادة جواز سفري في مكان اسمه (شاي هاوس) في شارع كويننج، فمئات إن لم يكن آلاف من الجوازات التي جمعها من أجروا المقابلات لا تزال مبعثرة على الأرض هناك».
يقول آخرون، مثل فايل أوماندو، الذي قطع 800 كيلومتر لإجراء المقابلة، إنه فقد جواز سفره، ولا أحد يتحمل مسئولية ذلك. وزعم عدد من الباحثين عن عمل في مقطع تيل توك، نشر مؤخراً، أنهم جزء من مجموعة يبلغ عدد أفرادها 300 شخص، تعرضوا للاحتيال بعد المشاركة في حملات التوظيف التي أقيمت في ديسمبر 2024. يقولون إنهم اجتازوا المقابلة ودفعوا 55,000 شيلنغ كيني كجزء من عمولة [إجمالي العمولات بلغ 16,500,000 شيلنغ كيني أو 127,660.5 دولار أمريكي] بعد التوقيع على خطاب عرض العمل، وتركوا جوازات سفرهم عند وكيل التوظيف. وثق هؤلاء في العملية لأن الحكومة كانت طرفاً فيها وأقرّتها. وأكدت لهم الوكالة التي عُرِّفت فقط باسم (مالو)، بأن تأشيراتهم ستكون جاهزة خلال 14 يوماً. ومنذ تقديمهم الشكوى للحكومة، لم يتلقوا أي دعم، وكل ما حصلوا عليه هو طلب الوزارة منهم تشكيل مجموعة واتساب حتى يتم التواصل معهم بسهولة عند التوصل إلى حل. ويقولون: «عندما توجهنا إلى وزارة العمل لتقديم شكوى ضد وكالة التوظيف، قالت الوزارة إن شركة (مالو) تحاول تخريب المشروع. وأضافت أيضاً أن على المرشحين الانتظار، لكن إلى متى…».