لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

أزمة كوفيد 19 تغذي الخطاب العنصري أكثر تجاه العمال المهاجرين في الخليج

في 9 أبريل 2020

تعتبر العنصرية ضد العمال المهاجرين سمة قديمة العهد في الخطاب العام في دول الخليج، إلا أن المشاعر السلبية تجاه الأجانب تصاعدت مع تفشى كوفيد 19، وارتفعت دعوات شعبية لترحيل العمال المهاجرين وعزلهم.  

ويتجاهل هذا الخطاب حقيقة أن العمال المهاجرين يتأثرون، بشكل غير متناسب بالأثر الاقتصادي لتفشي الفيروس، وكذلك جميع من يعمل في الصفوف الأمامية لمحاربة كوفيد 19 من عمال نظافة وأيضا طواقم الرعاية الصحية المحترفين.

إلقاء الضوء على الكويت والبحرين 

وفي حين أن تحقير المهاجرين يعتبر تصرفاً شائعاً في منطقة الخليج، إلا أن الامر في الكويت، تحديداً، يعتبر أكثر حدة ووضوحاً. ويشار للعمال المهاجرين بالسوء من قبل النقاد والمسئولين الحكوميين، مثل النائبة البرلمانية صفاء الهاشم التي تعظّمها وسائل الإعلام المحلية ولا تجرؤ على انتقادها. وكانت صفاء الهاشم قد دعت في حديثها لصحيفة الراي لفرض قيود على جميع المناطق .التي يعيش فيها العمال المهاجرون خصوصاً حولّي، والفروانية، والسالمية، وخيطان، بالإضافة إلى جليب شيوخ. كما دعت، أيضاً، إلى ترحيل المهاجرين لـ "تطهير" البلد من العمال غير النظاميين

ولا تؤثر مثل هذه الآراء على صنع السياسات التمييزية فحسب، وإنما تؤجج أيضاً مشاعر الكراهية لدى الراي العام. ويشمل ذلك ما عبرّت بوقاحة عنه، الممثلة الكويتية المشهورة حياة الفهد. واشعلت تصريحات الفهد الأخيرة غضباً عندما دعت إلى ترحيل المهاجرين للمحافظة على أسرّة المستشفى لاستخدام الكويتيين الذين يصابون بالفيروس.

"على شنو ديارهم ما تبيهم واحنا نبتلش فيهم.. إحنا وصلنا لمرحلة إننا ملينا خلاص، اطلعهم واقطهم برا والله، واقطهم بالبر.. أكلوا الخير ولعبوا واستأنسوا بس يروحون"

وبشكل مشابه، أطلق الصحفي الكويتي، مبارك البغيلي تعليقات مسيئة ضد المهاجرين المصريين، الأمر الذي قوبل بدعوات في مصر لمنعه من دخول مصر. وقال البغيلي في تغريدته:

"لدينا 4 مليون وافد ، ومليون منهم ( مصاروة ) و 60 % من هذه العمالة لا تحتاج إليهم بلادنا وهذا ليس كلامي ، بل كلام وثيقة حكومية أكدت على ذلك العام الماضي فماذا ننتظر ؟ لنبدأ بترحيلهم إلى بلادهم، فنحن نواجه وباء وقد تستمر مواجهته طويلاً، ووجودهم سيشكل عبئاً على الدولة"

وفي البحرين، أثارت شائعات انتشار فيروس كورونا بين مجتمعات المهاجرين، ذعراً انتشر سريعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي اضطر وزارة الصحة لإصدار عدة بيانات لنفي تلك المزاعم.

وتحدث بعض المواطنين لوسائل التواصل الاجتماعي محتجين على وضع المهاجرين في المحجر الصحي الحكومي في منطقة سترة. وفي مقطع فيديو انتشر سريعاً، يشتكي مواطن بحريني:

"لقد جلبوا لنا 250 عاملاً، كما أن هناك 350 آخرين من الآسيويين سيأتون لاحقاً. لماذا لا يتم عزلهم في مساكنهم؟ إن ثقافة وعادات هؤلاء الآسيويين مختلفة عنا، إنهم لا يعرفون كيف يستخدمون دورات المياه بشكل صحيح. أرجو من السلطات أن تنظر في هذا الأمر بأسرع وقت ممكن."

وبحسب التقارير، فإن العمال الذين كانوا في المحجر تم نقلهم إلى محجر آخر في المنطقة نفسها. 

وتؤثر المواقف العامة بشكل سلبي على السياسات التي هي في الأصل تمييزية، حيث يتم حجر العمال في مساكنهم العمالية المكتظة والتي تفتقر لمعايير الوقاية فهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. وارتفع عدد العمال المهاجرين الذين كانت فحوصاتهم إيجابية في أحد المساكن العمالية المعزولة التي تعود لشركة مجموعة مقاولات المؤيد، من إصابتين مؤكدتين قبل عدة أسابيع إلى 66 حالة الآن.

ومن المعهم الإشارة هنا إلى أن خطابات الكراهية تنتشر على نطاق واسع، إلا أنها لا تمر دون الرد عليها. فالكثير من المواطنين يرفضون العنصرية ويقومون بتصحيح الأكاذيب المنطوية عليها. فعلى سبيل المثال، غرّدت الدكتورة وفاء السيد رداً على تصاعد التعليقات العنصرية:

"هل هناك أحقر من التخلي عن فئة اجتماعية عمرت بلادنا وجعلت أسلوب حياتنا مرفه فوق الحاجة في وقت الشدة؟ هل هناك أحقر من التفكير بطرد هذه الفئة وعدم التفكير بدورنا في هذا النظام الاقتصادي الذي جعل من مساكنهم سجونا ومن تأشيراتهم تجارة ومن رواتبهم عطية لا حق كسبوه بعرق جبينهم؟"

 العمال المهاجرون المنسيون في الصفوف الأمامية لمكافحة كوفيد 19

يتغاضى كل من صانعوا السياسات والخطابات حقيقة أن قطاع الخدمات الصحية في المنطقة يعتمد على العمالة المهاجرة. وقالت إحدى ممرضات وحدة العناية القصوى، والتي تطوّعت للعمل في حملة مكافحة كوفيد19 البحرينية، لـ"Migrant-Rights.org" أن الممرضات المهاجرات لا يحصلن على بدل مخاطر أو تعويضات. 

وقالت الممرضة:" إن العاملين في الرعاية الصحية لمكافحة فيروس كرونا، من البحرينيات يحصلن على تعويضات، ولكننا لا نحصل حتى على بدلات المخاطر نظير المخاطرة بأنفسنا في هذا المجال. كما أننا لا نشعر بالتقدير، فإذا نظرت إلى حساب انستغرام لوزارة الصحة فكل من تراهم في الصور المنشورة هم المحليين العاملين في القطاع الصحي" 

ويذكر هنا أن ممرضتين من الهند ، في البحرين ثبتت إصابتهما بفيروس كورونا. وتشكل المهاجرات حوالي نصف الممرضات العاملين في القطاع الصحي الحكومي. وتزيد هذه النسبة في القطاع الخاص. 

"أبطال المجتمع" حملة وزارة الصحة السعودية تتجاهل عمال الرعاية الصحية المهاجرين

وبحسب وزارة الصحة السعودية فإن 40% من الممرضات اللاتي توظفهن وزارة الصحة هم من المهاجرات، وأن 95% من مرضات القطاع الصحي الخاص أيضاً من المهاجرات. 

أما الكويت فقد سجلت أعلى نسبة من العمالة المهاجرة في قطاع الخدمات الصحية العام في 2018. ولم تزد نسبة الكويتيين المسجلين كموظفين في وزارة الصحة عن 4% ممرض وممرضة. 

وشاركت إحدى الشخصيات المشهورة في الكويت ممن تأكدت إصابتها بكوفيد 19 ما قالته في شأن العمالة المهاجرة في القطاع الصحي للرد على الخطاب السلبي. وانتقدت نجيبة حياة في مقطع فيديو صفاء الهاشم وجميع من قاموا باستغلال الأزمة لإثارة مشاعر الكراهية ضد العمال المهاجرين. 

"أنا راح اتكلم عن تجربتي في هذا الجناح لمدة 18 يوم. كل الدكاتره، كل النرسات (ممرضات) و كل الي ينظفون (عمال النظافة)،كلهم، مو كويتيين بس عمال الوافده ( المهاجرة)، الي صفاء الهاشم تكره من كل قلبها."

أنهم العمال المهاجرة الذي يعرضون أنفسهم لخطر يومي من أجلنا... وأضافت أن على المسئولين أن ينتبهوا لما يقولونه قبل استخدام كلمات مثل "التطهير". 

ممرضات مهاجرات تم إرسالهم إلى المساكن المعزولة للحجر الصحي في جليب شيوخ. مصدر الصورة: القبس

ولا يقتصر الأمر على العاملين في القطاع الصحي في كونهم غير مرئيين وفي الوقت نفسه لا غنى عنهم، فلولا استمرار العمالة المهاجرة في العمل في قطاعات التوصيل والتنظيف والبناء والصناعات الغذائية لكانت اقتصادات الخليج قد توقفت تماماً في هذا الوقت. 

وفي حين شجعت الحكومات الخليجية مواطنيها، وهي على حق في ذلك، على العمل عن بعد، كما حثت المواطنين على استخداما تطبيقات التوصيل الالكتروني بدلا من التسوق شخصياً من المحلات، إلا أن طبيعة عمل الكثير من المهاجرين لا توفر لهم امتياز العمل من المنزل. وإذا ما أخذنا في الاعتبار خضوع هؤلاء لنظام الكفالة الذي يجعلهم معتمدين بشكل كبير على صاحب العمل، فإن يفتقرون حتى القدرة على التعبير عن مخاوفهم بشأن تدابير الوقاية أو رفض أوامر العمل وإن كان فيها تحدٍ لسياسات وتوصيات الحكومة. 

معيشة العمالة المهاجرة تتأثر بشكل غير عادل (متناسب) بأزمة كوفيد 19

استثنت السياسات وحزم التحفيز الهادفة لتقليل الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا، العمالة المهاجرة إلى حد كبير. وعلى سبيل المثال، أوقفت بعض دول الخليج رسوم استصدار تصاريح العمل التي تدفعها الشركات، وجمّدت الإيجارات ومدفوعات القروض. وفي حين أن هذه المساعدات للشركات سيكون تأثيرها محدوداً على العمال المهاجرين الذين يعملون لديها، فإنه لا يوجد ضماناً بأن يواصل العمال، وغالبيتهم ليس بإمكانهم العودة إلى أوطانهم حتى لو رغبوا في ذلك، استلام رواتبهم أو أن يتم الدعم بشكل كافٍ لضمان ذلك. 

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه في الوقت الذي تعهدت فيه حكومتي البحرين والسعودية بتغطية أجور مواطنيها بشكل مؤقت، فلم تبذل أية جهود لدعم العديد من المهاجرين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم أو طلب منهم البقاء في منازلهم بدون أجر أو تم تخفيض رواتبهم. 

وفي البحرين، قال عامل كاميروني يعمل في شركة الحراسة الأمنية لMigrant-Rights.org:" مضى أكثر من شهر منذ أن توقفنا عن العمل، ولم نتسلم رواتبنا منذ يناير الماضي... وأبلغتنا الشركة أن نبقى في المنزل حتى إشعار آخر، ولا يزودوننا بالمواد الغذائية، كما أن علينا أن نوفر ما يؤمن معيشتنا".

وأكد أحد العاملين في التطوع الاجتماعي على مخاوف الامن الغذائي قائلاً: “كنا في السابق نتلقى اتصالات من مهاجرين يشكون من الخلافات العمالية وعدم دفع الأجور، لكننا حالياً وغالباً ما نتلقى اتصالات من المهاجرين يطلبون المواد الغذائية". 

أشخاص قابلون للاستغناء عنهم 

في وقت الأزمات، تتفاقم العنصرية والتمييز المتأصل في نظام الهجرة الخليجي. وبرغم من أهمية العمالة المهاجرة لاقتصادات المنطقة ولتسيير الحياة اليومية بالنسبة للأفراد الاسر المواطنة، إلا أن نظام الكفالة يأتي ليؤكد دائماً عدم انتمائهم للمجتمع. ولا يوجد لدى الدول الخليجية أي التزام نحو هؤلاء لسبب اعتبارهم عمالة مؤقتة سواء قضوا في هذه الدول عامين أو 30 عاماً. وأدى الاستبعاد الاجتماعي الواضح وأيضا العزل المكاني للعمال من ذوي الأجور المنخفضة إلى أن أغلب السكان لا يعدونهم جزء من مجتمعهم. وبذلك، فإن العمال المهاجرين لا يتم استثنائهم من تدابير الحماية الاجتماعية فحسب وإنما يكونون هم أول من يتم التضحية بهم وقت حدوث الأزمات.